"الخاصرة الرخوة " وقضية تحرر المرأة ــ رشيد ابراهيمي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

وضع الأدب الفلسطيني بصمته الخاصة في الأدب العالمي ، واعتبارا لكون الابداع الأدبي يلامس قضايا إنسانية ومجتمعية وقومية ؛ فإنه لا يغدو ذا أهمية إلا إذا تعايش مع الأوضاع السياسية والاجتماعية وكذا الاقتصادية٠٠ فضلا عن دوره الثقافي والايديولوجي في خدمة قضية إنسانية أو قضية وطنية ، إن في حالة السلم أو في حالة الحرب.
 ومن بين الروايات التي أثارتني ضمن الأعمال الابداعية الفلسطينية رواية معنونة  ب " الخاصرة الرخوة " للكاتب والمبدع  = جميل السلحوت = حيث تتبع فيها مسار عائلة فلسطينية محافظة على عادات وتقاليد توارثتها جيلا بعد جيل ؛ وتعمل جاهدة على توريثها للأجيال اللاحقة ، إنها أسرة مكونة من أب وأم ؛ يسعيان بكل جهد بداية لإقناع ابنتهما ' جمانة ' بالزواج من ' أسامة ' هذا الأخير الذي تشبع بالفكر السلفي إلى درجة جعلته يهدد زوجته في كل نقاش تفتحه معه ، إذ كلما تعمقت معه في جدال حول موضوع معين إلا ويواجهها بصفات من قبيل عصيان الزوج أو ما شابه ذلك ، الشيء الذي يدخل الزوجة في دوامة من التساؤلات الثقيلة حول إمكانية استمراريتها على وضعها ذلك ، خاصة وأنها تمتلك شهادة علمية تؤهلها للبحث عن عمل ، إلا أن النظام التعليمي الذي أهلها لما حققته في مسارها لم يستطع أن يكسر نمطية التفكير السائد لدى العائلات الفلسطينية المقدِّسة لهيمنة الفكر الذكوري ؛ علاوة على ما آلت إليه العلاقة بين ' جمانة ' و ' أسامة ' من طلاق مما يكشف تمظهرات زواج خاضع للتقاليد ، ودوره في تكريس دونية المرأة ، مما يطرح تساؤلا عصيا ألا وهو : كيف يمكن لشعب يقبع تحت ويلات الاحتلال لم يستطع أن يحرر المرأة من الهيمنة الذكورية ؛ أن يحرر نفسه من بطش المحتل الصهيوني ؟

   وعلى الرغم من الوعي الفكري والثقافي والأدبي والديني الذي أبانت عنه جمانة من خلال نقاشاتها مع أسامة ، إلا أنها لم تستطع أن تقف في وجه أبيها وتقول له كلمة لا على هذا الزواج الذي اغتصب كينونتها ، ولاريب أن الصهيونية تنحو في منحى الإبقاء على فكرة إخضاع المرأة لسلطة الرجل ، غير أن الفكر الثوري الذي تقمعه جمانة في نفسها جعلها تستسلم لواقع ما كانت ترجوه يوما أن يُفرض عليها ، بل أدخلها ذلك في  دوامة من الأحاسيس والأفكار التشاؤمية من قبيل الانتحار والتي غالبا ما تستبعدها خوفا من عقاب الله ، ما جعلها تلعن اليوم الذي ولدت فيه أنثى متمنية لو أنها ولدت ذكرا لأبيها الذي تمّنى أن يرزق بمولود ذكر.
 
  من جانب ٱخر كشفت الرواية عن العلائق الأسرية بين عائلة الزوج  و عائلة الزوجة خاصة من طرف والدة أسامة التي تعتبر أن زواج ابنها من ' جمانة ' بمثابة إِنقاذ لها من العنوسة ؛ ما جعلها تعاملها معاملة دونية .

   كما أثار الكاتب في روايته القيود التي يقيد بها الاحتلال الصهيوني أبناء الشعب الفلسطيني في تنقلاتهم بوضع معابر للمرور يُخضعون فيها الفلسطينيين لقوانين زجرية قد تصل إلى تحرش الجنود بفتاة أمام أنظار أهلها٠٠٠
   وفي سياق ذات الرواية سلط الكاتب الضوء على علاقة عاطفية جمعت بين فتاة تنتمي لأسرة متواضعة تمكنت من الانسلاخ من قيود الأسرة ؛ بإزالتها للحجاب ووضعها للمكياج إرضاءً لحبيبها ، هذا الأخير ينتمي لأسرة غنية وبرجوازية تمتلك فكرا تحرريا وبعيد كل البعد عن الضوابط التي فرضتها العادات والتقاليد، وبعدما تم الزواج بين ' صابرين ' و ' يونس ' بفعل ضغط الام على ابنتها لعدم افلات فرصة العمر تلك ، وفي ليلة الزفاف تستقرئ من الرواية حجم الفرق بين الاسرتين حيث أهل الزوجة في زاوية من القاعة مندهشون لحياة الترف التي يعيشها أهل العريس ؛ وقدرتهم على كسر حواجز المحظور من مشروبات كحولية ولباس نسائي يكشف عوراتهن ، انتهى الحفل ليستفيق أهل العروس بموت الأب وقد يكون ذلك من هول الصدمة لما رآه في الحفل خصوصا و أنه يعاني من مرض القلب ؛ دون أن تعرف ' صابرين ' بخبر الوفاة إلا بعد مدة قضتها في شهر العسل ، وفيما بعد ستكتشف مغامرات زوجها الجنسية  مع رجل تحول الى أنثى ، وبعد انقضاء مدة حملها ستضع مولودها من الزوج الغني ، إلا أن المفاجأة كانت بعد مغادرتها بيت أهلها في اتجاه بيت زوجها لتجده محتضنا لفتاتين عاريتين في الفراش .. ضاربا عرض الحائط قدسية العلاقة الزوجية ؛ وهو ما يكشف تشييئ البرجوازية الفلسطينية للمرأة لإشباع رغبات جنسية مكبوتة.
 
إن حجم المعاناة التي تعيشها كل من ' جمانة ' و ' صابرين ' راجع بالأساس للفهم التقليدي للدين ، ما يكرس هيمنة الرجل ( جمانة نموذجا ) ، وكذا تلاعب البرجوازية الفلسطينية بالمرأة والاستمتاع بها لمدة محددة ( صابرين) وكانت النتيجة فشل علاقة الزواج ، ما يدل  على أن تحرر الشعب الفلسطيني يتطلب موقفا صحيحا من المرأة ودفعها لاتخاذ موقف صحيح . والنضال الى جانب الرجل من أجل التحرر من التقاليد والأعراف التي تشرعن الهيمنة الذكورية وبالتالي التحرر من الصهيونية
 ..
ومن زاوية أخرى فالرواية لم تطرح بديلا للعلاقات المبنية على قيم اكتسبت من التقاليد و العادات أو قيم البرجوازية الفلسطينية ، وفشل علاقتي الزواج دليل على ضرورة الثورة على مجموعة من القيم المتوارثة في المجتمع سواء تلك التي رسختها العادات والتقاليد أو التي تتبع من خلال الفهم السطحي و التقليدي للدين . ولا يخفى نظرة المجتمع للمرأة المطلقة والذي يزيد من دونيتها إلى درجة نعتها بالعار الذي يلحق عائلتها ، كما تحاشت الرواية دور التربية المبنية على قيم حداثية و تقدمية ترقى لمستوى التعامل مع المرأة ككائن له كينونته وله فكر ؛ ويتمتع بكامل الصلاحيات التي أخذها منها الرجل
 ..
غير أن مستوى الوعي الذي أبانت عنه ' جمانة ' في الرواية يكشف بالملموس أنها تجاوزت زوجها فكريا وهو ما يؤهلها لتحمل مسؤولياتها  دون الوصاية التي تفرضها الاسرة بزعامة الرجل . وهو أيضا ما يؤهلها لتكون في مستوى النضال للتحرر من قبضة الرجل من جهة ومن براثن الاحتلال من جهة أخرى ...

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة