النقد القائم على العلاقات الشخصية حك لي حتى احك لك, امدحني حتى أمدحك خيانة للنقد وتدمير لحياتنا الأدبية, ما من نص كامل وما من أديب كامل والمهمة الحقيقية للنقد هي كشف السلبيات والعيوب, بالإضافة إلى تمجيد الاصالة والإبداع.
بقلم الدكتور حبيب بولس
تسود أدبنا في الآونة الأخيرة ظاهرة (اكتب عني) وليس مهما مستوى ما يكتب, المهم انه يكتب, حتى ترى الواحد حين يصدر له عمل ما, يلاحق ويحاصر الآخرين ويلح عليهم, كي يكتبوا عنه. "متى ستكتب عني؟", "ما الذي يعيقك؟" وهكذا... وطبعا سؤال كهذا أو طلب كهذا لا يوجه إلا لصديق أو لزميل أو لمعرفة شخصية تربط الكاتب به علاقة شخصية, وذلك كي يأمن الكاتب جانب النقد الصحيح, ولكي يستبق الأحداث ويحتاط من كلمة صادقة تقال فالصديق أو الزميل, مهما جرى, لا يمكن له أن يطعن في إبداع صديقه أو أن يؤشر إلى السلبيات, خجلا وحرصا على علاقة, لذلك يضطر إلى المسايرة والى أن يُطرى ويمدح حتى وان كان غير مقتنع بذلك, وقارئ ذلك الكلام, خاصة القارئ المتتبع والمتمرس يدهش أمام هذه الظاهرة, أمام ذاك الكلام فيشعر وبحق, انه كلام مغتصب, لأنه حائر قلق لا يستقر على وجهة نقدية ولا على مدرج, إنما هو ضرب من التحايل على الكلام, من الالتفاف والمراوغة, وما الهدف من عملية اغتصاب الكتابة الاخوانية هذه؟ الهدف هو أن الكاتب وخاصة أن الكاتب الذي يعرف أن مستوى ما يكتب عادي وبحاجة إلى تطوير وكي يختصر درجات السلم الإبداعي, حين يقرا ما يكتبه عنه عدد من الأصدقاء ينتفخ ويحسب انه صار كبيرا. و "يا ارض اشتدي ما في حدا قدي".
وهنا تكمن المصيبة, لان الإبداع ليس عملية اغتصاب, بل طريق وعر شائك, واختصاره ليس في صالح المبدع أو الطامح لان يكون مبدعا حقيقيا.
والانكى من كل ما ذكر, انه إذا استجاب صديقه لطلبه وكتب مطريا, روج له الآخر وصار بوق دعاية له يسوقه كيفما اتفق وأينما اتفق, فالعملية "رد جمائل", ولكن حين يجابه بالرفض ممن طلب منهم الكتابة عنهم أو ان صدف وكتب عنه احدهم نقدا جادا يشير إلى العيوب والنواقص, أو ان عبر له احدهم عن عدم استساغته لإبداعه, صار ذاك الشخص أديبا جاهلا, وربما ساقطا وعدوا شخصيا, لا يفهم بالكتابة ولا بالنقد ولا حتى بالأدب, إنما هم مجرد حاقد "يغار" ولأنه كذلك فهو لا يفعل سوى لملمة ما يكتبه من بطون الكتب, إذ ليس عنده ما يقوله ولا يملك منظورا أو خلفية أدبية ثقافية تمكن من الغوص في ذاك الإبداع العبقري!!
وأنا أتساءل واعتقد انه يحق لي ذلك: هل مهمة الكتابة عن إبداع الآخرين وبالذات الكتابة الناقدة الإطراء فقط؟ وهل ستتحكم في كتاباتنا العلاقات الشخصية؟ تصوروا ذلك!! وأي أدب هذا الذي سيكون محكوما بعلاقة شخصية؟ وكيف ستكون وظيفته السامية؟ وهل عندها يستطيع هذا الأدب أن يؤشر على الجرح؟ هل يستطيع أدب "علاقة شخصية" طرح القضايا الملحة بأمانة وبصدق؟ وهل الكتابة عن إبداع ما عن أدب شخص ما وبالذات الكتابة النقدية تنهض على علاقات, على (حُكِّلي تأحُكِّلَّك) كيف يمكن هذا؟!!
والسؤال الذي يرتفع بعد هذا الكلام, ماذا نريد من أدبنا؟ هل نريده أدبا يجامل وينافق؟ أدب "لفلفة", أم هل نريده أدبا صادقا موضوعيا؟!
إذا كنا نريده أدب مجاملات عندها ستنفع العلاقات الشخصية وستصير هي الموجِّه والربان. اما إذا أردناه أدبا صادقا معافىً , مهما كلّف الأمر فعندها يجب ألا يقوم وينهض بناءً على علاقة بل على موضوعية وعلمية؟ وهذا هو الصحيح إذ كنا نحترم أدبنا ونحبه ونتمنى له التقدم.
والموضوعية وبسبب صدقها ومنطلقاتها الصحيحة المدروسة تُبكي, ولكن فليكن, فقديما قالوا وكم صدقوا " أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك" الأديب الحق مهما اشتهر يعرف تماما ان ثغرات ما تتخلل إبداعه, إذ ما من أديب كامل مهما كان مستواه, وما من إبداع كامل كذلك, وعليه بسبب ذلك, ان يصغي لما يقوله الآخرون, كي يحسن أدواته وان أبكاه أو أغضبه ذلك.
عليه ان يصبر ويكتم ويجرب ولا بد له بعد ذلك من ان يصل ولكن هل هذا هو الحاصل في أدبنا؟
لاحظوا ما يجري على ساحتنا الأدبية. قائل الحقيقة مغيّب, لا بل مضروب عليه حصار, وممن؟ واضح ان الحصار مضروب من قبل بعض الأسماء البراقة, اللماعة التي تتربع بحكم "العلاقات الشخصية" في الصدارة, والتي لا تقبل بسبب ذلك نقدا ولا توجيها, فهم فوق ذلك! وتجنبا للأمر يحاولون اختلاق الشائعات وإطلاقها والترويج لها, ضد هذا الذي انتقد, وهذه الطريقة الرخيصة صارت معروفة ومبتذلة, أي قبل ان تنتقدني أوجه لك اللكمة وأحاصرك وأجند أصدقائي, وهكذا ابرر نقدك على انه نابع عن "عداء شخصي" أو عن "انتقام", أو عن علاقة شائهة.
هذه الأسماء التي لا تريد ان تعترف بأن دورها كان فاعلا في فترة ما, أما اليوم فصار هناك جيل جديد, جيل آخر لا يستمرىء ما يكتبونه, إنما يريد جديدا, فخوفا على أنفسهم من هذا النقد, يحصنون أنفسهم بمثل تلك العلاقات الشخصية, ويتضامنون مع بعضهم البعض, معتقدين أنهم بذلك سينجون, وسيحافظون على مراكزهم. فيتصرفون وكأن الأمور ما زالت على ما كانت عليه, ويستغلون صمت الآخرين, ويحاربون الصادق في كتاباته عنهم, ولأنهم يحتلون المركز, ولان شعبنا حساس تجاههم, يستغلون تلك الحساسية ويحاولون تغييب الصادقين وإبعادهم. فحين يتنادون لندوة, ينادي الواحد منهم صديقه, وحين تطفو على السطح فكرة تعزية او تأبين يرشحون بعضهم بعضا. وحين تصير الحاجة لتكريم أديب ما يتدخلون بأقوى ما فيهم ليحرموا المستحق وليكرموا الزعانف لأنها من شلتهم من رَبْع "العلاقات الشخصية" ويحسبون أنهم بذلك يستطيعون تغطية الشمس بعباءة, ولا يعرفون أنهم مهما تحايلوا, ومهما راوغوا, ومهما نافقوا, فان مصير الحقيقة ان تظهر والحق مصيره ان يحصحص, والضعيف دائما يحاول إحاطة نفسه بالأسوار لأنه يعرف حقيقة كونه ضعيفا ولا حجة له أمام الذي يحدث سوى تسييج نفسه, بما هم من أمثاله من الضعفاء.
وهكذا على خلفية هذا الضعف, وعلى خلفية تجنب الصحيح والحق تنشا علاقاتهم وتنسج روابطهم, وتبنى شللهم.
والسؤال: هل هذه العلاقات ستظل قائمة؟ والى متى؟ ألا يحسبون حساب ان احدهم لا بد له من ان يثور يوما ما ويضيق ذرعا بهذا الكذب الفاشي, فيمزق تلك الغشاوة الرقيقة التي تسترهم.
من هنا أقول وخوفا على هذا الأدب لمن يقيمون أدبهم على علاقات شخصية, كفوا عن مثل هذه المهاترات المضحكة. كونوا صادقين مع أنفسكم ومع الآخرين.
فانتم تعرفون الحقيقة أكثر من غيركم. كفوا عن النظر إلى الأدب من منطلق "العلاقات" فهذه النظرة لن تجلب لأدبنا سوى التقهقر والضرر والتقوقع والتشرذم.
افتحوا صدوركم للجديد, للهواء النقي. الأدب ليس يورث لأحد والمراكز الأدبية تتغير وفق أهمية الأديب وأهمية ما يكتبه لا وفق شهرته أو وفق من هم أصحابه ومعارفه!
والسؤال إذا تغير الوضع وهو حتما سيتغير, ماذا انتم فاعلون؟!! فهل من يسمع؟
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
د. حبيب بولس – ناقد أدبي ، محاضر في مادة الأدب العربي في الكلية العربية للتربية في حيفا وكلية اورانيم الأكاديمية
وأنا أتساءل واعتقد انه يحق لي ذلك: هل مهمة الكتابة عن إبداع الآخرين وبالذات الكتابة الناقدة الإطراء فقط؟ وهل ستتحكم في كتاباتنا العلاقات الشخصية؟ تصوروا ذلك!! وأي أدب هذا الذي سيكون محكوما بعلاقة شخصية؟ وكيف ستكون وظيفته السامية؟ وهل عندها يستطيع هذا الأدب أن يؤشر على الجرح؟ هل يستطيع أدب "علاقة شخصية" طرح القضايا الملحة بأمانة وبصدق؟ وهل الكتابة عن إبداع ما عن أدب شخص ما وبالذات الكتابة النقدية تنهض على علاقات, على (حُكِّلي تأحُكِّلَّك) كيف يمكن هذا؟!!
والسؤال الذي يرتفع بعد هذا الكلام, ماذا نريد من أدبنا؟ هل نريده أدبا يجامل وينافق؟ أدب "لفلفة", أم هل نريده أدبا صادقا موضوعيا؟!
إذا كنا نريده أدب مجاملات عندها ستنفع العلاقات الشخصية وستصير هي الموجِّه والربان. اما إذا أردناه أدبا صادقا معافىً , مهما كلّف الأمر فعندها يجب ألا يقوم وينهض بناءً على علاقة بل على موضوعية وعلمية؟ وهذا هو الصحيح إذ كنا نحترم أدبنا ونحبه ونتمنى له التقدم.
والموضوعية وبسبب صدقها ومنطلقاتها الصحيحة المدروسة تُبكي, ولكن فليكن, فقديما قالوا وكم صدقوا " أمر مبكياتك لا أمر مضحكاتك" الأديب الحق مهما اشتهر يعرف تماما ان ثغرات ما تتخلل إبداعه, إذ ما من أديب كامل مهما كان مستواه, وما من إبداع كامل كذلك, وعليه بسبب ذلك, ان يصغي لما يقوله الآخرون, كي يحسن أدواته وان أبكاه أو أغضبه ذلك.
عليه ان يصبر ويكتم ويجرب ولا بد له بعد ذلك من ان يصل ولكن هل هذا هو الحاصل في أدبنا؟
لاحظوا ما يجري على ساحتنا الأدبية. قائل الحقيقة مغيّب, لا بل مضروب عليه حصار, وممن؟ واضح ان الحصار مضروب من قبل بعض الأسماء البراقة, اللماعة التي تتربع بحكم "العلاقات الشخصية" في الصدارة, والتي لا تقبل بسبب ذلك نقدا ولا توجيها, فهم فوق ذلك! وتجنبا للأمر يحاولون اختلاق الشائعات وإطلاقها والترويج لها, ضد هذا الذي انتقد, وهذه الطريقة الرخيصة صارت معروفة ومبتذلة, أي قبل ان تنتقدني أوجه لك اللكمة وأحاصرك وأجند أصدقائي, وهكذا ابرر نقدك على انه نابع عن "عداء شخصي" أو عن "انتقام", أو عن علاقة شائهة.
هذه الأسماء التي لا تريد ان تعترف بأن دورها كان فاعلا في فترة ما, أما اليوم فصار هناك جيل جديد, جيل آخر لا يستمرىء ما يكتبونه, إنما يريد جديدا, فخوفا على أنفسهم من هذا النقد, يحصنون أنفسهم بمثل تلك العلاقات الشخصية, ويتضامنون مع بعضهم البعض, معتقدين أنهم بذلك سينجون, وسيحافظون على مراكزهم. فيتصرفون وكأن الأمور ما زالت على ما كانت عليه, ويستغلون صمت الآخرين, ويحاربون الصادق في كتاباته عنهم, ولأنهم يحتلون المركز, ولان شعبنا حساس تجاههم, يستغلون تلك الحساسية ويحاولون تغييب الصادقين وإبعادهم. فحين يتنادون لندوة, ينادي الواحد منهم صديقه, وحين تطفو على السطح فكرة تعزية او تأبين يرشحون بعضهم بعضا. وحين تصير الحاجة لتكريم أديب ما يتدخلون بأقوى ما فيهم ليحرموا المستحق وليكرموا الزعانف لأنها من شلتهم من رَبْع "العلاقات الشخصية" ويحسبون أنهم بذلك يستطيعون تغطية الشمس بعباءة, ولا يعرفون أنهم مهما تحايلوا, ومهما راوغوا, ومهما نافقوا, فان مصير الحقيقة ان تظهر والحق مصيره ان يحصحص, والضعيف دائما يحاول إحاطة نفسه بالأسوار لأنه يعرف حقيقة كونه ضعيفا ولا حجة له أمام الذي يحدث سوى تسييج نفسه, بما هم من أمثاله من الضعفاء.
وهكذا على خلفية هذا الضعف, وعلى خلفية تجنب الصحيح والحق تنشا علاقاتهم وتنسج روابطهم, وتبنى شللهم.
والسؤال: هل هذه العلاقات ستظل قائمة؟ والى متى؟ ألا يحسبون حساب ان احدهم لا بد له من ان يثور يوما ما ويضيق ذرعا بهذا الكذب الفاشي, فيمزق تلك الغشاوة الرقيقة التي تسترهم.
من هنا أقول وخوفا على هذا الأدب لمن يقيمون أدبهم على علاقات شخصية, كفوا عن مثل هذه المهاترات المضحكة. كونوا صادقين مع أنفسكم ومع الآخرين.
فانتم تعرفون الحقيقة أكثر من غيركم. كفوا عن النظر إلى الأدب من منطلق "العلاقات" فهذه النظرة لن تجلب لأدبنا سوى التقهقر والضرر والتقوقع والتشرذم.
افتحوا صدوركم للجديد, للهواء النقي. الأدب ليس يورث لأحد والمراكز الأدبية تتغير وفق أهمية الأديب وأهمية ما يكتبه لا وفق شهرته أو وفق من هم أصحابه ومعارفه!
والسؤال إذا تغير الوضع وهو حتما سيتغير, ماذا انتم فاعلون؟!! فهل من يسمع؟
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
د. حبيب بولس – ناقد أدبي ، محاضر في مادة الأدب العربي في الكلية العربية للتربية في حيفا وكلية اورانيم الأكاديمية