عرض كتاب : " سيدي محمد بن عبد الله السلطان العالم المصلح" للزبير مهداد - أحمد سوالم

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

صدر مؤخرا (2018 ) ضمن منشورات مكتبة سلمى الثقافية بتطوان، كتاب " سيدي محمد بن عبد الله السلطان العالم المصلح "[1] للزبير مهداد، يقع في 210  صفحة من الحجم المتوسط، موزعة على ثمانية فصول ومقدمة وخلاصات إضافة إلى الفهرس وقائمة المراجع.

توقف الفصل الأول للكتاب، عند السياق التاريخي لمرحلة حكم السلطان محمد بن عبد الله أي فترة القرن الثامن عشر الذي اتسم بكونه قرن المتناقضات:  بين عالم أوربي، سمته التقدم والازدهار وثورات سياسية ( مناهضة كل أشكال الاستبداد والحكم المطلق ) واقتصادية (الثورة الصناعية التي إنطلقت من بريطانيا )، واجتماعية (الثورة الفرنسية  سنة 1789م)، في مقابل ذلك كانت السلطنة العثمانية تعيش مرحلة التدهور والتفكك، حيث توالت هزائمها العسكرية ودب الفساد السياسي في صفوف الحكام والجيش الإنكشاري، ما نثج عنه ظهور حركات تحررية في الإيالات العثمانية كاليونان وصربيا ومصر.

أما في المغرب، فمنذ وفاة أحمد المنصور السعدي، وهو يعاني سياسيا من التجزئة والتفرقة، فقد كان مقسما إلى عدة إمارات، عمل المولى رشيد العلوي على توحيدها في منتصف القرن السابع عشر، ودعم هاته الوحدة خلفه المولى إسماعيل الذي قام بإجلاء الأجانب من الثغور المغربية لكن وفاته أعادت الصراع على الحكم بين أبنائه، إنتهى بوصول المولى عبد الله للحكم الذي خلفه بعد وفاته إبنه  السلطان محمد بن عبد الله سنة  1757 م في ظرفية سياسية حرجة، فقد كان الوضع السياسي مضطربا سمته الحروب والفتن، والمجتمع يعاني من الأوبئة والمجاعات ومن السنوات العجاف حيث الجفاف وإجتياح الجراد، أما فكريا وعلميا فالبلاد غارقة في الجهل وانتشار البدع.

وخصص الفصل الثاني من الكتاب، للحديث عن نشأة السلطان محمد بن عبد الله الذي ولد سنة 1134 ه/ 1721  م، واثرت مجموعة من العوامل في تكوين شخصيته، كتربيته على يد خناتة بنت بكار زوجة المولى إسماعيل والتي عرفت بعلمها وتدينها، فقد رافقها وهو إبن العشر سنوات في رحلتها الحجية، وتوليه المسؤولية في سن مبكر حيث ولاه أبوه السلطان المولى عبد الله واليا على مراكش، ما جعله يحتك بأمور السياسة وبأحوال الناس، فأصبح قادرا على خلافة والده بعد وفاته سنة 2757 م، حيث تمت مبايعته سلطانا على المغرب .

أما الفصل الثالث، فقد ركز فيه الزبير مهداد، على تنظيم السلطان محمد بن عبد الله لمرافق الدولة وإصلاحه لمؤسساتها، معتمدا إستراتيجية قائمة على بسط نفوذ الدولة وتحقيق الاستقرار الإجتماعي، وإعادة الثقة في السلطة الشرعية وعلى تقوية اقتصاد البلاد ومحاربة الفقر والمجاعة، وتحقيق نهضة علمية وثقافية، وكذلك صد الأطماع الأجنية .

في حين ركز الفصلين الرابع والخامس، على أهم ملامح الحياة العلمية في عهد السلطان محمد بن عبد الله، الذي عمل على تقعيد المجالس العلمية مضمونا وشكلا، وأعتنى بالعلم والعلماء فعين لهم أجورا من ريع الأوقاف، كما أهتم ببناء المساجد والمدارس والمكتبات العامة، ما جعل عهده فترة إنتعاش وإزدهار فكري وأدبي وإصلاح تعليمي. ويبرز الحس الإصلاحي للسلطان في مجال التعليم في كتابه " مواهب المنان "، وفي مرسوم إصلاح التعليم بجامع القرويين والمعاهد التابعة له الذي أصدره سنة 1192 ه/ 1778 م، والذي هدف منه تحقيق غايتين مهمتين هما :

  • إعادة الثقة للناس في قدرتهم على المساهمة في تنمية وطنهم، وإعادة اللحمة الوطنية التي افتقدت بسبب الفتن الداخلية.
  • الإصلاح العلمي ودعم مكانة العلماء.

وتحدث الكاتب في الفصلين السادس والسابع، عن السياسة الخارجية للسلطان محمد بن عبد الله وعلاقاته مع دول العالم، والتي اتسمت بالإنفتاح، وترتكز على التضامن وتقديم الدعم السياسي والعسكري مع العالم الإسلامي، وتوسيع العلاقات الدبلومسية مع الدول الغربية عبرتبادل التمثيل الدبلومسي والاتفاقات التجارية فقد وقع السلطان على حوالي 15 معاهدة و12 اتفاقية مع أوربا،[2] ناهيك عن التعاون التقني مع مجموعة من الدول الأوربية، كإنجلترا والسويد. ساعدت هاته الصلات في مساهمته في تحرير وفك العديد من أسرى المسلمين في سجون أوربا، كوساطته عبر سفيره أحمد الغزال في عملية تبادل الأسرى بين إسبانيا و والي الجزائر .

هاته الوساطات، جعلته من أوائل المطالبين بإلغاء الرق بين المسلمين والمسيحين عام 1777 م، فقد وقع إتفاقية لذلك مع لويس السادس عشر ملك فرنسا أنذاك.

وركز الفصل الثامن، على بعض الآثار الإيجابية التي خلفتها إصلاحات السلطان محمد بن عبد الله، كإنتعاشة الحياة الثقافية والعلمية في عهده (وفرة العلماء وتنوع مجالس العلم وتنوع دروسها، زيادة عدد المتعلمين، استجلاب العلماء...) ، وكذلك إنشاء المدارس والجوامع والزاويا وتوفير أوقاف لها لضمان إستمرارية أداء وظيفتها العلمية، وعقد النوادي الأدبية بالبلاط السلطاني، والتجمعات الطلابية في المدن، وساهمت في هاته النهضة الأدبية الرحلات بين المغرب والمشرق، وما تحمله من تبادل ثقافي وحضاري.

وختم الكتاب بخلاصات، حاول من خلالها الكاتب إستجلاء بعض أسباب فشل التجربة الإصلاحية للسلطان محمد بن عبد الله، منها العقل الديني المحافظ ومحاصرته للفكر المتنور، والاعتماد على العلوم النقلية وإهمال العلوم العقلية، ونهج أسلوب التقليد والابتعاد عن التجديد والإبداع، وغياب فئة إجتماعية قادرة على الدفاع عن المشروع الإصلاحي للسلطان لضمان إستمراريته، فرجال الدين والعلماء المحافظين لم يسهموا في تعبئة الناس حوله بل وقفوا موقف الحياد السلبي، وذلك ما عبر عنه إبراهيم حركات بقوله : " المجتمع المغربي كان في موقف المتفرج على معرض، لم ينجز فيه شيئا وليس له الا الفرجة والإستهلاك " .[3]

كما ساهمت سياسة خلفه السلطان المولى سليمان، في إقبار الأفكار الإصلاحية للسلطان محمد بن عبد الله، بتبنيه سياسة مخالفة تماما، تقوم على الإنغلاق والاحتراز، فقطع العلاقة وسبل التواصل الحضاري  مع الآخر المختلف، وسمح بتغلغل الأفكار الوهابية المحافظة والمتشددة إلى البلاد، ما أدى إلى إضعافها، ليقف المغرب موقف المتفرج من التقدم العلمي والثقافي والإقتصادي الذي تعيشه أوربا.

بعد هذا العرض الموجزلأهم مضامين الكتاب من أفكار، أستطيع القول إن ما يحسب له، يتمثل في النقاط الآتية :

  • دراسة حقبة من تاريخ المغرب لم تنال حقها من البحث، هي فترة السلطان محمد بن عبد الله، والتي تمتاز بقلة الدراسات التاريخية التي تناولتها لكون معرفة المهتمين بتاريخ المغرب عن القرن الثامن عشر لا تعدو سقف بعض الاشارات على فشل مبادرة إصلاحية، والتي أختلفت حولها التصورات والآراء في كتب المؤرخين، بين تصور يرى أنها لا ترقى إلى مستوى الإصلاح، بل هي مجرد تدابير سطحية جزئية لم يكن لديها أي تأثير ولم تحدث أي تغيير سواء على المستوى السياسي أو الإقتصادي أو الإجتماعي. وتصور يعلي من قيمة هاته الإصلاحات، ويعطيها أكثر من حجمها الحقيقي .وبالتالي تبرز أهمية إعادة دراسة هاته المرحلة، وهذا ما قام به الزبير مهداد.
  • إعادة الاعتبار للكتابة حول السلاطين وهذا يدخل في نمط الكتابة التاريخية التقليدية، والذي أصبح متجاوزا الآن لدى المؤرخين، حيث أصبح الاهتمام منصبا على دراسة المجتمع والتاريخ من أسفل أو تاريخ الهامش والمهمشين. ولكن ذلك لايمنع من الكتابة فيه لكون العديد من الحقائق التاريخية مازالت غائبة أو مغيبة، بفعل صعوبة الحصول على الأرشيف الخاص بهاته الحقب لكونه يفوق قدرة أي باحث مهما كان إرتباطه بموضوع بحثه، ولإعتبارات أخرى لا يمكن الوقوف عليها في هذا المقام.
  • إختراق الكاتب لمجال التاريخ رغم كونه ليس مؤرخا، وقد عبر في مقدمة كتابه على أن  "..هذا الكتاب ليس كتاب تاريخ..فقد تكفلت بذلك مصنفات وبحوث المؤرخين ..إن الغرض هو التعريف بجهود اصلاحية رائدة للسلطان ..لم يكشف عنها بالعمق والاحاطة المطلوبين" .[4] فالكتابة في الماضي ليست من صميم التاريخ فقط، بل هي التاريخ نفسه، الذي قال عنه ابن خلدون:  " .. هو في ظـاهره لا يزيد عن أخبار عن الأيام و الدول، و السوابق من القرون ..، وفي باطنه نظـر و تحقيق و تعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها [5]." وبالتالي ينضاف جهد الزبير مهداد التاريخي، إلى جهوده في مجالات بحثية أخرى.

وبناءا على ما سبق، يعتبر كتاب " سيدي محمد بن عبد الله الإصلاح الموؤود " للزبير مهداد، إضافة نوعية للمكتبة المغربية وللبحث في تاريخ المغرب ومحاولاته الإصلاحية، التي تعد فترة السلطان محمد بن عبد الله إحداها، والتي كانت وليدة تفاعل واحتكاك، وضع داخلي سمته التأخر على مختلف المستويات، ووضع خارجي يتميز بتقدم بنياته على كافة الأصعدة، وبالتالي كانت هاته التجربة محكومة بالفشل، وصدق إبراهيم القادري بوتشيش في قوله" : إن أي محاولة تريد إدخال بعض عناصر التحديث على بنيات إقتصادية وإجتماعية وذهنية تقليدية، دون أن توازيها عملية تحديث شامل وكلي، وأن تكون منبتقة من تطور داخلي، تبقى محاولة عقيمة ومحكومة بإخفاق متواصل وغير قادرة على إحداث تحول حقيقي ". [6] كذلك " الجهود التي بذلها السلطان سيدي محمد بن عبد الله ..لم تفض إلى نتيجة هامة. فالحياة الثقافية لم تستطع أن تسترجع أنفاسها وتستأنف خطواتها الفاتحة، فالجمود الثقافي والتقليد والمحافظة هي الصورة التي كانت سائدة مهيمنة على الحياة السياسية والثقافية والأدبية ".[7]

 

[1] الزبير مهداد، سيدي محمد بن عبد الله السلطان العالم المصلح، منشورات مكتبة سلمى الثقافية،  مطبعة الخليج العربي، تطوان، 2018
[2] مهداد،م.س،ص157
[3] ابراهيم حركات،المغرب عبر التاريخ،دار الرشاد الحديثة،الدار البيضاء،1985 ،الجزء الثالث،ص 105
[4] مهداد،م.س،ص7
[5] عبد الرحمان ابن خلدون,المقدمة,دار الفكر للطباعة,بيروت,2001,الجزء الأول, ص 6
[6] جمال حيمر،البعثات التعليمية في عهد السلطان مولاي الحسن،منشورات الزمن،مطبعة بني ازناسن،سلا، 2015,ص 8
[7] مهداد،م.س،ص179

الدكتور أحمد سوالم
دكتوراه في التاريخ المعاصر
جامعة إبن طفيل – القنيطرة

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