ثمن الصلح – قصة : خالد الخراز

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
anfasse.orgيوقظني صراخ الجيران من قيلولتي ، أقوم ساخطا أوزع الشتائم ذات اليمين والشمال .. أتوجه إلى الحمام ، أغسل وجهي ، الجو حار جدا والزقاق فارغ إلا من صراخ جاري وزوجته .. لقد احترفا معا إفساد قيلولتي ، مر يومان وهما على هذه الحال ، صراخ وشجار في وقت القيلولة بالضبط .. ولكن يبدو أن اليوم أقسى من اليومين السابقين فلهجتهما أشد عنفا وقسوة ، الزقاق فارغ إلا من بعض الرؤوس المتلصصة من النوافذ و من خلف الأبواب تتابع أطوار المباراة الكلامية بين الزوج وزوجته ، أنزل درجات البيت وأتوجه إلى باب جاري وأنا أبحث عن الكلمات المناسبة ولكنها تتبعثر حالما يفتح بابه ، وجهه أحمر قان وعروق عنقه بارزة ، لاشك أنها تكاد تنفجر من شدة الصراخ:
               ـ لعنوا الشيطان أسي محمد ، راه حشومة هادشي ، راكم ماباقيينش صغار
              ـ أسيدي الشيطان الله يلعنو ويخزيه ، ولكن هاد لوليا غادي تخرج لي عقلي
يجلس على عتبة بيته وكأنه وجد فرصة لهدنة مؤقتة ، ولكن زوجته اندفعت كموجة هادرة من داخل البيت
             ـ أنا اللي غادي نخرج ليك عقلك؟؟؟
            ـ أدخلي الله يدخلك لجهنم !
يقوم من مكانه ويلحق بها إلى الداخل ، وتعود المعركة من جديد سب وشتم وأنا واقف مكاني حائرا فيما يجب أن أفعله .. ما كنت متأكدا منه هو أن قيلولتي ضاعت لغير رجعة ، وسأعاني من ألم في رأسي هذا المساء .. أتقدم خطوات داخل البيت وأنادي جاري :
          ـ أسي محمد الله يهديكم ، لعنوا الشيطان
يعود جاري مجددا وهو يسعل ، لا شك أن حلقه قد جف من شدة الصراخ .. يعود إلى مكانه على عتبة البيت
         ـ أسيدي الله يهديك ، علاش هادشي كلشي ، راح الصلح مزيان
        ـ الصلح ؟ مع هذه ؟؟؟
يتقدم بعض الجيران ويقفون قربي فأحس ببعض الارتياح وقدر أكبر من الشجاعة ، وشرع كل في تهدئة الزوج ، ولكن كلما ذكر زوجته إلا وردت عليه من الداخل ، كانا كقط وفأر .. مضت ساعة ولم نستطع أن نفهم أصل المشكل ، كل ما هناك سب وسب مضاد ، ومختلف النعوت والأوصاف ، كنت أفكر كيف لمن يحملان كل هذا الغل والحقد ، ولكل من أطلقا هذا الكم من الشتائم المتبادلة أن يعيشا بعد ذلك تحت سقف واحد  ... وبعد نقاش مستفيض وتهدئة ، نتوصل إلى أصل المشكل ، الزوجة تريد زيارة أمها المريضة فورا والزوج بحكم التزامات عمله يقترح أن تنتظره إلى آخر الأسبوع ، بينما تصر الزوجة على السفر فورا ريثما يلحق بها
        ـ ما فيها باس أسي محمد إلى سافرات وحدها حتى تلحق نتا عليها
        ـ ما فيها باس ؟؟ مزيان تبارك الله !!  .. يلاه أسيدي اعطويني التيساع .. يا لله !
       ـ أسي محمد لعن الشيطان ! راه حنا بغينا غير ندخلوا بخيط أبيض بيناتكم
يقوم فجأة من مكانه .. موجها إلى لكمة فأسقط والأرض تميد بي
        ـ ما اشغل حتى واحد فيا .. بنادم هو الشيطان
أشعر بالإهانة فأقوم من مكاني وأرتمي عليه ونتبادل اللكمات والجيران يحولون بيننا ، وفجأة تهجم علي الزوجة أيضا وهي تصرخ :
       ـ خلي عليك راجلي .. آش كتسالوا؟ جوج بيناتهم وأنت مالك؟
وبعد جهد جهيد يفصل بيننا الجيران.
جرني بعضهم إلى بيتي وبعضهم الآخر جر الزوجين إلى بيتهما ، وعاد الهدوء إلى الزقاق ، أقف أمام المرآة .. قميص ممزق وبعض الكدمات في وجهي ، ثمن صلح الزوجين غريبي الأطوار ،قضيت بقية اليوم بين آلام الرأس وآلام الكدمات.
وبعد هذا الشجار ، عاش الزوجان في هدوء تام وانسجام واضح ، إلى السبت الماضي ولكن.. تلك قصة أخرى !

خالد الخراز









تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة