إشكالات جائزة نوبل للأدب ـ هاجر بكاكرية

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

nobelيبدو أن ترشيحات الأكاديمية السويدية منذ عام 1901 وحتى عامنا هذا مكمن جدل وشكوك،وذلك نتيجة تساؤلات تطرح عقب إعلان الفائز هل فعلا يستحقها ويوافق معاييرها المتمثلة في غزارة الإنتاج والإنسانية و العمق والعالمية أم لا؟
وتتمثل هذه الإشكالات في عناصر محددة كالآتي:
أ-العنصرية: يرى بعض النقاد أن جائزة نوبل جائزة عنصرية لاهتمامها بالآداب الغربية وعدم تمثل وصية نوبل من حيث الإنسانية والعالمية، ففي البداية كانت أوربية غربية ولم تخرج من حيز التوجهات الأدبية الغربية في موضوعاتها و نماذج كتاباتها و فكرها.
ويمكن معرفة ذلك من خلال ثلاث مراحل(1):
-المرحلة الأولى: سيطر عليها ما نسميه بالمحور الغربي قبل الحرب العالمية الأولى  وما بعدها، تتحكم فيها رؤية فكرية واحدة ولكنها كانت حيادية إلى حد ما لأن الخلاف غربي داخلي.

- المرحلة الثانية:  ولجت إلى الانحياز وزالت الحيادية في الخمسينيات والستينيات أثناء الحرب الباردة لأنها استعملت للانتقام من الإتحاد السوفييتي فمنحت لمعارضي سياساته من المبدعين والمفكرين.
-المرحلة الثالثة: تداركت نوعا ما واستفادت من حملات النقد التي وجهت لها فخرجت إلى حد ما من المحورية الغربية وشملت نزرا يسيرا من أدباء أمريكا اللاتينية والأدب الإفريقي مثل وول سوينكا و ماركيز، ثم عاودت في فترة لاحقة التدهور من جديد واتهمت حتى بالعنصرية اللغوية كونها تهتم بالكتابات الانجليزية والفرنسية وتضع الآداب الغربية في القمة وكل الآداب الأخرى دونها.
ب- العامل السياسي: يعد أبرز العوامل التي تؤجج الشكوك و الشبهات حول الجائزة و تفقدها حرارة مصداقيتها عام بعد عام كجائزة إنسانية و ذلك بسبب السياسة و توجهاتها،و قد برز هذا العامل مع بداية توزيع جوائز الأدب ولكن الجائزة في المرحلة الأولى و الثانية -سبق الإشارة لهما في العنصرية-كانت داخل سياج السياسات الغربية مثل توجيها إلى فرنسا كدولة لها أثرها في الحرب العالمية الأولى فكانت ألمانيا ترى في ذلك اتهام لها بمحاربة السلام بل تراه تآمر أدبي عليها من قبل اللجنة، أما بعد الحرب فقد منحت لأدباء كثيرين من الكتلة الشرقية وعرف هؤلاء بأنهم منشقون عن النظام الشيوعي في روسيا، أما حديثا فانطلقت إلى السياسة العالمية فهي مع ما يخدم المركزية و التفوق الغربي و تنأى عن التوجهات السياسية المعاكسة فهي تسير مع التوجهات السياسية المسيطرة والقوية في العالم،كما تتهم بالتدقيق في هويات الممنوحين و انتماءاتهم الإيديولوجية  فيرى البعض أن من يخدم الأغراض الصهيونية يصير قريب المنال منها و لكن اللجنة ترفض هذه التهمة .
ج- الذائقة التقليدية: يرى النقاد أن جائزة نوبل للأدب أصبحت جائزة الذائقة التقليدية(2) باستثناء حالات نادرة من الضغط الجماهيري كماركيز في عام 1982، فهي لم تخرج إلى أفق المغامرة في اختيار نماذج إبداعية جديدة ،فقد سيطرت عليها الذائقة الكلاسيكية التي تجاوزها أصحاب الأرقام التوزيعية الضخمة من المبدعين في العالم وهذا راجع إلى أعضاء اللجنة الدائمين و الذين لا يمكن استبدالهم إلا بالموت، لهذا تسود اختيارات الجائزة وجهة نظر واحدة لمدة طويلة ،فلا تتماشى مع التجديد الحاصل على الساحة الأدبية.
د- ضعف لجنة التقييم : أوصى نوبل باختيار رجل أو امرأة قدم أو قدمت للبشرية خدمات جليلة  في مجال الأدب أو إلى عمل أدبي ذي وحي مثالي إلا أن أعضاء الأكاديمية لا يؤدون المهمة الموكلة إليهم في نظر النقاد، فمن بين الأعضاء الثماني عشر يوجد عدد قليل يقرأ الرواية أو الشعر فأصحاب الذوق الأدبي لا يشكلون إلا جزءا من هذه المجموعة، فلو نظرنا إلى الأكاديمية لوجدنا أن أفضل ثلاث عناصر فيها وهم (ويزاسبنستروم،وكيد سين أكمان،ولارس جلليسين)أحيلوا إلى إجازة منذ سنوات عديدة،كما أن أعضاء اللجنة المسؤولة عن نوبل للأدب أساتذة في جميع المجالات إلا الأدب ومتوسط أعمارهم سبعين سنة و لا يمكن استبدالهم إلا بالموت مثل «ستوري ألن»فهو مبرمج لغويات على الكمبيوتر.
يتمتع أعضاء الأكاديمية بحرية لا توجد لدى غيرهم من المؤسسات و هذا انطلاقا من سلطة المال فهي لا تدفع الضرائب و جميع أعضائها من الأغنياء كما أنها تقدم حجما ماليا من الجوائز أكثر من السويد و لهذا تنامى فساد مالي كبير(3).
هذه أبرز الاتهامات و الانتقادات  الموجهة لجائزة نوبل للأدب، و فيها جانب كبير من الصحة تتقدمها السياسة فهي المحرك الأول و الفاعل اليوم، و إن كان هناك عدد من المبدعين في أماكن من غير أوربا و أمريكا قد نالوا الجائزة  فهذا يفتح مجالا للتساؤل و نحن في بحثنا سنتناول أحد الفائزين لنرى هل هذه الانتقادات محض شكوك و تنبع من فكر المؤامرة أم أن هذا هو الواقع الفعلي.
-    مفارقات جائزة نوبل:
سنعرض جملة من مفارقات الجائزة تبين ما تميزت به خلال مراحلها المختلفة وتحدد أوجه الاختلاف والاتفاق حولها في رأي الدارسين،لأنها عبارة عن أمثلة موضحة وأحداث واقعة في تاريخها منذ1901 ونجد هذه المفارقات ذاتها تتكرر عند معظم من اهتم بالكتابة عن جائزة نوبل للأدب.
- المتتبع لقوائم الحاصلين على جوائز نوبل في الآداب والعلوم على السواء يجد أن حظ اليهود يساوي نصف فائزيها في العالم،فقد حصل عليها الكاتب صول بيلو اليهودي المغمور وسط مرشحين أفذاذ في ذات العام أندريه مالرو،جراهام جرين
و سيمون دي بوفوار وحصل عليها كذلك عجنون صموئيل الذي جاء في تقرير اللجنة أن كتاباته ممثلة لرسالة إسرائيل إلى العصر.
-    انحصار الجائزة على مبدعي الشمال من الكرة الأرضية دون الجنوبيين منها.
-    انحصار نسبة النساء الفائزات بنوبل للأدب مقارنة بالرجال.
-    منحت الجائزة لكتاب محليين لم يذع صيتهم مثل كلود سيمون الفرنسي الذي تساءل الناس عنه أهو رجل أم امرأة.
-    منحت جائزة واحدة للعرب.
-    حرمان الروس من الجائزة فلم يتحصل عليها أديب منهم حتى 1958 عندما فاز بها الأديب والشاعر بوريس باسترناك كأول أديب روسي مقيم في بلده ولم ينلها ليو تولستوي أعظم أدباء الروس رغم فارق الجودة والشهرة.
تعليقا على هذه المفارقة التي توقف عندها كثير من النقاد وذلك لمكانة تولستوي في العالم يرى محمد حسين أبو العلا وغيره أن ما قدمته اللجنة من حيثيات للجائزة أسباب واهية فهي تخفي ما لا تستطيع أن تظهره جهارا، وذلك أن باسترناك نالها عن رواية الدكتور زيفاخو التي ظهرت عام1957 فمنح الجائزة بعدها بعام لأنه طرح فيها مسألة اضطهاد اليهود وتعذيبهم ،فضلا عن أنه كاتب يهودي وبالرغم من جودة العمل إلا أنه مع ذلك لا يرقى لأعمال قمم الأدب الروسي (4).
أما حرمان «تولستوي» من الجائزة فمرده كما تبرر اللجنة ويؤكد شل أبسمارك عضو الأكاديمية السويدية في كتابه الجائزة بأن أعماله موافقة للقيم المثالية التي أوصى بها نوبل غير أن أفكار اللجنة الاجتماعية لا تتوافق وأفكاره ففي بداية القرن كان السكرتير الدائم للأكاديمية «كارل ديفيد» الذي يؤمن بهرمية الطبقات الأربعة


ويعارض أن تمنح الجائزة لمن يرفضها وكان من بينهم «تولستوي» (5).
-    تأخر الجائزة عن برنارد شو لعدة سنوات لأنه كان من زعامات الثورة الاشتراكية في انجلترا في وقت كانت اللجنة تعارض كل من له صلة بالاشتراكية ومنحت لمن هم دونه ثم عادت إليه بعد سقوط الاشتراكية .
-    منحت الأكاديمية السويدية جائزة نوبل للأدب عام 1953 لسياسي الحرب العالمية الثانية رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل .
-    رفض الأديب الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر الجائزة عام 1964 .
-    فوز الأديب الأمريكي سنكلر لويس بالجائزة لمجرد أنه يحمل الجنسية الأمريكية(6).
-    فاز بها الشاعر الانجليزي روديارد كلبنغ المعروف بآرائه العنصرية في قوله الشهير بأن الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا.
-    فوز الأديب الصيني جاو كسينغجيان عام 2000 بالجائزة لدوافع سياسية وكانت المفارقة في تخطيها ل «ياجين»(7) الشيخ القديم في الأدب الصيني وهو على العكس من «جاو» معروف في الخارج.
هذه المفارقات شكلت أغلب الشكوك المتعلقة بالجائزة و هي توحي بصحة عديد من الاتهامات الموجهة لها .

-    العرب وجائزة نوبل:
منذ ظهرت جائزة نوبل للأدب ببريقها وجابت شهرتها العالم حلم بها كثير من الأدباء  وفي كل مرة تُتهم بتخطي الكتاب العرب والمرور عليهم دون انتباه واهتمام،هذا ما يتردد دائما في الأوساط الأدبية و الإعلامية مع بداية إعلان اسم الفائز بالجائزة كل عام لأنها من وجهة نظرهم جائزة أوربية فهي لم تغادرها إلا قليلا وعلى فترات متباعدة فلا ينتبه المتابع أنها خرجت أو رحلت بعيدا عن أوربا والولايات المتحدة حتى تعود إليها.
ونحن نستعد لكتابة مضمون هذا العنوان صادف أن كان يوم إعلان اسم الفائز بجائزة نوبل للآداب 2010 وكانت مرة أخرى لغير العرب مع كل الإلحاح والبذل الذي سعى به أدونيس فكانت للبيروفي ماريو فرغاس يوسا، لذا سنطرح عدة تساؤلات في هذا السياق نحو : كيف يقرأ العرب تجاهل الجائزة لهم؟  ولماذا حصل عليها أديب عربي واحد ؟  وهل لجنة نوبل عنصرية في أدائها مع العرب؟
من ناحية أخرى هل يمر الأدب العربي بفترة احتضار أم أن هناك سياسة إقصاء؟ هل قدم العرب أدبا يستحق نوبل؟ وهل يتركز معظم أدباء العالم في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية ويندرون في بقية أنحاء العالم؟
الجواب على هذه الأسئلة ليس بالأمر الهين والبحث والتمحيص يقودان دوما لآراء متعددة قد لا تحسم الأمر في جواب واضح ومحدد يتفق عليه الجميع ولكنه غالبا ما ينحصر في طرحين:
-    الطرح الأول: أن هناك يدا تلعب في الخفاء لتضع عراقيل تحول دون وصول المرشحين العرب للفوز بالجائزة، وهو طرح محبب بالنسبة للعرب لتفادي التشكيك بمستواهم.
-    الطرح الثاني: لا يمتلك العرب المستوى الأدبي المناسب الذي يمكنهم من الدخول في المنافسة العالمية نتيجة التخلف الذي يعانونه وهو طرح غالبا ما يصدر عن العالم الغربي.
ونستهل بالطرح الأول حيث يرى العديد من الباحثين في هذا المجال أن جائزة نوبل للأدب جائزة غير بريئة كما يقول صنع الله إبراهيم : «ليست هناك جوائز بريئة»(8) فهناك أيادي تسيطر على لجنة نوبل تحول دون فوز العرب، لذلك تتهم الأكاديمية السويدية بأنها تتعمد المحاباة للصهيونية والمركزية الغربية في حين تتجاهل دول العالم الثالث على العموم والعرب على وجه الخصوص وجملة الآراء تنقسم إلى أربعة أقسام:
- الاعتقاد بأن جوائز نوبل معيار غير حقيقي للحكم على تفوق الكتاب: فقد فتح محمود عباس العقاد النار على جائزة نوبل ولجنتها وشكك في مصداقيتها من خلال كتابه جوائز الأدب العالمية  عقد فيه مقارنة بين عشرة كتاب حصلوا على جائزة نوبل للأدب وعشرة آخرين من غير الفائزين بها وقارن بين مستوياتهم وانتهى أن غير الحاصلين عليها متفوقين بمراحل متقدمة عن الفائزين بها ويقول في ذلك : « إن الآداب العالمية قد عرفت منذ 1901 مئات من  العباقرة  والنابغين  يفوقون  كل أديب من أولئك الذين خصتهم اللجنة السويدية بتميزها »(9)
وهناك من الغربيين كذلك من يوافق رأي العقاد فقد جاء ضمن كتاب «تأملات حول الفن والأدب والتاريخ» مقالة لفاديم كوجينوف يعقد فيها مقارنة من بداية القرن العشرين حتى نهاية الحرب العالمية الثانية حين كان عدد الحائزين بنوبل أربعين شخصا، ووضع قائمة يمينية ممثلة للحائزين على الجائزة (1901-1945) ووضع جملة أسماء منهم  «سولي برودوم –روديارد كلبنغ... الخ » ووضع قائمة يسارية بأسماء الكتاب الذين عاشوا في نفس الفترة وكتبوا باللغات الأوربية ولم يمنحوا الجائزة  «هنريك ابسون  مارسيل بروست– بريخت–جيمس جويس– اميل زولا–بول فاليري- فرانتس كافكا توماس هاردي وغيرهم».
ويعلق على المقارنة بما يلي : «واليوم ومع مرور الزمن من الواضح تماما أن المذكورين في القائمة اليسارية أهم بكثير من معاصريهم المذكورين في القائمة اليمينية»(10)، ويضيف في نفس السياق جمال فوغالي ويدعو إلى «عدم الاكتراث بنوبل لأنها لا تريد الاعتراف بالعرب لأنها منحازة وعلينا أن نعترف أن العديد الذين لم يتوجوا بها كانوا أكبر منها أدبيا وإنسانيا ويبقون خالدين دونها » (11).
-جائزة غربية وليست عالمية: يرى أصحاب هذا الطرح أن عالمية جائزة نوبل وشهرتها الواسعة تعود بالأساس إلى مقدارها المالي غير المعقول، بالإضافة إلى الاعتبار الذي تضفيه على الفائز بها من حجم الاهتمام والتغطية الإعلامية،ولكنها بالدرجة الأولى جائزة غربية لأن أغلب الفائزين بها من أوربا وأمريكا، ويرى فاديم كوجينوف« أنه خلال تسعين سنة منح الخبراء السويديون الجائزة لكاتبين آسيويين وكذلك لإفريقيين اثنين أيضا وهذا لا يمكن إلا أن يثير الاستغراب».
ولذلك يدعو للإقرار صراحة «بأن جائزة نوبل ظاهرة خاصة بأوربا بما فيها الولايات المتحدة »(12) .
و يقول ماهر شفيق «جائزة نوبل جائزة غربية أساسا»(13) ويفسر الإلحاح على المركزية الغربية بأن صفة العالمية من وجهة نظر اللجنة محصورة في أوربا وأمريكا الشمالية فهي تنظر بفوقية إلى الدول الضعيفة حتى لو كان فيها مبدعون و كفاءات.
- السياسة ( محاباة الصهيونية والمصالح الغربية): ينظر العالم العربي إلى جائزة نوبل على أنها جائزة مرتبطة بالسياسة والتوجهات السياسية العالمية المسيطرة كقوة في المنطقة بأكملها، لذا يشككون في كل فائز بها من العرب ويرون أنه ما فاز إلا لأنه يوافق رؤى الغرب ،وهذه النظرة النقدية لجائزة نوبل للأدب وارتباطها بمحاباة الصهيونية والمصالح الغربية ليست حصرا على آراء العرب، ولعل هذا ما يجعل أصحاب الطرح الأول يؤكدونه بقولهم وشهد وشاهد من أهلها فهناك عدد لا بأس به من المثقفين والأدباء الأجانب يرون فيها انحيازا وتأثرا واضحا بالمسار السياسي المسيطر على العالم أبرزهم ماركيز:«سامحوني إذا قلت أنني أخجل من ارتباطي اسمي بجائزة نوبل ويتابع انه لمن عجائب الدنيا حقا أن ينال شخص مثل« بيغن» جائزة نوبل للسلام تكريما لسياسته الإجرامية»(14) وبهذا فماركيز يدعم الرأي القائل بوجود أيدي مسيطرة على الجائزة تفقدها نزاهتها وتبعد من يستحقها، فالجائزة تشذ أحيانا لتعدل إلى الصواب ولكن في الغالب تمنح لأشباه مناحيم بيغن خاصة جائزتي الأدب والسلام.
في نفس الإطار يقول برنارد شو:«أن جائزة نوبل جائزة مدمرة للذوق الأدبي السليم بقوله إنني أغفر لنوبل أنه اخترع الديناميت لكنني لا أغفر له أنه اخترع جائزة نوبل»(15).    
يتعرض أصحاب هذا الطرح إلى الانتقاد متمثلا في المبالغة والاستمتاع بدور الضحية للهروب من الواقع الصادم، فيردون بما جاء في كتاب الجائزة لشل أبسمارك عضو اللجنة السويدية من«أن هذه اللجنة تأخذ املاءات سياسية من أطراف أخرى ويتعاملون بعنصرية مع كثير من الأطراف ويعطي مثالا بيوسف إدريس حيث فرضوا عليه مناصفة الجائزة مع إسرائيلي فرفض و قال لا أريد أن أكرر السادات و بيغن مرة أخرى »(16)، و لقد كان كتاب الجائزة بمثابة الشماعة التي وجد فيها العرب ضالتهم .
- العنصرية: ترى لجنة نوبل الإبداع ما يبدعه الأوربيون والأمريكيون لا غير، وذلك باعتمادها على التفوق الغربي على الشرق أي الشمال على الجنوب، فأعضاء الأكاديمية السويدية تحكمهم ميول عنصرية في الاختيار وهناك سوابق لجائزة نوبل في هذا السياق سبق ذكرها في المفارقات أبرزها:
- فوز الأديب سنكلر لويس لمجرد أنه يحمل الجنسية الأمريكية ولم يخف سكرتير الأكاديمية «ايلر كارل ملنر» ذلك فأعلن على الملأ أن الأديب الأمريكي يمثل بوضوح الاتجاهات الأمريكية .
- كذلك الشاعر كلبنغ المشهور بعنصريته في مقولته الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا.
وقدمت وكالة الأنباء الفرنسية (أ.ف.ب)من باريس تقريرا جاء فيه :«منذ العام1901 مالت لجنة نوبل التي تمنح جائزة الأدب إلى مكافأة كتاب غربيين ليسوا الأفضل بالضرورة »(17)، والمقصود بالعنصرية هنا احتقار الآخر المختلف ولذلك يتم إبعاده عن التميز والظهور بعدم منحه الجائزة وإن كان يستحقها، فقليل هم السود الذين حصلوا عليها كذلك النساء مقارنة بالرجال، كذلك العربي مقارنة بالغربي أي الجنوبي بصفة عامة.
على العموم هناك أدلة كثيرة، ولكننا أشرنا هنا إلى بعضها لدعم هذا الطرح بآراء الباحثين من غربيين وعرب ونختم بقول عالم الاجتماع بيار بورديو: «أن جائزة نوبل تعكس تقلبات الذوق المسيطر»(18).
أما الطرح الثاني: فيناقش جملة من الأسئلة المتكررة من قبل المؤيدين له أبرزها، لماذا يحاول العرب إلباس حتى الجوائز ثوب المؤامرة؟ وما ذنب الأكاديمية السويدية أن واحدا من العرب فقط فاز بها، أليس هذا انعكاس حقيقي لحالة التخلف التي يعيشها العرب؟ لماذا لا يحتج العرب على جوائز العلوم و الفيزياء والكيمياء بينما يحتجون على جائزة الأدب؟ ألا يعني التخلف العلمي تخلف في الأدب والمناحي الإنسانية الجمالية؟ هذا بعض من فيض الأسئلة التي غالبا ما تكون دفاع المؤيدين للجائزة،الذين يرون أنها تتمتع بالمصداقية فيكفي أنها أم الجوائز وأشهرها على الإطلاق، وأنها راعية للإبداع والمبدعين عالميا ويمكن حصر الدفاع عن الجائزة في جملة نقاط : التفوق الغربي والتخلف العربي ، غياب الترجمات الجيدة   نفي فكرة المؤامرة.
- التفوق الغربي والتخلف العربي: يرى عبد السلام العمري «ذهاب معظم جوائز نوبل لأمريكيين أمر طبيعي يستحقه الأمريكان حيث أن أحد مراكز البحث الصينية أعلن عن أهم خمس مئة جامعة في العالم جاءت أول ثمانية عشر جامعة من أمريكا وهي الأعلى عالميا من حيث ميزانية الأبحاث العلمية» (19).
ترى لجنة نوبل أن التفوق هو أساس الاختيار وليس هناك أسباب أخرى، فالعرب ومنذ بداية القرن العشرين لم يمثلوا قوة ضاربة على أي مستوى، ومن ثم فهم في أمس الحاجة للخروج بأنفسهم أولا من إطار الاستعمار والفقر والجهل وكثير من مؤشرات التخلف فكيف بهم أن يخدموا الإنسانية و هم على هذا النحو، وتؤكد على ذلك بالفارق الشاسع من حيث التطور والتقدم الغربي مقارنة بالعرب فنسب الأمية ونسب القراءة في العام تبين أن العرب يرزحون تحت وطأة الأمية بنسب كبيرة تفوق التصور ولذلك يحتاجون إلى باع من الأعوام للقضاء عليها أولا.
ويؤكد شربل داغر ذلك بقوله: «أن الأدب العربي لا يحتل سوى مكانة هامشية في حياتنا وسياساتنا ومراهناتنا» ويتعجب من انتقاد الأدباء العرب الجائزة ويتساءل عما فعلوه من أجل الأدب عموما حتى يحلموا بتلك الجائزة»(20).
ولعل ما صرح به توفيق الحكيم وهو من المرشحين الأوائل للجائزة في نظر الأوساط العربية خير دليل على وجوب أن ينتبه العرب أولا : إلى حالهم قبل أن يتوجهوا للجائزة بالاتهامات ويرى أن التقصير العربي هو السبب في عدم الحصول عليها، وذلك «أن الشرق العربي يقف دائما من الغرب موقف السائل الذي يقول أعطني حريتي أعطني استقلالي، أعطني علما، أعطني أفكارا، أعطني مبادئ....بينما لو أن الشرق قال للغرب ذات مرة خذ مني فكرة تنفعك لنظر إليه الغرب نظرة احترام واهتمام و لتأسست لديه قناعة إيديولوجية، وعقيدة فكرية مفادها أن المعرفة الإنسانية حين أرادت أن تخلد نفسها لم يكن ذلك إلا باسم غرور الإنسان فأين غرور العرب الذي يمكن أن يسهم في صرح المعرفة الإنسانية»(21).
- غياب الترجمات الجيدة :هناك عجز واضح في ترجمة الإبداع العربي كما لا توجد دور نشر مهتمة في سبيل إخراج ترجمات بمستوى جيد يرقى للأدب العالمي، وحتى ما هو مترجم يتميز بركاكة تحول جهد المبدع إلى هباء، ويرى النقاد ضآلة مستواه الفني والجمالي في حين أن العجز الأساسي يقع في الترجمة وليس في إبداع المبدع .
يقول منصف الوهايبي: «نحن لسنا جديرين بهذه الجائزة» و يحكي عن زيارته للسويد بدعوة من جامعة لوندو، في مكتبة الأكاديمية لاحظ كيف يخلو الجناح المخصص للأدب العربي مقارنة بجناح الأدب العبري من الآثار الأدبية الحديثة المترجمة إلى اللغات الأوربية ويتبع هذا قوله: «القضية في تقديري ليست قضية الأكاديمية  السويدية وإنما هي قضية عربية بالأساس ولها وجهان، أحدهما تقصير العرب في نقل أدبهم إلى لغات العالم، والآخر ماذا قدم العرب المعاصرون للأدب العربي وماذا أضافوا إليه فالرواية فن غربي بامتياز»(22) (وهذا يندرج في النقطة الأولى التخلف العربي).
كما أن التعامل مع دور نشر مغمورة ذات مستوى باهت سبب ثاني، فالواجب الاعتماد على دور نشر عالمية وترجمات عالية الجودة توصل للعالم أهمية الأدب العربي وجودته، لذلك يتعجب حسين علي محمد أن يفوز أديب إسرائيلي هو يوسف عجنون قبل أكثر من عشر سنوات من فوز نجيب محفوظ بالجائزة نفسها ورأى«أن تقصيرنا العربي هو المسؤول عن عدم فوز خمسة أدباء راحلين بالجائزة لذا على أجهزتنا الثقافية أن تتعاقد مع كبرى دور النشر العالمية في انجلترا وفرنسا وأمريكا وغيرها على نشر الأعمال المتفوقة للأدباء العرب في الرواية والشعر لا تلك الترجمات الهزيلة» (23)، وتلك خطوة للفوز بنوبل.
فأساس العجز عند العرب هوانهم على أنفسهم وهو ما أدى إلى تغييبهم عن الجوائز العالمية في جميع المجالات بما في ذلك نوبل.
تقول سعدية مفرح: «العرب هانوا على أنفسهم فلماذا تنتظر من الآخر أن يكون هو المبادر إلى خدمة ثقافتنا إن ما تترجمه الدول العربية مجتمعة خلال عام واحد من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية يقل بكثير وبما لا يقارن بما تقوم بترجمته إسرائيل في العام نفسه إلى لغتها العبرية ومع هذا نطالب نحن العرب الآخرين أن يقوموا بترجمة أدبنا وبالتعرف على أدبائنا دون أن نخجل من أنفسنا»(24).
- نفي فكرة المؤامرة : تنفي الأكاديمية السويدية أن تكون تابعة لأي سلطة خارجية و بهذا تنفي فكرة المؤامرة والمحاباة للصهيونية والمركزية الغربية الأوربية، يقول عضو الأكاديمية أوستين سيوستراند:«الأمر ليس ألعابا أولمبية فكل حالة تناقش خلال سنوات عدة نحن مستقلون عن الدولة ،ولدينا أفضل أجهزة الاستخبارات في مجال الأدب وبالفعل كانت لجنة نوبل صائبة في خياراتها من الولايات المتحدة الأمريكية بمكافأتها فوكنر، همنغواي»(25).
وليست اللجنة فقط من تنفي فكرة المؤامرة فنجد كتاب عرب يقفون في هذا الصف منهم فيحاء عبد الهادي حيث تقول: «إذا كانت مكانة العرب الأدبية والفكرية مرتبطة بمكانتهم السياسية والعالمية وإذا كان للغرب شروطه ونظامه الذي يحتكم إليه، فمن الضروري أن تكون لنا انجازاتنا على جميع الأصعدة تلك الانجازات التي سوف تجعل العالم يبحث عنا و يعترف بإسهاماتنا دون أن نصب جام غضبنا على انحيازه ضدنا»(26).
يلاحظ أصحاب الطرح الثاني أن غياب العرب عن الجائزة ليس أمرا مدبرا فهناك دول كثيرة على غرارهم جديرة بفوز أدبائها، لكنها لم تحصل على الجائزة مثل الصين التي تمثل سدس العالم وكذلك الهند واليابان فهناك صيني واحد حاز عليها.
هذه أهم النقاط التي يعتمدها أصحاب الطرح الثاني لإبعاد فكرة المؤامرة والعنصرية والتحيز السياسي عن الجائزة، ويعتقدون أن تخلف الدول العربية هو السبب الأساسي لعدم تتويج أدبائهم، وأن ما يعتمدونه من أدلة تنفي نزاهة الجائزة إنما هي مشاجب تعلق عليها تخلفها بدل السعي للتطوير والتغيير.
و يبدو أن الطرحين يحملان جانب من الصحة، فلا يمكن أن نقول أن الطرح الأول صائب مقابل خطأ الطرح الثاني أو العكس،فجملة التهم المرتبطة بالجائزة والتي يدعم بها أصحاب الطرح الأول آراءهم فيها جانب كبير من الصحة و قد لاحظنا هذا في إشكالات الجائزة ،لكن أن نقول أنها تستهدف العرب بصفة خاصة فهذا غير معقول و قد ضربنا مثالا في المفارقات بالصينيين و غيرهم،أما فيما يخص النقاط الثلاثة التي دعم بها أصحاب الطرح الثاني توجههم ، فلا تخلو كذلك من الصواب فهناك تقصير واضح في آلية الترجمة،إضافة إلى الفرق الشاسع بين العالم الغربي و العالم العربي من حيث التطور.


الهوامش و الإحالات:

1-    خالد محمد غازي، نساء نوبل (الفائزات بالجائزة في الآداب) ، وكالة الصحافة العربية، مصر ،ط1 2010، ص 35- 36.
2-    المرجع نفسه، ص41.
3-    المرجع نفسه، ص37.
4-    محمد حسين أبو العلا، أمتنا وجوائز نوبل للأدب، الفتح للإعلام العربي ،القاهرة، ط 1، 1996 ،ص17.
5-    خالد محمد غازي،نساء نوبل،ص42.
6-    رشا عرفة: نوبل للأدب حلم العالمية تهدده العنصرية، موقع رسالة الإسلام، 19جويلية 2010 ،تاريخ دخول الموقع(27/8/2010).
7-    إخلاص عطا الله: جائزة نوبل للأدب في مئة عام، موقع الكتب العربية، مارس 2005، ص 12.
8-    محمد حسين أبو العلا، أمتنا وجوائز نوبل للأدب ،ص24.
9-    سامح كريم،جائزة نوبل التاريخ المشوه لأكبر جائزة عالمية، مجلة العربي الكويتية، عدد525،وزارة الإعلام الكويت 01/08/ 2002موقع المجلة،تاريخ الدخول(12/10/2010).
10-    فاديم كوجينوف، خرافة جوائز نوبل، ت عاطف كامل أبو حمزة، جريدة الأسبوع الأدبي،عدد 789 اتحاد كتاب العرب، دمشق، 29/12/2001،تاريخ الدخول(12/10/2010).
11-    زهية منصر، نوبل جائزة سياسية والعرب أرانب سباق،جريدة الشروق الجزائرية، العدد 2424 08/10/2008،ص12.
12-    المرجع السابق.
13-    حوار زينب العسال،نوبل نجيب محفوظ هل يستعيدها العرب، جريدة المساء الأسبوعية المصرية العدد 1425 19/07/ 2006،موقع الجريدة،تاريخ الدخول(1/12/2010).
14-    حسين حمدان العساف جائزة نوبل والعرب, موقع ديوان العرب، 26نوفمبر2009، دخول الموقع(26/8/2010).
15-    فاطمة خليل، التخوين والعمالة اتهامات جاهزة تلاحق الفائزين بنوبل، جريدة اليوم السابع المصرية عدد 286 08/10/2010،ص14.
16-    أيمن جودة،جائزة نوبل من العنصرية، موقع الإمبراطور، في 13/11/2001،تاريخ دخول الموقع (11/9/2010).
17-    وليد مشوح، نوبل والخارجون على نواميس أممهم ،مجلة الأدب العالمي،الموقع ،عدد 369،اتحاد كتاب العرب،دمشق، 31 /1 /2002،ص25.
18-    المرجع نفسه.
19-    شيرين صبحي، حائزو نوبل خدمة البشرية أم مصالح الكبار، موقع محيط (شبكة الإعلام العربي) في 17/10/ 2009،تاريخ دخول (22/8/2010).
20-    زياد العناني، نوبل للآداب عربيا،حلم تجهضه المؤامرات السياسية ، جريدة الغد،عمان8/10/2010 ص17.
21-    محمد حسين أبو العلا، أمتنا وجوائز نوبل للأدب، ص85.
22-    نوارة لحرش، ماذا يريد العرب من نوبل، موقع النور، نشرت في 20/10/ 2008،تاريخ الدخول(10/9/2010).
23-    زينب العسال، نوبل نجيب محفوظ هل يستعيدها العرب ،جريدة المساء الأسبوعية.
24-    المرجع السابق.
25-    وليد مشوح،نوبل والخارجون على نواميس أممهم ،ص25.
26-    فيحاء عبد الهادي ،جائزة نوبل الرمادي ما بين الأبيض و الأسود،موقع ديوان العرب،1/1/2006،تاريخ الدخول(10/9/2010).

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة