آمنــــة ـ قصة : حميد بن خيبش

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

abstra20" عجل بالإياب ..آمنة تحتضر ! "
ألقى السماعة من يده وحث الخطى صوب البوابة الخارجية .مستحيل ..آمنة ؟ ..الزوجة و الأم و الحبيبة.. توشك أن تفارقه ؟
ركض كالمجنون غير عابيء بالدمع المنهمر..تداعت الذكريات أمام ناظريه كشريط مسجل..
آمنة غادة الحي..ست الصبايا ..حظيت بحسني الظاهر و الباطن ..وقلما اجتمعا في صبية..كل شباب الحي  يخطبون ودها لكنها اختارته لدماثة خلقه وطيب معدنه
حلقت طيور الصفاء فوق عشهما الدافيء الصغير ..كانت آمنة نعم الزوجة الصالحة..القنوع ..وكان هو لا يألو جهدا في توفير اسباب السعادة ..رُزقا صبيين فاكتمل سفر الرضى ..مرت السنون كأنها لحظات ..شب الولدان عن طوق آمنة ..وغادرا العش صوب أحلامهما على الضفة الأخرى ..بكت آمنة أما هو فتجلد :
- هي سنة الحياة ومشيئة الرحمن !

 

غشي البيت همود ورتابة ..هو يقضي سحابة يومه في المعمل ..أما آمنة فتزجي الوقت في تطريز المناديل ..وتقليب ألبوم الصور ..ترفع بصرها بين الفينة و الأخرى لتعد ما تبقى من سويعات قبل عودته .
طرقاته الخفيفة على الباب تبدد وحشتها ..فتسرع إليه لتحضنه ..يمسح جفنيها المتورمين دمعا وشوقا إلى الغائبين .ثم يبري نبال الضحك ليصيب حزنها في مقتل !
ذات صباح شعرت آمنة بمغص شديد ..أنياب من حديد تمزق أحشاءها .. بدا للألم أن يمارس غوايته الخاصة ..فينفرد بضحاياه في ساعات الوحدة و الانكفاء على الذات ..أن يلتذ بالمباغتة في أحلك  لحظات العمر ..لم تشعر آمنة بأعراض و مقدمات كعادة من يمرضون !
قضت ليلتها تسبر غور أحلامها ..في الحقيقة لم يكن غير حلم واحد ..حلم إياب الطيور المهاجرة ..وعودة الدفء إلى العش الصغير .
تجلدت ..تحاملت على نفسها وغادرت الفراش ..لا تحب أن تراه مهموما ..تعلم جيدا أنه يواري شوقه لابنيهما خلف بسمات يوزعها في ارجاء البيت كلما عاد منهكا ..ستعد له وجبته الاثيرة و تحيك له جوارب من صوف , فالشتاء عل الابواب .
بيد أن عزيمة الألم لم تنثن ..سرعان ما شعرت آمنة مجددا بكلاليب تقتلع أحشاءها ..صرخت..حثت الخطى صوب فراشها لكن قبضة الألم اشتدت ..تناهى الى سمعها لغط الجارات قرب الباب ..أحست بخدر مريب يسري في قدميها ..هوت على الارض ثم اطبقت جفنيها تأهبا ..لحلم جديد !
لأول مرة تراه باكيا .. لم يتمالك نفسه حين أطلعه الطبيب على حقيقة الوضع ..لا أمل !..فالسرطان اللعين سرى في البدن سريان النار في هشيم يابس ..
توقف قليلا كي يستجمع أنفاسه ..ويجفف عرقه المتصبب بغزارة ثم واصل الركض ..دنا من الباب فسرت في بدنه قشعريرة غريبة ..التقط أنفاسه ثم فتح الباب ..
إن سيرة الألم غامضة حقا !.. إنه يفتح دولاب الجسد ليطارد شعلة الروح .وحين يوشك أن يلملم اسفاره يمهر صاحبه بوهج طفولي ! !
هكذا بدت آمنة وهي ..تمتطي صهوة الحلم !

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة