تأمّلات سريّاليّة: سبخة السيجومي محراب هامش محرار فهم – نص: د. الحبيب النّهدي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

تقديم استهلالي
علاقاتي التأمليّة مع سبخة السيجومي، ليست وليدة الآن، بل كانت طقسا خاصا، يلازمي كلما تستقبلني مدينة تونس (مفترق المرناقية-تونس). كنت اراها كالبحر، ثم في مرحلة دراستي بكليّة الآداب والعلوم الانسانية 9 أفريل بتونس، حيث طوابقها العليا تشرف على سبخة السيجومي، مشهد فاتن يحيلني على شعرية الـتأمّلات في ظلّ صرامة السوسيولوجا. دأبتُ على أن اتأمّل السبخة في اوقات مختلفة، في الصباح في الظهيرة وعند المساء وفي الليل. وها هي، تلك التأملات، تنبعث من جديد بين ذهاب واياب حيث أمر غالبا من سبخة السيجومي وأشرف على امتداد مساحاتها من قريب. لا أعرف هل هذا الاحساس اشترك فيها مع أغلب من يمرون من هنا ام لا؟ اذن، هي مقاطع بعضها كان محبرا على هامش محاضرات عدّة اساتذة من كليّتي -في التسعينات- راحت الان مخيلتي تتكاثف وتتداعى من كان يتوقع في تلك اللحظات من الزمن أنّي سأستعيد الآن تلك الخربشات واللحظات الشاردة والشريدة؟ فأسترجع وأضيف لها كتابة أخرى. هي دوما هذه لحظات شاردة شاهدة ان الكون يسكنني. (سبخة السيجومي من شارع 9 أفريل 1938 تقع في دائرة مدينة تونس ، ويتراوح ارتفاعها بالنسبة لمستوى سطح البحر بين 8 و10 أمتار. الولي الصالح هو حسين بن عطية بن إبراهيم بن عبد الله السيجومي توفي في أوائل ربيع الأول سنة 624 أحد تلامذة أبي الحسن الشاذلي (انجزت عنه شهادة في الكفاءة في البحث في 9 أفريل 1993) ه )

صبحا ومساء على مدار العام
وسبخة السيجومي كلّ يوم في شأن
على الدوام!!!!!!
ليس البقاء للأصلح إذا كانت الطاحونة ترحي العمى
والقوى تدفع للتشتت والانحلال
قد ضاع ما يهذّب حواسنا إذا ما عاكسته النفايات
هنا قرف وانبهار بالظلال الباهتة وروائح من قذارة الحضارة
والمستحيل اخفته السبخة وذاب سكرا في ماء المرارة
ما نراه يخفي كلّ شيء
ويأسرني الحريق
يخفّف لهيبي بحثي عن الرحيق الفوّاح في مخالب الطبيعة
ويُنشدني الحفيف وانصهار قوى لامرئية
اذا لم تبصر حلمك
وتترك هنا ذكرى يداك تفكران في البيئة
وتغمس النسيان في برك راكده
فالأوحال لا تصلح طينا حراّ لنحت وجهك.. ليست سوى لتمرّغ الخنازير
هذا المدى الخفيّ مخيف
ملقى على مرمى الرعود والصواعق التي قد تأتي في كلّ حين
وكلّ غموض يتبعه غموض
وكم طيّر رقص على موته الأخير!
وتموجات السّراب لم تعد تُخيّلني
يفصلني شارع لكي التقي بالأفق المفتوح
ومن ذاتي اصاعد لذاتي
وكل شيء يغردّ في الحلم ليس لي ما ادوّن منطقيا وبوضوح
أحتاج لغموض فاتح كي ابدد غموضا قاتما
تهرب الأفعى من جحيمي كي لا أموت
انت سرّ الحكاية
وتذمّري المفضوح من بعض الباعوض عنوان انتصاري
أشهد أن السبخة ملاذّ الغرباء
وحضن المتشرّدين والمتمرّدين وأصحاب الهمم
وفيها محراب الهامش محرار الفهم
بلمسة إنسانية نجعل منه طاقة خلاّقة
نزيل عنهم الدمعه
ونستردّ لهم الهمّه
**********
لست ثائرا او ثوريا
أو أرتقي للشهيد نرى نصبه التذكاري في روعة الشموخ
انا فوضوي ضد نعمومة الاستعباد والاستبداد
انا عبثي ضد التلقين والمذاهب
اهرب من جفاف المدينة للسبخة المطلة على روحي السيالة اروي عطشي الوجودي
واهرب من روحانية مقيتة لا تنفتح على بهجة الحياة الوردية
واغني للحنايا وجبل بوقرنين وسيدي بالحسن الشاذلي الشامخ من بعيد
ادرك غربتي في وضوح الزيف
انا لست ثائرا او ثوريا
أو أرتقي للشهيد نرى نصبه التذكاري في روعة الشموخ
انا فوضوي ضد نعمومة الاستعباد والاستبداد
**********
اتركوني وشأني مع سبخة السيجومي أؤلّف أوجاعي نشيدا
في شارع بين جامعتين عاليتين **********
حركة الأضواء
حركة الأمطار
حركة الماء
حركة الريّاح
كلّما شممت رائحة النبات
السمار والقصب والأقحوان
والدفلة المعرشة على الماء
تبخرت نتونة المدينة
حزني تمتصّه سبخة السيجومي
تتلوّن كالبرتقالة كروعة ما يفاجئنا في حين
لساعات طوال
أرقب السبخة في تغيّر مزاجي
هي الأحمر في لحظة ساحرة
وهي الضياء لحظة ولادة الشمس
وهي خضراء تحت نور القمر
سرقوها مني لحظة اشراق العقل واستردتها لحظة جنون
في هذه السبخة استرد حواسي وغريزة البقاء اسمو بروحي في التأمل في حياة لن تموت
وصنعت مسالك ممكنة فأتماسك كالشمس وهي تعبر السماء بتأن
لا أحسب كثيرا مع تذوق أسرار الحياة
وبالمعنى السوسيولوجي
يمكنني الحديث عن "مجتمع سبخة السيجومي"
فيها المؤتلف والمختلف: البطّ والنعام الوردي والغرقون ومختلف الاطيار المهاجرة تتعايش وتتضامن وتتقاسم الرغيف
وتؤلّف سنفونية الماء والبقاء وفتنة المتلّقي الموعود
تعلمني الاطيار منطق المجتمع المنشود
روعة لا تحتويها عبارة أو قول
انما تنسج خيوطها حبّات النور
في كلّ ذرّة تولد غلّة الحروف
سبخة مسخت جنّة رغم جحيم المدينة
اعتقتني في سفينة البوح
أليس الحياة سوى احتفالا وهروبا من احتقان الفوضى؟
والفعل مرصع رغم الموت بياقوت نزعة للخلود
تحلّل فانبعاث
سبخة مسخت حلما
كأنها هي ولادة عقل تعقل نجاة الروح
**********
سبخة منسيّة
لا يغازلها سوى معشوق استثنائي
لا يهرب لها سوى من ذاكرته كونيّة
هروبا من أشياء لا معاني لها
وفراغ المدينة يصطاد الرموز
ويفزع الروح
ويفرغ الثرى من صدى الرفض
ليس لي ما يبتاع
ومنسج التأويل أفكك به مصيدة للعنف
في لولب الاعصار وبركان الغضب
لا يمكن أن اتبرك اذا لم تحوّل السبخة الرديء صفاء

 

د. الحبيب النهدي
تونس

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة