انطلاقا من قلق فلسفي ما فتئ ينتابني بخصوص مصطلح "الأنثروبومورفية" وفي محاولة لاستكشاف نطاق دلالته، توقف مؤقتا مسعاي في هذا الصدد عند حد الأنسنة التي يضفيها الإنسان على الحيوان. ومن أجل إشراك القارئ الكريم في اكتشاف هذا الحيز من القارة التي تشملها الأنثروبومورفية، تجشمت عناء ترجمة مقال جان كلود بودان.
ارتبطت الأنثروبومورفية بصحافة سيئة ويُنظر إليها على أنها ساذجة في أحسن الأحوال. إن الاهتمام بالحيوانات لا يعني إسناد قدرات الإنسان ومهاراته إليها، ولا يعني الغرق في سخافة الحديث معها كما يحدث مع الإنسان. في كتابه ألف باء "A مثلما في Animal"،* يميز جيل دولوز بين صنفين من العلاقات بالحيوان، العلاقات الإنسانية والعلاقات الحيوانية. إن تبني علاقة إنسانية أمر ممكن فقط مع الحيوانات الأليفة أو بالأحرى العائلية، التي تدعم الإسقاطات الرمزية للتحليل النفسي. إن حب الحيوانات الأليفة يؤدي إلى هذا السلوك غير المحتمل المتمثل في التحدث إليها وإقامة مجتمع معها ينكر حيوانيتها. إن الإسناد الأنثروبومورفي مطلوب بالضرورة في هذا الموقف. ويعارض دولوز هذه العلاقة التي تأخذ في الاعتبار وجود العوالم الحيوانية وخصوصيتها. يتضمن التواصل مع الحيوانات تحديد وقراءة العلامات التي من خلالها تبني الحيوانات عالمها الخاص. تحل السيميولوجيا وعلم سلوك الحيوان محل علم النفس التناظري التلقائي. يؤكد دولوز على أن الصيادين، الصيادين الحقيقيين، يصبحون حيوانات بطريقة ما عندما يتعرفون على آثار الحيوانات ويتفاعلون معها، ويتصرفون بطريقة حيوانية مع الحيوانات.
ولكن يمكننا أن نقول إن الأنثروبومورفية ليست مشكلة إذا سلمنا بأنه لا توجد طريقة أخرى للحديث عن الحيوانات والتحدث إليها سوى استخدام لغتنا الطبيعية ومقولاتها. والحال أن من يتصرف بهذه الطريقة لا يدعي إذا سئل أنه يؤمن بمعنى الكلمات التي يستخدمها. فكما تظل لغتنا بطلمية بينما علمنا كوبرنيكي عندما نقول أن الشمس تشرق، كذلك القول بأن الحيوان ذكي لأنه حسب طريقه للهروب من الفخ لا يحمل بالضرورة مذهبًا عن ملكات تشبه ملكاتنا. ومن المؤكد أن الذي ينجو من شبهة الأنثروبومورفية هو الديكارتي، المؤيد للآلة الحيوانية. لا يمكن أن يكون هناك أي غموض: إذا قلت إن قطة معينة تفكر في تغطية برازها، فأنا أعلم أنها لا تفكر في ما تفعله، ولكنها تنتج فعلًا يحدده جهازها العصبي آليا، وما إلى ذلك. والدليل أنها لا تكاد تغطيها بالكامل. الميزة الإبستيمولوجية لهذه النظرية هي أنها تطيع قانون مورغان للبخل الذي يأمرنا بعدم اللجوء إلى ملكات عليا عندما يمكننا الاستغناء عنها لتفسير السلوك. لكنها بدورها تصبح عرضة للسخرية إذا تعهدت، بدعوى الاستغناء عن المفاهيم ذات الأهمية الإنسانية، بوصف صرخة كلبة تم ركلها للتو بالقول إن ما نسمعه صرير نوابض معدنية.
غالبا ما يؤدي انتقاد الأنثروبومورفية إلى استبعاد أي مشروع في علم نفس الحيوان. لكننا قد نفضل أن نتبع جورج كانغيليم الذي أظهر أنه إذا تمكنا من العثور لدى داروين على عناصر "تكوين علم النفس المقارن للحيوانات والبشر"، فمن المفارقة أنه لم يطور "علم نفس مقارن، كونه سبق له أن بحث عن شروط إمكانية وجود علم نفس حيواني مستقل ". إن إنشاء علم نفس مقارن، غير مثقل بمخاطر الأنثروبومورفية، يفترض تحولا كاملاً لأنه من الضروري البدء بعلم نفس حيواني مستقل، مع اعتبار الحيوان "كذات لتجربته، وفق وجهة نظر يتم الانطلاق منها، حتى نكون قادرين على التحدث عنها دون مماثلة أنثروبورمورفية. بيد أن من بين "شروط الإمكانية" لهذه البسيكولوجيا المستقلة وللغة غير متهمة بالأنثروبومورفية، يجب أن ندرج، كما يبدو لنا، التخلي عن الأسئلة التي تشكل ما نسميه "شجار روح الوحوش". وبالفعل، ما دمنا نحتفظ بمشكلة الشجار التي تقتصر على معرفة ما إذا كانت للحيوانات روح أم لا، وهل تفكر، فإن الذين يميلون إلى إسناد الفكر يدفعون إلى وصف هذا الفكر الحيواني، وإلى التعلق لا محالة بالملكات البشرية، ولتأسيس هذا التمشي، بشيء مختلف عن المماثلة، يجب عليهم إظهار مدى وجود الاستمرارية بين الحيوان والإنسان، وهم يضعون الإنسان حتماً كحد أعلى. ومن يرفض هذا الإسناد، فهو بالضرورة يستند إلى مفهوم إنساني عن النفس والفكر، ويرفض، ضدا على الحس المشترك، أن تكون هناك حساسية بيننا وبينه. يؤدي هذان المشروعان إلى نفس النقطة، ويظل الإنسان دائما هو النموذج والنهاية. ما عدا إن تم على وجه التحديد الانطلاق من الحساسية. إذا كانت عبارة الكاردينال دي بولينياك "تكلم وأنا أعمدك" تؤدي إلى استبعاد الحيوانات من علاقة اجتماعية محتملة مع البشر، تسمح لنا المطالبة على الأقل بالاعتراف بالحساسية باعتبارها ما نتشاركه، بالانطلاق من مستوى عابر للفرد وسابق على الوعي لا يحكم مسبقا على أي أنطولوجيا حصرية وقع فيها "صراع روح الوحوش": إما الروح، أو الجسد-الآلة.
في ما يتعلق بالأسئلة التي أثيرت للتو، يمكن أن يمثل شارل جورج لوروا لحظة فريدة في عصر التنوير. كان لوروا في البداية صيادا، ثم فيلسوفا بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة في القرن الثامن عشر. كان من تلاميذ كوندياك في ما يتعلق بتصور الملكات العقلية التي يستخدمها للحديث عن سلوك الحيوانات، مخالفا أولئك الذين ينسبون كل شيء إلى الغريزة وإلى آلية الديكارتيين وإلى ثنائية بوفون.
باستخدام لغة سائغة في كثير من الأحيان، يجادل ضد كل أولئك الذين "يحطون من ذكاء الحيوانات" ويؤكد من جديد أطروحته الأكثر ثباتا: الحيوانات ذكية. عند قراءة تفاصيل حجج لوروا ومنهجه الحسي في التفسير، يجب أن نعترف بأنه ليس أصيلا، حتى عندما يصحح كوندياك أو هيلفيتيوس. وهكذا، فإن مخططه التفسيري، للأرثوذكسية الحسية الصارمة القائمة على النظر في "تنظيم"، الاحتياجات والبيئات، يقترح السلسلة التالية:
"[يجب] الحكم على تطورات وتأثيرات قدرتها على الإحساس، ونرى كيف تسمو غرائزها إلى مستوى الذكاء من خلال الفعل المتكرر للإحساس
وممارسة الذاكرة."
الأحاسيس، التي تعتمد على تنظيمات واحتياجات الجسم، تنبع من المشاعر والأفكار. للحصول على أفكار، تحتاج إلى مشاعر واحتياجات واهتمام. يتم الحفاظ على الأفكار، ومن هنا تأتي الذاكرة. وعندما تستخدم بمناسبة ظرف جديد يذكر بالسابق، تنشأ مقارنة بين الأفكار، بمعنى آخر، شكل من أشكال الحكم الذي يتطلب الخيال والاهتمام أيضا. إذا كانت الظروف الخارجية (وجود خطر، منافس، تغير في البيئة، إلخ..) تجبر الحيوان على البحث وإيجاد طرق لحل مشكلة ما، فيجب عليه فحص الاحتمالات المختلفة واتخاذ قرار بشأن الحل الأفضل: بمعنى آخر، فهو يفكر، يتدبر ويقرر. ومن الإحساس إلى الذكاء، تكون النتيجة جيدة عبر الانتباه، الذاكرة، الخيال، التفكير، الحكم والتدبر. وبعبارة أخرى، التفسير بالغريزة هو في أحسن الأحوال كسل فكري، وفي أسوأ الأحوال تحيز لا يليق بفيلسوف. هدف لوروا هو بوفون الذي يتم الاستشهاد به على نطاق واسع. بالنسبة إلى بوفون،
"الحيوان هو […] كائن مادي بحت، لا يفكر ولا يتفكر، ومع ذلك فهو يتصرف ويبدو أنه يحدد نفسه. ولا يمكن أن نشك في أن مبدأ تحديد الحركة هو في الحيوان تأثير ميكانيكي بحت ويعتمد بشكل مطلق على تنظيمه."
ولذلك، لا نرى ما الذي يمنع لوروا من أن ينسب إلى الحيوانات لغة، وإلى بعض الأنواع، حياة اجتماعية. وأخيرا، لا شيء يقف في طريق الاعتراف بالكمال الحيواني، المرتبط بالحياة الاجتماعية والأخلاق الخاصة بالنوع. من المؤكد أن الكمال محدود، ولكنه لا جدال فيه، كما هو الحال مع ذكائها.
نتيجة لذلك، أصبح لوروا أنثروبومورفيا صارما، بدون عقد. الكلمات المستخدمة لوصف وإثبات الذكاء الحيواني تتفق مع عقيدته. ومن المؤكد أنه يعترف بأن هذه النتائج مبنية على استعمال المماثلة التي يدافع عنها بالتحوطات المعتادة: "يجوز المجازفة بالتخمينات، بل وحتى ياستعمال المماثلة، بشرط عدم الادعاء بتقديمها كما لو كانت برهانية". لكنه أمر لا مفر منه ومبرر. لا مفر منه، إذ يمكننا أن نستنتج من حركاتها ما نراه في أنفسنا. قبل كل شيء له ما يبرره، بمجرد أن نعترف بأن الحيوانات حساسة وأن أحاسيسها تتطور. إن فكرة التطور لها معنيان: أحدهما وراثي، غير متزامن، والآخر متزامن، بمعنى أن الأحاسيس تتكشف إلى عناصر وقدرات وأنشطة تشكل الذكاء. ومن ثم، فإن هذا بالنسبة إلى لوروا عبارة عن مجموعة من الوظائف، أو القدرات، التي تعمل دائما والتي يتمثل قانون تطورها في المفهوم الكوندياكي عن الإحساس. يهتم لوروا بنشأة القدرات من الأحاسيس بقدر اهتمامه بعملها وتنفيذها في سلوك الحيوانات. ويرد على الفلاسفة الآليين:
"لا، ليست المماثلة الضعيفة هي ما يقودني إلى الاعتقاد بأن الحيوانات تقارن، تحكم، إلخ.. عندما تقوم بأشياء لا أستطيع القيام بها دون مقارنة وحكم. لدي من ذلك يقين مباشر، يقين لا يمكن إبطاله دون تدمير جميع قواعد الحقيقة الطبيعية في نفس الوقت. أعلم أنه، بالمعنى الدقيق للكلمة، ليس لدينا اليقين المطلق سوى بأحاسيسنا و وعينا […] ومع ذلك، لا يسعني إلا أن أعتبر أي شخص سخيفا، على هذا الأساس، يوسع نزعته البيرونية إلى كل الأشياء التي لدينا معرفة واضحة عنها، من خلال ممارسة حواسنا ومشاعرنا ذاتها […] أقول إن اليقين من أن الحيوانات تشعر باللذة والألم، وأن سلوكها ينتظم بحسب الذاكرة التي لديها عن هذين الإحساسين، هو بالتأكيد من نفس النوع الآخر [الذي لدينا لمشاعر وأفكار أشباهنا]؛ ولا نتأكد من ذلك إلا من خلال العلامات التي تصاحب هذه المشاعر وتميزها في أنفسنا؛ ونجد في الحيوانات نفس هذه العلامات. وليس هناك مماثلة يمكن أن تقوض هذا اليقين.
سيكون من الصعب جدا إعادة إدراج المقاطع العديدة التي يصف فيها لوروا سلوك حيوان باستخدام المفردات الموجودة لدى مونتيني في ما يتعلق بالكلب "الديالكتيكي". هكذا، في ما يخص الظبي:
"يجب أن يكون بالضرورة مثل هذا التمشي نتاج الاستدلالات التالية. أجبرني كلب يقوده رجل على الفرار عدة مرات وتتبع أثري لفترة طويلة، إذن كان أثري معروفا له: ما حدث عدة مرات لا يزال يمكن أن يحدث اليوم؛ لذلك يجب عليّ اليوم اتخاذ الاحتياطات اللازمة ضد ما حدث بالفعل. دون أن أعرف كيف كيف العمل للتعرف على أثري وأتباعه، أفترض أنني سأتمكن من خلال خطوة خاطئة من تحويل مطاردي؛ لذلك لا بد لي من الجيئة والإياب في طرقي لإخفاء المعرفة عنهم وضمان سلامتي."
لا تؤدي الأنثروبومورفية إلى الاحتفال بتفوق الحيوانات على الصناعة البشرية، حيث أن الديكارتي سيوافق على ذلك لتعزيز أطروحة الآلية. ويبرر هذا التفوق بالخبرة المكتسبة، وهي شرط لإتقان الذكاء. وهكذا الحال مع سلوك الكلب الراكض أثناء الصيد: “لكن أثناء الصيد يجب علينا أن نتبع هذا الحيوان بشكل أساسي لنرى تطور ذكائه.» مع العلم أن كلاب الصيد يتم تربيتها على يد أسيادها، فمن الضروري أن نختار لإثباتها سلالة تكون فيها "الطبيعة أكثر استسلاماً لنفسها وأكثر حرية"، وهو حال كلب الصيد. المشهد هو مشهد مطاردة ظبي يسعى، من أجل تشتيت انتباه الكلاب، إلى أن يكون مصحوبا بمتجانسيه لإرباك مطارديه.
"من ثم يصبح التمييز بشكل أكثر روعة ضروريا […]. الأمر متروك للخبرة المعاشة فقط لإصدار حكم سريع وأكيد في هذا الإحراج. وحدها الكلاب الكبيرة في السن هي التي نسميها "الجريئة في التغيير"، أي التي تفك دون تردد طريق ظبيها من خلال مسارات جميع الحيوانات التي ترافقها. [...]. لا يمكن لصناعة الصيد أن تذهب إلى أبعد من ذلك، وفي هذا الصدد يبدو أن الكلب ذا الخبرة يصل إلى الحد الأخير من المعرفة، أي أن يستخدم كل الوسائل التي يمكن أن تؤدي إلى النجاح."
الكلب الراقد قادر على العصيان بنية خدمة سيده:
"مثلا، إذا أصيبت طريدة بجرح، وكان من المؤكد أن كلبا عجوزا وذا تجربة عثر على آثارها، فلن يسمح بأن يضلله سيده، الذي لا يجدي صوته وتهديداته لتذكيره. ويعلم أنه يخدمه بعصيانه؛ والمداعبات التي تتبع النجاح سرعان ما تعلمه أنه كان لا بد من العصيان."
ما هي أصالة لوروا التي يمكن أن تفسر اللجوء التلقائي إلى الأنثروبومورفية التي تقدم، تحت قلمه، الدعم الفلسفي للكليشيهات الموروثة من التقليد الرواقي والشكوكي؟ لا تقدم أخلاقيات الحيوان الخاصة به أي مستجدات كبيرة مقارنة بهذا التقليد ومن غير المرجح أن تتعارض مع اتجاه علم النفس الشعبي. ومع ذلك، إذا كانت نصوص لوروا لا تأتي بشيء جديد، لكن في المقابل ما يلاحظ هو أنه لا يهتم ب"الشجار" "Querelle" على روح الحيوانات ويقيم معها بالتالي علاقة أكثر لطفا.
مثل كونديلاك، يتجنب لوروا العواقب الخطيرة فلسفيا ولاهوتيا التي يمكن أن تنجم عن إسناد الذكاء للحيوانات، من خلال وضع حدود لا يمكن تجاوزها للذكاء الحيواني.
هذا التقرير هو لشخص يستفيد من الاتصال اليومي والمألوف والمطول بالعديد من الأنواع. سيتم الترحيب بهذا النهج من قبل أوغست كونت. يعود الفضل في ذلك إلى كونه مراقبا ممتازا: من خلال وظيفته كملازم للصيد وحارس للحدائق الملكية في فرساي، كان عليه أن يعتني بالطرائد وتكاثرها، والحفاظ عليها من الحيوانات المفترسة. وتأكد من متابعته أنه كان صيادا. لقد جعلها وجهة نظر أسمى من وجهة نظر فيلسوف ديوان: «أعتقد أن الجهل بالوقائع هو الذي أنتج هذه الأنظمة الأقل طبيعة تماما من حيث مبدأ عمليات الحيوانات.»
لكننا ربما لم نلاحظ بما فيه الكفاية أن الصيد ليس سوى واحدا من اهتماماته: فمن المؤكد أنه اعتني بالصيد في المتنزهات التي كان مسؤولاً عنها، مع وضع الصيد في الاعتبار. لكن العمل الذي سبق موسم الصيد هو الذي سمح له بالحصول على معرفة دقيقة بسلوك الحيوانات وعاداتها. إذا كان الصيد فرصة للرجال للتعلم وتشكيل نوع من المجتمع من خلال الطريدة، مشكل من التواطؤات والتنافسات المتبادلة، فإن الرعاية التي يقدمونها للحيوانات تضعهم وجها لوجه في مواقف متنوعة للغاية تغير نظرتهم وانتباههم، وتجعلهم أكثر حساسية للاختلافات والتعدددات في تصرفات الحيوانات.
وجهة نظر الصياد ومدير الحدائق الملكية مكنت لوروا من معرفة الطرائد ذات الريش والفراء، والحيوانات المفترسة بجميع أنواعها، والحيوانات الأليفة (الكلاب). علاقاته المهنية مع المزارعين، إضافة إلى معرفته بالهندسة الزراعية، وقربه من أعمال كيسناي ومدرسته، أغنت خبرته ومعرفته بالحيوانات. وعرف لوروا كيف يفكر فيها ويمكننا التعرف على عناصر طريقته التي تكمن فيها أصالته.
بالنسبة للوروا، الحيوانات لا يمكن فصلها عن البيئات التي تعيش فيها. نحن بعيدون عن الحيوانات الخلابة أو الحيوانات الأليفة المقدمة لتسلية الناس، مثل عقعق ديكارت أو الحيوانات المنزلية، وبعيدون أيضا الحيوانات الماثلة في صور بوفون الأدبية البليغة، وبعيدون مرة اخرى عن الحيوانات التي ليست لها مماثلة معنا، مثل نحل ريومور. أدخل لوروا في الأدب والتغكير الفلسفي فئة من الحيوانات ترتبط بالأحرى بالزراعة والمطاردة. إن أخذ اندماج الحيوانات على محمل الجد في هذه البيئة الخاصة التي هي المتنزهات والغابات الملكية يعني عدم تجاهل واقعة أن حيواناتها لا يمكن فصلها عن الممارسات التي يمارسها الإنسان معها، وهي ممارسات لا تقتصر على الصيد: تربية، ترويض الكلاب وبالطبع الصيد. وقع لوروا في ما نسميه اليوم "الميدان"، على أي حال في مكان آخر غير المشهد الفلسفي الذي يتناول الحيوانات من خلال معاملتها كأشكال مفاهيمية يمكن توجيهها في أي اتجاه لتلبية احتياجات الجدل. تختلف ملاحظتها عن الملاحظة ذات الهدف العلمي والتجريبي: في المتحف تتعارض مساحات المتنزهات والغابات. هناك، وليس في "التاريخ الطبيعي" الحديث أو الحكايات العليمة والعالمة، يمكن للمعرفة الإيجابية أن تنشأ وتصرف متطلباتها الخاصة من ملاحظات خاصة دائما.
