انطلاقا من العنوان الذي اختارته الكاتبة لهذا المنجز الشعري القصصي عنوانا شاعريا و شعريا " همس الروح " و الهمس نمط من الكلام بصوت لا يكاد يفهم ؛ قال تعالى : " وخشعت الأصوات للرحمان لا تسمع إلا همسا "... طه 108. و كأن هذا المنجز اتخذ الهمس نمطا وصيغة من صيغ التعبير، فهو لم يتخذ الصراخ ولا العويل ولا الغناء ....بل الهمس . كما يكشف هذا النمط من الكتابة و الإبداع صيغة التلميح والتعريض، وليس التقرير و التعيين، وبالتالي كان الرهان على نوع من القراءة أو على نمط خاص من القراء، أي ذلك الذي يدرك الهمس و يفكك شفراته ويرصد معانيه الخفية ...هو قارئ تحرر مسبقا من تأطير إيديولوجي أو نزعة فكرية أوعقيدة دينية تبررله ما تجب قراءته وما لا يجب . هذه النصوص تقرأ بعيدا عن أية إيديولوجيا ودون تأطير من أية عقيدة دينية أوقومية أوعلمية. إنها نصوص تأتيك همسا وتهمس في أذن القارئ معنى وترسم له دلالة وتلمح له على أجوبة ممكنة لأسئلة يطرحها الإنسان في وجوده ، وفي علاقاته ،وفي صيرورته ...
في هذا العمل الإبداعي نوعان من الهمس: أول شعري وثان قصصي. وسننظر في الهمس القصصي لنرى ما فيه من مدارات دلالية وخصائص فنية وجمالية .
اتخذ الهمس القصصي عنوانا مثيرا: " نبضات قصصية ". والنبض اضطراب وتحرك في المكان . وهو نوع من الضرب والحركة .إنه فعل أو حركة تقاس لمعرفة حالة و وضعية جسم معين ..أي أن النبض ناتج عن جسم أوعضو أوآلة تقيس حالة جسم آخر...وكأن هذه النصوص القصصية نبضات أي دقات و حركات تدل على الاضطراب والفيض و السيلان . فالهمس القصصي نبض صادر عن ذات في اتجاه ذوات متلقية له ومتفاعلة مع مضامين هذا الهمس في صيغة النبض . وكل قصة من هاته القصص هي نبض و حركة يقيسان وضعيات إنسانية في الوجود و الحياة .
في نص " ندم " انتظم النبض القصصي فيه على مسار سردي:
الزواج : تزوجته لغناه وارتبط بها لجمالها .." وفي هذا تلخيص لمبررات الزواج في المجتمع الإنساني ، وهناك مبررات أخرى تفرضها سياقات اخرى في الحياة الاجتماعية . هذا المدخل للقصة تسجيل للسائد عند طرفي الزواج : الزوج و الزوجة . لكن هذه الوضعية قد تنجم عنها انفلاتات و احتمالات غير متوقعة ، أي هي في تنافر مع مبررات الزواج . الرجل يتزوج ليستمتع بالجمال الأنثوي،و المرأة تزوجت للغنى عند الرجل ، و خاصة الغنى المادي.
السيرورة :ترتب عن الزواج، كشكل من اشكال الوجود البين إنساني – رجل / امراة ...جملة من الوقائع أو الأحداث ، جاءت كالتالي :
الاستنزاف : نتيجة حتمية عن الزواج. ويفيد معاني كثيرة: مثل الجفاف والنفاذ والإضعاف والانقطاع ..فالمرأة استنزفت غنى زوجها بالاستهلاك المفرط، وكان الزواج لديها فرصة لاستنزاف غنى زوجها . والزوج استنزف جمالها أي استهلك نصيبها من الحسن والجمال وخاصة الحسن المادي أوالعضوي . و الذي استنزفه هنا هولعبة الأقنعة أي أن جمالها جمال اصطناعي، جمال تحت الطلب، جمال غير طبيعي ، لم يكن جمالا فطريا أو طبيعيا ، بل هو زعم وادعاء ، والزوج اعتقد في البدء أنه طبيعة وأصل ، في حين كان قناعا وسطحا : " و لما استنزفته لعبة الأقنعة .."
الاستلاب: النتيجة الثانية بعد الاستنزاف هي الاستلاب، وكل طرف عاش استلابه الخاص به ؛ الزوج وجد نفسه رهين طلباتها غير المحدودة والمبالغ فيها، و كان في وضع الاستجابة و التنفيذ ، لم يكن في وضع الرافض أو الممتنع،حيث كان يستجيب لجميع أوامر الزوجة . بينما الزوجة عاشت استلابا من نوع خاص، حيث أصابتها تخمة و استرخاء وفتور فكأنها مخمورة . لقد أصبحت الزوجة في دوامة لا نهاية لها أساسها الاستجابة لرغباتها المتوحشة وطلباتها المجنونة .
التحرر: نتيجة هذا الوضع المأزوم ، و الذي لم يعد صالحا و مناسبا للوجود معية طرف آخر، حيث هناك التنافر و التباعد بين الزوجين ، هي تسعى نحو تحقيق رغباتها من خلال مال الزوج . هو يسعى نحوالاستمتاع بجمالها كثروة معنوية ، لكنه أدرك أنه يستهلك قبحا و ذمامة ، و كأنه غبن في حقه . و الحل أمامه هو أن يقايض حريته بماله ، فأعتق نفسه من طوق زوجته التي طوقته به .
المآل : انتهت القصة بنتيجتين: نتيجة تخص الزوج و أخرى تخص الزوجة . هي عرفت صوابها أي رشدها لكن بعد فوات الأوان. هو عاد إلى عقله .
بهذه الصيرورة، لخصت هذه القصة: النبضة هي التقاط لحالة من حالات الزواج، أي تلك التي تنبني على أركان هشة، أي منطلقات غير مناسبة للزواج. الجمال والغنى شرطان ضروريان للزواج لكن غير كافيين، وما يؤكد عدم كفاءتهما النتائج السلبية التي نجمت عنه مما أدى إلى الانفصال وفك تلك العلاقة بعد اكتشاف حقيقة خطيئتهما.وكان الندم أي الحزن والتحسر عن تجربة سابقة خاطئة .
في نص " عاصفة " تلتقط عين الساردة مشهدا ممتدا في تفاصيل الحياة الاجتماعية، ويتجسد في سلوكات ومواقف لأحد طرفي العلاقة الزوجية وعند الزوج أكثر؛ يتعلق بحالة التصابي أي الميل إلى اللعب واللهو واستهواء المرأة كالصبيان خاصة عند الشيخ . وهذه حالة نفسية ووضعية وجدانية، لها مبرراتها التربوية والنفسية والفكرية والسلوكية . وهي مرفوضة في وضعية الشيخ الزوج . هذه الحالة كما جاءت في النص كانت حدثا عاصفة أي ريحا هبت هبوبا شديدا، وقد خلفت خسائر نفسية أو وجدانية خاصة عند الطرف الثاني في مؤسسة الزواج – المرأة - .
هذا الوضع يحدث اختلالا في العلاقة بين المرأة و الرجل في وضعية زواج، و قد التقطت الساردة مشهد هبوب العاصفة و كيف دمرت عالما كان يعتقد أنه هادئ ومعزول عن العواصف :
- وضعية الهَلَل : يفيد إغماض الزوجة السكوت و الرضى في وضعية ضعف أو القبول بأخطاء وهفوات الشريك . هذا الموقف لم يكن مناسبا ، لأن الخطأ يقتضي التصحيح و التصويب و الإصلاح و هذا ما لم تقم به الزوجة ؛ التصابي عند الشيخ سلوك غير مقبول و تصرف يعكس استهتاره واستخفافه بزوجته.
- وضعية الهبوب : استعارت الساردة العاصفة كرمز لتصوير مدى التدمير الذي لحق بالعالم الذي أسسه الزوجان : حبا و تقديرا و احتراما و رعاية ، في الحضور و الغياب ، في الصحة و الاعتلال، في الضعف و القوة . الشقراء هي العاصفة التي طوحت بالشيخ و رمت به خارج عالمه .
- وضعية الهدوء : ترتب عن العاصفة، التي عصفت بهذا الفضاء، إفراغ البيت من أهم مضمون تأسس عليه الزواج وأسسته العلاقة الزوجية، اي الحب كصنعة و منتوج عاطفي صنعه الطرفان خلال تجربتهما الوجودية : " لفظ بابه أغلى ما جمع بينهما " أي انهيار الذكريات والأحلام وأشكال التقدير و صيغ الاحترام التي كانت متبادلة بينهما . ومثلما اهتزت جدران البيت وسقطت اللوحات المعلقة على جدرانه، سقطت الصور واللوحات التي علقتها الزوجة على جدران قلبها لحياتها .
هكذا تمفصلت اللقطة / النبضة إلى ثلاث محطات : الاستهلال والهبوب ثم الهدوء، أي أن الحياة الإنسانية في مختلف أشكالها وصيغها ، والزواج شكل من أشكالها، وصيغة من صيغ العيش مع ... تعترضها هزات وأحداث مزلزلة إما من خارجها أو من داخلها . وهذا يتطلب الرعاية و التحصين و القدرة على تجنب الخسائر.
تواصل الكاتبة من خلال محفل السرد، التقاط الظواهرالتي تنجم عن العلاقة التفاعلية بين الرجل و المرأة ضمن سياق اجتماعي أو نفسي فكري ينتظم تلك العلاقة. ومن بين ما التقطته الكاتبة في نبضة : " تضاد " الإقصاء الممارس من طرف أحد أطراف هذه العلاقة ؛ حيث في كثير من الحالات والمواقف تقصي الزوجة زوجها أوالعكس . وفي ظل هذا الإقصاء تصبح العلاقة بينهما ميدانا لسياسة الإقصاء و مساحة لتدبير الاختلالات عبر الإقصاء النفسي والرمزي الذي يتخذ شكل الإهمال والتهميش مثل ما ورد في هذه القصة :
- هو: "أزاحها عن حافة حياته" أي أخرجها من المركز إلى الهامش أوالحاشية ، بل لم يترك لها حق التواجد في الهامش، بل ضاعف لها الإقصاء من خلال فعل الإزاحة ، أي لم تعد محط اهتمامه وعنايته و مشورته وأفرغ وظيفتها و دورها ضمن النسق الاجتماعي الناظم لوجودهما .
- هي: "جعلته ضمن إطار لوحة معلقة على الحائط "، تكتفي بالتأمل والنظر ردا على موقف زوجها . هي بهذه الصورة أزاحته من داخلها إلى خارجها. لكن المرأة واستنادا إلى خصوصيتها وطبيعتها ، فهي تتأثر أكثر من خلال النظر في الصورة وتنبعث أشواقها القديمة وتنفجر مشاعرها المكبوتة ويحملها الحنين إلى ماضيها ، لكن " و صونا لكبريائها " تكتفي بالجلوس إلى الصورة تستمع إلى الصخب في الصمت أو الضجيج في الهدوء ، تنصت إلى الكلام في الغياب ....
في قصة " انتصار" تلخص الكاتبة ظاهرة إنسانية عميقة تمس السلوك الإنساني ، وخاصة ظاهرة التدين المفرط أوالمبالغ فيه ، حيث نشهد في الواقع كثيرا من السلوكات والمواقف والحالات التي يظهر فيها كثير من الأفراد تدينهم وانعزالهم عن الدنيوي وتعلقهم بالمقدس في مختلف تجلياته. ويتخذ هذا التدين مظاهر مختلفة منها الرهبنة أو الرهبانية . وهذا الاختيار هو رؤية من صاحبه لتدبير الجسد و سياسة رغباته وبرمجة حاجياته الجنسية والعاطفية والوجدانية والفكرية...
غير أنه للجسد ثورته وتمرده ، له عصيانه ورفضه، لا نعرف متى يحدث ذلك، وقد يفاجئ صاحبه بعد أن اطمأن لخضوعه وتربيته على نمط معين ووفق قناعة أو اعتقاد ولو كان رهبانية . وهذا ما أشارت إليه القصة هنا وفق الخطاطة التالية :
- الهروب: هو شكل من أكثر أشكال التمرد والعصيان من طرف الذات ، ضدا على سلطة العقيدة الفكرية التي أطرت الجسد ونمطت شكل الاستجابة لرغباته و طموحاته ...لقد هربت الراهبة إلى الراهب من الديني ومن الروحي إلى المادي الدنيوي تعويضا عن الحرمان الذي خضع له جسداهما في ظل رهبانيتهما .
- الاستمتاع : ترتب عن الهروب من الحرمان الاستمتاع و التعويض عن النقص الذي عاشه الراهبان في عزلتهما و استجابا لرغبتهما في بعضهما .
- الصراع الداخلي :هو ترجمة عن الإحساس بالذنب والوقوع في الخطيئة التي اقترفاها معا، إذ في عقيدة الراهب أو الراهبة أن الاستجابة لرغبات الجسد وتلبية طلباته المادية وخاصة المتعة الجنسية خطيئة وذنب كبير،هو كفر بأمر الرب واستجابة لأمر إبليس هو انتقال من الجسد المقدس إلى الجسد المدنس ....
- الاستقرار: هو اختيار لمسار أو منحى معين، فإما استقرار على منحى الرهبانية أو استقرار على منحى الواقعية والطبيعة، أي الاستجابة لطبيعة الجسد كقانون يجمع بين الروحي والمادي، بين الدنيوي والديني ، بين الرهبنة والطبيعة ( قادهما إلى الاستقرار على طبيعة الخالق )
تلخص هذه القصة من خلال آليات التكثيف والتقطيع ظاهرة إنسانية تمس الوجود الإنساني، اي ظاهرة التدين المفرط أو المبالغ فيه ، اعتقادا من صاحبه أنه على حق وأن نهجه قويم وصحيح ...و هذا يبين أن التدين أو الرهبنة لا يحققان السعادة لوحدهما، وأن التسامي عما هو طبيعي في الإنسان اختلال و فساد تترتب عنه نتائج وأضرار تتجلى أعراضها في المواقف والعلاقات و ردود الأفعال ...
إن الرهبنة هي تدين مبالغ فيه ، تقشف وتخل عن حاجات الجسد، قهر وكبح لمتطلباته وزهد في المتع من خلال الاستغراق في العبادة، والإقامة في الجسد المقدس ، لكن للحب مفعول الإكسير في احياء ما قتلته الرهبنة من متع و في اكتشاف ما أودع الخالق في هذا الجسد من أسرار.
انتظمت قصة أو نبضة "اهتمام" على مسار سردي يكشف فيه السارد لفيفا من الأحداث وصيرورة من التحولات التي قد يعيشها طرفا علاقة : رجل وامرأة خاصة في وضعية الزواج التي تشكل بنية تتفاعل فيها مرجعيات مختلفة وتتحكم فيها تمثلات ثقافية . وقد تشكل هذا المسار من خلال :
الشكوى: أي الإخبار عن سوء فعل أو دعوى يعلن فيها الشاكي عن أضرار مادية أو معنوية مثل التذمر والقلق الذي انتاب المرأة نتيجة أفعال وتصرفات لا تناسب العلاقة أو الوضعية مثل قلة الاهتمام أو الانهمام بأشياء وأمور ثانوية من قبيل الجرائد والقنوات ومقدمات البرامج ...تكشف الشكوى عن الإهمال و الإقصاء الذي تعرضت له الزوجة كعنف نفسي معنوي .
التعويض: قد يدرك الطرف الذي كان سبب الشكوى مسؤوليته في ذلك ، بعد أن استمع إلى دعوى الاتهام في محكمة الضمير، و اعترافا منه بخطئه، يظهر حسن النية بدءا بالاعتراف أولا ثم التعويض ثانيا عن الأضرار المعنوية التي لحقت الطرف الثاني نتيجة تصرفاته غير المسؤولة مثل ما أثارته القصة / النبضة .( في عيد زواجهما أهداها " أيبادا " .
الإهمال بدل الاهتمام : رغم اعتراف الزوج بخطئه ووعيه السطحي بالضرر الذي لحق بزوجته ، حيث لاحظ ذلك في تصرفاتها وسلوكاتها وخطابها وكلامها .... كان إهداؤه لها أيبادا خطأ معنويا ثانيا ضاعف تذمر الزوجة فلجأت إلى الصمت والسكوت ( صمتت و سكن البيت )
إن مظاهر الإهمال كثيرة سواء كانت من طرف الزوج أم الزوجة ، و القصة / النبضة اقتطعت من الواقع الإنساني حالة فقط و صورتها كمثال وعلامة تحذيرية .كما أن الأشياء بغض النظر عن قيمتها المادية أو الوظيفية فهي لا تعوض عن الأضرار المعنوية التي تنجم الإهمال .
من مفارقات عنوان قصة "اهتمام " أنه يحمل بين ثناياه دلالات الهم والحزن من الهم وأهمه الأمر أقلقه و المهمات من الأمور الشدائد وهمه المرض أذابه ...فاهتمام الزوج بأمور هامشية ألحقت أضرارا بزوجته تمثلت في حزنها وقلقها ومعاناتها من تصرفات وسلوكات زوجها. و تعويضه لها بشيء مادي في مناسبة لها قيمتها الرمزية في تلك العلاقة يعتقد أنه اهتمام منه بزوجته في حين أنه هم آخر انضاف إلى معاناتها.
من خلال هذه النماذج النصية التي وقفنا عندها ، يمكن لنا أن نستنتج بعض خصوصيات الكتابة القصصية عند الكاتبة :
- الالتقاط :
هو أن تعثر على الشيء من غير قصد أو طلب ، فقد عثرت الكاتبة في الحياة الاجتماعية على كثير من الموضوعات و التيمات التي شكلت موادا سردية انتظمت حولها النصوص القصصية . و يلاحظ القارئ لهذاه الموضوعات أنها تتعلق أساسا بالعلاقة بين الرجل و المرأة و لا تفارق هذه المنطقة . و مساحة العيش مع أو الوجود مع بين الرجل و المرأة تتثير كثيرا من الأسئلة و تنجم عنها كثير من القضايا ذات مستويات متباينة : عاطفية وأخلاقية و إنسانية و ثقافية و جنسية ...
- التعريض :
في البلاغة هو اللفظ الدال على الشيء عن طريق المفهوم لا بالوضع الحقيقي ولا بالمجاز ، فالمعاني في هذه النصوص لا تفهم حقيقة ، بل منها ما يفهم مجازا و كناية و أكثرها يفهم و يدرك تعريضا . و كان القصة / النبضة قول مركب يفهم معناه بالتعريض أي بالتلميح و العدول عن التصريح . فمثلا في قصة "معركة " لا تصرح بالحرب العنيفة بين الرجل و المرأة و كيف تدار تلك الحرب في ظل مجتمع يعلن حرية المرأة و التعايش السلمي و ثقافة المساواة و الحقوق بينهما ...لكن هناك مظاهر كثيرة لاستغلال الرجل للمرأة و سيادة ثقافة الفحولة و السيادة و تبعية المرأة للرجل ... و في قصة :" شيخ الشباب " تلتقط الساردة لقطة أو مشهدا يحمل دلالات لا تصرح بها و لا تكني عنها ، بل تعرضها تلميحا ، حيث يمثل حفل الزفاف صورة سوق تعرض فيه البنات كبضائع من خلال حجمها و شكلها الخارجي و طريقة تعليبها و المعلومات المصاحبة لكل بضاعة ... و الشباب عامة يتفاعل مع هذه البضائع المعروضة بحواسه و جوارحه و عواطفه ...فيظهر قبولا أو يبدي امتعاضا ، يعلن ميلا و انجذابا إلى تلك المصفوفات من الفتيات ...لكن القبول النهائي لا يتوقف فقط على الاستجابة للحواس و بل هناك شرط آخر أساسي يتمثل في الصحة النفسية و سلامتها المعنوية إذ قد تكون النفس مصابة بخلل أو نقص مما يؤثر في التفاعل مع المنتوج سلبا ....و قد لوحت القصة إلى أن التفاعل التام و الإيجابي بين الشاب و الفتاة لا يتحقق ظاهريا فقط ، بل يتأسس على الصحة النفسية السليمة من الأعطاب والأزمات ، أو أن يكون أصحابها واعين بنوعية أزماتهم واتباع أنظمة علاجية .
هذه القصة تلوح إلى ظاهرة العزوف عن الزواج الناجمة عن أسباب نفسية ، حيث الزواج من بين ما يتأسس عليه إلى جانب التأهيل العضوي أي قدرة الجسم و سلامته و التأهيل المادي و التأهيل العاطفي الوجداني هناك التأهيل النفسي .
التكثيف : هو مظهر من مظاهر الاقتصاد في التعبير عن معاني كثيرة بعبارات قليلة ، أو معنى كثير في قول قليل ، و هذه خاصية طبعت القصة القصيرة جدا ، حيث لا استطراد و لا تفاصيل و لا إطناب ، بل التلميح للمعنى و الإيحاء به . و في هذا المنجز القصصي ، نلحظ أن أغلب نصوصه القصصية انتظمت من خلال تقنية التكثيف ، حيث هناك مضامين دلالية كثيرة و لقطات أو مشاهد متنوعة و مختلفة ، تقبل تأويلات من طرف القارئ . القصة لا تقول كل شيء ، بل تترك للقارئ تجريب البحث عن المعنى و ملء الفراغات و استدعاء الغائب من الشواهد و الحالات من جغرافية الحياة الاجتماعية و العلاقات الإنسانية .
فما عملت عليه الكاتبة في نصوصها هو التقاط لحظات عابرة وعملت على تثبيتها للتأمل والنظر و بالتالي استخلاص العبرة وفهم الفكرة.
الإدهاش : أي توليد الدهشة عند قارئ النصوص القصصية القصيرة ، من خلال المفارقة والتوتر الذي يدركه القارئ بين استهلال القصة وخاتمتها ، حيث المسافة السردية قصيرة ومليئة بتوقعات مختلفة تثيرها عناصر القصة في وحدتها . والذي يؤكد هذا هو أن قراءة هذه النصوص تولد انفعالات غير متوقعة لدى القارئ خاصة عندما يربط بين العنوان مثلا وبين الحدث أو الفكرة التي انتظمت حولها القصة :
مثلا في قصة " ليلة عمر"، تحيل القصة إلى عالم الأعراس والحفلات وما تمثله في ذاكرة الإنسان ولا سيما عند المرأة ،سواء لحظة الاحتفال ذاته أم لحظة التذكر والاسترجاع ،و ما تستحضره من تمثلات اجتماعية و ثقافية و ربما أسطورية باعتباره طقسا من طقوس العبور . المرأة تشترط فيه الاحتفالية من خلال التغنج والدلال والزهو، أي بما يعتقد أنه معنويات و مظاهر قوة في المشهد أو اللحظة أو تفاعل إيجابي معها، هذه المظاهر الاحتفالية قد لا نجدها عند العريس لأسباب صحية أو نفسية أو طبيعية وهذا ما انتهت إليه القصة عندما أدركت العروس أن عريسها أصابته وعكة صحية خطيرة حولت النشوة و الغبطة إلى تخشب و تسمر :
( العروس تمشي متغنجة وسط المدعوين .....تخشبت عندما أغمي على عريسها بسبب نقص في كليته المتبقية )
تمثل هذه النصوص القصصية نبضات سردية ، قصيرة قصر النبض ذاته ، أي أن زمنها في مثل زمن نبضة القلب في حركته أوهي في حجم نبضة العرق حاملا كمية من الدم في دورته . وقد انبنت على تقنيات فنية مثل المفارقة والتكثيف والاختزال والإيحاء ...كما هو الشأن في الكتابة القصصية القصيرة جدا . و قد لاحظنا أنها استندت ، إضافة إلى ذلك على تقنية الالتقاط أي التقاط مشهد أو حدث ضمن أحداث الحياة الإنسانية و وقائعها ثم صياغته فنيا في شكل قصة قصيرة ،تقرأ في لحظة وجيزة و تأسر جوارحك للتأمل و البحث عن المعاني المضمرة في ثناياها .