رواية خنجر المودة تجربة إبداعية تقربنا من منطق النضال وقيم الاحتجاج وآفاقه وتكلفته. يقوم من خلالها عبد المنعم لزعر، باحث في العلوم السياسية، بسرد تجربة نضالية مستلهمة بعض أحداثها من الواقع، من قلب إحدى مجموعات الشباب العاطل من حاملي الشهادات العليا، عبر شخصية أمجد، أحد عاطلي "نضالات الرغيف" الذي حملته البطالة مرغما إلى شوارع الرباط وأزقتها وساحاتها. انخرط في نضالات إحدى مجموعات الشباب العاطل للتحسيس بقضيته الاجتماعية، والمطالبة بما "اعتقده" حقوقه الأساسية المشروعة، والمتمثلة في التوظيف المباشر، والبحث عبر هذا المسلك عن الكرامة. عبر حياته الجامعية والنضالية، كان أمجد يعتبر النضال مسألة قناعات ومبادئ "من يخون مرة يمكنه أن يخون ألف مرة". لكن هذه المعرفة وهذا الاعتقاد سقط وتعرى أمام امتحانات الواقع، ليجد نفسه متهما أمام أعضاء المجموعة بالخيانة والانتهازية. فهل كانت خيانة مشروعة أم غير مشروعة؟
في الجواب على هذا السؤال، يؤكد الراوي فعل الخيانة، ويعتبرها معطى ذاتيا، الآخر بريء منها، وإن كان حاضرا في كل تفاصيلها، حيث خانه عقله الذي عجز عن فهم حقيقة الذات الغامضة، كما خانته دروس التجربة التي عجزت عن تقديم استشارة مفيدة لذات ضائعة وضعيفة أمام طغيان الواقع. ولتفصيل معطى الخيانة، تطرق الكاتب لسرد تجربة التحول في قناعات أمجد على الطريقة البيوغرافية، وبكثير من التحفظ لما تبقى من "رماد الذاكرة"، وما اختزنته مشاعره حول تجربته داخل "التجمع المغربي للأطر العليا المعطلة"، منطلقا من مفهوم الذات عبر استعارتها ب(خنجر المودة). وهذا يعطي قيمة للرواية، حيث تعطي فكرة حول كيف يحدث التحول من الداخل بالتوازي مع تأثيرات المحيط الخارجي. ابتدأ الراوي بسرد نفسية أمجد لحظة التحول، قبل أن يمر إلى المسار الذي قاده إلى الانخراط في إحدى مجموعات الشباب العاطل من حاملي الشهادات العليا، بعد أن كان همه هو التحصيل العلمي، وكيف اندمج بسرعة في أجواء الاحتجاج، وكيف غيرت البطالة من قناعاته، ثم الاستراتيجيات التي وظفها للصعود للمكتب، والتي سعى من خلالها إلى صنع مساره داخل المجموعة. لكن جرأته قادته إلى نهاية لم يخطط لها، ولم يكن يتوقع مآلها، بعد حصوله على وظيفة مفاجئة، كانت سببا في سقوطه واتهامه بالخيانة والانتهازية.
الرواية تلخص أسباب التحول في قناعات الشخصية الرئيسية في الرواية في دور اللامدروك والمسارات غير المتوقعة في بناء القناعة الإنسانية وتغيير منطلقاتها وحاضنتها الفلسفية والفكرية، وهو ما يفسر الحضور القوي للغة الهواجس واللايقين في تحديد قدرية الفعل الإنساني داخل الرواية، وذلك من خلال تعبير كاشف "أنا أريد والآخر يريد والله يفعل ما يريد". هذه القولة كانت سببا كافيا ساعده على تغيير قناعاته، والانقلاب على كل المفاهيم التي تشكلت في بدايات الالتزام. وهي تشكل قناعة جديدة استخلصها من تجربته الطويلة في النضال تعتبر بأن مصيره كما هو مصير باقي المحتجين موكول لتقدير صاحب القرار، سواء في العالم الزماني أو العالم الروحي. فكما تعمل الدولة على تطويع الشباب العاطل عبر نزع الطابع السياسي عن الحركة وجعلها بمضمون حقوقي، تتدخل التجارب ومسارات الفعل والتفاعل الإنساني على تهذيب قناعات الأفراد لتظهر أحيانا وكأنها بناء متناقض للذات. هذه القناعة تشكلت لديه بعد الإخفاقات المتتالية في تحقيق المطلب الرئيسي للحركة بعد القيام بعدة أشكال "تصعيدية" في النضال، والتي علمته بأن الحق يُعطى ولا ينتزع. من جهة أخرى تقربنا رواية خنجر المودة من الطريقة التي تحدث بها التحولات من الداخل، حيث يحدث تكيف مع الواقع نتيجة تفاعل بين البعد الذاتي والموضوعي في مسارات المناضلين(بين البحث عن الذات وبين مآلاتهم فيما بعد والتي ترتبط بما هو موجود في الواقع). وذلك عبر مرحلتين، المرحلة الأولى، هي مرحلة عدم الاتزان، يحدث فيها توثر وصراع بين المفاهيم القديمة والوضع الجديد، قبل الاستقرار على مفاهيم جديدة. والمرحلة الثانية، وهي المرحلة التي تنتهي فيها الترسبات التي تبقى بعد التحول، وذلك بعد بناء حجج تبرر التحول أو التراجع عن القناعات السابقة.
ما يستنتج من الرواية، هو أن السبب الرئيسي في التحول يرتبط بالبعد البنيوي، لأن البعد الذاتي ينجر بعد ذلك لتبرير التحول بعد أن يستقر. العبارات التي توضح ذلك في الرواية هي المبررات التي قدمها الراوي، وهي ضعف الذات أمام تجبر الواقع. وانسياقها على خلاف ما تؤمن به. فالتحول كما يبرره الراوي، يتلخص في مناقضة التصرف للخلفية المعرفية لسببين، هما الطريقة التي تبنى بها المواقف والقناعات، حيث تبنى على أطر معرفية غير سليمة، وقد تقع ضحية لسوء الفهم وسوء التقدير، وبعد ذلك تحدث التراجعات. ثم طبيعة المواقف، وهي أنها تحتاج إلى بيئة سليمة وإلى ذات سوية، وشخصية مكتملة لتواصل النمو على نفس الطريقة وعلى نفس المبادئ.
* أفريقيا الشرق 2014. (117 ص).
أشكر صاحب الرواية على اطلاعه على النسخة الأولية من هذه القراءة وتعديله لمجموعة من النقط بأسلوبه الخاص، والتي لا تمس بالمضمون.