ما هي الدروس المستفادة من ممارسة هذه المراقبة الضرورية جدا لمهام لوروا؟ إن إقامة علاقات عملية مع الحيوانات يخلق نوعا من الخبرة التفاعلية حيث يلعب التعديل دورا مركزيا. فكرة لوروا العميقة هي أنه في التعديلات التي تم إجراؤها، يتم الكشف عن طبيعة ما نسعى إلى معرفته. يُظهر الفعل المعدل للحيوان التنوع الكبير للأفراد داخل نفس النوع وفي السلوكيات بين الأنواع. كون الطبيعة تقدم نفسها تحت وجوه متنوعة بشكل لا نهائي يثنينا عن اللجوء بسرعة كبيرة إلى العموميات؛ ستكون هذه هي القاعدة الأولى في منهج لوروا. كلمة "كلب" لا تعني شيئا، لأن الملاحظة في الميدان تبين أنه يجب التمييز بين الكلب الراكض، والكلب الراقد، وكلب الراعي، أو حتى كلب الحظيرة. وبالمثل، يميز لوروا بين الحيوانات العاشبة والحيوانات اللاحمة (الذئاب والثعالب)، والحيوانات المنعزلة وتلك التي تعيش شكلاً من أشكال المجتمع، إلخ...
القاعدة الثانية هي معارضة تنوع الأفراد والسلوكيات دائما مع التوحيد الوهمي الذي يفترضه مؤيدو آلية الحيوانات. إن افتراض التوحيد يناسب تعميم فلاسفة الديوان. باعتباره تجريبيا جيدا، لا يفكر لوروا في الماهيات، بل في السلوك. بصفته حسيا، يمكنه أن يكون منتبها لتفاصيل العمليات التي تحدث في هذا الفعل أو ذاك. باعتباره اسميا، لا يثق في المصطلحات العامة والمجردة. والافتراض الوحيد الذي يقبله، ولكن الصحيح أنه مقبول على نطاق واسع في عصره، هو الحساسية والإحساس. القاعدة الثالثة هي مراعاة الوقت في اكتساب مهارات الحيوانات. على عكس أولئك الذين يستمدون الحجة من الكمال الحيواني المزعوم الذي تم تحقيقه على الفور لإضفاء مصداقية على فكرة الغريزة العمياء والقوية، يسلط لوروا، الذي يتمتع بميزة القدرة على متابعة الحياة المهنية الكاملة للأفراد منذ ولادتهم حتى مماتهم (طبيعي أو مفاجئ أثناء الصيد)، الضوء دائما على وجود عمليات التعلم، ودور المحاولة والخطإ الذي يحدث دائما في ظروف تعدل الحيوانات، في حدود تنظيمها واحتياجاتها. تتعلم الحيوانات، وتصحح تصوراتها، وتتكيف مع الظروف الجديدة، وتعبئ ذاكرتها للاستجابة للمستجد. إن مراعاة الوقت تقوم على التفكير في اللاخطية والتدرج في التعلم. لكن التعلم يتطلب التفكير: يوضح لوروا ذلم في ما يتعلق ببناء الأعشاش. الصغار يبنون أعشاشا في وضع سيء ومعيبة، بينما يظهر الأكبر سنا أكثر إتقانا. "إذا تصرفت الحيوانات دون ذكاء ودون تفكير، فإنها ستتصرف دائمًا بنفس الطريقة. بمجرد إعطاء الدافع للآلة، لن يكون هناك أي تغيير في التنفيذ. بينما نرى ذلك يحدث بدون حد. علاوة على ذلك، فإن حقيقة التعلم والتصحيحات التي يقوم بها هي التي أعطت لوروا الجرأة ليُظهر، في مواجهة الديكارتيين، أن الحيوان يبدأ بامتلاك أفكار مجردة. بنفس الطريقة التي وفقا لأرسطو، ينادي جميع الأطفال الرجال "بابا"، ترى جميع الطيور رجلاً تحت هيكل مغطى بالخرق ويخلط الكلب أولاً بين سيده وأي فرد في مجموعة من الرجال، قبل اكنشاف الخدعة وتحديد مدركاته.
بعد أن شرح افتراضات أنصار الغريزة والآلية، وتوحيد الفعل والكمال الفوري لعملياتها، وبعد أن استخلص من تجربة التعلم ليس غياب الفكر، بل عملية الانتقال من التجريد إلى الخصوصية، ألقى لوروا أخيرا، ربما، الضوء على أحد الأسباب الإبستيمولوجية لرفض منح الذكاء للحيوانات. يتعلق الأمر بالخلط بين الاستدلال والحجاج. "يفترض الحجاج وجود لغة منطوقة أو مكتوبة. ويتمثل شكلها العادي في استخلاص نتيجة من فكرة معروفة ومصرح بها، بواسطة فكرة ثالثة تقوم بدور الوصل، بينما يتم الاستدلال بسرعة أكبر بكثير: للقيام بذلك يكفي رؤية التطابق بين فكرتين." عندما "يهان" الكلب حين يرفع سيده العصا، توجد "متواليتان من الأفكار تحتوي كل منهما على حدين مع تلك التي تربطهما معا. رؤية العصا المرفوعة، ذكرى الألم، فكرة العلاقة مع هذين الإحساسين؛ القياس الأول. ذكرى أفعال الإهانة في مثل هذه الحالات، ذكرى التساهل الذي أعقب ذلك، والتصميم الذي هو نتيجة العلاقة بين هاتين الواقعتين؛ القياس الثاني. […] ومن الواضح أن ذاكرة الكلب ومخيلته سرعان ما غطت كل الحدود، وإلا لما تصرف”. إذا كنا نعني بالأنثروبومورفية واقعة استخدام المفاهيم التي تعكس الفكر الإنساني لتطبيقها على أفعال الحيوانات ونسب إليها القدرات البشرية، فإن لوروا هو بالتأكيد أنثروبومورفي. إنه موقف يدعي أن لديه قوة تفسيرية أكبر من التفسيرات المتعارضة: استنادا إلى الملاحظات التي تم إجراؤها في علاقة عملية مع بعض الحيوانات وباتباع طريقة هي قانون أكثر من كونها أورغانون، فإنه يستخدم المفاهيم المتاحة في حسية الزمن. لا تسير الأعمال المعاصرة في مجال الإدراك الحيواني بطريقة أخرى، رغم وجود نماذج أخرى غير تلك المتاحة للوروا. لا تترددون في الحديث عن نوايا، معتقدات وافتراضات حول نوايا الآخرين والسلوك الماكر، إلخ.. ولكن من الصحيح أن الأنثروبومورفية كان من الممكن أن تكون سلاحا في استراتيجية فلسفية لا تهدف إلى معرفة الحيوانات كهدف لها. يكفي أن نشير إلى مونتيني، الذي سعى إلى إذلال العقل البشري المتغطرس. ومن ثم فإن الأنثروبومورفية استفزازية. نستحضر أيضا الانتقاد الذي توجهه الشخصية التي تحمل نفس الاسم في رواية "إليزابيث كوستيلو" لجون إم كوتزي، إلى التجارب التي أجراها كولر على قردة تينيريفي. إذا وضعنا جانباً مرافعتها النباتية، عندما تفاجأت بأن أحداً لم يفكر في سؤال سلطان عن رأيه في مصيرها، أو في اختطافها على يد رجال، إلخ..، فإنها لا تدعي التأكيد بشكل إيجابي على أنه سأل نفسه هذه الأنواع من الأسئلة. لكنها تريدنا أن نفهم مدى ضعف معرفتنا بعلم نفس الحيوان الذي يطرح على الحيوانات أسئلة غير مثيرة للاهتمام ومملة لنستنتج أنها بالكاد تفكر أو في حدود ضيقة. ويهدف هذا الاستفزاز إلى أنثروبومورفية أخرى غير التي يمكن الاعتراض عليها. إن إسقاط فكرة مسبقة عن الذكاء البشري على سلوك الحيوان من خلال توفير معايير مصممة خصيصا لاستبعاد الحيوانات يشكل أنثروبومورفية أخرى، إلى جانب المركزية البشرية. كان لوراي أنثروبومورفياا متسقًا مع حسيته، نتيجة لملاحظاته وليس لموقف فلسفي يتضمن قضايا ميتافيزيقية أو لاهوتية معترف بها إلى حد ما. ومع ذلك، تظهر مقاومة نهائية لقبول هذه النتيجة، عندما لم يعد الأمر يتعلق بتقديم نظرية تفسيرية مُرضية، بل بإسناد الصفات الأخلاقية البشرية إلى الحيوانات. ومهما كان التأصيل الطبيعي للمشاعر الأخلاقية، فإنها تفترض في البشر تطورا في المشاعر يمر عبر اختراع ووساطة المؤسسات ونظام الثقافة. إن نظرة الآخرين لتعديل الشعور بحب الذات، واضطرابات الخيال تلعب أيضاً دوراً حاسماً في تكوين السلوك الأخلاقي. ولهذا لا يسعنا إلا أن نتردد في الاعتراف بأننا نواجه «الجشع» في الحيوانات آكلة اللحوم أو فكرة «الملكية» لدى الأرانب كما يؤكد لوروا، رغم أنه يحذرنا من أن الحيوانات لا تعرف "ابعواطف المصطنعة" المناسبة للتقدم الذي تجهله. تكمن الصعوبة في واقعة أن لوروا، الذي يعترف بأشكال التنظيم الاجتماعي لدى بعض الحيوانات، بما يتجاوز علاقات الحاجة الصارمة، يؤكد على الفور، بفضل المقارنة مع المؤسسات البشرية، أنها غير مستقرة بشكل عام، وأنها تفتقر إلى الكسل، القلق، الفضول المجرد والحب التي هي سبب تمثيلاتنا والتي هي شيء آخر غير الأحاسيس، بل الأحاسيس المتطورة.
مع هذا التحفظ، تظل أنثروبومورفية لوروا مقيدة بشكل عام ضمن حدود العقل الحسي وتتناسب مع الرغبة في التفسير الذي يحترم "قانون الطبيعة الكوني"، وإلى جانب العديد من التشابهات العامة، يضاعف كمية لا حصر لها من الاختلافات الخاصة.
ومن ناحية أخرى، هناك شكل ثانٍ من الأنثروبومورفية الذي يعتبر لوروا بعيدا عنه بالتأكيد، كما يتضح من النغمة العاطفية المدروسة للغاية لهذه الكلمات. عندما يتحدث عن الذئاب أو الثعالب، فهو دائمًا يأخذ في الاعتبار عاداتها ويحلل العلاقات التي تعيش بها. لكن، إذا قارنا أوصافه "الموضوعية" مع الصورة التي قدمها بوفون للذئب، فلدينا إمكانية تعريف هذه الأنثروبومورفية الأخرى بأنه إسقاط على الحيوان، إن لم يكن للتخيلات الشعبية، على الأقل للصور التي تعبر عن علاقة "مهتمة" حيال الموضوع. نقصد بـ«مهتم» المعنى الذي يعطيه كانط للعلاقة القائمة بين التمثيل ووجود الشيء الذي نربطه بمصالحنا. عندما كتب بوفون: “ليس هناك شيء جيد في هذا الحيوان إلا جلده؛ يصنع منه فراء خشن، وهو دافئ ومتين، ولحمه سيء للغاية حتى أنه منفر لجميع الحيوانات، ولا يأكل الذئب إلا الذئب عن طيب خاطر. ينفث رائحة كريهة من فمه. وأخيرا، هو كريه في كل شيء، الطلعة الدنيئة، المظهر الوحشي، الصوت المخيف، الرائحة التي لا تطاق، الطبيعة المنحرفة، الأخلاق الشرسة، فهو بغيض، ضار في حياته، عديم الفائدة بعد وفاته"، فهو، مما لا شك فيه، لا يرغب في أن يعيش معه ذئب. إذا كانت أنثروبومورفية لوروا غريبة عن هذا النوع من الحكم، فذلك لأنه لا يخلط بين الألفة الأساسية مع الحيوانات لفهمها واستخدامها مع مجتمع متخيل. وبعبارة أخرى، يوضح لوروا أنه يمكن للمرء أن يكون أنثروبومورفيا ويتبنى وجهة نظر الحيوان.