التقارب الرمزي في قصيدة لدغة أنوثة مفرطة للشاعرة السورية عليا عيسى - علاء حمد

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

ماذا لو خطونا خطوتنا على أثر الفكرة في اللغة ، فهذا يعني سنجاور بعض المقاربات الرمزية ضمن منهجية معنى المعنى الذي يدعمنا حول الخوض في قصائدية مرحلتنا الان ، لذلك ينسجم الماضي مع الآن ، ولكن قوة الآن المستقبلية والحضورية هي الأقوى ، لأن الماضي قد مضى ، وإعادته ضمن دائرة حاضرة وليس دائرة الماضي ، ومثلما تتقارب اللغة الرمزية في النصّ الشعري ، تتقارب معها اللغة الآنية في التقصي والبلوغ وإعلان الفكرة من خلال لحظات كتابية ، تدعمنا وتدعم الشاعر بشكل عام .. (لدغة أنوثة مفرطة ) من خلال هذا العنوان الذي يبين لنا بأن لحظة كتابته يقودنا ليس فقط لخدمة القصيدة  والتعرف على محتوياتها ، بقدر ما ، لحظة تعبيرية موجزة ، تحمل احتجاجا واضحا مع دلالاتها المتحولة من خلال المعاني المتداخلة والتي تقودنا الى تقاربات رمزية ، فاللدغة ( لدغة عقرب موجعة ) وهنا لدغة أنوثة تبشرنا بحالة الوجع المفرح للأنوثة ، فتحولت الحالة من المأساة الى نشوة داخلية تدفعنا الى الأريحية ..

عند التحول مع العنونة ، فليس التحول والذهاب الى السيموطيقا ، بقدر من إيجاد نوعية الفكرة ، وطالما الفكرة في حضن العنونة ، فهنا أصبحت سلطة أيدولوجية أو ظاهرة ، أو صورة مادية لتظهر إلينا على أنها نوع " الدال " لكي تتقارب تلك الفكرة المرسومة في تاج القصيدة .. لذلك ومن خلال تفصيل العنونة والتي بدأت بمفردة " لدغة " وتعني إلينا " لدغة العقرب " فقد تحول هذا المعنى الى هيجان أيروسي مابين اللفظة بمعناها العام وعلاقتها بالأنوثة التي رسمتها داخليا الشاعرة السورية عليا عيسى .. فتقع عين الذات على تلك الأمثولة من خلال لغة تعيينية تموضعت في هرم القصيدة ؛ واللغة التعيينية تتعامل مع الرمزية ، فيصبح لدينا الرامز والمرموز والمرموز إليه (( فعالية الذات / المتلقي هذه ، ستنصب أول ماتنصب على " العنوان " الذي يمثل أعلى اقتصاد لغوي ممكن ، وهذه الصفة على قدر كبير من الأهمية ، إذ إنها – في المقابل – ستفترض أعلى فعالية تلق ممكنة ، حيث حركة الذات أكثر انطلاقا وأشدّ حرية في تنقلها من العنوان الى العالم والعكس، ناتج هذه الحرية، سوف تضبط الذات نفسها دلاليا، باعتبارها مرتكزا تأويليا ، حيث تدخل الى العمل . – ص 10 – العنوان وسيموطيقا الإتصال الأدبي – د . محمد فكري الجزار )) . لذلك تتقيد الدلالة بالعنونة ، مما تصبح الطبقة العليا مستقلة ، أو شبه مستقلة عن جسد القصيدة عموما .. ولا نستغرب بأن الدلالة تشير في بعض الأحيان الى الباث نفسه دون أن تقع العنونة بإشارات في دائرة الباث ، وهذا مانراه في العديد من القصائد التي نطالعها ؛ ففي بعضها تكون الرمزية مثقلة ، مما نحتاج الى شفرات خاصة والدخول الى تلك الرمزية ..
الشاعرة السورية عليا عيسى والتي تخطو خطواتها ببطء وهي تقودنا مع حالات تنكرية في بعض الأحيان ، وهي حالة مأساة يومية أو لنقل معاناة داخلية من خلال التذكر والتفكير بالمعاني ، لذلك توجز منهجية الجملة الشعرية ، بينما تقودنا من خلال المشهد الشعري الى حالات تنظيرية تدفعنا الى اللزوم الشعري ، وهذا هو العامل الانفعالي بين اليومي المحكي ، وبين الذات المتحولة من اليومي المحكي الى اليومي الشاعري ..
(( إنّ كشف الذات عن تجربتها مع العالم هو – في الآن نفسه – إيجاد لوجودها هي نفسها في الزمن . يؤكد هذا ارتباط فاعلية الكشف من حيث هي حركة تحول مستمرة في الزمن ؛ بفاعلية الايجاد ، من حيث هي وجود منبثق عن تلك الحركة . يتحقق بتحققها ويتوقف بتوقفها . – ص 62 – الذات الشاعرة في شعر الحداثة العربية – د . عبد الواسع الحميري )) . لتصبح الذات نفسها جزءا من العمل التأثيري اليومي طالما هناك حركة للزمن ، تحرّك الذات ، وكذلك حركة الذات التي تحرّك زمن وقوع الفعل ..
تميل الذات الى الرمزية كمعانٍ مرسَلة ، لذلك تتجنب حدوث الـ " أنا " بين جسد القصيدة ، وتبديلها بالغائب في بعض الأحيان أو تشير اليها أو ترمز بلفظة تكون مرجعية للذات نفسها ..
ترى !
مَن عرّى مساءاتِكَ،
مِن لعنة النوم.
ثمّ ألبسَها تعويذةً بلون الأرق.
طُوِيَتْ أسرارُها ...
على حروبِ انعتاق،
و مجازرِ احتراق،
قد ... رفَعَتْ اسمَكَ للسفارات..
...
من قصيدة : لدغة أنوثة مفرطة – عليا عيسى
سفر للتكوين الموجه مابين الحدث الآني للـ " أنا " ومابين الحدث الموجه للاخر، وهذا السفر يختص بالتحليل اللفظي التفكري ، ونعني من ذلك تفكيك الحدث المنقول من خلال فكرة ، واسنادها بشكلها الخلاق الى الاخر ، وان كان الاخر صامتا ، ولكن يتحرك من خلال الالفاظ التي اختارتها الشاعرة السورية عليا عيسى ، وكل لفظة كانت مكوّنة ضمن عبارة أو جملة شعرية ، وهذا مايقودنا الى منهجية الشعر ومن خصوصياته كيفية توظيف أدواته ضمن الشيء المتحرك ..
 ترى! + مَن عرّى مساءاتِكَ، + مِن لعنة النوم. + ثمّ ألبسَها تعويذةً بلون الأرق. + طُوِيَتْ أسرارُها ...+ على حروبِ انعتاق، + و مجازرِ احتراق، + قد ... رفَعَتْ اسمَكَ للسفارات..
لايمكننا اختزال المعنى بدون ايجاد بعض الاختلافات مابين المحسوس المتحرّك بصيغة الـ " أنا " غير الظاهرة ، ومابين المحسوس والمتلقي عبر وسيلة الـ " هو " أو متلقي النصّ أو القارئ ، ومن خلال هذه الحالات تظهر الينا حركة المعاني المتجمّعة حول الذات مما تشير إلينا بأن الشاعرة ومن خلال حركية ذاتها قد وجهت بياناتها نحو القصدية ، وربّما يكون المقصود غائبا وهذا مايحدث عادة ، فنقع على نقطتين مجهولتين ، الذات الغائبة والمتحركة ، والمقصود الغائب الذي تتنقله قصدية الشاعرة من خلال المرسَلة ..
فيبان الينا : المرسِل والمرسَل إليه ...... والمرسَلة ..
لو نلاحظ المفردات الرئيسية التي حمـّلتها المعاني والمسؤولية التي تناولتها من على أكتافها  الشاعرة عليا عيسى ( المساءات العارية – لعنة النوم – لون الأرق – الحروب – المجازر والجملة الأخيرة ، رفعتْ، واسمك والسفارات ) محاولة لتكوين علاقات ظاهرية من خلال المعنى التجريبي ، ولكن بقي المعنى داخليا ، مما يقودنا الى صرخة ترغب بالخروج ، وجسد القصيدة اعتبرته الشاعرة كوسيلة بديلة باللغة التعبيرية لتوثيق صرختها . مفردة تُرى ، والتي غابت عنها " يا " فالأصل إن ضمنّاه يصبح " ياتُرى " وهنا تتوجه الشاعرة الى المخاطب " الشخص الآخر الغائب " فقد غيبته الشاعرة ، وهي لعبة اللغة وتقشفها في الشعر العربي الحديث ، مما أدارت المعنى ، ليصبح " ( ياترى = ماذا حدث .. يارجل ماذا تظن ) وفي الحالتين الشاعرة تعني وتقاوم المعاني مهما كانت موجهة ، فهي ترمز الى الشخص الفعال المجهول ..
وتلحدُ بارتكاب المطر في فصولِ السهر.
ترى!
مَن جعلكَ تستجدي العودةَ،
مبعوثَ هذيان،
لمدائنِ النبيذ،
في قصيدةٍ وثنيّةِ الأوزان،
تبتردُ عطرَكَ مخمورةً فوق عرشِ الورق.

نفس القصيدة

التحولات من المألوف والى اللامألوف ، هذا يعني إلينا هناك ابتكارات جديدة تطرحها الشاعر السورية عليا عيسى ، فنحن أمام ذات عاملة تلتقط الأشياء ، والعينية هي المنظور المتجول والذي يخزن في المخيلة الكثير من تلك الصور الملتقطة ، ولكن ظهور المتخيل الى جانب ذلك تتحول تلك الصور من المألوف الى اللامألوف ، فعنصر الخيال له غرفته الخاصة وخصوصا عندما تكون الشاعرة قد طرقت بابه ، فهي تراجع ألفاظها بين الحين والاخر ، ولم تستقر عليها الا بعد جهد من المراجعات والقراءات المتتالية ..
وتلحدُ بارتكاب المطر في فصولِ السهر.  + ترى!  + مَن جعلكَ تستجدي العودةَ، + مبعوثَ هذيان، + لمدائنِ النبيذ، + في قصيدةٍ وثنيّةِ الأوزان، + تبتردُ عطرَكَ مخمورةً فوق عرشِ الورق.
نفرّق بين البنية السطحية والبنية العميقة في جولتنا ونحن بأحضان النظرية التحويلية التوليدية .. الممتع في الأمر كله ، هو كيف تعوم تلك الالفاظ والتي لها أسبابها في تواجدها ، لتتجمع في خزائن الصور الشعرية والمدفوعة منها ، وكيفية انسجام الذات مع تلك المهام ، وخصوصا نحن نتابع التحولات مابين اللفظة والأخرى ، والمساحة التي تشغلها في النصّ الشعري ، والذي يتجمع من خلال الجزئيات الخارجية والداخلية .. ترى = ماذا تظن .. هنا محاورة الآخر ، نعم الآخر الغائب الذي أشارت اليه الشاعرة عليا ، بينما سبقت ذلك جملة طويلة ، لكي تتوسع بتأويل الجمل الشعرية ..
وتلحدُ بارتكاب المطر في فصولِ السهر.  = ترى : ماذا تظن = مَن جعلكَ تستجدي العودةَ
هذه المعادلة المشتبكة لاتبان بالشكل التوضيحي الا من خلال تفصيلها بالرسم كما عملت ، وألا تبقى المعادلة مجهولة التواجد كتعمد جاد يعتمد العمق .. ولو توقفنا عند جملة عرش الورق ، هنا حالات من الارستقراطية المتواجدة ( لدى الموظف أو رجل الأعمال ) المهم ماتطرحه حالة انتقادية عميقة لها وقفتها في علم المعاني
ترى!
مَن علّقَ ربطةَ عنقِكَ العصرية،
بمشابكِ نعناعٍ بريّة،
وحوّطَ ياقةَ رزانتك بحنوطِ نزقِ الاعصار.  ( 1 )
حتّى تدحرجَ سؤالٌ مراهقُ الاتزانِ،
يتعفّرُ بلثغةٍ جاهليّة،
على شفةِ انتظار .( 2 )
يستدرُّ من جلبابِ الجوابِ ...
مواعيدا
تُعِيدُ مهابةَ النبض،
لكنْ ...على ذمةِ الغرق. ( 3 )

نفس القصيدة
لقد قسّمت النصّ الذي رسمته الشاعرة عليا عيسى الى ثلاثة أقسام كنماذج تصويرية تواصلية ، شكلت جسدا ثالوثا في التصوير الشعري ، ونعني من ذلك ، صورة لايمكننا أن نجعلها الواحدة التخلي عن الأخرى وذلك لتراكم المعاني التي بين الألفاظ والجمل المحمولة  ، وقد أعتمدت على مبدأ الإختلاف اللغوي وهي تتحفنا بسيل من الجمل الشعرية ، وبعض الأسئلة النابضة ، وربما تختلف مع بيئتها أو مايجري من انتكاسات يومية في بلدتها الصغيرة ( حمص ) مركز معيشتها الدائم .. لقد حضر الدال ( الباث ) وغاب عن الحضور المخاطـَب ؛ بينما الشاعرة تخاطب حالتها ، وتواجدت بشخصيتين ، الحاضر – الغائب ، فهي تحاور حضورها كحاضر ، وتخاطب غيابها كشخص غائب .. ونستطيع أن نسمي ذلك دلالة الإلتزام ، فهي لم تخرج من واقعها كأنثى ، ولم تخرج من شخصيتها كحوار داخلي ، فيتسع أمامنا لزوم مالايلزم ، وكذلك لزوم مايلزم ، ومن خلال هاذين المسلكين زخرفت معانيها برموز مثقلة أدت الى تأجيل بعض المعاني .
ترى!  + مَن علّقَ ربطةَ عنقِكَ العصرية، + بمشابكِ نعناعٍ بريّة، + وحوّطَ ياقةَ رزانتك بحنوطِ نزقِ الاعصار.  ( 1 )
حتّى تدحرجَ سؤالٌ مراهقُ الاتزانِ،+ يتعفّرُ بلثغةٍ جاهليّة، + على شفةِ انتظار .( 2 )
يستدرُّ من جلبابِ الجوابِ ...+ مواعيدا + تُعِيدُ مهابةَ النبض،+ لكنْ ...على ذمةِ الغرق. ( 3 )
هل نستطيع أن ننساق خلف التناقض الظاهري في المقاطع المرقمة ، علما بأنها تواصلية بالرغم من تواجد نقطة الإنتهاء ، فلو ألغينا المقطع رقم ( 1 ) ماذا سيحدث ؛ لاشيء يحدث بالنسبة للقارئ ، ولكن يحدث الشيء نفسه ، عندما نتجاوز مفردة ( ترى ) المكررة ، والتي من الممكن جدا استعارتها بالمقطع رقم ( 2 ) لنبدأ من جديد ونقول ( ماذا تظن ؟ ) وهو سؤال موجه مع كلّ باقة اعتمدتها الشاعرة عليا عيسى في لوحاتها الشعرية .. وهنا نسقط مع الرؤية الحقيقية ، والتي تجانس تماما الذات الحقيقية التي اشتغلت وأنتجت هذا الكم من المعاني والتي كانت في ظلّ عنصر الخيال ..
وهنا نستطيع أن نلغي المعنى الظاهري ، بل ننسف بعض المعاني التي تراكمت من خلال الجمل الشعرية ، وذلك، وجلّ مالدينا هو : المختلف للمخيلة ؛ وحالة المختلف هنا تعني إلينا ومن خلال مارسمته الشاعرة عليا ، حالتها المرضية ، وهي تجابه النفس بالارضاء ، وقد وظفت تلك الصور كوسيلة الى التصالح الذاتي – الذاتي ، فالمخاطـَب ، كان ذاتيا ، والمخاطِب كان ذاتيا أيضا ..
الشاعرة السورية عليا عيسى تمتلك من الأدوات الشعرية بتقنية عالية ، وهي تنفرد بهذا المظمار ، وذلك من خلال سعيها جاهدة في ايجاد المختلف ، وتعتمد الرمزية في تصحيح مسيرتها الشعرية ..

لدغة أنوثة مفرطة
ترى !
مَن عرّى مساءاتِكَ،
مِن لعنة النوم.
ثمّ ألبسَها تعويذةً بلون الأرق.
طُوِيَتْ أسرارُها ...
على حروبِ انعتاق،
و مجازرِ احتراق،
قد ... رفَعَتْ اسمَكَ للسفارات..
لاجئَ عناق،
في بلادٍ ...تكفُرُ بالعناق.
وتلحدُ بارتكاب المطر في فصولِ السهر.
ترى!
مَن جعلكَ تستجدي العودةَ،
مبعوثَ هذيان،
لمدائنِ النبيذ،
في قصيدةٍ وثنيّةِ الأوزان،
تبتردُ عطرَكَ مخمورةً فوق عرشِ الورق.
ترى!
مَن علّقَ ربطةَ عنقِكَ العصرية،
بمشابكِ نعناعٍ بريّة،
وحوّطَ ياقةَ رزانتك بحنوطِ نزقِ الاعصار.
حتّى تدحرجَ سؤالٌ مراهقُ الاتزانِ،
يتعفّرُ بلثغةٍ جاهليّة،
على شفةِ انتظار .
يستدرُّ من جلبابِ الجوابِ ...
مواعيدا
تُعِيدُ مهابةَ النبض،
لكنْ ...على ذمةِ الغرق.

عليا عيسى – سورية

........................

*علاء حمد : عراقي مقيم في الدنمارك

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة