للمعلم دور بارز في المجتمع العربي ، وان حاول البعض تغييبه عمدا وطمس تأثيره، أو اختزال دوره بين جدران المدرسة واراق الامتحانات، صحيح أن دوره تقلص بسبب انتشار المعرفة على نطاق واسع وازدياد عدد المثقفين والأكاديميين ،وانتشار التكنولوجيا والشبكة العنكبوتية التي لا يستطع احد ان يضاهيها في نشر وجمع وتخزين المعلومات ، لكنه يظل الموجه والنموذج الإيجابي الذي يشار اليه بالبنان والأكثر تأثيرا على الطلاب ومستقبلهم . ومن خلال مقالتنا سوف اتناول صورته في أدب الأطفال المحلي ، كيف يصوره الكتاب ، وكيف يتم تقديمه للقراء وللأطفال بشكل خاص، وهذه شريحة الأطفال هي نفسها التي يحاول المعلم التأثير عليها . من خلال تناول عدة قصص محلية يلعب بها المعلم دورا هاما .
1- قصة يارا ترسم حلما ، تأليف سهيل إبراهيم عيساوي ، صدرت بطبعتها الأولى عام 2013 ، وبطبعتها الثانية عام 2014 ، تناولها العديد من النقاد المحليين والعرب ، من بينهم ، الناقد المغربي محمد داني ، علي قدح ، حاتم جوعية ، صالح احمد ، غسان حاج يحيى .
كتب الأستاذ محمد داني في كتابه " أدب الأطفال -دراسة في قصص الأطفال لسهيل عيساوي ، المعلمة سارة " يمكن ان نرسم ملامح لشخصيتها ، فهي شخصية محبوبة ،هادئة ،متزنة ، تحترم تلاميذها وتقدرهم وتحبهم ، بالتالي خلقت نوعا من الالفة بينهم وبينها ، انها شخصية متفتحة ، متسامحة ،ذات الفة وحسن معاشرة ، ومعشر، تحب عملها وتتفانى فيه " 1، اما عن شخصية المعلمة يارا فكتب " ابتدأت القصة بها وانتهت بها ، نجد لها توصيفا نفسيا ومزاجيا وسلوكيا يعطينا صورة مقربة عنها .الثقة والاعتزاز بالنفس ، البشاشة وحب الحياة ، المودة ، الانشراح وانبساط النفس ، احترام التلاميذ ، الشوق الحنين الى أيام الطفولة والدراسة ، الطموح والنجاح والإرادة والعزيمة القوية ، الحنان والرأفة والحنية ، الوداعة والتواضع ، الاناقة والجمال ، ثيابها عصرية " 2 . ، اما الأديب والناقد صالح أحمد كتب " انتباه المعلم لهذه النقاط.. يثري حصة التربية... ويثري قدرات الطلاب على الحوار.. وعلى الاختلاف باحترام وتقبل.. كون الاختلاف طبيعي بل ضروري" 3 ، يقصد اتاحة الفرصة لكل طالب ان يحلم دون اعتراض حلمه وتقبل تفكير وحلم الاخرين وهذا الأمر ينبع من وعي المعلم واستراتيجية في تفكيره، أما الناقد حاتم جوعية كتب :" تدخل المعلّمة منتصبة َ القامة تمشي بخطوات واثقة ( وهذا توظيف آخر أيضًا للمعلّم الكفء والأهل الذي عنده الثقة بالنفس ويدخل هذه الثقة َإلى نفوس طلابه وليسَ الإحباط والرَّواسب والعقد مثل الكثيرين من معلّمي المدارس اليوم) ثمَّ تطرح المعلّمة يارا السَّلامَ بابتسامة بريئة وتتناول كأسًا من الماء فيقرع جرس المدرسة على شكل أنغام موسيقيَّة جميلة فتتوجَّه يارا إلى الصَّف الثالث " أ " وهي في سرور ... ( ويحَدّد الكاتب هنا اسمَ الصَّف الذي تدَرّس فيه المعلّمَة حيث الطفل الذي يقرأ القصَّة َيتخيَّل الغرفة َ والصَّف الذي يتعلَّم فيه ويعيش أجواءَ المدرسة ) وتضع حقيبتها على الطاولة وبصوت مسموع تقول : صباح الخير لطلاَّبها والجميع يحيّونهَا باحترام : صباح الخير يا معلّمتي ، وبشكل تلقائيّ يشرد بها الذهن ( بالمعلّمة يارا ) ويذهب بها الخيال بعيدًا وتتذكَّر نفسَها عندما كانت طالبة ً في المدرسة في الصَّف الثالث وآنذاك طلبت معلّمتها" 4 ، أما غسان حاج يحيى فكتب " "يارا ترسم حلما" اسم القصة/ الكتاب الخارج للأطفال من أبناء شعبنا المتعطش للثقافة والعلم الواعد بالمستقبل إن شاء الله.
قصة معلمة جادّة حريصة طموحة تعلم الصفوف الأساسية وتنمي خيالهم وتحثهم على الولوج إلى مستقبل زاهر ناجح وتشجعهم على ملامسة الآمال، تطلب منهم أن يغمضوا عيونهم لمدة دقيقة واحدة وأن يتخيل كل طالب نفسه مع مهنة يحبها ليعمل بها في المستقبل.
منهم من قال بأنه يتمنى أن يكون مهندسًا وآخر صحافيًا وطبيبا وطيَارا إلى آخر أعمال ووظائف الحياة!!" 5، اما الأستاذ علي قدح فكتب " أما عندما يتعهد البيت والمدرسة هذا الحلم فانه يكبر ويجدد حلمه حتى يصبح حقيقة واقعية ، كما حدث ليارا عندما حققت حلمها الذي حلمت به طوال حياتها عندما كانت في الصف الثالث وبكت يارا عندما صفق لها الطلاب وسالت دمعة من عينيها! تصوير رائع للإنسان الذي يفرح عندما يحقق هدفه الجميل وتبتل وجنتيه بالدمع انها دموع الفرح، ومهنة التعليم اشرف المهن واهمها قاطبة." 6
2- قصة حكاية هشام والعمة هيام ، تأليف نزهة أبو غوش اصدار مركز ادب الأطفال العربي في إسرائيل ،2000 ، المعلمة سهاد في القصة : تحبه الطالب هشام وهو يبادلها المحبة ، تحترمه لأنه مجتهد ، تزف الاخبار السارة رحلة الى حديقة الحيوان في تل ابيب ، صوتها رقيق ، تفتش حقائب الطلاب مثل الشرطي تبحث عن المبلغ الذي اضاعه أمير ، تبحث عن الحقيقة ، لا تصدق الطالب هشام ، تجلس العجوز هيام على كرسيها دلالة على الاحترام والتقدير لكبار السن ، تقبل أسف أمير بعد ان اعذر لها عن اتهامه لزميله هشام بسرقة ثمن رحلته الصفية المعلمة تطلب ان يعتذر الى زميله هشام ، تفرح بمشاركة هشام في الرحلة ، لكنها لم تعتذر لهشام في أيضا سارت مع موجة الطلاب الذي اتهموا هشام بالسرقة ، ربما منعها الكبرياء والمكانة المرموقة بين الطلاب ، لتخرج نفسها من دائرة الاتهام ، فهذه القصة صحيح ان المعلمة ارادت تقصي الحقائق لكنها لم تفعل أي شيء لتعيد الحق الى نصابه ، بل الحقيقة خرجت من عند العجوز التي جاءت لتشهد الحق ، وأمير الذي اعترف واعتذر لأنه أضاع المبلغ في البيت وليس في المدرسة ، كذلك بكونها مربية الصف لم تلحظ ان اطلابها يعاني من الفقر المدقع ومنذ سنتين لم يشارك في أي رحلة ترفيهية بسبب وضعه الاقتصادي الصعب .كان بإمكانها التوجه لإدارة المدرسة لتوفر له الدعم المادي ، ان تدفع من جيبها الخاص سرا هذا المبلغ الزهيد ، او ميزانية الصف ، هذا يدل على البعد العاطفي بينها وبين الطلاب وكان روت لنا الكاتبة مدى الاحترام للطلاب ولهشام ، لان الامر لم يترجم على ارض الواقع .
3- قصة معلمتي تنتظر مولودا : تأليف حنان جبيلي عابد ، اصدار دار الهدى كريم ، بدون تاريخ اصدار ، صورة المعلمة من خلال القصة : أصبحت سمينة ، اسمن من دبدوب الموجود في زاوية المنزل ، لابد انها تأكل كثيرا ، حامل ، تنتظر مولودا ، شكلها يشبه شكل الام الحامل ،اسمها نهى ، تفاجأت وارتبكت من سؤال الطفل في الروضة ، اجابت الطفل لم توبخه او تتجاهله ، قالت الحقيقة ، لم تغضب ، تحاور الطلاب ، تنتظر المولود بفارغ الصبر ، ضحكت ،زادت سمنة ، انجبت طفلا واسمه خالد ، ستغيب عن الروضة ، ستعود الى الروضة عند انتهاء الاجازة ، جاءت مع المولود الى الروضة كما وعدت الطلاب وسط غنائهم ، هنا نلاحظ صراحة المعلمة واحترامها لتلاميذها ، ومصداقيتها ومصارحتها لهم عن الاجازة وطبيعتها ، وحبها لجنينها الذي سوف تزفه للحياة ، بالمقابل استعداد الطلاب الأبرياء في الروضة لملاحقتها وامطارها بالأسئلة الشخصية التي تحيرهم والهدف طبعا طرح قضية عامة تخبر الطلاب عن طبيعة الحمل ،وخاصة عند المعلمات اللواتي يجبرن على الغياب عن الروضة لأشهر ،وتحضر معلمة بديلة ربما الامر يشوش عالم الطفل لكنه أمر بديهي وطبيعي وشرعي ومن سنة الحياة ، أيضا السخرية منها وتشبيهها بالدبدوب لسمنتها بسبب الحمل ، ربما ارادت الكاتبة حنان عابد، بث روح الدعابة والنكتة في جو القصة ولو كان على حساب المعلمة ! .
4- قصة احتفال الأشجار بعيدها ، تأليف محمد علي فقرا ، اصدار دار الهدى للطباعة والنشر كريم ، (بدون تاريخ نشر ) ، تصف لنا القصة صورة المعلم ، محب للطبيعة ، يحبه الطلاب ، رغم مرور الزمن ومازالوا يستحضرون من ذاكرتهم البعيدة ما علمهم حول الأشجار وانواعها واهميتها للطبيعة ولإنسان ، يسأل ويشرك معظم طلاب الصف بالحوار ، لا يقاطعهم ، يبادر يقسم المهام على الطلاب ، يعرف خبايا الطبيعة خبير بالأعشاب مثل الميرمية والشومر والزعتر والفيجن والبابونج ، بالأزهار مثل شقائق النعمان ، والاقحوان والسوسن ، والخزامى والطيون وعصا الراعي ، الياسمين ، يحتفل بعيد الشجرة ، ويتكلم نيابة عن طلاب صفه بمناسبة عيد الشجرة وتكريمها الخاص ، تظهر لنا القصة الصورة النمطية التقليدية للمعلم الذي يحبه ويحترمه الطلاب ويصغون اليه خوفا واحتراما ، يبادر وهو الذي يقسم المهام ، لا يثني على طلابه النجباء، بالرغم إجاباتهم الذكية والملمة ، الطلاب يحملون الأسماء مثل: هيام وجواد ، مجدي ونعيم ، ادهم ، صبا ، يامن، ناجي ، نور ،عبد الله ، لكنه لا يحمل اسما ، انما أشار اليه الكاتب ب " المعلم " و " مربي الصف " . .
5- قصة رسالة من طائر مجهول ، تأليف رحاب زريق ، اصدار مركز الكتاب والمكتبات في إسرائيل ، 2013 ، هذه القصة تتحدث عن المدارس عن المدرسين ، وعن الطالب الذي يعاني من عسر تعليمي ، ولا احد يفهمه من معلمين وطلاب ، تعالج الكاتبة الموضوع من خلال رسالة يكتبها البلبل وهو طالب في المدرسة يرمز الى الطالب الذي يواجه صعوبات تعليمية جمة ، يتلقى الهدهد " مدير المدرسة" الرسالة يجمع الطيور لعرض القضية " يا معشر الطيور !!! يا اخوتي وأحبائي ، بالأمس وصلتني رسالة من طائر جهول تحمل في طياتها شكوى مغموسة بالحزن ، مجبولة بالغضب ، وممزوجة بالعتب ..وأما حزنه فنابع مما يلقاه ذلك الطائر، من سخرية ومعاملة قاسية ، من معلميه وزملائه في الصف ..المشكلة التي يعاني منها لم يخترها ، ولم تكن من صنع يديه ،وليس له سلطان عليها ابدا ، اما عتبه بقدر محبته وتقديره لمعلميه وزملائه" " راجيا من زملائي المعلمين ان يكونوا رمزا وقدوة في التعامل الحسن مع الطلاب كافة ، بغض النظر عن قدراتهم وميولهم .." في هذه القصة تستعرض ثلاثة أصناف من المعلمين : القسم الأول هو الذي لا يفهم الطالب الذي يعاني من عسر تعليمي ، يتجاهله يعاقبه ويسخر منه ، ويسمح للطلاب من النيل منه ، لأنه يجد صعوبة بالغة في الكتابة يرسم الحروف والكلمات حتى تفقد الكلمات شكلها بالرغم انه كان يحفظ المادة عن ظهر قلب ، لذا يغضب المعلم منه ويهينه وينعته بالغباء والكسل ، فيشعر الطالب بالقهر والظلم ويصبح الصف بمثابة سجن في عيونه وقد وردت بعض الاوصاف القاسية في القصة منها " لم توجه للهدهد أي سؤال ، بل هزت رؤوسها المنكسة ، وأجسادها المشربة بالخزي والعار ، وانطلقت حيرى ، تتمتم بعبارات مبهمة ، مدركة ما جنت يداها ، ومن جرح لسانها ، وكم كان ذلك الجرح عميقا ومؤلما " ص10. اما الصنف الثاني وهو معلم مختص ، يوجه عنايته وطاقته للحد من المصاعب التي يعاني منها الطلاب بهدف سد الفجوات التعليمية ، يضع الحلول المناسبة ، وهو المعلم الذي وعد به المدير ، أما الصنف الثالث فهو مدير المدرسة المتمثل بالهدهد ، من صفاته التي نستشفها ، ذكي ، قائد ، مبادر ، يجمع المعلمين حوله ، عرف بفطنته وحدسه من هو الطائر المجهول الذي كتب الرسالة ورغم كثرة الأخطاء الاملائية أفلح في حل لغزها ، وصف بالحكيم ، يوجه الحديث ويدير الجلسة ويفرض تصوره للمشكلة ، جازم ، حنون ، يأخذ المسئولية على نفسه ، يواجه المشكلة ولا يتوارى، حيث اعلن على الملأ " لن أغفر لنفسي من الذنب والمسئولية ، لما لحق بك من ظلم ، فواجبي يحتم علي ، أن أتابع وأراقب ، ما يحدث في مدرستي ، على ما يبدو فقد فشلت كما فشل الاخرون ، لكن لن اتركك يا صغيري بعد اليوم ، فمشكلتك باتت تعرفها الطيور ..." ص 20 ، في نهاية القصة ينجح المعلم المختص في مساعدة البلبل الذي شعر بطعم النصر والنجاح ، ونهاية الفشل والاحزان . الكاتبة هنا تعرض مشكلة هامة وهي العسر التعليمي لدى الطلاب وفشل معظم المدرسين في التعامل معهم بالمساهمة في تفاقم المشكلة وتعقيد الأمر ، لكن هنا الكاتبة تضع جهاز التربية والتعليم ككل في قفص الاتهام وخاصة المدرسين ، كما يبدو ان الكاتبة قريبة من حقل التعليم ، ولها تجربة شخصية ، وتقلقها وتؤلمها ظاهرة عدم مهنية البعض وتسلقهم على مهنة التدريس، لكنها هنا سكبت كل الغضب على الجميع ، لكنها في النهاية بواسطة مدي المدرسة ومعلم ماهر نجحوا في حل مشكلة الطالب والذي لأول مرة ذاق طعم النصر ، رغم أن القصة جاءت على لسان الطيور وقدمت على انها قصة رمزية ، لكنها كانت مباشرة وجارحة في عرض القضية ، وكثر فيها الخطابة وتنظير والوعظ والارشاد.
6- قصة تفاحة جلال ، تأليف ميسون أسدي ، اصدار دار الهدى بإدارة عبد زحالقة 2013 ،كعادتها ميسون اسدي ، تسبح خارج التيار وتتمرد على المألوف ، أيضا تطرح فكرة مغايرة عن المعلم الذي يفشل في التعامل مع الطالب الذكي ، لأنه يفكر بمستويات تفكير عليا ، المعلمة تعتقد ان الطالب يسخر منها ، ويتمادى عليها ، تريد إخراجه من الصف ومن المدرسة ، مدير المدرسة يدعم توجه المعلمة ، وينظر الى الطالب جلال على انه طالب مشاغب ، ينعت المعلمة ويسخر منها ، لكن لأهل جلال راي اخر ، بما ان المعلمة لم تقرأ ذكاء الطالب جلال ، ولم تقدر تفكيره فهي لا تستحقه ، كذلك المدرسة ، فالحل فقط نقل الطالب لاطار تعليمي يلائم مستواه ويتفهم شطحاته التفكيرية والابداعية ، الكاتبة لا تبحث عن حل أو حوار متجدد بين الطالب والمدرسة أو الأهل والمدرسة الحل هو اخراج الطالب من المدرسة كليا فهو حل يرضي جميع الأطراف لكن لكل طرف تفسيره الخاص وكل طرف يعتقد أنه انتصر ، صورة المعلمة هنا انها ظالمة ، ضيقة الأفق ، متسرعة ، لا تفهم كل الطلاب ، وتستحق ان يسخر منها ، مدير المدرسة اخفق في فهم ماهية المشكلة وانحاز كليا لرواية المعلمة ، ميسون أسدي تشير لنا الى ضرورة استيعاب والاهتمام بالطلاب المتميزين من خلال نظرة خاصة او برامج خاصة تليق بهم ، لأنهم زبدة المجتمع في المستقبل ، لكن استحالة نجاح مثل هؤلاء بالمستقبل دون وجود قواعد أخلاقية وبضمنها احترام المعلم .
7- قصة غفران وعاصي ، تأليف زهير دعيم ، 2007 ، يصف لنا الكاتب شخصية معلمة الفنون ، بسبب انشغالها في فحص رسومات الطلاب لم تلحظ اعتداء عاصي على زميلته غفران ، تستفسر عن عدم ذهاب أحد الطلاب الى البيت بعد الدوام ، تفهم المشكلة ،تنادي بنبذ العنف والدعوة للتسامح ، تبادر ، تزور احدى الطالبات بعد الدوام ، تقدم لها هدية ، تحل المشكلة التي بدأت في حصتها ، مسئولة إنسانية ، تساعد الطابة دون ان تجرح مشاهرها ، الكاتب زهير دعيم يطرح لنا صورة المعلم المثالي الذي يهتم بطلابه وعلى استعداد لحل مشاكلهم حتى في بيوتهم ، المعلم القريب من قلوب الطلاب ، يشركهم في الحلول .لا يأجل عمل اليوم الى الغد .
ملاحظات حول صورة المعلم في ادب الأطفال المحلي .
من خلال تناول نماذج من أدب الأطفال المحلي نلاحظ عدة دلالات تحتم وقوفنا عليها
1- الأدب صورة لما يحدث في المجتمع العربي ، الأديب يرصد خلجات المجتمع ويسجل ويألف القصص تحكي لسان حال المجتمع وتطلعاته ، التغييرات المتسارعة ، في العديد من القصص التي تناولنها ، نزعت منها قدسية المعلم ورسالته ، تشير الى انحدار مكانته في المجتمع ، وزوال نجمه، فلم يعد هو مصدر المعلومات ولا يتربع اعلى المراتب العلمية كما كان قبل عشرات السنين .
2- امكانية التطاول على المعلم من خلال الألقاب مثال في قصة " تفاحة جلال " وقصة رسالة من طائر مجهول " نعت المعلم باشع الصور وتم تحميله وزر كل الجرائم التربوية ، وتقلده ميدالية الفشل السردي .
3- لا شك ان عمل المعلم شاق وهام ، وهو لا يملك تلك العصا السحرية التي بإمكانها حل جميع التعقيدات التربوية بجرة قلم ، بعضهم اخفق في فهم الطلاب والتقرب منهم ، والمقصود فهم ماهي وظيفته ورسالته السامية ، في "قصة تفاحة جلال" التي تمثل شريحة الطلاب النجباء ، هؤلاء بحاجة لمن يفهم احتياجاتهم ، وفي قصة رسالة من طائر مجهول أيضا تصور لنا اخفاق المعلم في التعامل مع الطالب صاحب الصعوبات التعليمية ، بل المعلم يفاقم مشكلة الطالب ، لكن هنا بريق امل وقدرة على تحسين وضع الطالب. نلاحظ ان الانتقادات توجه صراحة وعلنية ومباشرة للمعلم ، دون رمز او مواربة او خجل ، تضع النقاط على الحروف ، المعلم لم يعد قديسا ، ويمنع الاقتراب منه ، هو هنا صاحب وظيفة لخدمة المجتمع ، كلف بتدريس وتربية وصقل شخصية الطلاب ، اذا اخفق من حق الطلاب ، إدارة المدرسة ، اولياء أمور الطلاب ، محاسبته ولومه وتوجيهه ، هذه النبرة لم تكن موجودة قبل سنوات ، ليس لان المعلم كان افضل ، بل هنالك عدة عوامل شجعت الشفافية وزيادة الوعي عن الناس وغيرت النظرة الى المعلم .
4- المعلم المثالي : في قصة يارا ترسم حلما ، وقصة عاصي وغفران ، يصور المعلم المثالي ، القدوة للطلاب ، قريب منهم ومن احلامهم ومن نبضهم ، يحركه الضمير والايمان برسالته ، يعلق عليه المجتمع اماله ، فمستقبل الأطفال بين يديه وهو يثابر ويخلص بعملة ، وهي الصورة المرجوة منه ، ربما جاءت هذه القصص لتعزز من مكانته وتدافع عنه وسط حملات من التشويه والتحريض والانقاص من جهده ومكانته ، وترفع من مكانته .
5- المعلم التقليدي : هو المعلم الذي عرفه الرعيل الأول وحظ له جميله ، هو مصدر المعرفة ، يلقن الطلاب ، هو المبادر ، لكنه لا يشرك الطلاب ويتفاعل معهم بالقدر المطلوب لم يكسر الجليد بينه وبين طلابه ، بشكل عام إيجابي للمجتمع ،من المهم الإشارة انه طرأ تغيير كبير في طبيعة عمل المعلم ، والصورة النمطية لم تعد تجب على حاجة جهاز التربية والتعليم ، في قصة الأشجار تحتفل بعيدها .
6- المعلم نموذجا لفهم ظاهرة طبيعية ، في قصة معلمتي تنتظر مولودا ، للكاتبة حنان جبيلي ، تسوق لنا قصة المعلمة التي تحمل وتلد ، ليتعلم الأطفال في الروضة ما هو الحمل والظواهر التي ترافقه وتصبه ، بالنسبة للمرأة من سمنة زائدة وتغيب قسري عن العمل ، وتم الاستعانة بالمعلمة لخدمة النص .
7- المعلم الذي تحركه الأحداث ، في قصة حكاية هشام والعمة هيام ، للكاتبة نزهة أبو غوش ، دور المعلمة ، هامشي ، تهتم لادعاء الطلاب الخاطئ بحق هشام ، لم تلحظ فقره وتمنعه عن المشاركة في الرحلات المدرسية ، رغم معاملتها الحسنة مع الطلاب ، امير هو من اعترف بان المبلغ ليس له ، والعجوز هي التي قامت بحل مشكلة هشام ، حيث ساعدها ومول ثمن الرحلة وحين اتهم دافعت عنه ، هنا نلاحظ تقزيم لدور المعلم وتغييب عن الأحداث ، المعلم هنا يستهلك الاحداث ولا يصنعها ولا يحسن التعامل مع المعطيات على ارض الواقع ، رغم الإيجابيات التي يمتلكها من حبه للتلاميذ وحسن التعامل لكنه زاد منقوص لمسيرة طويلة وشاقة .
8- القصص صدرت حديثا في السنوات الأخيرة ، إشارة لاهتمام الكتاب والقراء بجهاز التربية والتعليم وعمل المعلم ، وتقاسم المعلومات ولنتشارها بين الناس ، وسهولة تناول الموضوع لخصوبة المواد وغزارة الأفكار وتشعب القضايا التربوية واثرها على حياتنا اليومية .
9- جميع القصص التي تمجد عمل المعلم وتقدس رسالته وترسم حوله هالة من الاحترام ، أو التي تنتقد تقصيره في عمله ، تهدف في النهاية الى نجاعة عمله ، ووضعه تحت المجهر الاجتماعي والأدبي ، والسعي لخلق جيل جديد من الطلاب يمجدون العلم ويرقون بالمجتمع نحو مستقبل زاهر ومشرق.
10- قسم كبير من الكتاب هم بالأساس معلمين ، لذا يطرحون من خلال قصصهم مشاكلهم ومشاكل الزملاء الاخرين في نفس القارب، مشاكل طلابهم ، يطرحون رؤيتهم وتصورهم لرسالة المعلم ودوره الحيوي في المدرسة والمجتمع ، لهذا السبب لا نجد القصص التي تطرح مشاكل المهندسين والأطباء والمحامين والتجار بهذا الزخم ، لأن الكاتب يكتب عن عالمه الخاص، ويسبح في نهره النابض بالحياة، هو يعرف من أين تأكل الكتف .
11- معظم القصص تتناول شخصية "المعلمة "، وهي إشارة واضحة الى تأنيث جهاز التربية والتعليم في الوسط العربي ، فمعظم العاملين في جهاز التربية والتعليم هن من النساء .كذلك معظم كتاب أدب الطفل هن من النساء ، ومعظم القصص التي تطرح قضايا التعليم يكتبها اديبات كما ورد في النماذج المختارة التي عالجناها.
ملاحظات :
1- - أدب الأطفال دراسة في قصص الأطفال لسهيل عيساوي - ، محمد داني ص 123
2- ن م ،ص 124
3- قراءة في قصة يارا ترسم حلما للأديب سهيل عيساوي، صالح أحمد كناعنة - صحيفة الوسط اليوم 4-8-2013
4- دراسة لقصة يارا ترسم حلما – حاتم جوعية موقع الحوار المتمدن 5-8-2013 العدد 4175
5- موقع العرب 5-2-2015
6- – موقع مندا ، 28-9-2013.
المصادر والمراجع :
- سهيل إبراهيم عيساوي ، يارا ترسم حلما ، طبعة ثانية 2014 ،اصدار خاص
- محمد علي فقرا ، احتفال الأشجار بعيدها ، دار الهدى عثامنة ، بدون تاريخ اصدار
- حنان جبيلي عابد ، معلمتي تنتظر مولودا ، دار الهدى عثامنة ، بدون تاريخ اصدار
- ميسون اسدي ، تفاحة جلال ، أ دار الهدى – زحالقة ، 2013
-رحاب زريق ، رسالة من طائر مجهول ، اصدار مركز الكتاب والمكتبات في إسرائيل ، 2013
- زهير دعيم، غفران وعاصي، اصدار مركز الكتاب والمكتبات في إسرائيل،2009
- قصة حكاية والعمة هيام ، تأليف نزهة أبو غوش اصدار مركز ادب الأطفال العربي في إسرائيل، 2000 .
- محمد داني ، دراسات في أدب الأطفال – دراسات في قصص الأطفال لسهيل عيساوي ، القدس ،2014
- محمد داني ، الحلم العجائبي في يارا ترسم حلما،مجلة المجمع ، العدد الثامن 2014 كلية القاسمي .
- صالح احمد ، قراءة في قصة يارا ترسم حلما ، صحيفة الوسط اليوم
- حاتم جوعية ، دراسة لقصة يارا ترسم حلما ، موقع الحوار المتمدن
- غسان حاج يحيى ، يارا ترسم حلما ، موقع العرب
- علي حسين قدح ، يارا ترسم حلما ، موقع مندا