الباب القبلي - إسماعيل بنهنية

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

أنفاس-1-
لقطة أولى

الشتاء ينزل ضيفا ثقيلا على الدواوير المحيطة بالضريح,الوقت ليل ،والطريق الملتوي،المحاذي للمقبرة يبدو شبه مقفر كفؤاد أم موسى،إلا من بعض السكارى وشمامي النشوق.
من جهة البحر أتت،فتاة ذات قد قويم ،لسبب ما تركت شعرها مرسلا دون تمشيط،تتأمل الوجوه بحزن ويأس اقربين إلى التذمر,لا احد كان يجرؤ على سؤالها أو مجرد اختلاس النظر إليها...في العيون خوف مبهم.
نثرت آمنة التراب على رأسها وهي تهمس ،صباح اليوم الموالي ,لجماعة لاقطات الطحالب:"ذكرنا السمن والعسل،كانت لابسة احمر في احمر،ورجليها بحال الناقة."
ثم ثفلت فثفلت النسوة على صدورهن منصرفات إلى جمع قوت اليوم.

لقطة ثانية

أوقف دراجته بمحاذاة "مقهى تيط"،اتجه صوب جماعة لاعبي الورق،قال وهو يتجشأ:
-بنية مليحة...تايقولوا كانت سكرانة الله يجيب.
صفق العربي وهو ينادي النادل:
-أش عجبها في هاد البلاد...الله يستر.
-قالها المجذوب "هذا زمان المرارة ...ما يهنا فيه بنادم ولا شجر...طلبوا التسليم آالخوت.

امن الجميع على قول ولد حادة،تشاغلوا بلعب الورق،حتى الميلودي،المعروف بطول لسانه بلعه وسكت.
ومر الشتاء ثقيلا كما أتى ،وران الصمت على القرية الصغيرة من جديد،ورئيت عايشة –هكذا أطلقوا عليها-وهي تصحب قططها السبعة وتقبع بجانب الضريح.

-2-

فلاش باك 1
-اقتلوها ،أو اطردوها شر طردة ،لقد مرغت أوجهنا في الوحل.
-يا لسوء ما منينا به.
-...............................................................................
ثم بصرخة آمرة:
-ماذا تنتظر،الم تصر سيرتنا على كل لسان؟؟
دلف الرجلان البيت،صفق المختار الباب وراءه بعنف ،سعل ثم ضغط على زر النور ،فأضيئت القبة بنور وهاج.
فلاش باك 2
الزمامرة مدينة تستيقظ من قيلولة منتصف غشت،رن جرس الهاتف النقال ،تلقفته عواطف بكل شوق ولهفة،تفحصت ميناءه وتحققت من رقم المنادي.ابتسمت وهي تعدل بعض الشعيرات التي اخفت عينها اليمنى:
-آلو عزيز أنا واجدة من الوحدة.
-...............................
Bien sur .à côté du foulfoul-
أنهت المكالمة ،وضعت السيمنس في حقيبتها اليدوية ،ألقت النظرة العاشرة على المرآة،ثم أغلقت الباب خلفها بعنف.وفي شقته المحاذية للكورنيش ،جمعهما سريره الوثير.

  -3-

"...عزيزتي عواطف،
باللهفة ذاتها استقبلت رسالتك الأخيرة ،ولولا انشغالي   بالتحضير للامتحانات ، ثم ما جد في الآونة الأخيرة من أمور شخصية تتعلق بالعائلة (وأنت تعرفين من اقصد) لطرت إليك أسرع من البرق.
أرجو أن لا تكالميني في الفترة الحالية على الأقل.
                                                                 قبلاتي.
                                                                          عزيز"
طوت الرسالة بعصبية ،قالت لصديقتها فوزية التي ترافقها كظلها :   
-رماني بعدما امتص كل شيء.....
أمنت فوزية على كلامها وهي تسوي خطا رقيقا على شفتيها من احمر الشفاه:
-عذر معاه الحبيبة،وما تبقيش تا أنت هابلة...
تبادلتا نظرات عميقة   ،وهاجمهما صمت ثقيل.

-4-

(هذا الإطار المرجعي هو الذي يفرض القيمة المعيارية في الوحدة الاجتماعية الأولى:العائلة البطريركية،بدءا من مفهوم الزواج وانتهاء بعلاقة أعضاء الأسرة بعضهم ببعض ،علاقة الأب رب العائلة ببقية إفرادها،وعلاقة الذكر بالأنثى ،والأخ الأكبر ببقية الإخوة،هذه التراتبية المقدسة هي البذرة الأولى للأوتوقراطية في المجتمع بأكمله....)
أزال نظارتيه،مسح زجاجهما بمنديل ورقي ،أشعل سيجارته ثم قال :
-هكذا يسترسل الدكتور غالي شكري في تفسير المسافة بين المكبوت والمكتوب في الفكر العربي المعاصر.همهم الطلبة تعبيرا عن فهمهم ،وحين لم يستفسره احدهم ،حمل حقيبته بعد أن رتب حوائجه بها وانصرف.
كان مشغولا بشيء ما حتى أن مقود سيارته لم يستقم بين يديه. وحينما رن هاتفه النقال ،أجاب بنرفزة حادة:
-اللا أنا راني مزوج..فبلا ما تحاولي
-.............................................
-أف،رجعنا ثاني لكلام العجايز.
وأنهى المكالمة بعصبية بالغة ،لم ينتبه إلا وقطيع غنم يمر أمامه بينما الراعي مازال يجر قدمه البائن عرجها من بعيد،انحرف جانبا ،فثارت زوبعة من الغبار.
وفي غرفة من حي السلام، جمعت عواطف حوائجها، وخرجت لا تلوي على شيء.

-5-

قال الراوي: لقد رايتها بأم عيني تمضغ الصبار في إحدى مجالس الجذبة التي يقيمها الامغاري كل منتصف شعبان،ولأمر ما أو حكمة خفية كما صرح بذلك ابن عمه ،تآلف قلباهما وتوددا،وشوهدا على شاطئ البحر وهما يتضاحكان ،ولله في خلقه شؤون...
لقطة ثالثة
يتوجه موكب العروس صوب الباب القبلي ،حيث اعتاد سكان القرية البسطاء ،أن يقيموا حماما لعرائس أبنائهم،يجلبون الماء من الساقية القريبة المسماة"سانية كرين" في دلاء أعدت للمناسبة،ويتزاورون بعد أن يضمخوا شعر العروس بالحناء دفعا للأذى وعين الحسود.ما إن وصلوا حتى عرجوا على ضريح "سيد الصبي" حيث تقضي العادة إن يضيء العريس شمعة دلالة على طلب الذرية والنسل.
لا يدري احد كيف وقع الأمر، تضاربت الآراء حتى انك لا تجد روايتين متشابهتين، حتى الذين نجوا لم يكتب لهم عمر جديد، فما كادت سيارة الإسعاف تصل إلى المستشفى حتى لفظوا أنفاسهم الأخيرة.وعاد الصمت من جديد يخيم على القرية المذكورة.
استدراك
قال احد الشهود الذين استدعوا إلى مقر رجال الدرك:
(قرأت في إحدى صفحات المحضر :وقد كان السبب في الكارثة سقوط الجدار الخلفي للباب المذكور نتيجة اهترائه المتواصل،وقد منعت الفرقة التابعة للمركز الناس من الاقتراب إلى غاية فتح تحقيق ....وبه تم إغلاق المحضر،والسلام.)

مونولوج

همس الراوي:
عزيزي المروي له،عفوا إن لم اشبع فضولك البدائي،لكن لا تستشط غضبا فلقد تبرأت مني كل الشخوص،والى لقطة جديدة.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة