"وردة" ـ قصة : عــــبــد الـعــــزيــز اكــرام

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

INCROYاليوم كان غريبا...يحمل في ساعاته المتتالية احلاما حقيقية، ويرسم في الذاكرة قلبا نابضا يسمو بالروح الى عالم "افلاطون" حيث الاشياء المثالية. لم يعد هناك "ديكارت" ياعزيزي احمد!! ولى فولت معه كل تلك الشكوك الفانية، التي لا تسمن ولا تغني من جوع... التي لا تسمن ولا تغني من جوع!!
اليوم وانت تطير في سماء قلبها ودفء فؤادك يداعب جفنيها...تكتشف حقا انك موجود!! انك حي ترزق!! انك عائد لتوك من مدينة الاشباح بعد معركة دموية دارت بينك وبين العدم!! فكنت انت البطل فيها!! وها انت اليوم تصنع نصرك وتعانق وجودك!! ها انت الآن تحس بالحياة لأول مرة مع "وردة"، هذه الفتاة الفاسية التي طالما بحثت عنها فوجدتها...
احمد، هذا الشاب اليافع، الصادق الأمين، صاحب قلب عظيم ولكنه فقير!! يعود لتوه من كوكب الزمان بعد بحث طويل عن "الطفولة"
- "لم تعد هذه الطفولة تعني لي شيئا، سأطلقها فورا!! لأنه في احشائها عشت آلاما وجروحا لا تضمد". هكذا قال عندما ارتطمت عيناه بعيون وردة، هذه الفتاة التي طالما ذرف الدموع من اجلها.


- "عزيزتي!! عزيزتي!! (نداها بصوت عال تتخلله دموع الحب الحارقة) كنت ابحث عنك منذ مدة، اين اختفيت؟ واين كنت كل هذه المدة؟
-"انا هنا حبيبي، في هذه الحديقة اعيش خالدة، وفي رحم الشوق والامل كنت ضائعة. في احشائي سيوف وخناجر غاضبة، وانت لازلت غائبا ونافرا عني يا من عشت من اجله هذه الحياة البائسة...فانت في القلب لازلت حيا، وفي قبو الذاكرة غدوت محنطا..."
قاطعها بشكل اضطراري محاولا تفسير سبب رحيله المفاجئ عنها الى تلك الاماكن البعيدة
- "حبيبتي، الملعون دمر القدر بيننا، لكن العظيم اعاد جمع شمل الروح المبعثرة فوق ارض الامة
وها انا عائد اليك لنعوض ما فاتنا ونعيد الروح الى حياتنا المحنطة...

...وهكذا تناجا الاثنان في صمت جنوني مثالي لاتسمع فيه لاغية...
انها "وردة" التي طالما فتش عنها!! انها تلك الوردة البيضاء التي كان يقول عنها دائما " انا هنا من اجلك، اتنفس من اجلك، ارسم المستقبل من اجلك...!!"

- "انه لشيء جميل اعادة الروح الى اشلاء ميتة ومبعثرة". هكذا قال بنفس يختلط فيه الحب والحزن بدموع السعادة.
لم يكن لأحمد اي علم بوجود وردة هنا، في هذه الحديقة المهجورة... وعندما رأى صورتها الملائكية هنا، تصرف كالمجنون
- "انت!!" قالها بصوت خافت يتخلله احساس بالدهشة
- "نعم انا. عدت بعد غيبة طويلة، ولكن انا هنا الآن في هذا المكان خالدة".
- "انه غياب اسطوري اليس كذلك؟! آخر مرة التقينا كانت في عهد آدم عندما اكل التفاحة!!"
-"عدت اليك عزيزي عدت!! انا لك وانت لي وعلاقتنا ستظل خالدة، لن تنجلي حتى لو اشتد المطر"
- "ولكن ماذا لو اكلت التفاحة!؟" قال ذلك وهو متألم من الداخل
- لا لا حبيبي لا تقلق، لن يستطيع الملعون اقتحام علاقتنا ولا كسر حبنا"
بعد هذا الحوار المصيري الرومانسي الراقي في قلب حديقة مهجورة، اطمأن بال احمد، ليكتشف ان عمرا جديدا كتب له مع وردة. ولكن" كيف احول وردة نباتية الى وردة آدمية؟! هكذا قال وهو ينظر في تلك العيون العسلية.
خاطرت في باله فكرة، وهي ان يضعها في مزهرية ويحتفظ بها في بيته، ليعيشا معا تحت سقف واحد...ولكن هذا لن يكون الا بموافقة وردة، "حفصاء الاميرة" قلب احمد النابض
-"وردة أ تقبلين بمرافقتي؟"
قالت والسعادة بدت واضحة في بسمة ملائكية مرسومة على خديها:
-" انا لك وسأرافق ملهم حياتي حتى آخر الدنيا"...

قالت "وردة" والسعادة بدت واضحة في بسمة ملائكية مرسومة على خديها:
- "انا لك!! وسأرافق ملهم حياتي حتى آخر الدنيا، لكن اريدك ان تعدني بشيء واحد يا أحمد"
-"ماهو؟ ارجوك اخبريني؟!"
-"ألا تأكل التفاحة!!"
-"اقسم بالذي جعل النار بردا وسلاما على ابراهيم ألا افعل ذلك ابدا، ولن يفرقنا سوى الموت حبيبتي، سوى الموت!!"
وبعد موافقة وردة واقتناعها باهمية العيش مع نصفها الآخر أحمد، مضى معا خلف الاشجار في درب مثالي افلاطوني رومانسي متجهين صوب بيت احمد، حيث الحنان والحب الابديين.
ها هما الآن يطلان على الشرفة، والبحر ترتطم امواجه بامواج وردة. هدوء خالد يسود في المكان، والكل هنا يدردش بلغة العين، كأن احمد ووردة خلقا لتوهما من زبد هذا البحر الهائج في صمت... لا أحد يدري من اين جاء؟! ربما من رحم افلاطون...ومن هذا كله يبدوا لي انك يا احمد "لقيط"!! ولدت نتيجة علاقة غير شرعية بين البحر والوحدة...لكن هذا كله لم يعد يعني له شيئا!! فوردة معه، ولم يعد وحيدا لانها تحبه. وستظل على الشرفة حتى لو سقطت اوراقها وولى شبابها...لكن لا تنسى ايها الزمن ان الشباب يعود مادام يأتي بعد الخريف شتاء وربيع وحياة مخضرة. اعلمي يا وردة انه من اجلك فقط قطع رحلته الوجودية الى كوكب ظل يترجاه لمدد طويلة كي يعيد اليه طفولته. هذا هو احمد يا وردة، نسي كل شيء من اجلك!! انه متيم بك حتى لوكنت مجرد نبتة راقدة ليل نهار في مزهرية....انه ببساطة يحبك!! انه يحبك!! ومن اجلك سيظل خالدا هنا على الشرفة...اعرف انك يا وردة في مكان ما تسمعين دقات قلبه!! اعلم انك تذرفين دموعا من اجله...وهذا هو الحب الحقيقي الذي يؤمن بالمعنى. اما الاشكال لن تدوم ابدا، وهذا حال كل تلك الاشياء البراقة.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة