إن الحديث عن النص الرقمي، هو حديث عن نص أدبي لا يتأتى إلا من خلال منظومة متكاملة ومتوازنة من الروابط والعقد والوسائط الرقمية، التي تنقل بحضورها النص الأدبي من شكله الكلاسيكي إلى الشكل الرقمي، فنكون بذلك أمام أدب «يوظف معطيات التكنولوجيا الحديثة في تقديم جنس أدبي جديد يجمع بين الأدبية والإلكترونية ولا يمكن أن يتأتى لمتلقيه إلا عبر الوسيط الإلكتروني، أي من خلال الشاشة الزرقاء، ولا يكون هذا الأدب تفاعليا إلا إذا أعطي المتلقي مساحة تعادل أو تزيد مساحة المبدع الأصلي للنص»[1].
نتحدث إذن، عن «شكل أدبي جديد يوظف الإنجاز التقني المزود بمختلف التقنيات والتطورات الإلكترونية من عتاد وسائطي وبرمجيات، فضلا عن الوسائط المتعددة، أي ما يمكن أن يستعمل في المجال السمعي والبصري، والمعلومات للدلالة على استعمال الأصوات والصور، والخطاطات ومقاطع الموسيقى».[2]
إن هذه الوسائط المشار إليها تحضر بقوة في النص الرقمي، باعتبارها عناصر مؤسسة لا يتحقق النص الرقمي إلا بوجودها، ومادامت تحضر بهذه الدرجة من القوة والإلزامية فإن وجودها يشكل سلطة تفرض على النص، سلطة مستمدة من حتمية الحضور وفاعلية الوجود، ومادامت له السلطة الاعتبارية داخل النص، فيترتب عن ذلك تحقق جذري لمستويات متطورة من التفاعلية الرقمية.
وعليه، فإننا نتساءل من أين يستمد الوسيط الإلكتروني سلطته؟ وما تجليات هذه السلطة الاعتبارية التي يمتلكها الوسيط؟ وكيف تعمل في النص الأدبي باعتباره نصا رقميا من جهة وباعتباره جنسا أدبيا جديدا من جهة ثانية؟
تجليات سلطة الوسيط على النص الرقمي:
إن سلطة الوسيط أول ما تظهر، تظهر في مجال التخييل، إذ انتقلنا عبرها إلى مرحلة ثانية جديدة، هي: «مرحلة التخييل الرقمي، التي لا تعتبر قطيعة كلية مع المعنى العام للتخييل، بقدر ما هي عبارة عن تغيير لسؤال الأدب من منتجه المباشر المؤلف/ الكاتب إلى القارئ، ومن التعامل مع اللغة السردية المألوفة باعتبارها جوهر الفعل المحقق للحالة النصية، إلى اعتبارها مجرد عنصر من بين عناصر لغوية جديدة دخل بمنطقها، وآلياتها وطريقة تعبيرها لغة البرمجة المعلوماتية «[3].
انطلاقا من هذا الرأي، نفهم أن الوسيط يفرض هذا الانتقال من صورة قديمة وكلاسيكية، معهودة ومتداولة لمعنى التخييل إلى معنى جديد، ذي بعد رقمي يترتب عن وجوده انتقال في معنى الأدب من كونه أدبا يتمحور حول المؤلف/ الكاتب إلى أدب يتمحور حول القارئ/ المستخدم. وبالتالي، فإن هذا يشكل سلطة مباشرة تفرض على النص، فينقل بموجب هذه السلطة إلى نوع أدبي يقدم القارئ/ المستخدم على المؤلف/ الكاتب فيكسر تلك الصورة النمطية التي تحكمت في الأدب.
تتجلى هذه السلطة أيضا في كونها تفرض انتقالا كبيرا، ومؤثرا في التعامل مع اللغة السردية المألوفة باعتبارها جوهر الفعل المحقق لنصية النص، إلى صيغة جديدة يصير معها النص مجرد عنصر من بين عناصر لغوية جديدة، تطفو في النص كما عناصر أخرى هي: وسائط لغوية وغير لغوية، رمزية، وإشارية، ووسائط تكنولوجيا حديثة لم تكن معهودة حتى وقت كبير.
تقول الباحثة زهور ﯕرام: «ننطلق من اقتناع إبداعي أكدته مختلف التجارب التنظيرية للعملية الإبداعية، وهي إما أن يكون النص التخييلي إبداعا أو أن يكون شيئا آخر غير الإبداع. وعندما يكون هناك افتعال للحظة الإبداعية فإن النقد لا يجيز مثل هذه التجارب لكونها لا تملك الشرعية في تطوير الأدب والإبداع، وفي إنتاج المعرفة من الإبداع. ما يحدث مع النص الرقمي في علاقته بالتكنولوجيا شبيه – مع فارق تقني – ما حدث/ يحدث مع التجريب في الرواية. إن من فهم التجريب على أساس أنه مجرد لعبة التكسير للحكاية، واللعب بالزمن والفضاء والشخصية فقد أنتج نصوصا أشعرت النقد بأنها مفتعلة للحظتها الإبداعية، ومن ثم لمنطق التخييل. وبالتالي، فهي نصوص تمرر مفاهيم خاطئة حول التجريب الذي يعني رؤية وتصورا للذات والعالم من خلال طريقة معينة في الحكي والسرد وبناء النص»[4].
السلطة الاعتبارية للوسيط لا ينبغي أن تفهم على أنها سلطة سلبية تدل على هيمنة وحصار يفرض على النص والمؤلف؛ بل هي سلطة تدل من جانب على أن المؤلف ملتزم بالحس الإبداعي السليم من جهة الانضباط لتقنية الكتابة الرقمية، وتدل من جانب آخر على أن هذه الوسائط تفعل في جسد النص وتؤثر، إنها فاعلة يترتب عن حضورها تحقق لرقمية النص. وعلى نقيض ذلك تحول جذري في شكل وجنس النص. من نص رقمي إلى شيء آخر، أي شيء آخر إلا النص الرقمي، فهو لن يكون كذلك لأن ما يحقق رقمية النص بالدرجة الأولى هي حسن استخدام الوسائط من (صورة، وفيديو، ورموز، وأشكال، وتقنية الفلاش)، وبالتالي، فحضورها يشكل سلطة تؤثر على النص في جوهره وتشكلاته وعلى المؤلف في صياغته وإبداعه وكذلك على القارئ في تلقيه وقراءته، لأن ما يفرض منطق الجذب والإثارة للمتلقي هو حضور الوسائط التي تخلق له عالما غير مألوف مختلف عن النص الورقي، وهو يقرأ يحس أنه جزء من عملية الإبداع، لأنه يفعل الوسائط، ويضيف ويحلل ويقترح.
لائحة المراجع المعتمدة
[1]- البريكي فاطمة: مدخل إلى الأدب التفاعلي ، ص.49.
2 ـ نذير عادل: عصر الوسيط، أبجدية الأيقونة، دراسة في الأدب التفاعلي الرقمي ، ص.49/50. بتصرف.
3 ــ ﯕرام زهور: الأدب الرقمي، أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية، ص.27.
4 ـ ﯕرام زهور: الأدب الرقمي، أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية ، ص.30. بتصرف.