1 - تعريف بالكاتب
حافظ الزبور كاتب مغربي مقيم بكندا متحصل على دبلوم في الدراسات العليا في تدبير التنمية الاجتماعية و على تكوين في التواصل الاجتماعي من جامعة كيبيك بمونتريال، غادر المغرب نحو كندا في سنة 2012 حيث يعمل منذ ذلك التاريخ مستشارا في الإدماج بمنظمة تابعة لوزارة الهجرة الكندية.
صدر للكاتب عمل حمل عنوان « بوح كندي أزرق» جمع فيه نصوص ومقالات حول مواضيع متعددة، مثل العلاقة مع المكان الجديد إلى تدبير العلاقة مع الآخر فينا أو المختلف عنا حيث يقول عن ذلك « كأنه تصفية حساب مع الأيام الأولى للغربة ».
و تعتبر رواية « غربة بلون الرمل » موضوع قراءتنا باكورة أعماله الأدبية كما أنّه بصدد الإشتغال على رواية قادمة ستكون الصحراء محورها خاصة و أنّ الكاتب قادم من عمق الصحراء المغربية.
2 - رواية « غربة بلون الرمل »
صادرة عن دار روافد للنشر و التوزيع بالقاهرة سنة 2020 في طبعتها الأولى و قد وقعت في أربع مائة و ثلاث و ثلاثين صفحة، إمتدّت على أحد عشرة فصل.
كلّ فصل تضمن عددا من الفصول الصغيرة بعناوين محددة عكس الفصول الأحد عَشَرَ الرئيسية التي جاءت عنوانيها في شكل أرقام من واحد إلى أحد عَشَرَ.
يستهلّ الكاتب روايته بطريقة تقريرية متحدثا عن الثورة التي شهدتها « الكيبيك » مطلع الستينات.
هذه الثورة الهادئة ستكون أولى عناوين الفصل الأوّل حيث تحدّث الكاتب عن التحديث الذي شهدته « الكيبيك » عقب انتهاء أو انهاء نظام الظلمة الكبرى و تراجع دور الكنيسة الكاثوليكية عقب انتهاء حكم الوزير الأول « موريس دوبلسيس» و تسلّم الليبرالي « جون لوزانج » الحكم.
بعدها يعلن الكاتب عن أولى شخصيات روايته و الشخصيّة الرئيسية، « بيير » هذا الشاب الكندي المنتصر لليبراليين بعد ان كان جزءا من العمل الكنسي لكنّه يتركه انتصارا للثورة على الكنيسة التي كان جزءا منها باعتباره قسًّا رغم ما سيجلبه له ذلك من متاعب و يتوجه للعمل الإجتماعي التطوعي لمساعدة الوافدين الجدد و حتى يضمن عيشه عيشه عمل كمساعد مهندس بأحد الضيعات التجريبية، بعد ذلك يبدأ الكاتب بالكشف تباعا عن الشخصيات الثانوية أو المساعدة للشخصية الرئيسية، « بيير الكيبيكي » حيث تظهر شخصية « جوزيف كهومبا » المهاجر الكنغولي ( لم يخبرنا الكاتب من أي كنغو ؟ برازافيل أم كنشاسا) الذي سيكون له سابق معرفة« ببيير » حيث التقاه في قدّاس الأحد بإحدى الكنائس التي كان يعمل بها « بيير » و هاهو يلتقيه ثانية في مقر الجمعية التي تعمل على مساعدة المهاجرين الجدد أين سيكون اللقاء أيضا بكلّ من « موريسيو من كولومبيا »، « سانشيز من البيرو »، « جون من هايتي »، « سميرة من المغرب » و « نجيّة من الجزائر»، فسيفساء من المهاجرين تعطي صورة عن المجتمع الكندي أو الكيبيكي بصفة أدقّ كما تقدّم لنا إشارة عن ثراء تجربة الكاتب تنوعها في العمل الإجتماعي الموجه للإدماج و الهجرة.
ثمّ يبدأ التحوّل في المكان و الأحداث حيث ينتقل الكاتب بروايته من « الكيبيك » إلى « واد نون » بجنوب المغرب تحديدا منطقة « كليميم » في نقل جذري و مفاجئ، ناقلا بطله « بيير » أيضا و الذي سيحطّ رحاله بهذه المنطقة.
هنا تبدأ رحلة جديدة « لبيير» من خلال لقاءاته المتعددة مع شخصيات متنوعة في هذه المنطقة و كأنّ الكاتب يستعمل شخصيته الرئسية كعين كشّافة يحاول من خلال تناول عدد من الشخصيات التي تمثل طبقات و ظواهر إجتماعية مختلفة في « واد نون » و « كليميم ».
