ذات الوجه الطويل – بقلم : مصطفى طاهري علوي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
أنفاسخميساتك معلقة بالصدر
بخيط رفيع من الصوف
وخمسة الوان تطفو على السطح
في اناء شفاف
تتباري
وانت من البيت الى مقهى الشمس، ومن الشمس الى البيت، وان شئت فلتتسكع في وجه مولاتك الطويل، عيون كثيرة ستنظر اليك، ستحصي خطواتك، تعرف من انت ، من ايت اتيت، وفيما تفكر، متى تنام ومتى تصحو، لونك المفضل، فاكهتك، المشتهاة، كم عمرك ،عدد اسنانك المتبقية، قميصك البني، حداؤك الرمادي... و... أشياؤك الأخرى....
مولاتك نائمة بين جبلين، تغط في سباتها، ولا تستفيق الا اذا نادى المنادي للسهر، ساعتها تهز بجذعها، فتنط فسيفساء وجهها طربا ويرتعش نصبها.
وحده وجهها الطويل لا ينام، نصبه ممدود الى السماء دون حياء، أخته التوأم على الجانب الأيمن غير بعيد، وانت في طريقك الى سرتها الملونة، تفتح حضنها للريح، لتملأ صدرك بالريح ان شئت ولتذهب اليها، ستجد حولها وجوها ممدة، تطحن كلام الأمس، وتنتظر رمش العين، دربها سبعا تر عجبا...
كل المساحيق لوجهها الطويل، كل الأصباغ وكل الألوان...
تجمل، قيل له، مد شكلك الممشوق، تضمخ بالعطر والشذى، ارفل في ابهى الحلل، واحك للعابرين عن الجمال والبهاء، عن محاسن مولاتك الثلاثة : النصب الممدود الى السماء دون حياء، مخابئ اليمام الذي لم يأت بعد، والقرود التي تتناسل في الأقفاص، فاحك، احك عن العبقرية والعيون التي لا تنام...
وانت يا صاحبي ، يا من لا يسكت عن الكلام الغير المباح، احذر ان سرحت عن وجهها الطويل، وتهت هنا وهناك، ان تمد عينك في أي مكان، فالفخاخ منصوبة حتى في الهواء، وان ابتعدت قليلا وكان الليل وأعمدة الأضواء انطفأت مصابيحها، ورأيت شمعة تحترق في العراء فتلك هي، تأكل ذاتها وتستحم في الرماد، ووجهها في صالة العرض يبدو من خلف نعشها الزجاجي مهيأ للكرنفال...
في تلك الليلة بالذات، خرجت من قوقعتك، نفخت برودتك في الهواء ، ورميت بترددك في اناء من طين وقلت :
لا بد من رسم مخطط للحركة.
وقبل ان يسيل الحبر من ظفرك، وترسم العلامة الأولى، سقط منك سهوا قلمك، ورغما عنك سقط فكرك، فجلست عند موضع قدميها تحت شجرة زيتون، تحفر قبرا لسمكة ميتة، لم تكن ميتة، كانت نائمة تحلم بجدول بين شجرتين وطريق الى البحر...
ديكور متنقل :
ثم ان رجالا شدادا غلاظا، قرروا تشريف مولاتك بزيارتها في عقر دارها، وكما تعرف يا صاحبي، فسيذكرون اعمالها الجليلة، وما أسدته للبلد ايام المحنة الكبرى، سيترحمون على ابنائها الشهداء، ثم يأكلون ويشربون ويقهقهون...
فأقم الأصفر الدنيا، استدعى الحلاقين والحلاقات، وكل من لديه رأي في الديكور والتزيين، لمعوا اسنانها، قوموا اعوجاج شفتها السفلى، نظفوا اظفارها، رطبوا شعرها...
ولما انتهوا ونظرا اليها الأصفر، اطمأن قلبه وعاد لوجهه بعض الاحمرار.
قال لك مقدم الحي ليلتها : ستكون غدا باكرا، عند باب وجه مولاتك في الاستقبال، انت واهلك الكبار والصغار.
انتصبتم عل طول الطريق المؤدي الى وجهها، كان الوقت يمر، والشمس تتحرك نحو قبة السماء، كان ابنك الرضيع يلهث كجرو، ابنتك تبكي وزوجتك المريضة بالربو، توشك ان تختنق، تراجعت الى الوراء، زوجتك تستند عليك، ابنك بين يديك، ابنتك تتمسك بثيابك...
نظرت حولك، فتراءت لك شجرة زيتون.
قلت : نستظل الى ان يصلوا او يؤذن لنا بالانصراف.
اسرعت الخطى نحو الشجرة، فأتاك صوت من داخلها :
احذر، لا تقترب أكثر!
تسمرت في مكانك ثم قلت : لو تسمحين ايتها الشجرة.
قاطعتك : لا لا تقترب اكثر ارجوك، قد اسقط اللحظة.
فغرت فاك عجبا فأضافت :
اعذرني، ما انا هنا لما ترغب فيه، انا هنا مثلك واقفة للتزيين فقط.
قلت متسائلا : كيف؟ كيف ايتها المباركة ؟
قالت : انتزعونا البارحة أنا وأخوات أخريات، وقد أتوا بي أنا الى هنا : حفروا حفرة كالقبر، ادخلوا جذعي ثم شدوني بالحبال والأوتاد الى ان جفت الأرض من حولي فأزالوا حبالهم وأوتادهم.
قلت : لن تكون هذه الا فكرة الأصفر.
وأطل عليك من عين مولاتك اليمنى بوجه انثوي مصفر الشفتين بحوصلة طائر البجع.
خاطبك : انت طويل اللسان، كم تريد؟
قلت مقهقها : في لساني؟!
صاح : في لسانك، في عمرك، في عائلتك، كم تريد؟
قلت : قبل ذلك اسالك!
لم يتكلم / فقلت: اتعرف ان ابناءها حضروا البارحة حين كنت تحت برج ايفل تدخن سيجارك الثامن؟
لم يرد، فأضفت : وانهم ضبطوا في جيبها ظفرك؟
أحنى رأسه وتابعت : وأنك دون جيبها لا شيء؟
وسقط القناع، فرأيت شكلا من شمع اصفر ينساب تحت ذقن مولاتك: عند القنطرة الواصلة بين الجيب واليد، تشكل افعى بقرنين والوقت صار ظهيرة، وفي البدء كان كذلك، يوم السباق للجلوس عن أرائكه الوثيرة...
في ذلك اليوم :
في ذلك اليوم، قيل لا بد ان يكون، وحدد تاريخ ميلاده قبل ان يولد فأزاحوا انفها الشامخ، وبنوا لهم برجا للمراقبة، ثم تساءلوا :
هل يكون الأول؟
قال قائل من اهله : لن يكون الا الأصفر.
مازلت تذكر، خرجتم الواحد تلو الاخر، في كل جيب نصف ورقة، النصف الاخر مقابل الأخرى، وفي كل يد حلوى، وكان في الانتظار ممددا تحت خصلة من شعر مولاتك، يحادث في السياسة والتاريخ والاقتصاد ومستقبل الشعوب، اوصاكم خيرا بلونه، ووعدكم بتلطيف الهواء من الغلاء، وعلف كثير لبهائمكم.
سؤال غير متوقع :
اذكر يا صاحبي ثلاثة اسماء وشمت صدر مولاتك بالطين ...
ملاحظة :
ان عرفت واحدا فقط، فقد مررت بوجهها مرور العابرين.
ان عرفت اثنين فقد لامست اضلاعها البارزة.
وان توصلت لمعرفة الثلاثة فقد رأيتها في عريها التام.
وان لم تتوصل الى شيء، فالجواب في خيوط تلك الرقعة التي تنسجها بأهذاب عينيها الذابلتين.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة