كانت لدى نيتشه خبرة قليلة في مجال العشق والغرام. يقال إنه لم يكن لديه أي شيء سوى علاقات صداقة مع أي امرأة. ومع ذلك، فقد كتب، مثل أي فيلسوف متميز، عن الحب وعن النساء.
في أحد الأيام، في سورينتو، عهد إلى مالفينا دي ميسينبرج بكراسة تحوي مخطوطا عليه شذرات عن النساء، ظهرت منذ ذلك الحين في الجزء الأول من كتابه " إنساني، مفرط في إنسانيته". أخذت منه مالفيدا الكراسة لتقرأ ما دون فيها ثم أعادتها إلى نيتشه راسمة ابتسامة على محياها. سألها عن دواعي ابتسامتها. أجابت الآنسة دي ميسينبورغ: "لا تنشر هذا". ظهرت على وجهه علامات الاستياء. ضم الكراسة إلى مخطوطة جاهزة وبعث بالكل إلى الناشر.
كانت نصيحة مالفيدا في محلها. تشكل أقوال نيتشه عن المرأة الجزء الأقل إثارة للاهتمام من مجمل كتابه. سوف نتحدث هنا فقط عن الفصل الذي يخصهن، في "إنساني، مفرط في إنسيانته". هناك أفكار أخرى حول المرأة والحب يمكن استكشافها لاحقا، في كتاب "ما وراء الخير والشر".
يبدأ الفصل السابع من "إنساني، مفرط في إنسانيته"، والمعنون ب"المرأة والطفل"، بفكرة صحيحة وجديدة: "المرأة المثالية هي أكثر انواع الإنسانية رفعة من الرجل المثالي: إنها أيضا شيء نادر. يقدم التاريخ الطبيعي للحيوانات طريقة لجعل هذا القضية مقبولة". ما يلفت الانتباه بشكل خاص في هذه الفكرة هو الجملة الأخيرة، حيث يوجد حدس رائع للحقيقة العلمية. في معظم أنواع الحيوانات،، كما أوضح ريمي دي غورمون في كتابه الحامل لعنوان "فيزياء الحب"، الأنثى هي النوع المتفوق. بين الحشرات على وجه الخصوص، ومن بين أكثرها ذكاءً، تؤدي الأنثى وحدها تقريبا جميع الوظائف الاجتماعية التي يتقاسمها الذكر والأنثى في الجنس البشري وكذا عند الطيور. الأنثى هي على حد سواء بانية العش، و الراعية التي تدافع عنه ضد الأعداء، والصيادة التي توفر الفريسة لنسلها؛ هي كل شيء. يكاد الذكر ان يكون لا شيء: يظهر للحظة، يؤدي وظيفته الطبيعية، ثم يختفي.
يبقى هناك شيء للأنثى، في الأنواع الأعلى، من هذا النشاط. إذا لم تكن هي النشاط نفسه، فهي مبدؤه؛ وإذا لم تقم ببناء المنزل، فلأجلها يتم بناؤه لها. لكن في حالة عدم وجود شؤيك، تبنيه بمفردها. للرجل دور هائل في حياة المرأة، لكنه دور مؤقت؛ في حين أن الدور الطبيعي للمرأة مستمر. يمثل الرجل نفسه فقط؛ بينما تمثل المرأة جميع الأجيال القادمة. في جميع الحالات التي تكون فيها المرأة امرأة فقط، ولكنها امرأة كاملة، فإنها تتفوق على الرجل بشكل لا نهائي. المجتمع مبني على المرأة. إنها حجر الزاوية. ولهذا السبب تفشل في كل مرة تتخلى فيها عن وظيفتها كامرأة لتقليد الرجل.
لهذا نحن ابعد ما نكون عن رأي نيتشه عندما قال إن المرأة المثالية هي اكثر ندرة من الرجل المثالي. صحيح أنه من الصعب معرفة من هو الرجل المثالي. هناك العديد من أنواع الكمالات، أو بالأحرى التفوقات بالنسبة للرجل. أما بالنسبة للمرأة فالكمال فريد من نوعه: فهي مثالية عندما تكون امرأة بعمق، من رأسها إلى أخمص قدميها وحتى قاع قلبها، وعندما تؤدي بفرح جميع واجباتها كامرأة، من الحب إلى الأمومة.
يبدو أن القولة السابقة لنيتشه يشير فيها، رغم كل شيء، إلى معرفة معينة، نظرية على الأقل، بالنساء؛ بينما يعد ذلك من قبيل الوهم. فالمرأة، حتى في الحضارة المتقدمة، دائما ما تكون طبيعية أكثر من الرجل، أقرب بكثير إلى الحياة، وأكثر جسدية، في كلمة واحدة. لا يمكن للمرء أن يتحدث عنها بجدية ما لم يتم تحريكها بتعاطف جسدي. أولئك غير القادرين على القيام بذلك يجب أن ينسحبوا. إن الحديث عن المرأة على أنها فكرة مجردة هو أمر سخيف. وليس الرجل مجرد تجريد. لكنه يستطيع أن يعيش في التجريد، وهذا مستحيل بالنسبة للمرأة. يدرك نيتشه ذلك في الشذراين 416 و 419: "هل يمكن للنساء بشكل عام أن تكن عادلات، باعتبارهن معتادات جدا على الحب، أن تقفن مع أو ضد المشاعر الأولى؟ هذا هو السبب الرئيسي وراء ندرة حبهن للأشياء، وكثرة حبهن للرجال في أغلب الأحيان..". إنه يعتبر ذلك نقيصة
بلا شك، الأمر كذلك إذا تعلق الأمر بالتفكير الميتافيزيقي، بالفلسفة؛ لكن الأمر ليس كذلك، إذا تعلق بالحياة العملية. لأن الأفكار موجودة فقط طالما يوجد رجال يفكرون فيها ويعيدون إحياءها؛ يجب أن تتجسد من أجل أن تكتسب الحيوية والقوة. النساء على حق. لكن ألم يقل نيتشه نفسه إن النسق الفلسفي ما هو إلا تعبير عن فسيولوجيا معينة؟ لو أن امرأة قد أحببت فلسفة نيتشه (توجد مثيلاتها اليوم)، لكانت قد تخلت بسرعة عن الكتب لتتجه طرا إلى الفيلسوف. فضلا عن ذلك، هل يفعل الرجال خلاف ذلك؟ ألا يريد من يعجب بكاتب أن يراه ويسمع صوته ويصافحه؟ النساء أكثر صراحة وطبيعية، هذا كل شيء. لعننا مكرهن. إنهم مخادعات فقط عندما يجبرهن الرجل على الدفاع عن أنفسهن ضده. يوجد الكثير من الرجال المخدوعين. هناك الكثير من النساء المخدوعات. هن يعرفن ذلك، وبوصفهن أقل غباء من الرجال، يغضبن بقدر اقل منهم.
لا يعرف نيتشه النساء إلا قليلاً لدرجة أنه، المبدع العظيم للأفكار والعلاقات الجديدة، يجد نفسه مكتفيا بالتعبير، في صيغة نيتشوية، عت القواسم المشتركة. يقول لنا: "الفتيات الشابات اللائي يرغبن سوى في أن يكن مدينات في جاذبية شبابهن لوسيلة توفير حياتهن الكاملة واللواتي لا تزال مهارتهن مدفوعة من قبل الأمهات الحكيمات، لهن نفس الهدف مثل المومسات، إلا أنهن أكثر خبثا وأقل نزاهة". لكننا قرأنا حكمة الأخلاق الكاذبة عدة مرات لدرجة أنها تجعلنا نبتسم، حتى لو كانت تغضبنا. في بعض الأحيان، يلخص ببساطة آراء شوبنهاور في بضعة أسطر (الشذرتان 411 و 414). هذا ممتع ، لكنه جديد حقا.
"الفتيات عديمات الخبرة يتفاخرن بفكرة أن بإمكانهن إسعاد الرجل؛ فيما بعد، يتعلمن أن ذلك يعادل: التقليل من شأن الرجل من خلال الاعتراف بأن الأمر لا يتطلب سوى فتاة صغيرة لإسعاده".
يمكن لرجل من أي طبقة وأي بلد أن يقبل هذه العبارة: "بجمال المرأة يزيد تواضعها بشكل عام". عندما نكتب هذا في متوالية من الأفكار عن النساء، يبدو الأمر كما لو أننا نقول: "هذه أفكار حول موضوع غير معروف تماما بالنسبة لي". إذا كان أي شيء غير التعليم يمكن أن يزيد من التواضع الطبيعي للمرأة (إلى حد ما)، افليس هذا بالطبع شعورا بالنقص؟
لا يعتبر نيتشه الزواج فكرة، ولكنه يعده مثلا شخصيا أعلى. هناك اعتراف بصدق مفرط: "... الزواج منظورا إليه في أسمى أفكاره، كاتحاد روحين اثنين من من جنسين مختلفين،... مثل هذا الزواج الذي لا يستخدم العنصر الحسي فقط باعتباره وسيلة نادرة، عرضية، لتحقيق غاية أسمى ..". لا يمكنني اقتباس كل شيء: يعبر نيتشه بشكل أو بآخر عن هذه الفكرة القائلة بأنه لا يمكن للمرء أن يحب جسديًا امرأة يحترمها فكريا. هذه هي اللاأخلاقية الكاملة، اللاأخلاقية الساذجة لرجل حواسه غبية، وحساسيته عقلانية بالكامل.
بكلمة أخيرة، يرفض نيتشه هذا الوهم بزواج ميتافيزيقي وتأملي بحت؛ وهو يفكر في نفسه، بلا شك، يكتب: "هكذا أنا أيضا أصل إلى هذا المبدإ في ما يتعلق بالتأملات الفلسفية السامية: كل المتزوجين مشتبه بهم".
المشتبه به في الحقيقة هو الرأي في النساء وحب رجل حتى لو كان فيلسوفا كبيرا جاهلا بالحب والمرأة.