"العيش بصحبة الفلسفة" لـ حسن أوزال... كل فلسفة لا تنشد الحياة لا يعوّل عليها
صدر عن "محترف أوكسجين للنشر" في أونتاريو كتاب فلسفي جديد للمفكّر والباحث المغربي حسن أوزال، حمل عنوان "العيش بصحبة الفلسفة".
ينطلقُ المفكّر والباحث والمترجم المغربي، المتخصص في الفلسفة المعاصرة، حسن أوزال في كتابه الجديد "العيش بصحبة الفلسفة" من سؤال جوهري: "هل منّا مَن اختبر مرّة، أن يعيش فكرةً ما؟" حسبه في ذلك أن "الأفكار منذورةٌ أساساً لأن تُعاش، لا لأنْ تُقرأ فحسب، على اعتبار أنّها حينئذ فقط تكون ذات مفعول وأثر". بهذا التساؤل والطرح المستفزّ للعقل، المثير للتفكير، يمضي أوزال في تقديم مقولتهِ الفلسفية والتي صرّح بها بدءاً من العنوان الذي جاء على شكل نداء، مبتكراً معادلة ثنائية، لها أن تكون بوصلةً للقارئ وهو يكتشف أهمية التجربة الفلسفية عندما تفتح أمامنا إمكانات الحياة وسبل عيشها فلسفياً، بما يحقق الصلة مع الواقع، ومع عالمنا الحسّي الذي نحيا ونختبر فيه تمثّلاتنا الخاصة للوجود، انطلاقاً من "التفكير في تقنيّات إبداعِ الحياة وخلق إمكاناتٍ جديدة للعيش".
على هذا النحو، وابتداءً من مقدمة الكتاب التي جاءت بعنوان "الفلسفة باعتبارها مشروعاً وجودياً"، يعمل أوزال على إيقاظ حواسنا بالفلسفة، مصرحاً بأن الدافع الأساس لانشغاله بالفكر عموماً وبالفلسفة خصوصاً ينطلق من هوسهِ بعشقِ الحياة، وهو ما تضيئه كلمة الغلاف: "إنه كتاب ينشد الحرية على نحو مغاير، ويتوق للحب والجمال والمغامرة. إنه كتاب المفكّر المغربي حسن أوزال وهو يوقظ حواسنا بالفلسفة، ويجترح جراء عيشِه بصحبتها، مسلكاً مختلفاً، يقودنا إلى طيفٍ واسع من المناهج والأفكار الفلسفية، التي يعايشها ويقاربها بحنكة ورِقة، مناهضاً ما يوهن الإنسان ويحزنه، وكل ما هو ضبابي وتجريدي، مقدّماً الفلسفة كممارسة حياتية تنشد المتعة، ورحلةٍ محفوفة بالمتع والإشراقات والاكتشافات اللامتناهية".
بمقدمّة واثنا عشر فصلاً موزعة على 176 صفحة، ينهل المفكّر والباحث حسن أوزال من مراجع فلسفية تأسيسية، مشرعاً الباب على الطرح والطرح المضاد، بما يتيح المجال لمراجعات عملية للكثير من الأفكار والطروحات الفلسفية، مستنداً في ذلك إلى حسّ نقدي وفلسفي مغاير وإلمامٍ كبير بالتوجهات الفكرية والفلسفية المعاصرة ومدى اختبارها "للحياة لا كفكرة، بل كواقعة". واقعة تجبرنا، كما يقول الكاتب، على الفعل أكثر منه على التنظير، وتدفعنا إلى البناء بدلاً من الاكتفاء بالتأمّل. هذا ما يلخصه وجود فصول بالعناوين التالية: "الفلسفة أسلوباً للحياة"، "في ارتباط الفلسفة والشعر بميلاد التراجيديا"، "في الحاجة إلى فلسفة للسعادة"، "الأبيقورية باعتبارها فلسفة للحرية"، "في الحاجة إلى التربية الموسيقية"، "التفقير باعتباره آلة حربية تُعطّل السعادة الاجتماعية"...
ونقرأ من مقدّمة الكتاب: "تبدو الفلسفة وفق تصوّر هيغل نشاطاً بلا جدوى. إنها مجرّد تمرينٍ رياضيّ للعقل المستقيل، ومهمّة منوطة بالأستاذ المُدرِّس الذي تتكفّل الدولة بتعويضه عن أتعابه عند نهاية كلّ شهر، لكنْ شريطة تنقيط وتقويم جمهور من الطلبةٍ دائمي الحضور، بغرض فرزِ من يستحقّ منهم نيل الدبلوم الكفيل بضمان قوْتِه اليومي حينما يصبح هو كذلك موظّفاً. ضدّ هذا النزوع المرضيّ، نلاحظ أن الفيلسوف لا يفكّر من أجل أن يحيا فحسب، بل أيضاً من أجل أن يحيا حياةً أفضل. إنّه يفكّر توجيهاً لسلوكه في الحياة ما دام «ألا حقيقةَ بالنسبة إليه سوى في ما يأتيه من أفعال» تيمّناً بسارتر الذي يمضي في موضعٍ آخر حدَّ تحديدِه على «أنّ الإنسان ليس شيئاً آخر، عدا مجموع أفعاله وسلوكه، إنّه ليس إلا حياته. لذلك، فكلّ تأمّل وعمليّة تعقّل تقتضي، أوّل ما تقتضيه، أن نرسم لذواتنا مسلكاً وجوديّاً، صانعين من حياتنا لوحةً فنيّةً لا سجناً قاتلاً. علينا أن نصيرَ شعراء حيواتنا بتعبير نيتشه، فنجعل الأشياء تبدو جميلة حتى عندما لا تكون كذلك. علينا أن نرى في كلِّ واقعة، تجليّاً لإرادة القوّة التي ليست إلا المتعة والسعادة، الفرح والجمال. لكن هيهات هيهات، ما دام أنّ كلَّ ما هو جميلٌ نادرٌ وصعب المنال» على حدّ التعبير الرائع لسبينوزا في آخر كتابه «الإيتيقا». أكيد، لأنّ كسب القوّة في الوجود، هو ما يتطلّب المران الدؤوب لا الكسل والخمول. مرانٌ يفضي بصاحبه إلى تعلّم تقنيّات العيش العديدة، رسماً لأُفُقِه الخاصّ. ذلك يقيناً، ما يجعلُنا بحاجة ماسّة لتعاطي القراءة كطقسٍ يوميّ. قراءة فلاسفة الحياة بطبيعة الحال من قبيل: ديوجين، بلوتارك، أبيقور، أنتيستين، ديمقريطس، أريستيبوس مونتيني، نيتشه، كامو وغيرهم كثر، واضعين في الحسبان، أنّ المغزى ليس القراءة والمكتبة ولا الكتابة والكتب، بل ما تخوّله إيّانا هذه التقنيات من قدرات، خلقاً لإمكاناتِ حياةٍ جديدة وفريدة. إذ ما الداعي لالتهام نصوص بأكملها دون أن يكونَ لها أدنى أثرٍ في طريقة عيشنا؟"
كتاب "العيش بصحبة الفلسفة" هو دعوة للُزوم التفلسف كضرورة وجودية واحتفاء متعَويٌّ بالعقل والجسد والرغبة والفن والجمال، ومنهج فلسفي متصل بالحياة وسبل عيشها.
وكان حسن أوزال قد أصدر عام 2012 كتابه"تضاريس فكرية، نحو فلسفة محايثة"، و"منطق الفكر ومنطق الرغبة" عام 2013، بالإضافة إلى مساهمته في العديد من الكتب والأعمال المشتركة، منها: "أفول الحقيقة، الإنسان ينقض ذاته"، "داروين والثورة الداروينية"، و"الأقليات والأسئلة المكبوتة". من ترجماته: "حكمة الحداثيين، أنطولوجيا الحاضر"، (2004)، "الجنس والوعي الأخلاقي: في نقد التحليل النفسي الفرويدي" لـ ميشال هار، (2007)، و"تأملات فلسفية" لـ أندريه كونت سبونفيل (2022).
معلومات إضافية
- الكاتب: حسن أوزال
- مجال الكتاب: فلسفة
- تاريخ الصدور: 2024
- دار النشر: "محترف أوكسجين للنشر" في أونتاريو
- عدد الصفحات: 176