العنوان الأصلي للكتاب: LA DÉCISION
المؤلفة: كارين تويلKarine TUIL
اللغة: الفرنسية
الناشر: غاليمار- فرنسا
تاريخ النشر: ٢٠٢٢
عدد الصفحات: ٣٠٠
حظيت رواية "القرار" لكارين تويل، باهتمام كبير من نقاد الأدب في فرنسا، واحتلت مكانا متقدما في أغلب القوائم التي ضمَّت أفضل روايات العام المنصرم ٢٠٢٢.
تتمحور الرواية حول حياة قاضية فرنسية في محكمة الإرهاب في باريس، تدعى ألما رافيل في التاسعة والأربعين من عمرها، متزوجة ولديها ثلاثة أولاد، تدور أحداث الرواية في أشهر قليلة من عام ٢٠١٦، وهو العام الذي تلا تعرض فرنسا لهجمات إرهابية أصابت فريق صحيفة شارلي إيبدو، ومحيط ستاد دو فرانس، ومسرح الباتاكلان، وغيرها وخلَّفت عشرات القتلى ومئات الجرحى.
تعيش ألما أحداثا جسيمة على المستويين الشخصي والمهني، فعلاقتها بزوجها إيزرا هاليفي تتدهور حتى مشارف الطلاق، وضغوط العمل القاسية لا ترحم، تتصاعد عليها التهديدات من المتهمين وأقربائهم بل تتعرض لاعتداء جسدي من أحدهم.
تُسَردُ الرواية بضمير الأنا، والقارئ يرى الأحداث بعيني ألما، ما عدا محاضر التحقيق مع متهمين بالانتماء إلى جماعات إرهابية بعد عودتهم من سوريا، والتي تنتثر بين فصول الرواية.
المشهد الأول للرواية يعرض قضاة محكمة الإرهاب وهم يتابعون مشاهد القتل التي يصورها إرهابيو داعش بكاميرا معلقة على صدورهم.
تواجه ألما في حياتها الشخصية مشاكل جمة، تنحدر علاقتها مع زوجها إلى القطيعة العاطفية والجسدية، فإيزرا من عائلة يهودية شرقية، كان في البدء لا دينيا فقاطعته عائلته، ورفضت زواجه من امرأة مسيحية، كان كاتبا أدبيا ناجحا في بدء مسيرته، وحصل على جائزة غونكور ثم تراجع وسقط ضحية الإدمان على الكحول والعلاقات النسائية المتعددة.
تدخل ألما من جهتها بعد تردد في علاقة مع الشخص الخطأ، ايمانويل فوريست، المحامي الجنائي الذي يتولى الدفاع عن عبد الجليل قاسم، وهو شاب في الثانية والعشرين من عمره يهرب مع زوجته سونيا دوس سانتوس، ابنة مهاجرين برتغاليين كاثوليك، تعتنق الإسلام، وترافقه وهي حامل في رحلته إلى الرقة في سوريا عبر تركيا "ليعيشا في أرض مسلمة، وليساعدا الشعب السوري إنسانيا" كما قالا للمحققين.
تلدُ سونيا ابنها في طريق العودة إلى فرنسا في معسكر اعتقال تركي، ويلقى القبض عليها مع عبدالجليل في باريس، يطلق سراحها بشكل مشروط، ويستمر التحقيق مع عبد الجليل ويودع السجن.
تستعرضُ الكاتبة من وجهة نظرها أسباب الإرهاب، وترى أن أغلب المشكوك بانتسابهم إلى الجماعات الإرهابية هم من أوساط المهاجرين الذين يعانون من مشاكل اجتماعية ومن عواقب الاستعمار، ولكن من النادر استدعاء ذلك أثناء التحقيق، وتعتقدُ أن الإرهاب ينبع من المعاناة و غياب الأمل.
أغلب المنتمين إلى الجماعات الإرهابية مولودون في فرنسا، ولكنهم يتعرضون للعنصرية الدائمة، ولا يشعرون بهويتهم، فيبحثون عن هوية أخرى، يجدونها في الإسلام، يحتفظون بحقد يحميهم من آلامهم.
ينشطُ "الجهاديون" كمخالفين للقانون، ثم يتحولون إلى العنف الديني، يعبرُّون أولا عن حقدهم على المجتمع الفرنسي على الانترنيت قبل أن يتحولوا إلى العنف الفعلي، والعدو بالنسبة لهم هم اليهود، أمريكا والمجتمع الفرنسي.
مشكلة الهوية مطروحة بشدة هنا.
تذكر الكاتبة في سياق الرواية استغلال اليمين الفرنسي لهذه الأحداث وتحريضه على المهاجرين المسلمين وحتى الاعتداء عليهم فعليا.
تشير الراوية إلى مشاعر المهاجرين من الجيل الثاني والثالث، فأهل أم عبد الجليل قاسم قتلهم الجيش الفرنسي في الجزائر، ولذلك احتفظ أهله بنزعة معادية لفرنسا، ووجودهم بها لأسباب مادية بحتة، أمّا فهو فيعتقد أن فرنسا هي من تعاديه.
تعرضُ كارين تويل في روايتها خطورة عمل القاضي ضد الإرهاب، ومعاناته الشخصية، تقول أنَّ الحُكم على شخص ليس أمرا هينا، فالزمن بالنسبة للسجين يقاس بالثواني والدقائق وليس السنوات.
تقول بطلة الرواية: لا يقارن خطر اتخاذ قرار سيء مع الرعب الذي يسببه عدم اتخاذ القرار.
تتخذ ألما رافيل قرارها بالإفراج عن عبد الجليل قاسم، رغم بعض الشكوك، والنقاط المظلمة عما فعله أثناء وجوده في مناطق سيطرة داعش.
تقرر القاضية منحه فرصة للعودة إلى الحياة، فيُطلَق سراحه في حرية مراقبة.
تلقي ألما الضوء على طفولة عبد الجليل البائسة بين أب عنيف، وأم ضعيفة، وارتكابه لبعض الجرائم الصغيرة قبل أن يلجأ إلى التديِّن، ويتعرف على فريد يحياوي رجل الدين الذي يشجعه على الذهاب إلى سوريا لنجدة الشعب السوري!
يقعُ المحظور بعد أيام من الإفراج عن عبد الجليل، فيقوم بالحصول على أسلحة بطرق مختلفة ويهاجم ملهى ليليا في باريس بعد دراسة دقيقة للمكان، فيقتل ويجرح عشرات الأشخاص دون ذرة ندم.
في ذروة الأحداث، تكتشف ألما ان ابنتها الكبرى ميلينا وخطيبها علي أريزكي يسهران في ذات الملهى الذي تعرَّض للهجوم، يُقتلَ علي، وتنجو ميلينا بمعجزة!
يلقى القبض على المجرم، وتنطلق الألسنة في السؤال عن القاضي الذي أطلق سراحه قبل أن ينفذ جريمته، تعترفُ ألما بخطئها، وتتعرض للوم لا يطاق من زملائها وزوجها وحتى ابنتها التي فقدت حبيبها.
في لحظة ضعف كبرى تقرر الابتعاد عن عشيقها المحامي الذي كان يدافع عن عبد الجليل وأقنعها بإطلاق سراحه في تضارب واضح للمصالح، وتفكر جديا في الانتحار.
تغيّر ألما رأيها، وتستقيل من محكمة مكافحة الإرهاب، وتلتحق بمحكمة الجرائم ضد الإنسانية في رواندا.
رغم ما حظيت به هذه الرواية من احتفاء، وعلى الرغم من وجهات النظر المختلفة، والمتقدمة نسبيا التي تطرحها الكاتبة فيها، فهي في العمق تعود للالتحاق بوجهة النظر شبه الرسمية في الغرب وتحديدا في فرنسا عن ارتباط الإرهاب بالعرب، والنظرة المتعالية على الآخر، فلم يجد أحدٌّ غضاضة في ذهاب الشباب إلى سوريا بحجة المساعدة الإنسانية لشعبها ضد الدكتاتورية مع علمهم اليقيني بأن هدفهم الحقيقي كان الالتحاق بداعش والجماعات الإرهابية الأخرى، المشكلة كانت في عودتهم وارتكاب الجرائم على الأراضي الفرنسية؟!
من جهة أخرى، شخصيات الرواية الرئيسية تتوافق ميكانيكيا مع وجهة النظر السائدة، فإيزرا هاليفي الشخصية الاكثر توترا في الرواية، تتطور أفكاره من عدم الاهتمام بالدين إلى الالتحاق بالأفكار اليهودية المتعصبة فيرفض زواج ابنته من علي أريزكي طالب الحقوق اللامع لأنه من أصل عربي مسلم، ويظنُّ في أحد مشاهد الرواية أنَّ كتاب أطروحة التلمود الذي أهداه لابنته قبل الهجوم الإرهابي بقليل هو الذي أنقذها من الموت المحتم!
الغريب أنَّ توتر إيزرا يزول تماما في آخر الرواية عندما يعود للعيش في فلسطين المحتلة، ويقيم في القدس بعد طلاقه من ألما وزواجه من إمرأة أمريكية يهودية، وكأن توتر اليهود في الغرب لا يهدأ إلا بالهجرة إلى فلسطين؟!
الأغرب أنَّ ألما القاضية التي اتخذت القرار الخاطىء لم تتعرض لأي مساءلة فعلية، بل كافأت نفسها بأن التحقت بمحكمة الجرائم ضد الإنسانية في رواندا في نظرة استعلائية لقاضية ارتكبت خطأً فادحاً في عملها، وبدل أن تتحمل مسؤوليتها تذهبُ لتعمل في بلد أفريقي، وتتفرغُ بعدها للكتابة بشكل مقحم بعد أن أنجزت مهامها.
الشخصيات العربية في الرواية تقتصر على الإرهابيين عبد الجليل ومحمد عبدالله وغيرهم، ووالدة عبد الجليل المغلوبة على أمرها، وزوجها العنيف المضطرب، ومالك عبود الضابط في الاستخبارات الفرنسية، وكريمة شبل عارضة الأزياء السابقة والتي تعيش حاليا من مصدر غير معروف تلمح فيه الراوية إلى أنه من "علاقات مع أشخاص مرموقين في المجتمع"، أمّا علي الشخصية الوحيدة المتزنة فتموت أخيرا في الاعتداء الإرهابي، فيبدو أنّ العربي الطيب هو العربي الميت!
من بواطن الرواية وغرائبها أنَّ ألما بعد تركها لعملها تجد العذر للمحامي الجنائي الذي يدافع عن المتهمين بالإرهاب، وتعود إليه بعد أن اكتشفت وجود ابن له معاق، وبعد أن أرسلَ لها مجموعة شعرية لمحمود درويش "سرير الغريبة"، تقرأ منه هذا المقطع من قصيدة "ربما لأنَّ الشتاء تأخر":
ماذا سنفعل بالحب؟
قلتِ ونحن ندسُّ ملابسنا في الحقائب
نأخذه معنا، أم نعلقه في الخزانة؟
قلتُ ليذهبَ إلى حيث شاء
فقد شبَّ عن طوقنا، وانتشر.
مع ذلك يبدو الحبُّ بينهما باردا، وكأنَّ طبيعة عملهما انعكست على المشاعر.
في آخر السطور، وبعد أن استقرَّ إيزرا هاليفي في فلسطين مستوطنا، وصار حكيما، تزوره ألما مع أولادها وايمانويل، فيجود عليها بنصيحة تختتم فيها الرواية مستوحاة من التراث اليهودي: اذهبي لأجلك وتقارنها مع ما تذكرته من "سرير الغريبة"، في قصيدة "كان ينقصنا حاضر"، يقول فيها محمود درويش: لنذهب كما نحن، في خلط غير مفهوم، وثنائية غير مبررة.
وفعلا، تذهب ألما مع ايمانويل في مسير في صحراء النقب، فتستقر نفسها هي الأخرى وترتاح!
كارين تويل: كاتبة فرنسية، نشر لها اثنتا عشر رواية، عرفت روايتها " الأشياء الإنسانية" نجاحا ملحوظا كلل بالفوز بجائزة غونكور لطلاب المرحلة الثانوية، وجائزة انترالييه، وحصلت النسخة الصوتية من روايتها الأخيرة: القرار على جائزة جينكو لعام ٢٠٢٢.