حالة انتظار – قصة: حاميد اليوسفي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

يحتفظ أحمد بذكريات قديمة عن شارع فرنسا الذي أصبح يحمل اسم شارع محمد السادس ...زار المكان في فترات متقطعة تفصل بينها سنوات ..
جلس خلف الزجاج في الركن الأيسر يتلهى بما يجري أمامه في انتظار صديق ضرب له موعدا في هذا المقهى .. الشمس غربت منذ حوالي ساعتين .. الشارع بدأ يضيق بزوار ليلة السبت الأحد بسبب تواجد العديد من الفنادق  والحانات والمراقص الليلية خلف المقاهي بالحي الشتوي  .. فتيات في سن الزهور ينظرن في هواتف نقالة .. يتحدثن ويبتسمن ببلاهة مقصودة ويلتقطن السيلفيات  وهن يتسكعن بالجوار أو يجلسن في المقاهي طمعا في اصطياد زبون يرغب في قضاء أمسية حمراء .. أغلبهن جميلات .. كأنهن مسكوبات من قالب في مصنع لإنتاج الدمى البشرية  .. فروق طفيفة في النحافة والبدانة والطول والقصر .. حرارة المدينة في فصل الصيف تدفع إلى الاقتصاد في اللباس و المبالغة في تعرية أطراف الجسد الأكثر فتنة مثل شعر الرأس و الذراعين والكشف عن حمالة النهدين والصرة  وارتداء شورطات قصيرة ترتفع إلى أعلى الفخذين ..

وقف النادل على بعد مترين من طاولته .. ابتسم له وطلب قهوة سوداء خفيفة ..
هل أخطأ بعض الوهابيين في وصف هؤلاء الحوريات بأقذع النعوت ؟؟ ..( المومسات ، بنات الهوى أو الليل ، الفاجرات ، الباغيات ، الداعرات ، حطب جهنم ... ) كل وصف يشبه قنبلة هيروشيما ويدمر مدينة بكاملها ..
لا بد أن تتمالك نفسك وتحذر وأنت تنظر إليهن .. تخيل إحداهن تنهرُه : اخفض بصرك أيها العجوز !! نظراتك المتقدة تكاد تحرق ما تعرى من جسدي وأنا أصغر من ابنتك !!.. داخله شيء من الحياء وغض  بصره ...
أغلب النساء في الحي الذي يسكنه والأحياء المجاورة يتشحن بالسواد .. أجسامهن مهترئة .. من سيخفف عنهن آلام وأوجاع الحياة التي قضيناها في الأرض يتألمن من القهر والمرض والجهل والجوع ؟؟؟
سأل نفسه :
ـ كيف تجازيهن  السماء ؟؟ من باب المساواة  ألا يوجد الحور العين بصيغة المذكر ؟
تعجب من البعض كيف يسمح لنفسه بأن يمدحهن  بالمؤمنات والعفيفات والطاهرات والمحصنات بينما  يقسم مع نفسه وبأغلظ الأيمان ألا ينام إلى جانب إحداهن في العالم الآخر حتى ولو كانت زوجته  !؟؟!.
وأنت ماذا لو خيروك  بين حورية من الأرض وحورية من السماء  أيهما تفضل ؟... لاحظ أن الخيار صعب فأجاب بدبلوماسية رمادية :
ـ مع نفسي وفي سن الشباب سأميل إلى حورية الأرض ، لأنها مثلي من لحم ودم وتبدو أحلى وأكثر واقعية .. وأنا شيخ اشتعل الشيب في رأسه وأمام الناس سأكون متزمتا ومتطرفا وسأفضل مكرها حوريات عالم السماء رغم أنه لم يسبق لي أن رأيتهن إلا في بعض الصور يظهرن تحت شجرة  بالقرب من النهر عرايا يأكلن التفاح ويسترن عوراتهن بورقة توت ... وقيل إنهن لا يذهبن إلى المرحاض مثلنا ...
ظهر صديقه وهو يوقف دراجته بجانب عمود الكهرباء ويمسح المقهى بعينيه .. لوح له بيده ..  لعن الشيطان وتذكر أنه كان سببا في طرد آدم وحواء من الجنة ..

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة