يد...أمل – قصة : عمر الأزمي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
anfasse.orgللماضي نفحات رخوة تتجمع في ليالي التأمل، فتبدو كجراح مستعذبة، أو كسهام من ورود تدوس القلب فتنعش روحه إنعاش النسيم  للزهور الأقحوانية البيضاء.
وشيئا فشيئا يسيح الماضي في محيط الكلمات القاتمة . التي تغادر الأفواه بأناة ودلال ، لتلامس قطيرات المطر المتداخلة – بداهة – مع هدوء الزمان والمكان ، والمحدثة طقطقات تلاعب الفؤاد : فقطرة تحيل على ماض بئيس ، وقطرة تلي فتحمل في جوفها حاضرا مضطربا لعوبا ، وتعقب ذا وذاك قطيرة مطرية ينقبض لها القلب الجاثي تحت شعاع القمر .
وفي هذا الليل المنساب ، وعلى مرأى من النجيمات الرقراقة ، ومن تحت الأرض الرطبة من جراء منسوب المياه ، تتمرد يد على قرارة الأغوار ، وتخترق نمطية الانبساط ، فتبدو وكأنها يد ميت ترتفع تأوها من آلام العذاب في العالم الآخر ، أو دعوة للأحباب أن سارعوا إلى نعيم الخلود السرمدي.
وتبدو اليد ل"أمل" من بعيد ، وكأنها يد الحقيقة تتجبر على أرض الباطل . كيد النور المنسي تذكر الناس أنهم يستنيرون بالعتمة منذ زمن طويل...
كانت راحة اليد الجبارة تتسع ، و تتفرق الأصابع بسرعة ثم تعود للانقباض ، كأنها تتماوج طربا بسمفونية صاخبة ، تنطلق من تحت أقدام صاحب اليد. هذا إذا كان مخلوقا يفترض أن تكون له أقدام.
لم تتوجس أمل خيفة من الراحة التي خرجت من أعماق الأرض .
تماما كما لو أنها كانت تنتظر ما رأت ، كانت تعرف أن يدا للحقيقة ستظهر يوما باطشة طاعنة للبهتان ، وها قد بدت ، كانت تؤمن أن يد الروح والفن ستنهض لتكسر شوكة المادة المميتة، والجشع الحيواني وها قد نهضت . 
كانت أمل شاعرة ، وها قد أطال الشعر في عمرها لترى له يدا تنبثق من حضيض الرتابة . لم تكن أمل تتصور أن خواطرها الرقيقة البريئة في عهدها الأول بعاطفة الحب ، ستتشخصن في يد عارية الأ شاجع تخرج من الأرض وتتبلل بقطرات مطرية تزخ من سماء سوداء، تتجمع فيها عين الناظر في  بؤرة دائرة هي بؤرة القمر الساطع .
أحست " أمل" بأن ضوء القمر يجتمع في تلك الكف التي تراها أكثر من أي وقت مضى ، كانت اليد / المعجزة تكبر في عينيها كلما دنت منها أكثر.. حتى غدت تبدو كتاج ملكة حسناء ، بجامع البريق المنبعث من الخاتم الماسي الذي يطوق خنصر اليد في جلال ...
وازدادت طقطقات الأمطار و احتدت أنفاس "أمل" ، واشتدت رياح الليل الخافقة...
لا تذكر أمل أعادت اليد التي امتدت من قرارة الأرض، أم أنها ظلت مشرئبة إلى الخارج. ولا تذكر ألمست اليد أم اكتفت بمراقبتها عن كثب.. ولكن أمل ستذكر دائما أنها رأت يدا من عالم الأتاحت ، تمتد إلى ما فوق الما تحت ، وتتبادل الضياء مع نجوم السماء بخاتمها الماسي الذي يطوق خنصرها في هيبة و جلال...
 
 قصة -  عمر الأزمي  

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة