أُحَدِّقُ في مَأْسَاتي، مِثْلَ شَجَرةٍ عتيقَةٍ...
كَمِ اخْضَرَّتْ،
وَكَمْ أَيْنَعَتْ، وَأَتْمرَتْ...
وكَمْ أَطْعَمَتْ، وما شَحَّتْ وَما بَخِلَتْ...
ثُم شاخَتْ وهَرِمَتْ...
مثلَ مَأْسَاتي...
وصارت مَنْخُورَةً مَلْآ بالثُّقوبْ
مِثْلَ فُؤادي المَشْقُوقِ بصُنوفٍ شَتَّى
وغَدَا مِنَ الخَيْباتِ والشُّحوبْ
كأَشْجارٍ مُتَراميةِ الأَحْزانِ
أشجارٍ خَفِيَّةِ الظِّلِّ،
امْتَلأَتْ غَصَصاً حرَّى..
فصارَت مَنْسِيَّةً، ثُمَّ مَنْفِيَّهْ...
أو نَخْلٍ كَرَّستْهُ الفُصُولْ،
أوكَرُمَّانةٍ عارِيَّهْ،
ما عادَتْ تَكْبُرْ...
أو سِنْدِيَّانَةٍ مُنْتَحِرَهْ،
ما عادَتْ لَها الظلالُ والأَفْياءْ
كان يُمْكِنُ أن تَتعَزَّى،
و تَنْسَى، وتَغْفِرُ أَنْ قَدْ أَفاءَتْ مراراً...،
!!على عابِرِ سَبيلٍ أو قاطِعِ الطَّريقْ...!
أو شَجرةِ لَوْزٍ مَجْروحَةٍ، مَنْشُورةِ الجُذورْ
مَبْتُورَةِ الجُذُوعِ بِلا أَحْضانْ،
كَما لَوْ طَالَتْها عاصِفَة...
خاطِفَة مِنْ بَريقْ
أو طارَدَتْها أَيادِ مُحْتَطِبٍ،
فقطَّعَتْها إِرَباً، إرَباً...
وغَدَّتْها، وعَدَّتْها لِلْحَريقْ...!
أو زَيْتُونَةٍ مُرَّةٍ حَدِجهْ...
أو صَهْباءَ مَلْساءَ الأَغْصانِ
صارَتْ بِلا أَفْنَانْ
أو لَيْمونَةٍ غَدَتْ مَنْظراً وَزينَهْ
أو شجَرَةِ جَوْز ٍشاحِبَةٍ خَرِبَهْ..
مِنْ عُرْيٍ وأكْلِ الدِّيدان ْ
أو شجَرَةِ أَرْزٍمَحْروقةٍ بِلا لِحاءْ
أو خوخَةٍ صارَتْ حَنْضلاً...
منْ شِدَّة الأَشْجانْ
أو كَشَجرةِ تينٍ عَقِيمَهْ...
لَمْ تَعُدْ لَها قِيمَهْ...؛
سَكَنَتْها العَناكِيبُ و النِّمالْ ،
وصارَتْ تَنْعَقُ فَوْقَها الغِرْبانْ ...
ومرَّةً أُخْرى شُحوبْ..!
أُحَدِّقُ في مَأْسَاتي،
مثلَ لَوْحةٍ تُناغِي جِدارْ...!
أو مِسْمارٍ وحيدٍ بلَا إِطارْ...
وأنا الَّذي رَسَمْتُ بِساطاً...
وجِناناً مِنَ الحُلْمِ الأَخْضَرْ،
وطَرَّزْتُ على أَقْمِشَةِ الصَّباحِ
نافُورَةَ الإشْراقِ..
مِشْكاةً منَ النُّورِ...
والضِّياءِ والحُبورْ
أنا الَّذِي رَسَمْتُ شَمْساً،
لاتَغيبُ، ولاتَجْنحُ وراءَ المَسَافاتِ...
تَمْتَدُّ لأبْعَدِ مَدَى، تَمْتَدُّ في الفَضَاءِ...،
تَنْسابُ في السَّما...
وَتَدومُ أَكْثَرْ...!
وأنا الَّذي رَدَّدْتُ على أنْغامِ العِشْقِ،
بأَنِّي سأشُقُّ ...
بسَيْفي كُلَّ دُروبِ النَّصْرِ،
وسَأَقْطِفُ هاماتِ القَهْرِ،
كَيْ يَنْعمَ غَيْري بَعَبيرِالحَياهْ
أنا الَّذي رَدَّدْتُ على أنْغامِ العُشَّاقِ...
تَراتيلَ بِشارَةٍ، تُدَغْدِغُ براءَةَ الأطفالْ..
وأَرْضاً مُمَدَدَة، مُطَهَّرَة لِبَني الإنْسَانْ
أَرْضاً بِلا حُدُود، لا تَعْتَرِفُ بالأعْراقِ..
لا تَزحَفُ فيها خَبايا الشرِّ أَوِ الشِّقاقْ
ولا أَلوانَ الكُرْهِ..
أرضاً مُثْقَلةً بِالخَيْرِ و بالسَّلامْ...
وكَمْ غَرَّدْتُ بالصُّمودِ والتَّحَدِّي...
والوُقوفِ في وَجْهِ القَهْرِ...
ورَفْعِ القُيودِ، ودَفْعِ الضَّجَرْ...!
أنا الَّذي صَدَحْتُ بِأَنْغامِ العِشْقِ،
أناشِيدَ وملاحِمَ خُرافِيةٍ من حماسَهْ
وسلاماً وأمْناً وحُبًّا..
حتَّى تكْبُرَ الفَرْحَة حياةً من سماحَهْ
تَصيرُ علامهْ..
تكْبُرُ أطواداً من المَرْمَرْ.....!
لكن ! ومرَّةً أُخْرى،
وكأَنَّني منَ السَّذاجَةِ أَجْفُلُ وأَغْفَلْ...
وَأنا الَّذي لاَ حَوْلَ لي...
ولَسْتُ ممَّنْ يُحْسِنُ التَّسْيِيرَ أو يُدَبِّرْ..
ويا وَيْحي كيْف نَسيتْ...؟!
فسُبحانَ الَّذي بِيَدِهِ الأَمْرُ من بعدُ وومن قبلْ
هُوَ المُدبِّرْ...
وأنا ما وَضَعْتُ في الحُسبانِ ...
ناراً لا تُبْقي ولا تَدَرْ...!
وفضولاً، وعُيوناً، من الغَدْر ِتَرْصُدُني وتَتَرقَّبْ...
وهَا قَدْ مَضَى عُمْري، وخَابَ ظَنِّي
وطَال َدَرْبي، وما عَادَتْ رُؤايَ مُنيرَهْ..
و أنا ما وَضَعْتُ، مُحالاً يَتَعقَّبْ ...
يَقْتَفي أثَري مِثْل العُقَّابِ في الدَّهَاليزِ والمَمَرْ...
وكأن َّالنِّسيان َمَرَّةً أُخْرى...
حليفاً يَصيرُ...
يَصيرُ دَيْدَني...
وما كُنْتُ قبل اليَومِ أُدرِكُ بأن َّالحَمامَ...
بالغَدرِ يُعدَمْ....!
وما عادَتْ أحْلامي مضيئَهْ
تصيرُ الآن َعَديمَهْ
تصيرُ ذِكْرى أليمَهْ
تصيرُ بِلا جَدْوَى
تَصِيرُ مُجَرَّدَ ذكرى...
لِجَماجِمَ وُجوهٍ ووجوهٍ...
تَزْحَفُ ببطءٍ شَديدٍ،
وعُيونٍ تَخْتلِسُ بِفُضولٍ،
كأنَّها تَحرُسُ أمواتاً لا تَعْرِفُها،
وَكَما لَوْ أنَّها، لَمْ يَفْتَقِدْها أَحدْ،
ولا أحَدْ؟!
هي َطَريقَتُك في أن ْتكون َوحيداً...
وتُلِحُّ مرَّةً أُخْرى ...
فهَلْ ترانِي أتَجاوَزُ أو أَعْبُرْ؟!
لم يعد هُناكَ أحَدْ،
يتلبَّسُك الوَقْتُ...!!
يَعْصُرُكَ....
تَشْرَبُ عُزْلَتَكَ....!
تشْرَبُكَ أكْثَرْ...!
ومَرَّةً أُخْرَى شُحوبْ....؛
ثم إليْكِ أيَّتُها الذَّاتُ...!
أُعَرِّجُ وأَؤُوبُ...
ذاتَ مرَّةٍ، ومَرَّاتٍ أُخْرَى...؛
وَكُلَّما سَكَنَ شَجَنْ،
ويسقُطُ القَلْبُ....!
يَهْوي، يَخِرُّ وَيَنْتَحِبُ
في أسْمال ِشحَّاذٍ...
كَما فَعل" أُوديسُوس" في"الأُوديسهْ"،
ماذا عَسانِي أنْ أصنع لَكِ أيْضاً...؟؟
وأنا مِنْ كَفَنٍ إلى كَفنٍ...!
إذا ما أَنْكَرَتْنِي في هَذا الصَّباحْ،
ولمْ تَرْأَفِي بِي...
أيَّتُها الذَّاتُ الغالِيَهْ....!
ومنْ نِهايَةِ نَفْسِي، أَخْرُجُ وحيداً...!
لأبْحَثَ عَنْ ذاتٍ...
أَنْتَمي لِمِساحَاتِها...!
ولأَرقُبَ لَوْنَ اللَّوْنِ الَّذي يَتَغيَّرُ جِهاراً
ليلاً ونَهاراً،
يصيرُ ليلاً دامساً...
مِنْ رَمْسِ...
يُعانِدُ، يَكْبُرُ، يصيرُ لَيلاءَ أَطوَلْ؟
يَشيخُ يَغُوصُ...
يَضْطَرمُ في الفُؤادِ غَصَصاً حَرَّى ....
وعِنْدَما تُقْرَعُ أجْراسُ الغِيابِ بِرَنينِها القاطِعْ،
سَتُبْصِرِينَني في أَحْلامِكِ حَدَّ المَوْتِ....!
ستُبْصِرينَني مثْلَ النُّورِ السَّاطِعْ...
ولا أَحَدْ سيَقولُ، وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ،
قد تَغَيَّر وَجْهُ الزَّمَنِ المُتَعَهِّرْ...!؟