فن الملحمة في الشعر الشعبي بالجزائر: الشيخ الشاعر محمد بن يعقوب أنموذجا - غوزي مصطفى

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

يمكن الدفاع عن المسلمة التي تُفيد بأنّ الشّعر الشعبي و الشعر الفصيح بالجزائر، في نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن عشر ين، شعر متمرد في مجمله، يرتفع إلى مستوى الشّعر الملتزم بقضايا الشعب، يدعو إلى المقاومة، وسيلة مثلى ضد المعتدي الغاصب، و الذي طوال تواجده لم ينفك من العمل بمقتضى المبدإ المشهور :"فرّق تسد" . تنخرط تجربة الشيخ الشاعر محمد بن يعقوب الفنية في هذا السياق؛ و لكن من دون إغفال أنّ الشاعر مادح للجمال بجانبيه، الحسيّ أيام الصبا و التسلي، و المنزه زمن الأفول و التواري، و بحسب إفادة حفيد الشاعر، السيّد عبد الحميد بن يعقوب، قد خلّف الكثير من الأبيات الشعريّة التي استحالت مع مرور الوقت إلى حِكًم شعبيّة تلتقطها الأذان التقاطا، و تتناقلها الألسن تباعا. سنحاول من خلال هذا العمل قراءة و تحليل إحدى قصائد الشاعر و المتمثلة في ملحمة مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب، التي يربو عدد أبياتها عن الأربعة مئة بيت ، تحليل يرتكز على مقولتي الحركة و الزمن، بحسب تصور الفيلسوف أرسطو ؛ و بالتالي سيلاحظ القارئ الكريم أننا قد حدنا من الناحية المنهجية على الكيفية المعتمدة عادة في الكتابات الفلسفية، و ربما قد يصل الابتعاد فيمس جانب المضمون..

أنا المطرود في الخْلَا – مَا صَايْب غَاشي نْسَوْلُو
مْشَاتْ عليَّ القَافْلة – صْحَابْ الزَّادْ عَوْنُوا[1]

مقدمة

1- تعريف بالشيخ: ولد محمد بن محمد بن يعقوب سنة 1869 بقصر صفيصيفة[2]،تلقى تعليمه في الكُتّاب بمسقط رأسه، ثم رحل يطلب العلم باتجاه المغرب الأقصى،فقصد مدينة وجدة و فاس، ليعود بعد ذلك إلى أرض الوطن و تحديدا إلى مدينة تلمسان، تمكّن من المذهب المالكي تفقها، و من السيرة النبوية معرفة، و مناقب الصّحابة دراية،و من قواعد اللغة العربية و العروض دراسة،ليعود بعد ذلك إلى مسقط رأسه فيعمل :" خوجة[3] عند السيّد مسعد الحاج محمد الذي كان "قايد" بالصفيصيفة، و زوّجه ابتنه "الزانة" .. و منها انتقل إلى مدينة العين الصّفراء سنة 1899م، و عمل خوجة للباشا[4] آغا[5] سيدي مولاي، و بعد نجاحه في امتحان عُيّن ليشغل منصب " باش عادل " ( باش عادل : نائب القاضي، كاتبه ) .. ثم شارك في امتحان فترقّى إلى منصب قاض بالعين الصفراء، و سنة 1915 م تولّى مهنة القضاء بمدينة بشار بالجنوب الغربي الجزائري"[6] و يذكر الأستاذ بوحميدة محمد بأنّ مهنة القضاء لم تروقه، لجسامة المهمة و ثقل المسؤولية لاحتوائها على مظالم كثيرة، خاصة إن علمنا أنّ الجزائر آنذاك كانت تحت نير الاستدمار الفرنسي، ففضّل الشيخ الاستقالة منها سنة 1922م، و قد استشار في ذلك شيخ الطريقة الدرقاوية – يقول الدكتور أبو القاسم سعدالله معرّفا الطريقة :" كل المصادر تشير إلى أنّ أصل الدرقاوية هو الشاذلية. و قد ظهرت في المغرب الأقصى .. و هي تُنسب إلى محمد العربي الدرقاوي المتوفى سنة 1832 .. و تنسب إلى الدرقاوية مواقف مختلفة. منها أنّها خالفت تعاليم الشاذلية في التسامح و الحياد إزاء السياسة و المهادنة. و منها أنّها أعطت دفعا جديدا للشاذلية رغم بقائها من الناحية الفلسفية تلميذة لها.. و هذه الصورة تجعلهم على حافة من السياسة و الثورة. و لذلك وجدنا منهم من لم يطق حياة العزلة و الهدوء إذا لم يخدم الدّين.. لقد ظهر منهم المنادون بالثورة و الجهاد مثل موسى الدرقاوي المعاصر للأمير عبد القادر و عبد الرحمن الطوطي و غيرهما"[7]- فأيّده في مسعاه باعتباره أحد مريدي هذه الطريقة، و كان شيخه هو سيدي بوفلجة بن عبد الرحمن دفين سيدي السنوسي التلمساني بتلمسان. و هو الذي منحه إجازة لكتابة رموز الحضرة و قبولا لأشعاره، و يقرن الأستاذ بوحميدة محمد هذه الإفادة بوثيقة لشيخ الطريقة الكرزازية الموساويّة- يُقدم الدكتور أبو القاسم سعد الله الطريقة بهذا الشكل :" تُنْسَب إلى مؤسسها الشيخ أحمد بن موسى الحسني .. اشتهر بالعلم و الورع إلى أنّ أصبح مُقَدَما للشاذلية التي أخذها على شيخيه أحمد بن يوسف الملياني و أحمد بن عبد الرحمن السُهيلي .. و تعتمد الكرزازية السلسلة الشاذلية. فهي تمتد إلى جبرائيل و الرسول (ص) عن طريق الإمام علي و الحسن البصري. عبر أبي الحسن الشاذلي و تلاميذه، إلى أحمد بن عبد الرحمن السُهيلي.. و تحمي الزاوية ضحايا الاعتداءات في الطرق التجارية، و هي ملجأ للهاربين و الفقراء"[8]- سيدي بوفلجة، و التي جاء فيها و بعد الصلاة على الحبيب المصطفى، "ليعلم الواقف على مسطورنا هذا أنّ الفقيه السّيد محمد بن محمد بن يعقوب قد أطلعنا على ما أتحفه الله من النور و الزيادة فيه و قبلناه ما فاه به من الإشارات الربانية من الرموز المفتوح عليه فإنّها من لدن حكيم عليم فإننا أذناه فيه بزيادة إذنا تاما عاما حسا و معنى زاده الله فتحا و نصرا و قبولا من المولى جل جلاله لأننا وجدنا آباءنا و أشياخنا عاطفين عليه و إننا على آثارهم مقتدرون و دمتم بخير من كاتبه عبيد ربّه تعالى بوفلجة بن عبد الرحمن شيخ زاوية كرزاز في تاريخ 15 ربيع الأول عام 1348 وفقه الله أمين"[9] . آخر الحال أيقنّ بحسّه هشاشة الوضع الإنساني و ظرفية العيش و انتهائه،فآثر العزوف و التواري، يكتب و يذكر و يعبد الله حتى يأتيه اليقين. توفي في شهر فبراير 1933 م.

2- الشيخ الشاعر الملحمي: قد يستغرب أحد إنْ ذُكِر له بأنّ الشّعر الشّعبي يتسع بالماهية فيقبل في دائرته نوع الشعر الملحمي لأسباب عدّة، تتميّز طوال المقال و الذي سنحاول إن قدرنا و تمكنا و من خلال شخص السيّد محمد بن محمد بن يعقوب و تحديدا من خلال إبداعه و المتمثل في ملحمته و التي يتحدث فيها شعرا عن مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- الذي يعتبر علامة فارقة قد رسخّت في جسم الجماعة المسلمة، بمقتله تجتمع العوامل المؤلفة لفكرة الصراع الاجتماعي، بوصفه محرّكا للحياة السياسية الإسلامية، فعندما يقُتل الحسين التاريخي، ينبثق الحسين الرمز الذي يُمثل صورة مكثّفة لكل معنى قريب من الحق و العدل و مقارعة أشكال الظلم و صوت الأغلبية المضطهدة و التي تنشد الحرية و الانعتاق، فشخص الحسين حفيد الرسول هَيَئتُه الظّروف ليتقمص دور الفارس المقدام و الذي يضحي من أجل المبادئ السامية و الرافض لمنطق القوة،و أي حديث عن هذه الواقعة، أكان الحديث شعرا أو نثرا سيكون حديثا ملتزما بقضايا المجتمع و تطلعات الفئات المضطهدة و التي تصبو إلى غد تسترجع فيه الحقوق المسلوبة و عودة الأمور إلى نصابها:" كان الحسين بن علي رضي الله عنه يطوف بالبيت فأراد أن يستلم الحجر فأوسع النّاس له و الفرزدق بن غالب ينظر إليه فقال رجل: يا أبا فراس من هذا؟ فقال الفرزدق[10]:

هذا الذي تعرف البطحاء وطْأته – و البيت يعرفه و الحلّ و الحرمُ
هذا ابن خير عباد الله كلِّهم – هذا التقيّ النقيّ الطّاهر العَلمُ
يكادُ يُمْسكه عرفان راحته- رُكن الحَطِيم لديه حين يستلمُ
إذا رأتهُ قريش قال قائلها- إلى مكارم هذا ينتهي الكرمُ
يُغْضي حياء و يُغْضي من مهابته- فما يُكلمّ إلاّ حين يبتسمُ
في كفهِ خَيزران ريحُهُ عبقُ- بكفّ أرْوَع في عِرْنِينِه شَمَمُ
مُشْتقةُ من رسول الله نبعَتُه- طابت عناصره و الخيمُ و الشّيم
لا يستطيع جواد بُعْد غايتهم – و لا يُدانيهم قوْم و إنْ كَرمُوا
أيُّ العشائر ليست في رقابهم – لأوليّة هذا أو لهُ نَغَمُ"[11]

بمثل هذه المعاني يتم التأسيس للشخصية المتجاوزة لليومي. و الشاعر محمّد بن محمّد بن يعقوب و إن نسج ملحمته من جوهر مأساة الحسين بن علي فقد قام بهذا لدواعي من بينها استنهاض الهمم و إذكاء الشعلة في ذوات المسلمين الجزائريين و التعرّف على رموز الأمة مقارعة لرموز و قادة فرنسا -باعتبارها الدولة المستعمرة-

-3و قبل أنْ نقدم على قراءة ملحمة الشيخ محمد بن يعقوب و التي تدور حول مقتل الحسين و استشهاده من أجل معاني نبيلة لطالما كانت محرك المجتمعات البشرية عبر العصور و الأمكنة؛ يكون حري بنا أن نسلم ابتداء أن لا فرق جوهري بين الملحمة المكتوبة باللغة العالمة أو تلك المكتوبة باللغة الدارجة – المفكر فيها – اللهمّ ما تعلّق بعاملي الجودة و الإتقان. و العاملان هذان نجدهما في "الشعر الشعبي" متحققين و غير متحققين فيما يسمى بالشعر الفصيح و بتعبير آخر إن جاء مضمون الملحمة بليغا بديعا، لا يهم كثيرا إن آتى التعبير بالفصحى أو بغير الفصحى، فالمعنى إنْ عُبّر عنه بالعالمة أو الدارجة المُلَطفة سيّان، فالقصد بلوغ العبارة الفريدة، التي تسمو على اليومي يقول مارتن هيدجر:" ... وحتّى تقوم اللّغة بصرف الأسماء على كلّ ما ينتشر في الوجود، لا بدّ أنْ يُعثَرْ على الكلمة المنفرّدة، على الكلمة الوحيدة [...] إذْ أنّ الوجود يتحدّث في كلّ مكان، و في كلّ لحظة و من خلال كل لغة. و ليس العُسر في أن نعثر في الذّهن، على الكلمة التي تتوافق و الوجود و إنّما العُسر في شدّ هذه الكلمة إلى انضباط تفكير حقيقي."[12] .أمّا المقصود من الشعر الملحمي؟ و ما هي مراحله؟ و هل الشعر العربي يتوفر على فن الملحمة أو لا؟ و من ثمة هل هناك شروط تجعل من الشعر الملحمي ممكن التحقق في بيئة لسانية ما؟ لأجل الإجابة على هذه التساؤلات و غيرها لا محيص ابتداء من العودة إلى مؤلف أرسطو الموسوم ب: "فن الشعر" بالإضافة إلى كتاب آخر وقع عليه الاختيار هو:" الشعر الملحمي" لصاحبه جورج غريّب.

يذهب أرسطو إلى الاعتقاد أنّ الشّعر يأخذ نشأته الأولى من شيئين قد وضعا في النفس جِبلة، يكمن الشيء الأوّل في الميل الطبيعي إلى المُحاكاة و ذلك منذ نعومة أظافرنا، فالإنسان هو الأكثر محاكاة ضمن الحيوانات، و هي إحدى خصائصه التي تُميّزه عن الحيوانات، فبواسطة المحاكاة نتعلّم دروسنا الأولى، و كل شيء يُحاكى يثير إعجابنا، و للتأكيد على هذا يُمثل أرسطو بالفنون: فالأشياء التي نراها إلا نادرا و لا ننتبه إليها إلا بالكاد و الحيوانات التي تثير في أنفسنا الاشمئزاز فنفور، و الجثث، كلّ هذه الأشياء نُشاهدها بمتعة على لوحة رسم.

-4قبل أن يبسط الموضوع يُفرّق أرسطو بين الشاعر و الناظم فيقول:" إلا أنّ النّاس – في الحقيقة – يضيفون كلمة " صانع " – أو " شاعر " – إلى اسم العروض الذي يصوغ فيه الشاعر شعره: و من ثم يسمون البعض " شعراء اليجيين " و البعض الآخر " شعراء ملاحم " كما لو أنّ المحاكاة هي التي لا تصنع الشاعر، و إنّما استخدام الوزن الشعري هو الذي يسمح لهم بالاسم، دون تمييز بين من يُحاكى و من لا يُحاكى؛ حتى لقد جرت العادة على أنّه إذا ما وضعت مقالة منظومة في الطب، أو العلوم الطبيعية، أن يسمى ناظمها شاعرا مع أنّه لا يوجد وجه شبه مشترك بين هوميروس[13] و أمبدوكليس[14] ، غير استعمال الوزن العروضي، و من ثمّ يكون الأصوب أن نسمي أولهما "شاعرا"، أمّا الآخر فيصدق عليه اسم "العالم الطبيعي" أكثر من اسم الشاعر."[15]

أ - عندما يتطرّق أرسطو إلى عنصر الملحمة، فإنّه يفعل ذلك في المستهل أي في الجزء الأوّل من مؤلفه و الموسوم ب:بعض الحقائق الأسس الأولية، و تحديدا لحظة مقارنته الثلاثية بين الفنون الثلاثة الكوميديا و التراجيديا و الملحمة، لينشر موضوع الملحمة في الجزء الثالث و المعنون ب:الشعر الملحمي، يُعرّف أرسطو الملحمة بأنها مُحاكاة لموضوعات جادة، عنصر الجدّة أو الخطورة قد توفر في قصيدة الشيخ محمد بن محمد بن يعقوب مادام الأمر قد تعلّق بعملية اغتيال سياسي طال شخصية استثنائية في المجتمع الإسلامي حديث النشأة حينئذ، بالإضافة إلى وجوب أن تكون العبارة الملحمية رصينة، و أظن أنّ المقام أيّ مقتل الحسين قد ألزم الشيخ أن تكون عبارته المعبّرة عن المقام أن تكون بفعل الحال ثقيلة، و لو إن جاءت بلغة العامّة،ثم يضيف شرطا ثانيا خاص بالجانب الموسيقي فالملحمة ينبغي تتحرك في بيانها على وزن واحد، و هذا ما لم يلتزم به الشيخ، و قد يرجع السبب في اختلاف المنطق الذي تقوم عليه اللغة العربية الدارجة عن ذاك المنطق الذي سيّر اللغة الإغريقية الكلاسيكية، حتى وإن نظم الشيخ قد التزم موسيقى عامة أو إيقاع يضم كل الإيقاعات الفرعية ضما لا يشوش على أذن المستمع،و كيفية تقديم الملحمة فإنّ أرسطو يراها سردية غير محددة بزمن، تقوم حبكتها على أسس درامية: الأساس الأوّل يتمثل في أنّ المضمون الملحمي يدور حول فعل واحد، تام في ذاته، و هذا متحقق في ملحمة الشيخ، و له بداية و وسط و نهاية، كل هذا الغرض منه إحداث متعة لدى المتلقي، الأساس الثاني من المنظور الأرسطي يكمن في وجود اختلاف جوهري بين الحبكة الملحمية و مثيلتها التاريخية، فالتاريخ لا يعالج ولا يدرس فعلا، إنما يتناول حقبة زمنية واحدة.. و بالعودة إلى خصائص الملحمة فإنّ شرحها قد استدعى أرسطو اللجوء إلى وضع مقارنة بين الملحمة و التراجيديا، فاستنتج أنّ الملحمة أطول من التراجيديا و أن تكون بوزن واحد، كما ألمحنا أعلاه، أرسطو يذهب إلى الحكم بأنّ أفضل الأوزان الشعرية اليونانية، هو الوزن السداسي، و استخدام وزن آخر يُفضي إلى نتيجة كلها تنافر و نشوز، الشرط هذا لا يعني بأي حال من الأحوال، ملحمة الشيخ نظرا لأنها نظمت بلغة غير اللغة الإغريقية، و بالتالي يمكن القول أنّه شرط خاص، قد اكتسى صفة التقنية، علّل أرسطو سبب كون الملحمة تذعن للوزن السداسي لهدوئه و رزانته، و من ثمة يمكن استخلاص قاعدة عامّة بخصوص الوزن الواجب استخدامه في الملاحم و التي تنص على إلزامية أن يكون الوزن – في أي شعر ملحمي يكتب بأي لغة كانت - هادئ رزين- يبدو لي أنّ هاتين الصفتان لهما علاقة مباشرة بتصور مسبق عن معالم شخصيّة البطل الملحمي.

علاوة على هذا، يتكلم أرسطو عن صفات تلحق بشخص الشاعر الملحمي، و في ذهنه و مسطوره، الشاعر الملحمي هوميروس باعتباره الشاعر النموذجي و القدوة ، فالشاعر يمنع عليه أن يحشر الأنا في سياق بسط سرديته،إلا إذا اضطر غير باغ،فإقحام أنا المتكلم يُفقد الملحمة جوهرها و المتمثل في المحاكاة، غير أنّ الشيخ محمد بن يعقوب لم يلتزم بهذا التزاما حرفيا، فمثلا كان مضطر في مستهل القصيدة أن يتحدث بضمير المتكلم، في تصوري مال إلى هذا، لكي يُبين عن موقفه، و يأخذ لنفسه موقعا إيديولوجيا من الحادثة، فالمصاب تاريخيا جلل،و الوضع الذي كان يعيشه الشيخ كفرد، و الشعب الجزائري كمجتمع – الأهالي كما كان متعارف عليه في تلك الفترة المريرة- شبيه إلى حدّ ما بالوضع الذي عاشه الحسين و جماعته، أي نعم التاريخ لا يعيد نفسه لكن تتحكم في صيرورته قوانين و هو في وجه من وجوه صراع بين الحق و الباطل، و ربما يكون الأمر هذا من العوامل التي دفعت بالشيخ محمد بن يعقوب، أن يخوض تجربة الكتابة الملحمية،و إنّ صح هذا، أنّ الشيخ محمد كان موقنا بالمقابلة بين الوضعيتين أيّ وضعية الحسين بصفته الشخص المطالب بحقه الذي أُخِذ منه ظلما و جورا، و وضعية الشعب الجزائري، الذي اغتصبت أرضه بقوة النار و انتهكت حرماته من دون وازع أو تأنيب ضمير، فإنّ هذا يدلل قطعا أنّ الشيخ قد تمتع بحسّ وطني رفيع، و وعي سياسي مرموق، في زمن عزّ فيه الأمل و تقهقر، و أصاب الجسم المجتمع الجزائري بعض وهن و شيء من استكانة. و يذكر أرسطو أنّ على الشاعر الملحمي أنْ يبث في نظمه عنصر الإدهاش طلبا للإمتاع زيادة على ما ذكره أرسطو، فإنّ الادهاش، يجعل المتلقي في حالة متابعة لمجريات الملحمة و تفصيلاتها و يعمل على القضاء أو على الأقل التخفيف من وطأة الشعور بالملل، جراء تقلص درجة الانتباه و التركيز، و الشيخ محمد بن يعقوب عمل طوال سرديته أن يشد انتباه المتلقي تارة من خلال دعوته مشاركته مصابه في مقتل ابن بنت الرسول (ص) فالجماد يبكيه و يتألم لفقدانه:

أبْكُوا اْلحُسِين يَا اْلبَكايَا- تَبْكِيهْ اْلحَجْرَه الصَّمَّه
أَهْل الحُبْ عْيُونْهُمْ ذرَّيَا- على ولْدْ شْفِيعْ الْامّه
و تارة أخرى ببيان فضاحة ما فُعِل و اقترف بحق الدّين الإسلامي:
انْفَجْعَتْ الاسْلاَمْ يا قدير – عادْ السّاسْ الدين يَزْدرِي
و أخرى بالقول أنّ ما ارتكب ما كان ليصير و لا يمثل على الإطلاق و القطع :
المُومنْ قَلْبُوُ يكون مْرايا- و المَطْمُوسْ يْعُودْ ظَلْمَه
ما سَبْقَتْ للجَاحْدِين عْنَايَا- بَاشْ يْشُوفْ الضّوْ لَعْمَى

و تارة باستخدام الصور الفنية المعبّرة عن هول المُصيبة،كالكناية على سيبل المثل لا الحصر، و من مميزاتها أنها:" لا تجزئ الواقع كالتشبيه و تُوحّد جزءاً منه مع جزء من واقع آخر، كما أنّها لا تَنْسِب ما لأحدهما كما تفعل الاستعارة و إنّما تُبقي الواقع على واقعيته و تتخيّر منه الخصائص الأدل من نوع من الحسيّة العميقة التي تُجسّد المعاني و الأحوال النفسيّة، و من أمثلة الكناية قول النابغة في وصف بطولة الغسانيين: إذا ما غزوا بالجيش حلّق فوقهم / عصائب طير تهتدي بعصائب ..و الكناية تدنو إلى الرمز لأنها تتخذ من الواقع مدلوله الخاص به، إلاّ أنّها تقصر عن الرمز لأنّها تتخير المعنى الواضح الجليّ الموثوق بالواقع بالعرف و العادة"[16] أما الكناية التي استخدمها الشيخ محمد بن يعقوب فشبيهة إلى حدّ بعيد مدلول الكناية التي استخدمها الشاعر النابغة الذبياني، و التي جاء ذكره أعلاه، يقول الشيخ في البيت 378: دارتْ لهْ افروق[17] مَنْ جَحْمُومْ[18]/ ما انْحرَفْ وْلاَ اعْطَى صَدَّه.

إنْ قعّد الفيلسوف أرسطو الملحمة على قاعدة المحاكاة، فإنّ جورج غريّب عرّفها على أنّها:" المعركة العظيمة و هي أيضا – على حدّ قول ابن خلدون- تأريخ الدول، أمّا في اللغة اليونانية فمعناها القصّة أو الشعر القصصي الذي يختص بوصف القتال"[19] يتبيّن لنا أنّ تصور أرسطو و هو يتحدث عن الملحمة قصد من حديثه أنّ يؤسس للموضوع و غيره من الفنون، بينما جاء تصور الأستاذ غريّب طرحا إجرائيا لا يهتم كثيرا بالمبادئ أو الأسس التي ينبغي أن تكون. و عندما يتعرّض الأستاذ غريّب إلى موضوع الملحمة، فإنّه يركز على الماهية، التي تميّز الملحمة عن باقي الفنون و التي تكمن في أنها ذات طابع بطولي، و الذي يستوقفنا في هذا المضمار و نرغب في إبرازها هو الإضافة التي يُقدمها الأستاذ غريّب و المتمثلة في أنّ الملحمة مستوحاة من أوساط شعبية، و هذا يذهب لصالح الموضوع الذي نحن بصدد مقاربته، أي أنّ هناك اعتراف صريح بأنّ الشعب باعتباره جماعة بشرية حيّة، قادر عبر صيرورته التاريخية إنتاج قيّم معنوية و فنية، و بالتالي، فإنّ هذا النشاط الفكري ليس حكرا على الطليعة أو النخبة، كما قد يتوهم البعض. و يرى الأستاذ غريّب أنّ الشعوب الوثنية أقرب إلى الملاحم من تلك الموحدة ، و يرجع العلة إلى تحرر الوثنيين من مقتضيات الديانات التوحيدية و ما تفرضه من ضوابط تجبر المؤمن احترامها هذا من جهة أخرى لهذه المجتمعات طاقات هائلة لإنتاج العجائبية، و قد انتبه أرسطو إلى هذا الأمر بصفته إنسان ينتمي إلى مجتمع من المجتمعات الوثنية، حيث نوّه بالجانب الإدهاشي الذي يختص به مثل هذه المجتمعات. و للملحمة مراحل في نظر الأستاذ غريّب، و هي كالآتي:

1- مرحلة التعبير عن أزمة وجوديّة تتمظهر في عقائد و خرافات من حقائق و أساطير.
2- مرحلة التعبير عن أزمة اجتماعية
3- مرحلة التعبير عن أزمة قوميّة

استنادا إلى هذا التقسيم، يمكن اعتبار ملحمة الشيخ محمد بن يعقوب، منتمية إلى مرحلة التعبير عن أزمة مجتمع، و إن كانت في تقديري ملحمة مقتل الحسين، تنتمي بالأساس إلى مرحلة التعبير عن أزمة قومية، و لكن وظفت من قبل شاعرنا لتعكس أزمة اجتماعية تتمثل في ركود و سبات طال المجتمع و ضرورة العمل بأي شكل من الأشكال على تخطي المرحلة و الدفع بالمجتمع نحو آفاق أكثر حيوية و من ثمة أكثر مقاومة، و حادثة اغتيال الحسين قد تؤدي مهمة شحذ الهمم و تحريك الساكن. أمّا عن التساؤل هل للعرب ملاحم فيجيب الأستاذ غريّب قائلا:" إنّهم لا شك عرفوا الشعر الملحمي، و لكنهم لم يعرفوا الملحمة كبناء، رغم وفرة المواضيع و وفرة العبقريات،و وقوع التراث الأدبي اليوناني بين أيديهم و معرفتهم له، و خير دليل على تلك المعرفة ما جاء للجاحظ في "البيان و التبيين" من تحليل للفوارق بين شعر الإغريق و شعر العرب .. و لكنهم لم يستسيغوا هذا النوع من الأدب"[20] و عن الأسباب التي دفعت العرب العزوف عن هذا النوع، فيذهب الأستاذ غريّب إلى الاعتقاد أنّ العرب و بالرغم من أنّهم و خاصة في جاهليتهم و التي كانت مهيأة إلى تقبل هذا النوع من الأدب لتوفر البطولات و الأساطير و المفاخرات و العصبيات و تبجّح بالأنساب.. الخ فإنّ الأسباب يمكن حصرها في إجمالا في عوامل ثلاثة هي البيئة و المجتمع و طبيعة العيش. إن العرب في حقبة الجاهلية جلهم كانوا رحلا، يتحركون خلف الكلأ و الغيث، و إن كانوا على هذا النمط من العيش فإن واقع الحال لا يسعفهم بإنشاء تنظيم اجتماعي مستقر و من نتائج الوضع لجوء الإنسان العربي إلى الاعتماد على السليقة الشعرية و الارتجال، و بتعبير آخر فإنّ العرب لم يقدموا نماذج ملحمية مثل ما هو موجود عند الإغريق، لاستغراقهم في حياة يغلب عليها الطابع الحسيّ البداهي. و السؤال الذي يتبادر للذهن هو هل بتغيّر العوامل أو الأسباب المذكورة من قبل الأستاذ، نشهد ميلاد ملاحم؛ الإجابة المنطقية و المباشرة، تكون أجل؛ بانتفاء هذه العوامل يكون احتمال الميلاد وارد قابل للتحقق، و من ثمة بناء ملحمة كتلك التي نسجها نسجا الشيخ محمد بن يعقوب من إلهام نفس صوفية و بكلمات دارجة بسيطة في مبناها عميقة في معناها، عظيمة في تأثيرها و مداها، تُصيّر لفظ اليوم و كلّ يوم حمّل للرؤى تتجاوز الراهن و الوضع، لتعتنق بالمطلق و تتشابك معه و تجاور الخلود، و يتزوّد بها الإنسان و يستأنس بها سالك الطّريق.

إنْ كانت العبارة أكانت نثرية أو شعرية، أثر من الآثار العينية التي تدلل على أنّ النفس كيان يتحرّك في زمن معلوم يشتد حينا و حينا آخر يفتر و يهدأ، كيان مركب من ديمومات، متشابكة تؤلف آخر مطاف ديمومة جامعة، للكيان مدى محدد؛ يقول في هذا الصدد الفيلسوف الألماني لودفيق كلاج[21]:" يُحقق التعبير صورة الحركة النفسية من حيث الشدّة، و ديمومة و المدى"[22] ؛ يُستلزم ممّا تقدم أنّ إمكانية استخلاص أزمنة و حركات مُهيكِلة لقصيدة الشيخ محمد بن يعقوب، أمر وارد و قابل للتحقق، و إنْ اعترض مُعترض مجددا بداع أنّ القصائد الشعرية التي تعتمد اللغة الدارجة، تفتقر بالماهية إلى العمق الفكري هذا إن لم نقلْ ينعدم بالمطلق عندها، فالقصائد الشعبية تستغرقها الحسية و تسبح في السطحية، وظيفتها التسلية الاجتماعية، و لا ترقى بالتالي إلى مصاف القصائد ذات الدلالة العميقة، التي تؤهلها لتُحفظ و تبقى،تسمو على اللحظة الراهنة التي انبثقت عنها، فتتمنع من أنْ يُستحوذ عليها، فتزول بزوال اللحظة التي أنتجتها، و الردّ على هذا الاعتراض، يقول الفيلسوف الفرنسي موريس برادنيس[23] :" الإحساس واقع قد انغمس بالكلية في الفكرانية، كل عضو حاس أداة للتمثل يضع الانطباع الذي يستقبله في علاقة مع شيء آخر" [24] و بحسب الفيلسوف هنري برغسون، فإنّ الفنان – أيّ الشاعر أكان يكتب بالفصحى أو بالدارجة- [25]أثناء ابتكاره لصورة مستجلبا إياها من فكره، في ديمومة هي جزء أصيل في العمل المبتكر، أي للزمن الذي يتم فيه ولادة الصورة الفكرية دور جوهري، لا ينبغي تغاضي عنه أو التقليل من شأنه أو تشويه طبيعته، و أي فعل مقلص للديمومة أو ممدد لها ينجر عنه تعديلا على مستوى التطور النفسي، و على المستوى الابتكار في حدّ ذاته، فديمومة الابتكار و الابتكار شيء واحد؛ إنّه تطور للفكر المتغيّر تبعا لتجسّده، و هو في الأخير عملية حيوية معبّرة عن نضوج الفكرة.

عطفا على ما تقدم فإننا سنحاول جاهدين أنْ نذهب بقصيدة الشيخ محمد بن يعقوب الملحمية صوب قراءة للزمن الذي يؤلفها و به تلتئم و تتشكل في كل حين و آن بفعل الحركة الفكرية، أي حركة الإفراج و الإظهار، التي لا تنفك من التغيّر و التبدل، في كلّ مرة تُحيك الموضوع حياكة بحسب جزئية من جزئيات الموضوع التي تكون في حين من الأحايين قد سُلط عليها الفكر الواعي: تمر ملحمة الشيخ محمد بن يعقوب بأزمنة تنسج مجريات الملحمة الحسينية[26] و بالذات لحظة مقتله، باعتبارها اللحظة الأوج،لحظة تفصل بين حقبة و حقبة و ما تعلّق بها من نتائج في عديد المستويات: الاعتقادية، و السياسية، و الاجتماعية. و قبل أن نبسط حيثيات القراءة، حري بنا تحديد المنطلقات و التي بفضلها نتمكن من تشكيل عناصر القراءة و بلورتها، كيما يتلقفها القارئ و يدركها الإدراك المراد. أمّا المنطلقات فهما الزمن و الحركة، كما أسلفنا. عرّف الفيلسوف أرسطو الزمن قائلا:" و إذا كنا قصدنا أن نحدّ الزمان ما هو فلنجعل أوّل ما نبتدئ به من ذلك في هذا الموضع فننظر أيّ شيء للحركة فإنا معا نحسّ الحركة و الزمان. و ذلك أنّا و إن كنا في ظَلَمٍ و لم ينل أبداننا شيء أصلا، إذ أنّه حدث في أنفسنا ضرب من الحركة ظننا على المكان أنه قد حدث أيضا زمانا ما، و كذلك أيضا متى ظننا أن زمانا قد حدث، ظننا مع ذلك أن حركة ما قد حدثت . فيجب من ذلك أن يكون الزمان إمّا حركة و إمّا شيئا ما للحركة ؛ إذ لم يكن حركة فواجب ضرورة أن يكون شيئا للحركة" [27] الملاحظ أن أرسطو و هو يحدد مصطلح الزمن يقرنه حسيا بالحركة، ليدلل بعد ذلك على هذا الاقتران الحسي بينهما و يُفسر، ليخلص حتى و إن لم يكن هناك تطابق بينهما، فالزمان عنده، متعلق بالحركة. و إجمالا، فإنّ أرسطو عرّف الزمان بأنّه عدد للحركة تبعا للمتقدم و المتأخر. و إن كان هناك من ربط الزمن بالفكر و جعله حياة للفكر، كما هو الشأن بالنسبة للفيلسوف أفلوطين، المتأثر بفهم الفيلسوف أفلاطون ، الذي يرى أنّ الزمان هو صورة متحركة للأبدية. ينبغي الإشارة أنّ أرسطو عبّر عن تصوره لمقصود المفهومين الزمان و الحركة، ليس فقط في مؤلفه "الطبيعة"، بل أيضا في كتابيه " الأخلاق إلى نيقوماخوس" و "الأخلاق إلى أديموس"، و هذا إنّ دل على شيء فإنّما يدل على أنّه لم يكن ليرضى تصورات ساكنة بخصوص المفهومين، بالإضافة إلى مفهوم النشاط.. عرفت مسألة الزمن تعديلا جذريا تزامنا مع إصدار كتاب "هيدجر" " الكائن و الزمن" سنة 1927 ، حيث يطرح الفيلسوف نقطتين أساسيتين هما:

النقطة الأولى: يتحدث فيها عن أنّ الفكر الميتافيزيقي برمته قد طمس الزمن أو على الأقل أغفل عن مساءلته من زاوية علاقته مع الكائن، ففي تصور الفيلسوف على الرغم من أنّ الفكر قد خبر الزمن، إلا أنّ معرفته للموضوع لم تكن لتسمح بالذهاب بسؤال الكائن إلى المنتهى. إنّ الزمن في الفكر الميتافيزيقي التقليدي له وظيفة أنطولوجية لا غير. و عليه فإنّ التساؤل الهيدجري و المتمثل في: هل هناك إمكانية لتفكير الكائن مستقلا عن الفهم الميتافيزيقي باعتباره حضورا منتشراً ؟ هل هناك إمكانية لكي يصير الرابط بين الكائن و الزمن استشكاليا فاتحا المجال واسعا أمام سؤال معنى الكائن؟

النقطة الثانية: إعادة تقسيم جذري للعلاقات القائمة بين الزمن و الأبدية. ففي 1915 يقدم هيدجر محاضرة كان عنوانه: " مفهوم الزمن في العلم التاريخي" حيث فهم الزمن حينئذ على أنّه المقابل تعارضا للأبدية، استهلها بكلمة حاضنة لصاحبها المعلم إكهارت[28] Eckart مفادها أنّ الزمن يتبدل و يتغيّر و يتنوع، بينما الأبدية تُحافظ على بساطتها" غير أنّه في محاضرة سنة 1924 و التي جاءت بعنوان:" مفهوم الزمن" حيث فكّر الفيلسوف في الموضوع أقصد الزمن، خارج إطار مرجعية الأبدية، هيدجر يرى أنّ الإيمان وحده المانح إمكانية الولوج إلى الأبدية الحقيقية، المتطابقة مع الذات الإلهية، و باعتبار الفلسفة أجنبية عن الإيمان، فإنّ الأبدية ليست إلا مفهوما فارغا لكائن ثابت و الذي يُستبعد أن يكون أصلا للزمن، و المشتق في الواقع من تجربتنا العادية للزمنية. انطلاقا من هنا يوجد اختلاف واضح تتباين فيه فهام كل من هيدجر للزمن و القديس أوغسطين و هوسرل؛ الثلاثة يؤكدون على العلاقة المشتركة بين الأبعاد الثلاثة للزمن – الماضي، الحاضر، المستقبل- و لكن الدلالات لهذه العلاقة المشتركة تختلف من فيلسوف لآخر، فعند القديس تُفهم على أنّها علاقة حضور ثلاثي للماضي و المستقبل و الحاضر. و هي عند هوسرل وحدة إطلال و احتفاظ أو استبقاء للمستقبل و الماضي المباشر في الحاضر الحيّ، و عند هيدجر فإنّ الدايزن – الكائن- ليس متواجد فقط في الزمن، بل هو الزمن، و عليه فإنّ الزمن يتطابق مع الدايزن. و التعرّف على الزمن لن يكون إلا من خلال الدايزن. هكذا يمكن القول بأنّ القراءة المقترحة تتأسس على دلالات و مقاصد الزمن و الحركة، التي أفرج عنها، لكن بالتصرف و فهم معين لصاحب المقال و بعبارة أخرى سنقوم بتوظيف و استثمار هذه الدلالات للزمن و الحركة، مع الأخذ بعين الاعتبار لطبيعة الموضوع.

- الزمن الأوّل: أدعوه بزمن البكاء و الاستبكاء و أعني بالكلمة الأخيرة، طلب الشاعر من الغير البكاء معه، كشكل من أشكال الاستجداء النبيل، ففي مستهل القصيدة يذهب الشيخ بمحتوى الملحمة إلى منتهاها، أي إلى النتائج التي أسفرت عن مقتل الحسين، و التي استغرقت لحظة ما بعد القتل مباشرة، لتستمر طوال الزمن الإسلامي العام، أي يبسط و ينشر مشهد ما بعد ذروة السرد؛ فهو يقول:

أبْكُوا الحسين يا البَكايا- تْبكيهْ الحَجْره الصّمّه
أَهْل الحُب عْيُونْهمْ ذرّايَا- عَلى ولْد شْفِيعْ الأُمّه
نَذْكر باسْم اللّه في مَبْدَايَا- و انْفَاجي بهَا الغُمَّه
هَذِي غَمْره لاَ تْقُلْ حْكَايا- لَلْمَحْمُومْ تزيدْ حمّى
قَصْدِي نَمْزَجْ ضُرْهُمْ بدْوَايَا - وْ نَحْزَنْ بَالتَفْكِيرْ زَعْمَا
الَكْتُبْ تْخَالَفْ الرْوَآيَا - و إذَا حَضْرَتْ الْهمّه
فالمَشْهُورْ يْعِينِي مُولايَا - نَحْكِي كالّلِي كانْ ثَمّه
حَاشَا مَا بَالَغْ النِّهَايا - تَزْكيّةْ النَّفْسْ وَهْمَه[29]

في هذا التقديم أو الإنباء العظيم و المُؤَلَف من ثمانية أبيات يستخدم الشاعر13 فعلاً، يبدأ بفعل أمر موجه للتطبيق من قبله شخصيا و من قبل المتلقي ثانيا مباشرة، ومنذ البيت الأوّل يجد المتلقي نفسه قد تورّط في تفاصيل السردية و التي هي بصدد الانبلاج أو الإفراج،باقي الأفعال، أفعال تتوزع، من دون تساو، بين فعل واحد من طبيعة منفعلة و باقي الأفعال من طبيعة فاعلة، أي 11 فعل، القصد من الإحصاء هو تعيين للحركة و التي يسير وفقها السرد، كما بيّن ذلك الفيلسوف أرسطو، و قد أشرنا إلى ذلك أعلاه، إن طبقنا الطريقة الحسابية الثلاثية، نصل إلى أنّ نسبة استخدام الفعل هي واحد و نصف الفعل، و عليه فإن مطلع القصيدة متحرك متجه بدافع أمر قد صدر و عمت مشيئته، حتى و إن كان فعل الأمر الفاعل، حصل نتيجة نازلة، استدعت وروده. للإشارة، البيت الثاني جاء برمته ساكنا لخلوه من أي فعل، و هذا مؤشر على الطابع الإطلاقي الذي يتسم به و يمكن اعتبار آخر بيت من مطلع القصيدة من طبيعة إطلاقية أيضا، إنْ سحبنا صيغة الفعلية من لفظة بَالَغْ و لم نعتبره فعلا، إنّما اسما و تحديدا صفة من الصفات.

الزمن الثاني: في هذا الجزء الثاني من القصيدة يتم الانتقال من زمن بسيط واحد استغرق المطلع، إلى زمن مركب من زمنين فرعيين:
الزمن - أ-: زمن الدعاء و الرجاء، زمن التوسل، زمن ما قبل البث و الإفصاح، فالشاعر قبل أن يقول القول الفصل، ينبغي أن يؤدى أو يمارس طقوسا، و ابتهالات، تجعل من عملية الإفصاح متحققة و مسموح بها، مُتَقَبّلة و من تمّ تصير مَرضي عنها من لدن الله تعالى، يقول الشيخ:

يَسَّرْ لي يَا صَاحَبْ التَيْسِيرْ – جْمِيعْ الاَسْبَابْ فِي أَمْرِي
وَ الْهَمْنِي رُشْدِي بْلاَ تَعْسِيرْ – و اجْعَلْهَا تَوْبَه آخَرْ عُمْرِي
مَانِي عَارَفْ واشْ كَانْ يْصِيرْ – حَافَظْ نَصْفْ العِلْمْ لَا ادْرِي
وْ إذا يَعْطَفْ صَاحَبْ الضْمِيرْ – كَالِلّي شَاهَدْ لَيْلةْ القَدْرِ
هُوَ بِيَ لَصْوَاب يْشِيْر – وْ إذا نَفْصَح يَنْشرحْ صَدْرِي

- يتألف المقطع أعلاه من خمسة أبيات، كل بيت يحوي على فعل –زمنية- واحد على أقل تقدير ، آخر فعل فيه أي حركة، متعلق أو متعلقة في التحقيق بقبول أو تلبية للفعل –الزمنية- المطلبي، أي للحركة الإلهية. بين الفعلين أو الحركتين و المعبّر عنهما لفظا بالتيسير و الانشراح، أفعال أو حركات وظيفية الغرض منها العمل على إنجاز المراد و المأمول فيه و ينبغي للمراد أن يكون خارقا للعادة، أي لقول شعري لا مثيل له، و البيت ما قبل الأخير يومأ إلى ذلك و تحديدا الشطر الثاني منه.

الزمن – ب - : زمن المفارقة و الاستحالة، التصفية الجسدية للحسين الرمز انتهاك لجوهر المعتقد فعلى مستوى من المستويات يتقمص الإنسان التاريخي و تتكثف في الشخص المتناهي – في هذا المقام الحسين بن علي - قيم فوق تاريخية، أو قيم عابرة للراهن المتهالك؛ يقول الشيخ :

انْفَجْعَتْ الاسْلام يَا قَدِيْرْ – عَادْ السّاسْ الدِّيْن يَزْدَرِي
قُولُو للْمَطْلُوبْ كِيفْ تْدِيرْ - مَيّزْ يُومْ البَيْعْ يَا شَاري
الرّهْبَانْ السّاكْنِينْ الدّيْر – عَبّادِينْ الشّمْسْ و الْحَبْري
جْمِيعْ الكُفّار لاَ تًقْصِيرْ – الرّافَضْ و المَجُوسْ وَ الدَّهْرِي
مَنْ هَذِي حتّى ابلِيسْ يْحِيرْ – الّلي خَارجْ مَنْ رَحْمةْ البَارِي

- يتألف المقطع الثاني هو كذلك من خمسة أبيات، غير أنّ حدوث الفعل أي الحركة في كل بيت أقل من فعل واحد أو حركة واحدة، بيتان من الخمسة أبيات ساكنين، البيت الثالث و البيت الرابع، جيء بهما للتدليل على المفارقة و الاستحالة الواقعية، و بالتالي اصطباغهما الصبغة الاطلاقية، الفعل الأوّل الوارد في بداية المقطع الثاني من طبيعة منفعلة، فالحركة قد بلغت الذروة ، طالما استخدم الشاعر لفظ الفاجعة الحامل لحمولة الشدّة، و لتدليل على هذا فقد ورد في آخر بيت من المقطع الثاني فعل يبرز مدى هذه الشدّة و حدّتها، فليس كل يوم يُصاب إبليس بالحيرة، نظرا لأنّ التصور العام الذي يُحيل إليه هو منتهى الشرّ و حدّه و كمال إنجازه. الفاجعة حيّرت الذي يمتنع عنه هذا التوصيف على الإطلاق. ما يمكن أنْ يُلاحظ أنّ هناك رابط منطقي، يضم جميع الحركات المُكَوِنة للمقطع الثاني، يتمثل في الاستحالة أو امتناع الفعل، حدُّ الرابط الأوّل تساؤل الإجابة عنه مُحايثة، حدّه الأخير يقع خارج الزمن الإنساني، و من ثمة الحركة.

الزمن الثالث: أدعوه بزمن الواجب تحققه و الواقع المتحقق فعلا، أي أن الزمن الثالث هو أيضا زمن مركب، يُجسّد الزمن- أ- العبارة الأخلاقية المتعلقة بما يجب أن يكون؛ الزمن -ب- تُجسِده العبارة الأخلاقية المتعلقة بما كائن أو حاصل فعلا، ترفق بقرينة إثباتية تشير لما هو حاصل و الذي يُفترض أنْ لا يحصل أو لا يقع. يقول الشيخ:

الْمُومَنْ قَلْبُو يْكُونْ مْرَايَا[ العبارة الأخلاقية المتعلقة بما يجب أنْ يكون] – وَ الْمَطْمُوسْ يْعُودْ ظلْمَه[ العبارة الأخلاقية المتعلقة بما هو كائن]
ما سَبْقَتْ للْجَاحْدِينْ عْنَايَا[ تهافت العبارة الأخلاقية المتعلقة بما هو كائن] – بَاش يْشُوفْ الضّوْ لَعْمَى[ التدليل على تهافت العبارة الأخلاقية..]
مَكْرُوا بَاوْلاد الرَّسُولْ نْكَايَا[ العبارة الأخلاقية المتعلقة بما هو كائن] – وكّالين السّمْ نَعْمه[ التدليل على القبح الماهوي أو الجوهري للفاعل]
مات المَيّتْ وَ اْلحْرِيمْ شْفَايَا – مَحْجُوزِين عْطَاشْ في الْمَا[ التدليل على القبح الواقعي للفاعل]

كل أبيات الجزء الثالث تتضمن حركات ، جلّها وقائع و تعبير عن سلوكات أخلاقية متحققة على أرض الواقع، ما عدا الحركة الأولى التي تعكس ما يجب أن يكون و ذلك باعتماد صيغة فعل الكينونة محمولا للفاعل، أي الموضوع؛ و هو في هذه الحالة الحسين، بصفته الشخص الذي تركزت و تجمعت فيه المعاني المثالية، و التي جاء التعبير عنها آنفا ب: "العبارة الأخلاقية المتعلقة بما يجب أن يكون" أمّا الحركات الأخرى المتبقية، فأفعال قد اقترفت، و من ثمة وسّعت البون بين ما كان يجب القيام به، و ما حصل بالفعل على أرض الواقع، للبون الذي لا يتوقف من الاتساع طوال سردية الشيخ محمد بن يعقوب، وظيفة أساسية في تصوري، تكمن في استقبال العناصر المُشَكِلة لشخصية الحسين غير التّاريخية، أو فوق التاريخية ( الرمزية )، فكلّما كان وقع الحركات شديدا مؤلما، على ذات المتلقي المعتقد، امتلأت شخصية الحسين الرمزية، حياة و عمّرت في الزمن، و تمادت، فألفاظ مثل " الجاحدين" و "مكروا" و عبارات مثل " باش يشوف الضّو لَعْمَى" و "وكّالين السّم نَعْمه" و غيرها كثير، تعمل على إبقاء صورة الحسين المقتول، ماثلة حيّة، بينما أولئك الذين ساهموا في قتله، تُسرّع في إزاحتهم و نفيهم.

الزمن الرابع: أدعوه بزمن ملابسات و ظروف الواقعة، يتألف هذا الزمن من عشر أبيات، تمّ بسط ملابسات و ظروف الجريمة و مآل مقترفي الفعل المنكر، على رأسهم يزيد و هو المذكور اسما آخر المقطع ، في أبيات ثلاثة فقط، في البيت الأوّل و البيت السّابع و البيت العاشر، و الباقي من الأبيات تثبيت وتكريس للزمن الثالث، كأنّه لم يستنفذ بعد، و لم يستوعب تماما،هول ما جرى، من جهة و من جهة أخرى – و ربما هذا القصد – لمدّ شخصيّة الحسين الرمزية موارد حياتيّة جديدة، تجعل الشخصية أكثر حياة و أكثر عنفوانا، و عليه، فإنّ الزمن أيضا كزمن الثالث مؤلف من زمنيين، الزمن أ- زمن النازلة، زمن ب- الذهول و الإفجاع؛ يقول الشيخ:

في عَاشُورَا صار أمْر عْجِيبْ – قَصّةْ وَادْ الكَرْبْ وَ اْلبَلاَ
فِي ذِرِيّةْ رَاكَبْ النّجِيبْ – دِيمَا يبْكوهَا الْعُقَلاَ
وَقْعَتْهُمْ مَنْهَا الرّاسْ يشِيبْ – حَالَتْهُمْ وَلاّتْ لاَ حَاله
الشَّاقِي مَا يَرْدَعَهْ تَرْهِيبْ – وَاشْ عْمَاكُمْ يَا اْلجُهَالاَ
في اْلحَافه حَتّى لَحْمَار يْهِيبْ – مَبْيُوعِين بْغِيْر إقَالَه
قَتْلُوهْ باتِفَاقْ المْذَاهِبْ – عَنْدَهُمْ فَرْضْ الصَّوْمْ وَ الصَّلاَه
أَفْضَلْ مَنْهُمْ عَابَدْ الصّلِيبْ – هَكَذَا يَرْوُا النَّقْاله
اللّه قَاضِي و شُفِيع طْلِيبْ – يَا مَنْ كَذّبْتُوا الرِّسَاله
حَلّلْتُوا دَمْ الاَشْرَافْ حْلِيبْ – و ارْويتُوا بَسْمُومْ قَتَاله
يَزِيدْ شغَايْبَه تشْغِيبْ – بَيْن يْدِينْ اللّهَ تَعَالى

الزمن أ- : زمن النازلة تُحدد مجرياتها ابتداء، بإطارها الزمكاني، ظرف الزمان و هو في هذه الحالة "عاشوراء" المعبئة بالكثير من الدّلالات و المعاني، سلفا، كأنّي بها هيئت عمدا منذ حين لاستيعاب الحدث المفارق، و التي ستحظى لاحقا عند المسلمين و خاصة عند الشيعة بمسحة من الحزن و الأسى المستمر و الكائن في الأبدان و الأمصار و الذي لا يتوقف من التفاقم يوما بعد يوم، يا له من حزن هذا الذي يلتهم الحي و الميت، و في الحين يطلب المزيد،استخدم الشيخ لتعيين ظرف الزمن بصفته فعلا أي حركة، من الناحية النحوية فعل الصّيرورة "صار"[30] جاء ذكره في صدر[31] البيت، بينما عجزه خلا من لفظ يحيل حقيقة إلى حركة، حيث استخدم شاعرنا الاسم "قصّة" الذي يحيل إلى سكون الحركة، و السؤال الذي يطرح هل هناك داع إلى هذا؟ و هل نستخلص من الأمر شيء ما؟ الجواب ممكن ذلك، ففي الصّدر قدّم موضوع النازلة من حيث زمن الحدوث، فاستعمل فعلا، في الحالة الفعل الناقص "صار" و قد صُرِّف في الماضي، أي حركة تسري، في العجز لم يفعل ما فعله في الشطر الأوّل، حيث استعمل و هو يعيّن النازلة فضائيا أو مكانيًا مال إلى استعمال اسم عوض فعل، كما هو الشأن في صدر البيت، و في هذا الميل تفضيل لسكون الحركة و ثباتها، و في تقديري، أصاب في الحالتين، في صدر البيت أصاب، حينما أبان عن جوهر الزمن، و هو الجريان أي الحركة، و أصاب في عجز البيت، حينما أبان عن جوهر المكان، و هو السّكون أي الثبات. بعدما أن أحاط الشاعر بالإطار الزمني و المكاني للجريمة، انتقل كمحقق بوليسي، للحديث عن العنصر الفاعل المقترف للجريمة، في البيت السّابع يتحدث عن مؤامرة كانت وراء عملية الاغتيال، شارك فيها جمع سمّاهم بأصحاب المذاهب، للتدليل على الذين قتلوه ممثلو الفرقة الضالة، و التي تعمل على بث الفُرقة و نشر الذغينة، و تمارس الإسلام طقسا، و من ثمة لا يعدّ أعضاؤها من السّابقة، يقفل المقطع بتسمية المتسبب في القتل المدعو يزيد،و الذي يَعِدُه الشّاعر بمصير جهنمي يلقاه بانتظاره في العالم الآخر في بيت قد خلا من أي فعل، أي حركة،حيث جاء التعبير عن ذلك بالاسم و المصدر و حسب، بألفاظ تحيل إلى الإطلاق أي سكون.[ يزيد شغَايْبَهْ تَشْغِيبْ – بين يدِينْ الله تَعالى].

الزمن – ب- الذي سميناه بزمن الذهول و الإفجاع و عدد أبياته أكبر من عدد أبيات الزمن – أ – قلنا عنه أنّه من حيث المضمون استمرار لمضمون ما جاء به الزمن السّابق أي الزمن الثالث، صدمة كانت قوية للغاية أجبرت الشّاعر أن يمعن إمعانا في سرد الخصال الرفيعة التي تميّز آل البيت و من ثمة الحسين رمز العائلة في الفداء و البلاء الحسين المنقطع النظير، بدليل قاله فيه الشّاعر الفرزدق، ثم لا يلبث في وضع القارئ في مواجهة الصفات الوضيعة و الأفعال التي تلحق بالحثالة المتآمرة التي أقدمت على اغتيال التقي النفي الطّاهر العلم، كما جاء ذلك على لسان الشّاعر. لا يمكن تصور للذين يتصفون بتلك الصّفات و الأفعال كما جاء بسطه من قبل الشّاعر إلا وسائل هم بالكلية تُوظف و تُسخّر لتثبيت صورة الحسين بصفته رمزا يحيا على الدوام في قلوب و أذهان محبيه، فكلما كانت الصفات كاتمة شنيعة، ارتفع منسوب الحيوي للحسين الرمز، أو بعبارة أخرى "اقتصادية" ارتفعت أسهمه، و قوي رأسماله و تمكن من التأثير، أي استمرار الحركة بصفتها إحصاء للزمن، على حدّ قول أرسطو.

يُتبع.


قائمة المصادر و المراجع بحسب ظهورها:
1- أ. بوحميدة محمد بن عيسى، الشاعر الشيخ محمد بن يعقوب صاحب العلم الموهوب القاضي المتصوف، نشر ابن خلدون – تلمسان-
2- الدكتور أبو القاسم سعد الله. تاريخ الجزائر الثقافي، الجزء الرّابع 1830- 1954. دار الغرب،بيروت،ط1، 1988
3-الإمام الطبراني، مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب، حققه و علّق عليه محمد شجاع ضيف الله، دار الأوراد للنشر و التوزيع، الكويت الحرّة .1992.
3- قصيد بارمينيدس إلى ينابيع الفلسفة. نقله من الإغريقية القديمة و قدّم له يوسف الصّدّيق مع دراسة جان بوفريه في الفكر البارمينيدي. دار الجنوب للنشر، تونس.
4- أرسطو ، فنّ الشِعر ، ترجمة و تقديم و تعليق دكتور إبراهيم حمادة، الناشر مكتبة الأنجلو المصرية.
5- إليا الحاوي. في النقد و الأدب، مذاهب فنيّة غربيّة عربيّة، أبحاث و نماذج من الشعر العربي الحديث، الجزء الخامس، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط2، 1986 .
6- جورج غريّب. الشعر الملحمي تاريخه و أعلامه، ابن كلثوم – ابن حلّزة – ابن شدّاد. دار الثقافة للطباعة و النشر و التوزيع.
Lucques Claire, Un problème de l’expression – Essai sur les sources de l’inspiration, P.U.F , 1ed , France, 1948.
8- أرسطوطاليس. الطبيعة. ترجمة: إسحاق بن حُنين، مع شرح ابن السمح، و ابن عديّ، و متّى بن يونس، و أبي الفرج بن الطيب، حققّه و قدّم له عبد الرحمن بدوي، الجزء الأوّل، الطبعة الثانية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1404ه- 1984
9- السّامرائي، فاضل صالح، معاني النّحو، الجزء الأوّل، شركة العاتك لصناعة الكتاب، القاهرة، درب الأتراك خلف الجامع الأزهر.

[1] - عن السيّد عبد القادر دحّان عن أبيه الشيخ محمد دحّان، المكنى دحّان الأعمى عن شيخه بن يعقوب محمد.
[2] - قصر من القصور القديمة غرب مدينة العين الصفراء ولاية النعامة – الجزائر-
[3] - تعني كلمة خوجة في اللغة الفارسية السيّد المحترم، و الفُرس لا يلفظون الواو التي تقع بين الخاء و الألف و يسمونها الواو المعدولة فهم يكتبونها هكذا، و يلفظونها خاجه لكن العرب تصرّفوا بتعريب اللفظة؛ فقالوا: خاجه، خاجا، خوااجة،خجا، خوجة. و تحوّل المعنى إلى معلم الصنعة، معلّم الكتّاب، مربي الأبناء، الأستاذ ثم صار المعنى: الخصي الطواشي حين صار الخواجة مربيا لأبناء الملوك و الأمراء و بناتهم و خصّوه تخوفا على أولادهم – عن المعاني – و في اللغة التركية تعني اللفظة المعلم أو مربي الخيول الحاذق.
[4] - كلمة باشا من الألقاب التركية، أصلها فارسي من " بادشياه" و تعني العامل بأمر السلطان .. و اختلف البعض في هذا المعنى و وصفوه بأنّه غير دقيق فيقال أنّ أصل كلمة باشا تعني حذاء الملك أو حذاء السلطان فكلمة بادشياه مؤلفة من لفظين و هي بادي و تعني السيّد و شاه و تعني الحاكم أو الملك أو السلطان و كانت تطلق الكلمة في القرن 18 على الحكّام و السلاطين المسلمين في بلاد الهند و أفغانستان و إيران و تركيا إلى سقوط الدولة العثمانية في القرن 20 و كلمة باشا مكونة من "با" التي تعني الحذاء و كلمة "شا" المُحرّفة من كلمة شاه .
- استخدمت كلمة آغا بمعنى الرئيس أو السيّد في النظام العسكري العثماني ..[5]
[6] - أ. بوحميدة محمد بن عيسى، الشاعر الشيخ محمد بن يعقوب صاحب العلم الموهوب القاضي المتصوف، نشر ابن خلدون – تلمسان- ، ص25.
[7] - الدكتور أبو القاسم سعد الله. تاريخ الجزائر الثقافي، الجزء الرّابع 1830- 1954. دار الغرب الإسلامي،1998،ط1، بيروت، ص ،ص 113 ،114.
[8]- الدكتور أبو القاسم سعد الله. المرجع نفسه، ص 89.
[9] - أ- بوحميدة محمد بن عيسى، المرجع السّابق، ص26.
[10] - المشهور في كتب الأدب أنّ هذا الشعر قيل في علي بن الحُسين بن علي بن أبي طالب المُلقب بزين العابدين و بالسجّاد.
[11] - الإمام الطبراني، مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب، حققه و علّق عليه محمد شجاع ضيف الله، دار الأوراد للنشر و التوزيع، الكويت الحرّة .1992.ص35.
[12] - قصيد بارمينيدس إلى ينابيع الفلسفة. نقله من الإغريقية القديمة و قدّم له يوسف الصّدّيق مع دراسة جان بوفريه في الفكر البارمينيدي. دار الجنوب للنشر، تونس، ص 07.
[13] - شاعر ملحمي إغريقي أسطوري يُعتقد أنّه ناظم الملحمتين الإلياذة و الأوديسة عاش حوالي 850 ق،م.
[14] - فيلسوف يوناني عاش ما بين 490 ق،م و 430 ق،م اعتقد بوجود قوى أطلق عليها الحب و البغض، آمن بتناسخ الأرواح، يعتبر آخر فيلسوف دوّن أفكاره شعرا، يُقال أنّه ألقى بنفسه في فوهة بركان.
[15] - أرسطو ، فنّ الشِعر ، ترجمة و تقديم و تعليق دكتور إبراهيم حمادة، الناشر مكتبة الأنجلو المصرية، ص 57 .
[16] - إليا الحاوي. في النقد و الأدب، مذاهب فنيّة غربيّة عربيّة، أبحاث و نماذج من الشعر العربي الحديث، الجزء الخامس، دار الكتاب اللبناني، ط2، بيروت،1986، ص ص 61 62.
[17] - فروق جمع لكلمة فرق و تنطق القاف بالتضخيم أو التفخيم في الدارجة العربية بجنوب غرب الجزائر، و تعني سرب من الطيور.
[18] - طائر صغير أسود اللون، آخر ذيله ريش أبيض.
[19] - جورج غريّب. الشعر الملحمي تاريخه و أعلامه، ابن كلثوم – ابن حلّزة – ابن شدّاد. دار الثقافة للطباعة و النشر و التوزيع،ص 05.
[20] - جورج غريّب. المرجع السّابق. ص 10.
[21] - هو فريدريك كونراد إدوارد فلهايم لودفيق كلاج ولد في 10 ديسمبر 1872 و توفي في 29 جويلية 1956 من مؤلفاته:" الإنسان و الأرض".
[22] -Claire Lucques. Un problème de l’expression- Essai sur les sources de l’inspiration. P.U.F 1ᵉéd, 1948, France, p02.ترجمة شخصيّة
[23] - من مواليد 1874 توفي 1958 من مؤلفاته" نقد شروط الفعل"
[24] - المرجع السابق. ص،ص5،6 ترجمة شخصية
[25] - إضافة من قبلي و لا تعبر عن موقف هنري برغسون، و في الواقع لا أعرف إنْ الفيلسوف يعتبر الشّاعر الشّعبي، مؤهّل لحمل صفة الشّاعر.
[26] - لأنّ حادثة مقتل الحسين أو الفاجعة كما يقول البعض، هي موضوع ملحمة الشيخ محمد بن يعقوب، يكون لزاما علينا أن نطلع على ملابسات هذه الحادثة و نختار رواية من الروايات التي تعرض بالتفصيل لهده الحادثة مع العلم أن أي سردية لا تخلو من جوانب إيديولوجية و سياسية تقف خلف هذه الرواية أو تلك، لهذا على الباحث أن يأخذ الحيطة و الحذر مما يُقال و يذكر، و عليه أن يتعامل مع المادة التاريخية بروية و تعقل.. جاء في كتاب القول السديد في سيرة الحسين الشهيد، لصاحبيه محمد بن عبد الهادي الشيباني و محمّد سالم الخضر :" لمّا أهل الكوفة علموا بموت معاوية و خروج الحسين إلى مكة و رفضه البيعة ليزيد تذكروا وصيّة الحسين بأن لا يُحدثوا أمراً حتى يموت معاوية، فاجتمعوا في منزل سليمان ابن صيرد ( صحابي قُتِل بعين الوردة سنة 65 ه ) خرجوا باتفاق ينص على مبايعة الحسين متى حضر إليهم، كتبوا الكتب، حملت من قبل مع عبد الله بن سبع الهمداني و عبد الله بن وال، ثم بعد يومين أرسلوا قيس بن مسهر الصيداوي، و عبد الرحمن الأرحبي و عمارة بن عبيد السلوكي، و حملوا نحواَ من ثلاث و خمسين صحيفة و أرسلوها مع هانئ السّبيعي، و سعد بن عبد الله الحنفي .. و ممّا يدل على كثرة عدد تلك الرسائل أنّ الحسين لما خرج إلى العراق و نصحه ناصح أشار إلى غيبته و قال:" هذه كتب وجوه أهل المصر" و الرد كان إيجابيا من قبل الحسين و ذكر إنْ قبل بالدعوة فإنّه لن يفعل ذلك إلاّ عاملا بكتاب الله، و الأخذ بالقسط، و الدائن بالحق و المحاسب على ذات.. يذكر أنّ عدد الذين بايعوا الحسين وصل إلى الأكثر من مئة ألف مبايع .. و حتى يتأكد من نوايا هؤلاء يبعث الحسين ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب استجلاء لحقيقة الأمر.. خرج مسلم بصحبة عبد الرحمن بن عبد الله الأرحبي، و قيس بن مسهر الصيداوي و عمارة بن عبيد السلوكي .. لمّا بلغ أهل الكوفة خبر قدوم مسلم بن عقيل قدموا إليه مبايعة اثنا عشر ألفاً، و في بعض الروايات تذكر أنّ عدد المبايعين أكثر من ثلاثين ألفا. لمّا تمت المبايعة بصورة سرية مع تحرّص شديد، و لما تأكد مسلم بن عقيل من رغبة أهل الكوفة في الحسين و قدومه إليهم كتب إلى الحسين :" أمّا بعد فإنّ الرائد لا يكذب أهله، إنّ جميع أهل الكوفة معك، فأقبل حين تنظر في كتابي"؛ غير أنّ بعض الصحابة و التابعين ناشدوا الحسين بأن لا يلبي الرغبة المشكوك في صدقيته، فأهل الكوفة ليسوا محلّ ثقة. غير أنّ الحسين تمسّك بموقفه، دبّر عبيد الله بن زياد مكيدة تمكّن من الإيقاع بهانئ بن عروة مستضيف مسلم بن عقيل، فقام بحبسه، بلغ الخبر مسلم، أخرج على إثر ذلك أربعة آلاف عنصر، حاصروا قصر عبيد الله، و كان عنده حينئذ أعيان المدينة، رغبهم تارة و رهّبهم تارة أخرى، فخذل النّاس عقيل، و صار آخر اليوم وحيدا، و بعد حين يلقى القبض عليه وشاية. أمر الوالي عبيد الله بقتله و قبل أن يلقى حتفه أوصى عمر بن سعد بن أبي وقاص بأن يرسل للحسين بأن بعود من حيث أتى. و في الطريق إلى الكوفة قابل الحسين الفرزدق في مكان يدعى بذات عرق، فسأله الحسين عن تصوره لما سيقدم أهل الكوفة عليه حياله، فقال الفرزدق :" يخذلونك فلا تذهب، فإنّك تأتي قوما قلوبهم معك و أيديهم عليك" .. لما وصل الحسين مكان يسمى زبالة، و قيل شراف، جاءه خبر مقتل عقيل و هانئ بن عروة .. كالصاعقة يقع الخبر على نفس الحسين، نشر الخبر، و أذن للذين لهم رغبة في الانصراف، غادر معظم الناس، و لم يبق إلا الأصحاب، أيقن الحسين أنّه متوجه صوب الهلاك، فرغب في الرجوع، لكن أبناء عقيل رفضوا، و تمسكوا بموقفهم، تحركهم في ذلك نوازع الثأر .. أقدم عبيد الله على تدابير و إجراءات لم يكن لها أي داع غير إثبات الذات و نزوة التسلط،أمر الحر بن يزيد قائد من قواده، بأن يعسكر في شراف، و متى شاهد الحسين عليه أن يلازمه و لا يأذن له بالانصراف حتى يُدخله الكوفة.. لما وصل الحسين كربلاء، أدركه جيش عمر بن سعد و معه شمر بن ذي الجوشن، و الحصين بن تميم .. تساءل الحسين عن اسم المكان فقيل له كربلاء فقال: صدق رسول الله إنّها أرض كرب و بلاء .. عندما نشبت المعركة أبلى الحسين و أصحابه البلاء الحسن و لكن موازين القوة لم تكن في صالحهم، قتل الحسين مع 72 رجلا و قتل من أصحاب عمر بن سعد 88 رجلا. أما الذين شاركوا في قتل الحسين فهم : زرعة بن شريك التميمي و سنان بن أنس النخعي – هو الذي طعنه و احتز رأسه- و هناك رواية أخرى حول قاتلي الحسين: قاتله هو عمرو بن بطار الثغلبي، و زيد بن رقادة الحيني، و الذي أجهز عليه شمر بن ذي الجوشن الضبي، و حمل رأسه إلى عبيد الله بن زياد خولي بن يزيد الأصبحي. كان قتله في محرم العاشر منه سنة 61 للهجرة، رفقة إخوة و أبناء و أبناء عمومة..
[27] - أرسطوطاليس. الطبيعة. ترجمة: إسحاق بن حُنين، مع شرح ابن السمح، و ابن عديّ، و متّى بن يونس، و أبي الفرج بن الطيب، حققّه و قدّم له عبدالرحمن بدوي، الجزء الأوّل، الطبعة الثانية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1404ه- 1984، ص415.
[28] - رجل دين و فيلسوف و صوفي ألماني ولد سنة 1260 و توفي سنة 1328 من كتبه الأوامر الروحية.
[29] - ملاحظة: استندنا إلى تغيّر القافية كمعيار وحيد لتقسيم أزمنة قصيدة الشيخ محمد بن يعقوب.
[30] - يقول السّامرائي معرّفا صار:" إنّ معنى "صار" الانتقال و التحوّل من حال إلى حال، تدخل على المبتدأ و الخبر فتقيد هذا المعنى بعد أنْ لمْ يكنْ، نحو قولك ( صار زيدُ عالمًا) أي انتقل إلى هذه الحال. و ( صار زيد غنيا) أي إنّ زيدا متصف بصفة الغنى المتصف صفة الصّيرورة أي الحصول بعد أن لم يحصل" [ السّامرائي، فاضل صالح، الجزء الأوّل، شركة العاتك لصناعة الكتاب، القاهرة- درب الأتراك خلف الجامع الأزهر-، ص 213.]
[31] - الوصف ملحق بالشّعر الفصيح، و أنا قمت بإعارته أو نقله – transfert- فألحقته، و لست أدري هل النقل مناسب أم لا؟

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة