لا يعد الخطاب في الأسس النظرية للاتجاه السيميائي مجرد علامة عريضة أو مجموعة من العلامات المتراكمة بواسطة عملية جمع حسابية٬ بل مشروعا دلاليا ينهض به عون تلفظ. لذلك تعنى السيميائية بنظرية الدلالة وإجراءات التحليل التي تساعد على وصف أنظمة الدلالة. فهي تعتبر كل مستوى من مستويات التعبير (الدال)، والمضمون (المدلول) يتمفصل من خلال تنظيم خاص. " (هناك شكل التعبير) عندما يتعلق الأمر بالنص، التنظيم النحوي والأسلوبي. وهناك شكل المضمون الذي تهتم السيميائيات بوصفه "1٬ حيث تسعى إلى إبراز شكل المدلول. "فالنظرية السيميائية نظرية دلالية في الأساس، تستهدف بناء نماذج قادرة على إبراز نظم الخطاب لا الجملة بمفردها"2.
ولاتساع طموح مشروع السيميائيات، اتسم هذا البناء بالنهوض على ثلاث مسلمات ومبادئ قاعدية في تحليل الدلالة:
1- تحليل محايث
يهدف هذا التحليل إلى وصف وإبراز التنظيم الخاص للوحدة المضمونية المناسبة للنص الذي نقرأه أي: " مجموع الشروط الداخلية للدلالة التي نبحث عنها. لذلك ينبغي أن يكون التحليل محايثا. وهذا يعني أن الإشكالية المعرفة بواسطة العمل السيميائي تتوخى التوظيف النصي للدلالة، وليس العلاقة التي يمكن للنص أن يربطها مع مرجع خارجي"3.
2- تحليل بنيوي:
يتأسس المعنى المدرك في النص على أساس الأثر الخلافي. "فآثار المعنى المدركة في الخطابات والنصوص تفترض نظاما مهيكلا من العلاقات. وهذا يقودنا إلى التسليم بأن عناصر النص لا تحمل معنى إلا عن طريق لعبة الاختلافات".4ويتولد عن طريق هذه الأخيرة مفهوم البنية٬ مادام مضمون النص يتمفصل على أساس الاختلافات القائمة بين عناصر الدلالة. " يسمى التحليل تحليلا بنيويا لأن مشروعه يدور حول اقتراح التمثيلات الدقيقة٬ تعني نماذج "كل هذه الأشكال" (أول كل هذه الاختلافات) التي تمفصل مضمون النص".5
3- تحليل الخطاب
إن التحليل السيميائي في نهاية الأمر تحليل للخطاب، مما يجعل السيميائيات السردية تختلف عن اللسانيات البنيوية(الجملية). "ففيما يتركز البحث٬ في اللسانيات التقليدية٬ عن الوحدات اللغوية المحدودة المدى، المنتظمة في إطار الجملة٬ فالنظرية السيميائية نظرية دلالية في الأساس٬ تستهدف بناء نماذج قادرة على إبراز إنتاج الخطاب لا الجملة بمفردها"6. فإذا كانت اللسانيات تهتم ببناء وإنتاج الجمل، فإن السيميائيات السردية تهدف إلى بناء وتنظيم وإنتاج الخطاب والنص.
ومن أجل تعيين الاختلافات بين العناصر القابلة للمقارنة، تقترح السيميائيات السردية ثلاثة مستويات مختلفة، يمكن للنص أن ينتظم وأن يوصف على أساسها. "لذلك فمن الضروري التمييز بين مختلف مستويات الوصف التي نتعرف من خلالها على العناصر وقواعد تجميعها"7
ومن اللائق التشديد على دور هذه المستويات المنظمة للإكراهات التي يخضع لها إنتاج المعنى. فتنظيمها ونوعية العلاقات التي تربط بينها تمكننا من معرفة النظام الكفيل بإنتاج الدلالة من جهة، ومن الإحاطة بالتنظيم النصي للدلالة في النصوص التي نقوم بتحليلها من جهة أخرى.
وينتظم التحليل السيميائي في بنائه العام على مستويين متعالقين ومتعاضدين:
- المستوى السطحي أو (البنية السطحية).
- المستوى العميق أو (البنية العميقة).
المستوى السطحي:
على مستوى البنية السطحية نجد مركبتين (deux composantes ) هناك أولا: المركبة السردية : تقوم بتنظيم تتابع وتسلسل الحالات والتحويلات. " والأساس المعتمد بالنسبة لهذه البنية هو البرنامج السردي القائم على ترهين ملفوظ أخلاقي محكوم بملفوظ وضع"8. ثانيا هناك :المركبة الخطابية : تعمل على تنظيم تسلسل الصور وآثار المعنى في النص. وتعنى هذه المركبة بعملية التلفظ التي تتيح ٳنجاز الخطاب٬ مؤكدة بذلك دور عملية التلفظ في إنتاج الخطاب٬ مع الاهتمام بحضور الأعوان المتلفظين وأفعالهم، ودور الخطاب في إضاءة الكفاءات ودوافع الفعل.
إن تحليل النص على مستوى البنية السطحية، يبتدئ من خلال فحص المركبة السردية. "وتنطيم هذه الأخيرة معقدا وآلياتها عديدة"9. أما فحص المركبة الخطابية، فيهدف إلى وصف وضع وشكل المحتويات.
1 – ميشيل ارفيه- لوي بانييه- جان كلود كوكي- جان كلود جيرو- جوزيف كورتيس: السيميائية الأصول والقواعد والتاريخ. ترجمة رشيد بن مالك٬ دارمجدلاوي للنشر والتوزيع. الطبعة 1 /2008 عمان الأردن. الصفحة229.
2 - الفكر العربي المعاصر، العدد 138 -139 مركز الإنماء القومي(مقالة للدكتور محمد ناصر العجيمي: في الأسس النظرية للاتجاه السيميائي).) الصفحة: 134(
3- Groupe d’entrevernes : analyse sémiotique des textes. Edition Toubkal. 1987- (page : 8)
4 - المرجع نفسه) الصفحة 8(
5 – ميشيل ارفيه- لوي بانييه- جان كلود كوكي- جان كلود جيرو- جوزيف كورتيس: السيميائية الأصول والقواعد والتاريخ. ترجمة رشيد بن مالك٬ دار مجدلاوي للنشر والتوزيع) الصفحة 231 (
6 - الفكر العربي المعاصر العدد 138 -139 مركز الأنماء القومي) الصفحة: 134(
7 -Groupe d’entrevernes : analyse sémiotique des textes.Edition toubkal. 1edition 1987-
( Page : 9.)
8 - الفكر العربي المعاصر العدد 138 -139 مركز الإنماء القومي - ) الصفحة 139(
9 -groupe d’entrevernes : analyse sémiotique des textes. Edition Toubkal. 1987-(page :88.)