يبدأ « بيير » بلقاء « محيجيبة الدلّالة » و هي بائعة سلع تقليدية كالحليّ و غيره بأحد أسواق المنطقة لتتوطّد العلاقة بين الإثنين رغم تحفّظ « بيير » في البداية.
« فمحيجيبة» ترى في « بيير » زبونا جيّدا يمكن أن تستفيد منه غير أنّ حضور « لحسن مولتوريست» الذي هو دليل سياحي غير رسمي ( ليس معترفا به من قبل السلطات )، أفسد عليها خططها لكن بعد شدّ و جذب يحصل إتفاق خفيّ للإيقاع بهذا الزبون الغربي لتنشأ بعد ذلك علاقة غريبة بين « بيير » و « محيجيبة » محورها عروس للقصب كانت من بين معروضات محيجيبة لتتطور العلاقة لأكثر من ذلك ثم يأخذنا الكاتب في جولة في « كليميم » و فلوكلور جنوب المغرب البوابة الغربية لإفريقيا ما وراء الصحراء مشيرا إلى الروابط التاريخية و الجغرافية و حتى الإثنية بين هذا الجنوب و المناطق الشمالية لعدد من دول إفريقيا ما وراء الصحراء.
يعود بعد ذلك الكاتب بالأحداث للوراء مستعملا تقنية الإسترجاع الفني للحديث عن رحلة بيير نحو « كليميم » التي لم يفصح عنها منذ البداية بل احتفظ بها الى هذا الحدّ من الرواية ثم يمضي الكاتب في الحديث عن العلاقة التي ستنشأ بين بيير و لحسن مولتوريست التي ستبدأ بالريبة و الحذر لتنتهي بالصداقة و أكثر منها حيث سيساعد بيير لحسن و عائلة على تحقيق حلمهم بالسفر نحو كندا.
بعد ذلك تبرز شخصية سعيد، هذا المعلم المثقف الإشتراكي الذي سيلتقي ببيير ليدخل معه في عدة نقاشات سياسية حول انفصال الكيبيك و عدد من القضايا الداخلية لكندا مما سيشكل نوعا من المفاجئة لدى بيير بسعة اطلاع سعيد و اهتمامه بقضايا بعيدة عن بلده.
سعيد هذا المناضل من الداخل كما عرّف نفسه حيث أنّه ليس من المطالبين بتغيير النظام برمّته بل يرى بضرورة العمل على إصلاحه من الداخل و هذه اشارة جميلة من الكاتب للنهج الذي انتهجته عديد النخب العربية خاصة اليسارية منها التي انخرطت في النظم العربية الحاكمة إثر الإستقلال في محاولة للإصلاح من الداخل كما زعمت لكنها وجدت نفسها شريكة في الديكتاتورية بل وجهها الجميل الذي يحاول تلميعها كلما اشتد الضغط عليها.
بعدها سيلتقي بيير بسالمة، احضيه و الزوهرة و هم على التوالي شخصيات تتواجد بمكان عمله القادم من أجله، فاِحضيه حارس المبنى التابع لوزارة الفلاحة أما الزوهرة فهي السكرتيرة.
يلتقي بعدها ببوشعيب مدير المركز الفلاحي الذي سيعمل فيه بيير مهندسا، بوشعيب موظف عربي كلاسيكيي، كبير الجسم صغير العقل كما وصفه بيير و هذا كان وصفا طريفا من الكاتب عبّر من خلاله على شريحة واسعة من شاغلي المكاتب و الوظائف في الدول العربية و التي كانت و مازالت من أسباب تخلف هذه الدول مما تدفع بالكفاءات للهجرة نحو الغرب لأنها لم تجد حظّها بسبب هؤلاء.
و عند هذا المستوى من الرواية يفصح الكاتب عن مهمّة بيير التي قدم من أجلها للمغرب حيث أنه جاء بناء على طلب عروض دولي تقدم به المغرب لمعالجة الوضع البيئي المتردّي « بواد دانون» تحديدا منطقة « كليميم » حيث الجفاف، الجراد و زحف الرمال. فمجيء بيير ( المهندس الفلاحي ) كان بناء على نصيحة من صديقه المغربي عزيز ( ثاني الشخصيات الرئيسية) الذي درس معه بنفس الجامعة بالكيبيك حيث علم عزيز بالعرض عن طريق عائلته التي رغبت في عودته للعمل ببلده لكنّه رفض ذلك مفضّلا ترشيح صديقه بيير و هنا يضعنا الكاتب أمام هذه الحقيقة الموجعة حيث يرفض العربي العودة لموطنه في المقابل يقبل على ذلك الأجنبي.
تتوطد العلاقة بين بيير و مديره بوشعيب الذي وجد الأخير في بيير ذلك الموظف الكلاسيكي شكلا الثائر مضمونا حيث سيعيشان مغامرات عدة خاصة حين أخذ الحماس بيير ذات مساء بالمعهد الفلاحي لينشد نشيدا يتغنّى بالثائر الأممي تشي غيفارا فيصل ذلك لمسامع الأمن الذي جاؤوا لأخذ بيير للتحقيق معه و ما يلي ذلك من تبعات على بوشعيب و خوفه على وظيفته.
يعود بعد ذلك الكاتب للحديث عن مونتريال فيرجع لبداية تعارف بيير و عزيز و يقوم بمقارنات بين مونتريال مدينة بيير و الدار البيضاء مدينة عزيز.
عزيز هذا المغربي المهندس الذي ترك مدينته و سافر مع زوجته الطبيبة بشرى و ابنائه إلى كندا تبخّرت أحلامه مع وصوله هناك حيث شعر بالخذلان و بأنّ الوعود التي تروجها كندا للوافدين الجدد ليست إلا سرابا و وهما و قد وجد نفسه يعمل كسائق تاكسي رغم أنه مهندس مما جعل حياته تتغير نحو الأسوأ الشيء الذي افقده عائلته في نهاية الأمر حيث تركته زوجته و أبناءه.
تنشأ علاقة بين عزيز و كارسيلا اللاجئة الكولمبية التي فرت من بلدها بعد محاولة فاشلة لمقاومة عصابات المخدرات، فعزيز و كارسيلا أصبحا خليلين تحاصرهما المشاكل و الخيبات، فهو مهندس تحوّل لسائق تاكسي و هي محامية و سياسية تحولت لعاملة ببار و لخادمة جنس.
بعدها يعود الكاتب للحديث عن علاقة عزيز ببيير و كيف تعرف الأخير على بشرى زوجة عزيز ذات لقاء مشترك بين الثلاثة حين ذهب عزيز للقاء أبنائه لتتحول هذه العلاقة لعلاقة ملتبسة محورها صديقين و زوجة مطلقة تتسرّب إليها مشاعر شفيفة تجاه صديق طليقها مما دعا هذا الأخير للتفكير في طريقة لإبعاد صديقه عن طليقته و ذلك باقتراح عقد العمل في المغرب كمحاولة للتخلص منه و إرساله بعيدا عنها.
يرجع الكاتب بالأحداث نحو « كليميم » متحدثا عن علاقة بيير بأهلها، بوشعيب المدير و زوجته، محيجيبة و لحسن مولتوريست مستذكرا محاولات الأخير المتكررة للهجرة نحو فرنسا عن طريق عقود العمل التي يجلبها « موغا » هذا الفرنسي الإستعماري السابق الذي يحضر كل سنة ليشحن عددا من العمال المغاربة نحو الكهوف الفرنسية حيث المناجم.
هنا تدخل شخصية بلخير السوداني هذا الرجل الذي قدم أجداده من السوادن و استقروا في « كليميم » حيث ينطلق في الحديث عن ذكرياته مع الدمّاحة و مع الدّاه. و الدّاه هو صاحب أحد أكبر البيوت في المنطقة و الدمّاحة هي زوجته و يسترسل الكاتب على لسان بلخير في في سرد ما كان يحدث في تلك الدار في علاقة بالمنطقة و أهلها.
يعود الكاتب للحديث عن إيقاف بيير من قبل المخابرات المغربية و تعرّضه لما يمكن أن يتعرض له أي مواطن عربي في بلد غير ديمقراطي و ذلك إثر ندوة تكوينية أطّرها لقائدة طلبة معهد الفلاحة حيث أخذهم النقاش من الفلاحة للسياسة و لو لا تدخل السفير الكندي لسجن و من ثمّ رُحّل كما سيعلم بيير عن طريق كارسيلا بمرض صديقه عزيز الذي سيتوفى فينقل جثمانه لبلدته التي رفض الرجوع لها حيّا فعاد إليها جثمانا مسجّى.
و يسعف القدر بيير فيحضر جنازة صديقه و هناك سيتعرف على عائلته كما ستعرف على مصطفى صاحب سيارة التاكسي جار عائلة عزيز و الذي سيدخل معه بيير في نقاشات يعود من خلالها إلى أحداث المحاولات الإنقلابية التي شهدها المغرب في السبعينات كما ستشهد الجنازة لقاء ثانيا بين بيير و بشرى و كارسيلا، فتقوم بشرى بمخاصمة بيير ظنّا منها أنّه علاقة بها لتهدأ الأمور سريعا حيث سيدور نقاشا مطولا بينهما.
يعود بعدها بيير لصديقه حسن مولتوريست الذي أقنعه بأخذه لكندا فقام بيير بالتكفل بجميع إجراءات سفر لحسن و زوجته زينة و أولاده ليجدوا في استقبالهم بشرى التي ما أن أنت جنازة طليقها حتى عادت لكندا، بشرى التي رأت في لحسن و زوجته زينة نفس مسيرتها مع زوجها السابق عزيز لتدخل بعدها في حوار الأمنيات مع بيير حول عمله في « كليميم » و مشروعه هناك لتنتهي الرواية ببيع بيير لبيته في كندا و تمويله للمشروع و ايفائه بوعده لبشرى التي رسمت قبلة على خدّه حين أخبرها بأنّه اشترى تذاكر السفر للمغرب ذهاب دون عودة.
3 - لماذا « غربة بلون الرمل » ؟
عديدة هي القضايا التي عالجتها الرواية التي بيّن صاحبها إلمامه بالتاريخ و الجغرافيا و السياسة بكلّ من بلده الأمّ المغرب و بلد هجرته كندا.
فقد عالجت مشكلة ادماج المهاجرين في كندا حيث يجد المهاجر خاصة إذا كان مثقفا، نفسه على الهامش كما حصل مع عزيز المهندس الذي وجد نفسه سائق سيارة تاكسي أو كارسيلا المحامية الكولومبية التي وجدت نفسها بائعة في بار و بائعة لجسدها.
أيضا يظهر هذا الوجه القبيح للغربة و الإغتراب و التفتّت الذي يعيشه المغترب الذي لا يجد موطنا يعترف به سواء موطنه الأصلي أو موطن هجرته. كما عالجت الرواية دور الدين في حياة الإنسان و في الفضاء العام من خلال الإشارات الكثيرة في متن الرواية و أيضا من خلال شخصية بيير القس السابق الذي رغم ابتعاده عن الكنيسة لكنه بقي على تبتّله كما اخبر بذلك بشرى في نهاية الرواية و كذلك من خلال المقارنات العديدة بين الإسلام و المسيحية و الأسئلة المشتركة.
تناولت الرواية أيضا الواقع السياسي و التغييرات التي حدثت بكلا البلدين أي المغرب و كندا مع التعريج على بعض الأحداث التاريخية و بعض المشاكل العالقة إلى اليوم كمشكلة الصحراء المغربية و مشكلة الكيبيك.
رواية ذات سرد سلس و متناسق مع مرواحة بين الأمكنة من خلال الإنتقال بالأحداث بين المغرب و كندا و أحيانا المزج بينهما و التنوع في الشخصيات، عوامل جعلت من هذا العمل البكر لحافظ الزبور مغامرة ناجحة تمكن من خلالها من الدخول لعالم الأدب من باب الكبير، باب السرد.
بقي أن نشير أنّ الإستعمال المكثف للكلمات المعرّبة، كانت عاملا معطّلا لتسلسل أحداث الرواية في بعض من أجزاءها بل يمكننا القول بأنّها دفعتها للثقل. فقد بالغ الكاتب في استعماله لكلمات فرنسية مكتوبة بأحرف عربيّة أو كتابة الجملة و وضع بين معقفين ( قالها بالفرنسية) في اشارة للشخصيات المتكلمة حيث فرض بهذه الطريقة نوعا من الأبوية الأدبية على القارئ و إلاّ حين يكون بيير القادم من الكيبيك متحدثا فحتما سيكون كلامه بالفرنسية و لا يحتاج الكاتب الإشارة لذلك بين معقفين، فالقارئ طبيعي أن يقرأ كلاما بالعربية لشخصية كندية ( مقتضى الحال ) متخيّلا أنّه يقول ذلك بالفرنسية ( خيال القارئ) لأنّ هذه الطريقة تدفعه للكسل الفكري.
لكنّ حين سئل الكاتب عن هذا الأمر أجاب بأنّه تعمّد ذلك سعيا منه لتقريب صور و مشاهد الرواية للقارئ العربي خاصة في دول المشرق التي لا تعرف اللغة الفرنسية حيث يرى أنّ ذلك ليس إلاّ عاملا مساعدا.