محمد أسليم المثقف المتعدد - عزيزة شرقاوي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

الكتابة عمل تحريضي ؛يحرض الذات ضد الآخر ..إن الذات وهي تكتب إنما تفعل ذلك لكي تدل على ماهو مفقود منها [1] هكذا هو "محمد اسليم"  المترجم ، الناقد  الروائي ، صوت متفرد ورائد من رواد الثقافة والأدب في العالم العربي ، تميزت  كتاباته النقدية بالفاعلية العلمية الفاحصة الصارمة وكذا الأخلاقية و التحليل المرن/المستشرف المنفتح والمسؤول واللغة الباذخة يهدف هذا المقال الاطلال من كوة صغيرة جدا على  عوالم نقدية وأدبية ساحرة ممتدة في جغرافيات عربية وغربية قراءة /نقدا وترجمة شيدها بعمق ناقدنا الحصيف.

ولشيء صحيح قال العرب " من ألف فقد استهدف "[2] ، فمحمد أسليم الذي  أصدر[3]مجموعة من الدراسات النقدية المائزة تند عن الحصر :

كحديث الجنة (1996) ، كتاب الفقدان (1997) ، سفر المأثورات (1998) ، بالعنف تتجدد دماء الحب (1999) ، الفرونكوفونية وتدريس اللغات الأجنبية في المغرب (1994) ، اللغة والسلطو والمعرفة في المجتمع المغربي (1996) ، لغة العلاج والنسيان (1996) ، الدولة الاخلاق والسياسة في السياق العربي( 1998) ...

 ومساهماته في الندوات واللقاءات والحوارات ومقدمات الكتب و أعمال التأطير إضافة إلى دراسات ومراجعات كتب لم يكن حبيس رؤية موضوعاتية واحدة أو قطرية ضيقة بل وسع من أفق رؤيته مشتغلا على متون من مختلف الاقطار  العربية و المغربية والعالمية كذلك حين ترجم العديد من المقالات  مختلفة التوجهات والمشارب بين تربوية وسوسيولوجية ، فلسفية وانتروبولوجية .

إنه مثقف متعدد /متشعب الفكر والإنتاج معا ؛ يكتب بكل ألوان الفكر والثقافة والتعبير لايختار لنفسه بوثقة واحدة تصدر عنها ذاته و إنما خبر دواليب التأليف بشتى ضروبه وتنويعاته ماينم عن مشاربه وروافد فكره المتعددة ، غير أن الكتابة السردية تبدو بوصلة وجدانه ومسلكا هادئا وديعا إلى روحه ومخياله وغوايته الخاصة والاصيلة  رغم ما تتطلبه من  مراس ودراية وجهد الامر الذي دفع كاتبنا إلى الانفتاح الكتابات النقدية الوازنة وعلى الفنون

البصرية والموسيقى العالمية دون إغفال أهمية قراءته الموسعة والمعمقة لعيون الشعر العربي القديم  .

 لقد شكلت أعمال  "محمدأسليم" التي تمتح من روافد متعددة /توجها /خطا نقديا /جرحا وتعديلا مميزا / متفردا  يستغور به ومن خلاله قامات شعرية في الثقافة العربية باحثا عن حركية النص ؛ الشعر/الرواية/ المسرحية

فمن خلال الأسئلة العميقة التي يطرحها كتابه "ذاكرة الادب" ينافذ بحسه وبعد بصيرته نصوص الثقافة العربية بمختلف تنويعاتها بدءا من الشعر مرورا بالرواية فالمسرح  مفتونا باللغة كتجربة فريدة في كل هذه الأجناس التي عرفتها الذائقة العربية منذ بعيد .فالادب في نظر ناقدنا "محمد اسليم " هو كما قال الجاحظ "عقل غيرك أضيف الى عقلك " لذلك لم يتورع الكاتب الحصيف عن مجادلة هذا العقل الضمني في النصوص التراثية  

         إن تجربة الكاتب والناقد والاكاديمي "محمد اسليم" تعد نموذجا  "يتبادل فيه الظاهر والباطن الأدوار ويصبح الضمني صريحا بينما يتحول الصريح الى غطاء هش تطويه القراءة وتلغيه لكي يكون العمق هو السطح حيث لا سطح ولاعمق ولكن النص مكشوفا بالقراءة التشريحية[4]   

كما تتميز تجربته بما يمكن وصفه بالمعادلات في الخطاب النقدي كما تبرزه نصوصه المنشورة و تمثل جهوده الدراسية تلك المعادلات التي تأخذ شكل ثنائيات معرفية قطبية جعلته طائرا في غير السرب متفردا بين أبناء جيله لاسباب ستبينها قراءتنا الاتية ، تلك المعادلات المفارقة متجاوزا بتحقيقها لكثير من الإشكالات المعرفية والنقدية التي وسمت جهود عدد من نقاد المشرق والمغرب ماتمثل في تجاهل الاقاصي البعيدة عنهم وتركيزهم على محيطهم الجغرافي ، أو الإغراق في التحديث بشكل يلغي مسافة النظر للإنتاج الادبي المحلي أو الموروث ، وكذلك التعصب المنهجي الذي يغلق دائرة  الاجتهاد والتنوع الاجرائي بما تقضي طبيعة النصوص وهو جمود منهجي تسبب في هدر طاقات  وجهود كثيرة ... ما لا نجده في روح الممارسة النقدية عند كاتبنا "د. اسليم"  ويمكن تركيز المعادلات التي قام عليها المشروع النقدي عند ناقدنا فيما يلي :

  • معدلات الإفادة من الغرب /الشرق
  • مقاربة نصوص من اجناس وأنواع مختلفة ؛ شعر ،رواية ، مسرح
  • رهان النظر للانواع الشعرية القديمة والمجددة والحديثة
  • التأصيل والتحديث
  • التزامات المنهج والمرونة الإجرائية
  • أدبية الخطاب وعلميته

تلك المعادلات تجد أدلتها وأمثلتها في كتابات "محمد أسليم" على مدى تجربته ما يؤكد  إيمانه بها وتبنيه لهذا النمط المعرفي الذي سنجد جدوره في نصوصه النقدية التي ستكون موضوع قراءتنا في هذا المقام .

يطيب لي أن أبدأ  من لغة الخطاب لدى "محمد أسليم"  فهو لا يقارب موضوعاته بجفاف ومدرسية تتوهم الانضباط المنهجي بفرض عملية متيبسة على لغة الخطاب  النقدي .

لقد ظل النقد لديه فاعلية أدبية في المقام الأول عكس ذلك في  لغته بانسيابيتها والدقة في اختيار الالفاظ والتراكيب كما العناوين والمداخل ، بعذوبة  تُماهي بين الخطابين النقدي والشعري كون الأول كلام عن الثاني واقترابا منه . فالكتابة عنده كأنها قطعة من روحه وذلك يقصي  تجهم الخطاب  المنغلق المتضمن لتوهمات علمية  أو إحصائية جامدة .

إنما هو ينتج  كتابة نقدية /إبداعية تسبر أغوار النص  ففي تقديم  كتابه "ذاكرة الادب " يهجس بالاشكالات التي تتطرحها اللغة  الإبداعية عموما و لغة الشعر على وجه الخصوص حيث ينظر الى لغة الشعر السابق للاسلام  بوصفه " طقس سحري شفهي يستمد سلطته و خاصيته السحريتين من أداته باعتبار لغة ولغته باعتبار موسيقى وطريقة وسياق إلقائه باعتباره إنشادا "[5]"ذاكرة الادب "

         لابد لقراءتنا أن تقف عند اختيار " محمد أسليم" لعنوان كتابه  وفصوله ومقاطعه وهي جميعا تنطوي على تلميحات وإشارات تبنى بطريقة شاعرية يراد منها ألا يكون العنوان مجرد عتبة يعبرها القارئ  متجاوزا إلى المتن  بل تغدو  ميتا-نص  صغير يوازي النص الكبير الذي يوجه قراءتنا إليه فاختياره ذكرة الادب بدل تاريخ الادب عنوانا ؛ واحد من تلك العلامات المشيرة إلى عنايته باللغة وشاعريتها الموحية والمؤثرة ، وكأن "أسليم"  أراد ان يكون الادب خالدا وقارا في الذاكرة  لا يشوبه اندثار ولا نسيان أو أن يقرأ هذا الادب على هدي هذا التشبيه الاستعاري أما العنوان الجانبي "في الشعر ـــــ الرواية ـــــ المسرح" فسوف ينقلنا إلى معادل أخر في جدول معادلات الكاتب وهي التراث والمعاصرة فالمراهنة التي التزم بها " محمد اسليم " تظهر جليا هنا فالذاكرة هي إحدى الركائز التي راهنت عليها الثقافة العربية في حفظ موروثها من الاندثار  وكذا تعتمد الحفظ والتواتر فالنقد هنا بالنسبة إليه استدعاء مستمر للذاكرة التي حفظت لنا هذا الإرث الشعري التليد ولاتقوم على عادة بعض النقاد من تقصٍ صارم أو تعال على المقروء أحسب أن " محمد اسليم " كان يتقصى تلك الحفريات في القصائد الشعرية القديمة التي قاربها تحليلا وتأويلا فكأنه في تصوره للشعر يتقاطع مع نظرة هيغل حين اعتبر الشعر فنا كونيا تتداخل فيه باقي الفنون الأخرى "الشعر حرية كاملة لا متناهية لا تتحدد الا بذاتها فقط، انه يتصور موضوعه من خلال المقولات اللامتناهية للفكرة الشاملة"[6]

 تأسيسا على ما تقدم يمكن القول إن الناقد والاكاديمي المغربي " محمد أسليم " أتاح لدارسي الادب العربي بتنويعاته مادة غنية بسطها بأسلوبه المتمييز الذي زاوج بين  مطلبي المنهجي والابداعية على نحو يعيد للدرس النقدي  في الادب العربي تحديدا حيويته وقيمته في أن واحد بعد أن تهافت عليه النقاد بلا زاد

الهوامش:

 [1] الكتابة ضد الكتابة ، محمد عبد الله الغذامي ، ط.1 . 1991.ص 8.

[2] مأثور .

[3] http://www.aslim.ma/site موقع خاص بسيرة و مؤلفات الكاتب المغربي محمد أسليم

[4] الكتابة ضد الكتابة ، محمد عبد الله الغذامي ، ط.1 . 1991.ص 9.

[5] ذاكرة الادب : محمد أسليم  ص 18

[6]  ولتر ستيس – فلسفة هيجل- ص650 وما بعدها.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة