قصصت شعري... ـ قصة : ياسين المرزوكي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

anfasse18091وأخيرا عدت الى الدوار،، عدت مرغمة لانني أنهيت عامي الدراسي
و قبل أن أتي.
 عند المساء التقيت صديقا حميما لي تقاسمنا كأس فودكا في حانة ''اللبناني'' ذلك المكان الصغير المحبب عندي، أزوره كل ما زارني الحزن فجأة، لا أعرف مايحل بي هكذا أجدني ضجرة من كل شيئ. أستطيع ان أفهم الان كلمات ''رشيد'' وهو يغادر غاضبا في كل مرة قائلا:
لا أستطيع أن أفهمك يا حياة-
ها انا الان أجالسه، انه أمامي على مرمى نظر، يتقاسم معي طاولة حمراء صغيرة، يصعد النادل السلم الصغير الملتوي، يعدل غطاء الطاولة ويسأل :
بم تبدأن؟
رشيد يجيبه :
- كأسي فودكا من فضلك  وأخفض الانارة رجاء

لم يكن في الطابق العلوي سوانا،كنت مشتتة التفكير كما يحصل معي في كل مرة أحس انني سأغادر الرباط الى مسقط رأسي في الجنوب، كنت ساهمة ولا يوقظني من تأملي الا الزبائن الذي يصفقون باب المرحاض وراءهم.
رشيد هو أكثر صديق يفهمني،التقينا صدفة في حفل موسيقي وأحسست أنه فتى استثنائي و ها نحن أصدقاء منذ سنتين وأكثر. رشيد يحترم الحدود التي رسمتها له منذ البداية انا الفتاة التي لا تريد السقوط في فخ الحب.
-الصداقة أجمل من الحب- أشار لي ذات مرة هازلا
- لماذا لا يستطيع الشرقي ان ينظر الى المرأة بحياد ؟ قلت له متسائلة.
-ربما هو شيء في الدم. ليست العلاقة مع المرأة دائما شيئا في المتناول. وأول لقاء مع أنثى هووووب(قال الكلمة بطريقة رياضية ) وكأنه سيقفز سورا عاليا
قبل الثامنة كنت منتشية، بل انتبهت لاول مرة لطريقة نفث رشيد لدخان سيجارته، كانت لديه طريقة خاصة في امساكها ، كان يمررها قبل الاشعال بين أنفه وشفتيه بشكل أفقي، ينظر الي نظرة جانبية كما لو كنت حبيبته و يريد أن يستثير غيرتي. في ذلك المساء وعلى سبيل الحماس فكرت في تجريب التدخين. فنهرني و أطفأ سيجارته وغادرنا.
ودعت رشيد وسرت نحو غرفتي المكتراة بتثاقل متعمد، ألقيت نظرة أخيرة من النافذة على الناس حملت حقائبي وجررت الباب ورائي، استقبلتني  "الحاجة"  بابتسامة كبيرة ومدت يدها تعانقني. وقبل ان أضع قدمي خارج البيت سلمتها المفتاح، فأشارت لي  كما لو كانت ستلتقيني مجددا بعد نصف ساعة
- لا تتأخري يا ابنتي.
....
ها هي الحافلة تقطع الطريق بنا في جوف الليل كما لو كنا متجهين نحو المنفى،تذكرت الدوار والناس والتقاليد وكل شيء، بعد أربع ساعات من الان لن يكون بوسعي التصرف كما أشاء. علي أن ازيل الفتاة التي هي أنا. وألبس واحدة أخرى. واحدة أخرى لا تشبهني. انها ظلي. الفتاة التي أرادوا لها ان تكون وخلعتها سرا منذ زمن. قبل الوصول غفوت اغفاءة قصيرة ولم يوقظنني الا صوت مساعد السائق
ايمينتاوت ايمنتانوت.
نهضت فزعة وضعت الغطاء على رأسي، لقد صرت فتاة متحجبة الان. عند نزولي درجات الحافلة وجدت أبي في انتظاري وهو ينفخ الهواء في يديه من البرد. عانقته . ساعدني في حمل حقائبي وغادرنا.
وها أنذا في "الدوار"، هنا كل شيئ رمادي، الناس والاشياء والجمادات، الطريق رمادية، الجو رمادي، الحجر والشجر والطير كل شيئ. أحسست بالضجر سريعا، مقارنة سريعة بين جو العاصمة وهذه البقعة المعزولة عن العالم جعلتني أنزوي و أتكور داخلي وأحزن أكثر.
لم أتخذ ذلك القرار بسرعة، كنت متعقلة كما هو معروف عني وسط عائلتي. تجاذبتني أفكار كثيرة مشوشة، كيف سيفكر الناس و الجيران ماذا سيكون رد فعل  أبي.
وفعلتها.
تستطيعين في هذا المكان ان تدعي ان القيامة لن تأتي. لكن ان تسيري في فترة الزوال بسروال قصير فهي الغلطة التي لن تغتفر. قالوا كل شيئ عني. كل أولئك الذين مررت بهم.
- مشات تقرا في الرباط جات قحبة.
- تستري أأألاخت واش معندك الواليدين؟
بل حتى نساء (الدوار) قاطعنني. واللواتي مررت بهن تجنبنني. أصبحت مشبوهة بين عشية وضحاها. كان بيتنا من البيوت المحترمة. كان أبي يحرس الغابة وقد نال عبر الزمن احترام ناس (الدوار) بسمعته الطيبة. في ذلك المساء جاء الى البيت والشرر يتطاير من عينيه وسأل:
 أين هي؟
حاولت أمي ان تتستر علي. لكنني خرجت له واثقة وانا أمسك بكتاب.
-ما بك؟
-تعالي
جرني من شعري على طول الغرفة وأغلق الباب، كانت أمي تولول وتلطم خذها بينما ضربات عصا الخزيران التي يطرد بها الذباب تلفح ظهري. لم أصرخ، تكومت وقاومت. أعرف انني لن أعود تلك الفتاة التي كنت بعد هذه الحفلة الجهنمية.
أغلقت باب غرفتي علي، لم أدري كم مر من الزمن. اتصلت برشيد وحكيت له القصة.
- اصمدي قبل ان تعودي للرباط و تتصرفي على سجيتك.
- لا أستطيع انها شهرين .
- لا يمكنك ان تنتصري على ذلك الواقع وحدك.
- سأهرب
- ستفقدين دعم عائلتك ولن يعود بامكانك استكمال دراستك لا تتسرعي.
لم تصدق أمي انني مازلت قادرة على الوقوف والنظر في وجهها. كنت مذنبة في نظرها. وحده اخي كان يستطيع ان يقدم الدعم لي وسط هذا البحر من الهلوسة الاجتماعية، كانت علاقتي بأخي استثنائية كان حلاق الدوار. كانت يده خفيفة كما كانوا ينادونه. كان مرحا معي في كل مرة أعود الى (الدوار). بعد مرور ''الحفلة'' بأسابيع، أصر لي:
- تعرفين مجتمعنا.
ذلك اليوم قلت له :
- أجلب أدوات عملك معك .
سخر مني:
-تنوين تعلم الحلاقة ؟
- لا. سأقص شعري.
نظر الي نظرة استغراب و أضفت أنا.
- سأقص شعري كله.
- ستصبحين صلعاء ؟ قالها وهو يطلق قهقهة عالية.
- نعم أيها الغبي.
ونحن على الغذاء، قلت لامي:
- سأقص شعري.
نظرت الي  نظرة قاسية وقبل ان تنبس بكلمة قلت بصرامة:
قررت ولن أنوي التراجع.
انا وأبي كنا نتجنب النظر الى بعضنا البعض اعتقد أنني لن أغفر له قبل مرور زمن طويل.
...........
كنت أتمنى لو أستطيع التراجع عندما رأيت أخي وهو يضع المقص والمشط في فناء الدار، على الطاولة ذات الركب الثلاث،
كان يستحثني لاقص شعري بسرعة لانه ينوي العودة بسرعة الى ''الفيلاج".
وقفت امام المرآة ألقيت نظرة سريعة على شعري،مسسته بخوف. تذكرت كل كلمات المدح حوله ولم تأتي البسمة الى فمي. ارتفع الضغط أحسست بحمى باردة تجتاح جسمي،صعدت غصة الى حلقي، ألن أعود جميلة مجددا ؟ كيف سيكون شكلي بعد أن أزيل زينتي؟ هل سأظل الزهرة الحلوة ؟ ام ان الوهج سينطفأ . هل سأتقبل نفسي أم لا؟ غدوت متعبة أكثر.
-تعالي يا حياة
سرت نحو أخي بخطوات بطيئة جلست امامه على كرسي ''الدوم'' الخشبي. فرد شعري وقال بحزن:
- شعرك جميل لماذا تزيليه؟
سكتت لبرهة، كنت أنظر الى والدتي وهي تقابلني من باب المطبخ، كانت حزينة جدا، كان عيونها تترجاني ان لا أفعل، اعذريني أمي لن أشرب العلقم مجددا، سأقص شعري كله وأضع غطاء للرأس، سيكون لدي سبب كافي لاخرج لنساء ورجال (الدوار) برأس مغطى.
أحنى رأسي ببطأ، ودوت أول ضربة مقص في أذني،أوجعتني- اهتزت عزيمتي- تناثرت قطعا وشظايا صغيرة، وسرت أبحث عني في كل مكان، سقطت أول خصلة على أرض، التقطتها بيأس، وقلبي يقول للمقص توقف، رفعت عيني ونظرت في وجه أخي برجاء، كنت أستحثه للاسراع والابطاء. كنت أريد أن أتشرب هزيمتي على مهل لانها لي، تحسست نبض قلبي، وتتابعت الضربات وسقطت الخصلات واحدة واحدة، اهملتني هزيمتي واستسلمت، استسلمت لضربات المقص المتتابعة، لا أعرف هل  فكرت وفيما فكرت وأغمضت عيني. كان عنقي يتعب فأحاول ان أحمل رأسي حتى أستريح، فتعود اليدان لي تضع رأسي في وضعية انحناء. كنت أشبه بالمحكومات بالاعدام في ساحات باريس الكبرى. يقصون شعري ليضعوا رأسي على المقصلة وبعدها لا يكون هناك شيئ. لمن أهدي خصلة من خصلات شعري كعربون وفاء؟ .
عندما انهى اخي ذلك الجانب كنت أستطيع ان أرفع رأسي. رأيت أمي ترفع ازار ثوبها وتجلي الدموع المنسابة على خدها، حاولت ألا أضعف، تماسك بعضي ببعضي وقاومت. هل جننت؟ قلت لنفسي بمرارة.
- سأستعمل الموسى
كانت الشفرة الحادة تمر على رأسي، و عرق بارد يعبر جبهتي،مرت بي كل الذكريات واستسلمت لها.
-ها قد انتهيت- قال أخي وهو يمسح بلطف على رأسي ويضع خرقة ثوب عليه. وغادر وهو يوصي:
- اذهبي الى المرآة يمكنك التأكد من النتيجة .
لم أنظر في المرآة الا بعد مرور يوم كامل، خفت من منظري، خفت ان لا أعرف نفسي، ان اتفاجأ بي. جلبت المرأة الى غرفتي وجلست،ازلت الثوب وكنت أنا.
كنت أنا لم يتبدل في شيئ. كاانت يدي مرتعشة وهي تمسك بالمرآة في ركن من المكان، خرجت لامي وابتسمت وابتسمت سألتها ماذا تغير يا أمي؟ أجابتني :
- لاشيئ
رددت عليها:
- ربما لم يتغير شيء ربما

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة