الرجل الأزرق – قصة : عبد العالي دمياني

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

abstraite-peintureكنت أراه في مقهى الكندي بالمدينة القديمة. وحده يجلس، يدخن دون احتباس. يتصفح جريدة تلو أخرى، ولما يشدّه موضوع يغرق فيه. أحيانا يكـلّم نفسه، لكن أغلب الوقت يتأمل المارة في سهوم.
جسده الفارع، احديداب ظهره، معطفه الأزرق الحائل، شعره المجعد المنكوش، وجهه الأسمر الكالح بأنفه الكبير وعينيه المظلمتين، أصابعه المعقوفة المسودة بسيجارتها الأبدية.. صمته العدمي... يوحي لي بالردم، بخرائب الطفولة بعد موت الوالد.
في "الكندي" اعتدت اللقاء بصلاح قبل رحيله إلى أمريكا بسبعة أعوام كافرا بالوطن والحب والسياسة. كنت أسبقه بساعة حتى أمتلىء بأشياء المكان، وأتملى في وجوه العابرين. مرة تأخرت فوجدته جالسا مع الرجل الأزرق. تركتهما وقعدت وحدي. صلاح يتكلم كأنه يشرح أما هو فينصت ووجهه ينضح بالمرارة. وحين يهم بالحديث يحرك يديه في الهواء كأنه يشير إلى أشباح تتخايل له ثم يكتفي بكلمة أو اثنتين.
قال لي صلاح : صاحبك حكاية.

معتقل سياسي سابق. خرج من تحت الأرض فوجد كل شيء تغير. الزوجة تزوجت من بائع للدجاج. الرفاق هجروا أفكارهم القديمة وآثروا السلامة والحياة الاجتماعية الوادعة. الوظيفة في التعليم ذهبت بسبب حالته النفسية. والأم ماتت. لم يفضل له إلا أخت مطلقة تعمل في البيوت لتعول إبنيها.
نظرت جهته. كان قد غاب. لكنه خلّف فيّ إحساسا لايُداوى بالهشاشة والانقضاء.

 

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة