الغجرية تشهد موكبها الجنائزي ـ نص :بوجمليــن مصطفـى

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
ANFASSEحدائق روحي لوحات زمردية تشع بألوان رمادية تترنح بها حكايا الحسناء الغجرية التي تسرب سرها المكنون إلى مدائني البلورية فأمست تمخر على عباب البوح وتنشد سمفونية القدر التي مطلعها :   
ترانيم أحلامي زفرات سكرى بكؤوس السلاف
وورود العمر حبلى بزخات القطر والعفــاف 
وبعد إنهائها لمقطوعتها التراجيدية استشعرت – فعلا – جراحات هاته الدرة المتلألئة التي أبهرتني بثوبها البلنسي الآسر ، وجعلتني أمعن نظري لهذه الأمسية الباكية بعبرات ظلت تهوي على أرصفة مهجتي فأمست صفراء شاحبة بعد أن كانت موردة مزهرة .
ساءلت الفؤاد عنها وشرايين الوصل تخزن مآذن بوحي ، وحينها انتصبت جاثما وقطع الذهول المحرقة تمطرني وكأنني بليلة دهماء تهاوت كواكبها .
لم لا وقد ارتسم في خيالي طيفها المتوهج ، حيث أبصرتها بجوامع قرطبة العتيقة والتحايا تلقى عليها من لدن جمع لم يتوان للحظة في مساءلتها ومصاحبتها في حلها وارتحالها معا ، فأحاديثها الحسان تنعش النفوس وترتفع لها الهامات والرؤوس وثوبها الأنيق يبهر القيام والجلوس .
وبعد هذا المشهد ألفيتها بأزقة بغداد والجمع يلهث خلفها في رغبة جامحة منهم لحضورها مجالس الملوك وقصورها لما رأوا فيها حسنا وروعة ولطف حديث .
وبذلك شعرت بتوالد الأبعاد من أبعاد لذكرى عهودها المشرقة والتي طرزت فصولها بتبر العسجد وأحكم نسيجها بخيوط حريرية ونمقت جدارياتها بقطع بلورية نفيسة .
لن أعاتب دمعها المدرار الذي تنفضه جمانا على أرصفة المدينة وقد كانت برياض ماتعة ينعم بها الأهل والأصحاب والولدان ، واليوم أضحت بين أنياب مدينة ضروس  لا تجد في جوها الصفاء ولا في ألسنة أهلها سمفونيتها الرائقة العذبة سوى أصوات دخيلة عرجاء طمست تراتيل أصواتها الشجية الصداحة . 
من حقها أن تبكي حاضرا تناسى مجالسها الجميلة يوم أن أضحى صداها يحلق بقصور بغداد والحمراء ، وعندها يحاكم الحذاق والنبهاء ، كيف لا وقد أبصروها عطاء  فياضا ورحيقا مصفى .       

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة