مفهوم الأدب الإسلامي بين الرفض والقبول: مقاربة تحليلية نقدية ــ محمد سمير سرحان

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

لقد أصبح مفهوم الأدب الإسلامي مفهوما مرفوضا لدى بعض النقاد الأدبيين الذين يرون أن وصف الأدب بالإسلامي يجعله يحتكم لعدة قيود وقوانين تنفي عنه إبداعه الفني والأدبي، وهذا الصنف من النقاد قد انقسم إلى قسمين اثنين:
قسم أول؛ يرى أن مفهوم الأدب الإسلامي يضع القيود على الإبداع الفني ويجعل الأديب سواء كان شاعرا أم روائيا أم مسرحيا...، يلتزم بهذه القيود، ويخرج عن دائرة هذا الصنف كل من لم يلتزم أو كان ليس مسلما.
القسم الثاني؛ يرفض من أجل الرفض، يرفض كلمة "إسلامي" لأجل أنها نسبة للإسلام فقط، وليس من أجل الدافع المذكور أعلاه، ذلك أن هناك من النقاد من يرفض الإسلام كدين فما بالك بكون أن يجعل صنفا من الأدب ينتمي إليه ويسمى إسلاميا. وفي الغالب نجد هؤلاء لا يقبلون النقاش حول سبب رفضهم هذا، لأنهم وبكل بساطة لا يجدون مخرجا من المأزق الذي قد يقعون فيه أثناء نقاشهم حول قضية أدبية.
إن هذا الصراع القائم بين القبول والرفض يجعلنا أمام طرح إشكالي عميق تنتج من وراءه عدة تساؤلات حول مفهوم "الأدب الإسلامي" أبرزها، ماذا نقصد بالأدب الإسلامي؟ وهو سؤال جوهري، هل الأدب الإسلامي كل أدب ينتسب للإسلام، أم يمكن إدخال أنواع أخرى قد لا يكون أصحابها مسلمون؟
إننا قبل أن نقف عند مفهوم الأدب الإسلامي كصنف من أصناف الأدب الحديث والمعاصر، لا بد أن نقف عند مفهوم الأدب كمفهوم مجرد من انتسابه لأية جهة، فنرى ما تحمله الكلمة من معنى، لنرى بعد ذلك نقطة الالتقاء بين الاثنين، ثم نستأنف الحديث عن الأدب الإسلامي كمركب إضافي بما يحمله من معاني تفوق كل تلك الاعتراضات أو حتى القيود المزعومة التي وضعت له، والتي سنستعرض بعضها بإذن الله. لنبين للقارئ أن الأدب الإسلامي يفوق الوصف المتعارف عليه بين أصناف عديدة من الناس اليوم، سواء المؤيدين أو المعارضين لنقول، ماذا نعني أولا بكلمة "أدب"؟

إنني لن أقف عند المفهوم اللغوي حتى لا أطيل الكلام على القارئ، ويمكنه الرجوع إلى المعاجم اللغوية ليقف عند معاني كثيرة يعسر ترجيح بعضها على البعض، لذلك سأشرع مباشرة في تعريف الأدب بشكل مجمل ومبسط يسهل معه على القارئ تتبع كل فكرة فكرة، ليصل هو الآخر إلى ما نريد الوصول إليه، وإن كنا سنتركه محجوبا وراء السطور سعيا منا لجعل القارئ يستنبط ذلك حسب ما يحمل معه من معارف ومعلومات في الموضوع، وحتى تبقى لكل وجهة نظر معينة ومستقلة.
إن الأدب يقصد به مجموعة من الإبداعات والمواهب الذاتية التي يتميز بها الأديب، أكان شاعرا أو مسرحيا أو غير ذلك، وهذا الإبداع الذي يكون ناتجا عن قوة داخلية ومشاعر وأحاسيس لا يحكم فيها أي قانون خارجي، بحيث أنها تأتي صاحبها وتصب عليه على غفلة منه ودون سابق إنذار، فيجعل يعبر عنها بكل ما أوتي من وسائل التعبير، فالشاعر مثلا سمي شاعرا لأنه يخرج ما يحسه من مشاعر وعواطف على شكل قصيدة ذات نظم معين وشكل معين يتميز عن النثر، وكذلك الروائي والمسرحي والرسام والموسيقي...
ويكون ذلك كله بشكل حر لا تحكمه قوانين أو موانع أو قيود، وإنما تحكمه بالدرجة الأولى عقيدة هذا المبدع وأخلاقه ومبادئه، بغض النظر عن كونه مسلما أو غير مسلم، فالمعيار الفني والجمالي للعمل الأدبي يرجع إلى ذوق المتلقي ومعرفته وثقافته ومعتقده وبعده الفكري والتأملي، وهذا المتلقي يكون بالدرجة الأولى هو الناقد بما يحمله معه من آليات وأدوات النقد والتحليل.
أما "الإسلامي" فهو وصف لكل ما ينتمي إلى الإسلام، ويتمثل في المبادئ والأخلاق والتربية التي تكون ناتجة عن العقيدة التي تكون هي الأصل والمرجع الأساس للإنسان المسلم أو غير المسلم، لكن من أي جهة يمكن أن ننسب الأدب إلى الإسلام؟
هل من كونه نابع من ذات مسلمة، أم أنه ربما تتوفر فيه بعض المقومات الجمالية والفنية التي تؤهله لأن يكون منتميا للإسلام؟
لقد اختلفت التعريفات حول هذا المفهوم الشائك من جهة لأخرى ومن طرف إلى آخر، وكل عرفه حسب ما يراه مناسبا له كمفهوم قائم بذاته، سنعطي في هذه المقالة المتواضعة بعض التعريفات المختلفة للأدب الإسلامي، ثم نقارن بينها لنرى أوجه الاتفاق والاختلاف بينهما:
يعرف الدكتور حسن الأمراني الأدب الإسلامي بقوله؛ "الإسلامية في الأدب تعني كل أدب ينطلق من التصور الإسلامي للكون والحياة والإنسان، أو على الأقل، ينسجم مع هذا التصور ولا يعارضه"[1]
ونجد عند الدكتور محمد قطب؛"الفن ليس بالضرورة هو الفن الذي يتحدث عن الإسلام، وهو على وجه اليقين ليس الوعض المباشر والحث على اتباع الفضائل، وليس هو حقائق العقيدة المجردة ظاهرة في صورة فلسفية [...]، وإنما هو الفن الذي يرسم صورة الوجود من زاوية التصور الإسلامي لهذا الوجود؛ هو التعبير الجميل عن الكون والحياة والإنسان، من خلال تصور الإسلام للكون والحياة والإنسان، هو الفن الذي يهيئ اللقاء الكامل بين الجمال والحق"[2]
لقد اكتفينا بهذين التعريفين لأحد رواد هذا الفن الذين لهم وزنهم داخل الساحة الأدبية  أحدهم مغربي والآخر مصري، وذلك لنتتبع أفكار، أو فكرة كلا التعريفين الأساسية ونقوم بسبرها وتفكيكها وإعادة البناء بشكل مختصر وواضح.
إن المتتبع المتأمل في كلا التعريفين يجد أنها تتفق في بعض النقاط وتختلف في أخرى، لكن أوجه الاتفاق قد تغلب على القضية وتجعلنا نسلم بأن الأدب الإسلامي ليس بالضرورة أن يكون نابعا من ذات مسلمة مؤمنة خلافا لما نجده عند الدكتور نجيب الكيلاني، حيث أنه عرف الأدب الإسلامي بأنه"هو تعبير فني جميل، نابع من ذات مؤمنة"[3]. فإن المعيار عنده هو كونه نابع من ذات مؤمنة، أي تدين بدين الإسلام، في حين أن في التعريفين السابقين نجد أن الأمراني وقطب يركزان على الجمالية الفنية والإبداع الأدبي الموافق للتصور الإسلامي، وليس بالضرورة أن يكون مصدره من ذات مسلمة. بل أن يكون مقبولا داخل المنظومة الإسلامية فنيا وأدبيا وأخلاقيا وجماليا بغض النظر عن مصدره هل من الإسلام أم من غيره، ولو كان غير ذلك ما اهتم المسلمون بالشعر الجاهلي، بل الصحابة رضي الله عنهم وحتى الرسول صلى الله عليه وسلم، وما جعلوه ديوانهم وما اعتمدوه في تفسير عدد كبير من الآيات القرآنية، وهذا كله تصدقه التفاسير التي فسرت القرآن الكريم بالمأثور كتفسير الطبري وتفسير ابن كثير...، هذا فيه رد على من يحصر الأدب في الإسلام، ويعتبر غيره من الأدبيات القديمة والحديثة وحتى المعاصرة التي لم يذكر فيها اسم الإسلام أو عقيدة التوحيد، ليس إسلاميا ويرده على أصحابه.
إن وصف الأدب بالإسلامي ليس بالضرورة أن يكون من ذات مؤمنة بقدر ما يمكن أن يكون نابعا من ذات تعتنق مبادئ وأخلاق لا تتنافى مع القيم والمبادئ والعقيدة الإسلامية المعتدلة والوسطية، وبالتالي يمكن قبول أي إبداع فني أو عمل أدبي يستجيب لهذه الشروط وإن لم يكن صاحبه مسلما، لأن المعيار عند النقاد الموضوعيين يتمثل في الشكل الفني للعمل الأدبي مع مراعاة المضمون. وهنا نطرح إشكالا آخر حول مفهوم الأدب بين الشكل والمضمون أو بين الإبداع والاعتقاد.
لقد حصر مجموعة من النقاد الأدبيين والدارسين المهتمين "الأدب الإسلامي" في الفترة مابين صدر الإسلام إلى حدود العصر الأموي، ولم يكن أي إشكال مطروح بين هؤلاء حول هذه الفترة، حيث أن الأمر هنا متعلق بالحيز الزمني، أي أن الأدب الإسلامي كان مرتبطا بفترة زمنية معينة، لكن الأمر أصبح يتعلق بالإسلام كدين ومعتقد أكثر مما هو مجرد مرحلة زمنية، حيث أصبح النقاد يربطون الأدب إما بالذات المبدعة، أو بالبلد الذي خرج منه هذا العمل الأدبي، أو ما يتضمنه هذا العمل من مواضيع، أي المضمون.
إن قيمة العمل الأدبي لا تتمثل في مضمونه، أو في كون صاحبه مسلم، أو أنه صادر عن بلد مسلم، بل يظهر ذلك في جمالية هذا العمل الأدبي وفنيته، أي في تناسق ألوانه وأشكاله وعباراته، وهذا هو المعول عليه أساسا في أي عمل إبداعي، فقد يكون صادرا عن ذات مسلمة، لكنه من الناحية الفنية والإبداعية والتصوير الجمالي يكون غير مقبولا لدى فئة النقاد والقراء والدارسين والمهتمين، أي أن الأمر يتعلق بجودة المنتوج التي تظهر شكلا ومضمونا على العمل الأدبي، والذي قد نسميه بالعمل الأدبي الرفيع، أو الصناعة الرفيعة العالية الجودة، خصوصا في مجال الشعر حيث يدور الحديث عن الصنعة وما شابه، وينظر في دقة هذا الحرفي الصائغ من حيث انتقاءه للألفاظ والعبارات والأسلوب المناسب.
يتبين من خلال كل ما رأيناه أن قضية الأدب الإسلامي قضية مستشكلة تتطلب جهدا كبيرا ودراسة معمقة حتى تتضح الصورة أكثر فأكثر، وحتى يزول اللبس والإبهام عن مجموعة من المفاهيم التي يظهر أنها لا تزال تمثل مشكلا أساسا على مجموعة من النقاد وحتى القراء المهتمين بالمجال الفني والأدبي، حيث يجعلهم ذلك يطرحون تساؤلات إشكالية تحتاج بحثا علميا دقيقا ودراسة معمقة ومنقحة وموضوعية يكون معها سبر كل ما يغطيه الضباب ليتبين ويتضح، وهذا عمل في الحقيقة يحتاج وقتا أكثر ومجهودا أكبر للتنقيح فيه.

[1]كتاب مشترك بين صاحب التعريف ومحمد إقبال علوي/ معالم منهجية في تأصيل مفهوم الأدب الإسلامي
[2]محمد قطب/ منهج الفن الإسلامي
[3]د.نجيب الكيلاني/ مدخل إلى الأدب الإسلامي
محاضرات في الأدب الإسلامي/د.عبد العالي مجذوب/أستاذ بجامعة القاضي عياض مراكش
 

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة