48 ـ قصة : علي عبدوس

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse2345رن هاتفي بقوة، خاطبني صوت جهوري آمر...ضاحك... يسألني عن الأولاد والحال...والدنيا...آنست من حرارة الصوت وذبذباته شخصا  كنت  أعرفه...وخلصت في لحظة وجيزة إلى التأكد من الوجه الذي تصورته،  والصديق الذي عرفته يوما ما...ربما...
في شبه خجل وحياء من سؤال الصديق عن هويته والتأكد مما أتصور في ذهني...أحجمت عن سؤاله ...تاركا اليقين إلى حين...
بعد دردشة غير قصيرة ممزوجة ببعض المستملحات، فاجأني الصديق سائلا :
- "هل تتذكر 48؟".
- تلعثمت للسؤال المفاجئ الذي لم أستطع أن أتبين ظروفه أو أربطه بحدث من الأحداث...أو واقعة ما، وخصوصا أنني ما زلت لم أتبين هوية صديقي جيدا...

والرقم الذي سألني عنه...وعدائي مع الأرقام غريزة فطرية في تركيبتي النفسية...
انتهت المكالمة الغريبة، ووعدني صديقي بالاتصال مرة أخرى.... واللقاء في مكان معين...
بعد أيام قلائل، رن هاتفي في التوقيت نفسه...نفس الصوت اللعوب المخاتل، يسألني عن الأحوال والأولاد والدنيا...
جاريته كما سبق في المرة الأخيرة...واتفقنا على اللقاء تلك الليلة.
تهيأت للموعد المفاجأة ...
وجدت السيارة التي وصفها لي الصديق واقفة حيث أخبرني...
وقفت بمحاذاتها وسط الطريق الفارغ من المارة في تلك اللحظة...أطللت من النافذة استكشف الوجه الجالس وراء مقود السيارة...
في الحقيقة لم أتبين جيدا في الظلام هذا الوجه الذي ظننت أنني أعرفه...ولا أعرفه...حييته بيدي، رد التحية...وأومأت إليه بأنني سأركن سيارتي في مكان قريب ثم أعود...
وافق بإشارة من رأسه...وأشار لي بأن ألتحق به في المقهى المجاور مشيرا بسبابته إلى الأسفل....
وافقت بحركة من رأسي...
بحثت عن المكان المناسب لأركن سيارتي، نزلت مباشرة إلى الطابق الأرضي للمقهى؛ بحثت بعيني بين الجمع الغفير من الشباب عن الوجه الصديق الذي رأيته قبل قليل في الظلام ينتظرني...
عن طريق الاحتمال، رأيت الوجه المشابه لإدراكي جالسا في زاوية يتحدث مع شخص آخر لا أعرفه أو ربما قد رأيته يوما ما ولم أتذكر من هو بالضبط؟؟
حين أبصرني مترددا أبحث في الزحام، رفع يده اليمنى باسما وأشار لي بالاقتراب منهما...
اتجهت نحوهما مترددا مرتبكا...
قام الرجل الذي أعرفه ولا أعرفه من كرسيه، تقدم خطوات مني مهللا مرحبا:
- أهلا وسهلا، شرفتنا بحضورك يا أستاذ، لم نلتق منذ زمان..."تْوَحشْتَكْ"....
وشرع يسألني عن الأحوال والأولاد، تبعثر فكري ونتأت عيناي من فرط المفاجأة، أعرف ولا أعرف هذا الوجه...ولم أعد أتبين ماذا أفعل؟؟
قدم لي صديقه :
- الأستاذ فلان...
وسأله :
- هل تعرف الأستاذ؟
أجاب دون تردد:
- نعم، لقد التقينا يوما في مناسبة ما...
وضحك...
جلست على كرسي مع " الصديقين"، واستطردا يناقشان
بحرارة وجدية ظاهرة موضوعا غريبا لم أفهم منه شيئا...
"الحقيقة المنفعلة...المفاوضات... الكذب التقليدي... المراوغة... البحر الميت.....الحرب.
اللعب...المخابرات... الكذب الحداثي، الحرية المقيدة.. الظن...المكر...تبييض الكذب...الدهاء
الكذب السياسي...التضليل...لون البقرة...
...المناورات...التسمم...
العودة...
اللاحرية...
اللاحقيقة...
جلست لحظات حرجة في ذلك المكان الضيق المليء بالضجة والدخان ...استمع إلى حوار وتحليل  الصديقين الغريبين..
كان صديقي المزعوم يضع ملفا أزرق باردا أمامه... ويتلاعب بين أصابعه بقلم ناصع البياض... وصديقه يضع ملفا أبيض أمامه ويتلهى بقلم أزرق بارد....
أحسست بالضيق والحرج في صدري...استأذنت منهما...
- أريد أن أتنفس هواء نقيا، وأدخن سيجارة..أنتظركما فوق...
أشار لي الصديق الذي أعرفه ولا أعرفه بالقبول  قائلا :
- "48"...
ابتسمت له...وغادرت المكان الخانق ...إلى الطابق الفوقي...
طلبت قهوة سوداء من النادل، دخنت بعض السجائر وأنا أنتظر القادِمَيْن، من تحت، على مضض،  وأحسب الدقائق بعيني على الساعة الحائطية الضخمة...
"48" دقيقة بالضبط، طلع الصديقان من تحت...وجاءني الصديق الذي أعرفه ولا أعرفه حقا.... 
صافحني ضاحكا :
- " أما زلتَ هنا ؟؟ كنا نناقش السياسة ، ويبدو أنك تكرهها....وفي غنى عنها..."
حركت رأسي بالإيجاب...
- "دعامة الفعل السياسي هي الكذب...منذ الأزل..."
"أداؤنا بالخشب أو الزيتون..."
صافحني مرة ثانية  مؤكدا :" نلتقي مرة أخرى..."
جاء صديقه وصافحني ثم غادرا المقهى يحملان ملفيهما تحت إبطيهما...ويضحكان...
خرجت في الحال من المقهى مهرولا...
وجدته ينتظرني...
فتح لي باب سيارته، طالبا مني أن أركب لنتحدث...
بادرني بقوله: "48"
ركبت وكأنني في مسرحية خيالية، لم أكن أسمع ولا أعي شيئا مما كان يقوله لي أو ما كنت أرد عليه...
لست أدري كم قضينا من الوقت في الحديث عن "لست أدري ماذا... و لم أعد أفهم شيئا ..."
أصبت بدوار، أحسست بالغثيان... كدت أتقيأ في السيارة...
نزلت منها...وقد انتفخ رأسي وارتبكت قدماي ولم أقو على المسير...
وأنا شبه ثمل ...مشيت طويلا في الظلمة بمشقة...باحثا عن مخرج لأصل سيارتي...
تيقنت أنني في زمان ومكان غير مناسبين...
رددت في جنح الظلام :
" 48؟؟؟....
48؟؟؟... "
48؟؟؟....
48؟؟؟...

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة