« سوق راسي » زجل بميزات جمالية ودلالية - عبد النبي بزاز

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

يتضمن ديوان « سوق راسي » الزجلي للشاعر والزجال المغربي إدريس الهكار خاصيات وميزات شعرية أساسية تتحدد فيما هو جمالي بلاغي كالإيقاع والجناس والطباق ، وما هو دلالي في موضوعات كالديني والاجتماعي والقومي.
فنصوص الديوان تحفل بزخم بلاغي يمنحها بعدا تعبيريا بملامح متنوعة تسهم في إغناء متنه الشعري الإبداعي ، حيث يتجاور الجناس في قوله : " وحق الحق ... ما نقول غير الحق" ص 3 ، أو في " حال حالو ماهناني وحال حالتو غمة " ص 5 ، بالطباق كما نقرأ في : " وسولت المكسي والعاري ...فزمان العامر هو اللي خاوي " ص 3. وإيقاعي في مثل قافية النون : " سمعون يا لخوان وقولو لي واش كلامي ميزان ... " ص 30 ، مركزا على الميزان كمعيار يضبط إيقاع القصائد من خلال جَرْس خارجي مجسدا في قافية الهاء في قوله : " راه راه الطير الحر فسماه لغوات نا يض موراه " ص 87 ، أو الداخلي كحرف السين : " وعنقت راسي وقلت يا راسي ... مالك ناسي" ص 86 . تناوب وتنويع هذا اللون من الإيقاع ( جَرْس خارجي وداخلي ) في العديد من نصوص الديوان ، مما يحذو بالزجال إلى التصريح باعتماده إيقاعا ينتظم قصائد المجموعة بما يخلعه عليها من خاصيات جمالية وإبداعية حين يصرح في خطابه للمتلقي : " سمعوه يا لخوان وقولو لي واش كلامي ميزان " ص 30 ، فالميزان ببنائه الإيقاعي يشكل خلفية تحكم زجل الشاعر وترسي لبنات وأسس صرحه الفني الذي يسعى لتعميق أبعاده ودلالاته : " بحور القوافي بحور عميقة " ص 33.

أما على مستوى الموضوعات فقد استحضر موضوع الدين مشيرا إلى ما يشغل الناس عن ممارسة فرائضهم الدينية كالصلاة ، وانشغالهم في إضاعة الوقت وتزجيته بلعب الورق بدل التقرب إلى خالقهم بالعبادة : " يعطو على السوطة ونساو الصلاة " ص 15، والموضوع الاجتماعي من خلال تصويره لمعاناة فئات عريضة من المجتمع من مشكل السكن حيث يتكدسون ، في ظروف مزرية ، داخل بيوت ضيقة تفتقر لأبسط شروط العيش اللائق في قصيدة« القصدير» حيث نقرأ : " ثلاثة مترو فالبيت قالو ساكنة فيه سبعطاش عيونهم حوالو" ص 17 . فضلا عن إثارته لموضوع القومية العربية وما تعيشه من تشرذم وتردي في ظل أوضاع تعكس أنواع الفرقة ، وضروب التصدع و الاختلال الذي يفتت صفوف العرب ويزج بهم في دركات الاستسلام والخنوع والهوان كما يصور ذلك نص « شاطت لفهامة » : " وبكيت عليك ياغزة ... يا العربي مالك حاني" ص 79، في إشارة لقطاع غزة الصامد في وجه بطش الصهاينة وعدوانهم الغاشم مع غياب دعم العرب ونصرتهم بانهماكهم في خلافات داخلية عقيمة.
ولا تخلو نصوص الديوان من ذكر فضاءات كالسوق وما يعج به من طقوس تدخل في خانة ثقافة الطعام بتقاليدها وأعرافها الموروثة : " السفنج سخن وزيتو غالي وأتاي لمشحر شاهد على حالي كلست فوسط الرحبة نكتب محاني... هاذي حالت السوق وفين ماشي " ص 27 ، حيث جلوسه وسط ( الرحبة ) كمكان فسيح داخل رقعة السوق لتدوين بعض همومه وانشغالاته ( نكتب فمحاني ) . ويحضر فضاء الحمَّام وما يزخر به من مكونات خاصة تؤثث المكان وتهندس نظامه من « قُبّ » ( دلو ) ،و « برمة » ( حوض ماء ) ، و«كَسَّال » ( مكلف ب «فرك » أجساد رواد الحمَّام لإزالة بما علق بها من أوساخ) : " بان لي قب يتألم من لعذاب ... البرمة ما تشبع ... ليك الله يا كسال ... عييت ما تفرك والوسخ سراب... " ص 54. مع تضمين نصوص المجموعة بذكر أعلام من الموروث الشعبي ، وما يعج به من طرق صوفية اشتهرت بالزهد والورع والتقوى : " أنا مجدوب ... " ص 26 في إشارة للشيخ سيدي عبد الرحمن المجدوب وما عرف به من أقوال مأثورة بأبعاد من حكمة القول ، وسداد الرأي : " أنا عيساوي ... أنا حمدوشي ... " ص 26 ، وهي فرق وطوائف اشتهرت بنظامها القائم على الزهد والورع السائد بين منتسبيها من شيوخ ومريدين كالطائفة العيساوية والحمدوشية التي تلتئم في مناسبات احتفالية منخرطة في إحياء طقوس عبر حلقات الذكر ، وترديد عبارات دينية مشفوعة بحركات جسدية تنشد بلوغ مقامات روحية سامية . إشارة تتجاوز ما هو محلي لما هو عربي : " شحال من قيس علقو لو مسكين حجابو ... " ص 51 ، وما عرفته شخصية قيس في علاقة عشقه القوي والراسخ لليلى المستقاة من الموروث الشعري العربي القديم ، بالإضافة لتوظيفه لِحِكَم وأقوال مأثورة من قبيل : " الله يحد الباس "ص 9 ، " برق ما تقشع " ص 11 ، و" الفلك يدور والسوايع بدالة " ص 76 ، وما تنم عليه من معاني تختزل ثمرة تجارب عديدة في حياة موسومة بالتقلبات والاهتزازات والارتدادات ...مما يعدد وينوع من انفتاح الشاعر على مرجعيات تراثية مختلفة تغني متنه الزجلي ، وتشرعه على آفاق مطبوعة بالعمق والرحابة. ويحضر أيضا الحكي ضمن ثنايا الديوان متمثلا بمصدر ذي أصالة وعراقة في الجدة : " كانت جدة تقرب مني تحكي لي رواية " ص 82 ، والجد : " ولا سول سول جدك يحكي ليك القصص من ثاني" ص 99 ، وكذا نظام التعليم بالمسيد وما يعتمده من أدوات كالصمغ واللوح : " فين الصمغ واللوح وفين تلقاه " ص 92، في حنين مشفوع ب « نوستالجيا » غامرة لزمن طفولي داخل فضاء المسيد بنظامه وأدواته التعليمية.
فتجربة الشاعر والزجال إدريس الهكار في ديوانه « سوق راسي » تجربة غنية بميزاتها الجمالية والدلالية تعكس مقدراته الإبداعية على خلق أنماط تعبيرية تثري المشهد الزجلي المغربي بما تضفيه عليه من نزعة تجديدية يطبعها العمق والتنوع والتعدد.
-------
ــ الكاتب : إدريس الهكار ( شاعر زجال ) .
ــ الكتاب : سوق راسي ( زجل ).
ــ المطبعة : مطبعة الشفشاوني ـ فاس 2018 .

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة