ــ عُري
خرجت إلى الشارع عاريا.. أو هكذا خيل إلي حين رأيت المارة ينظرون إلي، بعضهم يشير إلي وبعضهم الآخر يسب ويشتم ويبصق في وجهي، وآخرون ينظرون إلي وهم يضحكون كأن منظري عاريا أعجبهم ..
وضعت يدي أستر بهما شيئي فظهرت سوأتي واختلط الكلام بالصفير بالضحك والسب..
جريت لا ألوي على شيء، أبحث عن مكان يؤويني أستر فيه خيبتي وعريي..
ـ عجبا كيف خرجت إلى الشارع عاريا ؟هذا ليس من عادتي أهتم كثيرا بهندامي..
دخلت قاعة خافتة الأضواء، قلت أستر عيبي وفضيحتي إلى حين هطول ظلال الليل، سمعت همسا وكلاما غير واضح، اقتربت من الهمس أستطلع معناه، فرأيت أناسا، مثلي، عرايا.. لكنهم غير آبهين بعريهم.. يتكلمون همسا كأنهم يخططون لشيء، يقطعون القاعة جيئة وذهابا كأنهم يستعرضون عوراتهم بتلذذ بعيدا عن أعين الرقباء ..
استحييت أن أنظر إلى عوراتهم المنتفخة والمتسخة فانسحبت في هدوء وقصدت أول محل لبيع الملابس الجاهزة .
وقفت أمام الواجهة الزجاجية فرأيتني بكامل ملابسي، ببذلتي الزرقاء التي خرجت بها هذا الصباح..
استكملت طريقي إلى عملي وهناك حررت طلبا للسيد المدير أطلب فيه منحي عطلة أعيد فيها ترتيب حالتي النفسية ..
ــ الجنرال
يخبط الأرض بقدمين داميتين هزيلتين انتعلتا حذاءين متهرئين تظهر منهما أصابع رجليه ..
يمشي مزهوا يعانق بندقيته التي علاها الصدأ .. على رأسه وضع خوذة قديمة لجندي قتله غدرا ..
لقبوه بالجنرال لأنه يطيع الأوامر، يعرف كيف يراوغ ويأخذ عدوه على حين غرة ..
كم مرة، وهو يعانق بندقيته تحت ظل شجرة يتخيلها لعبة.. ضحكوا عليه حين امتطاها جوادا يجري به في كل اتجاه.. أو اتخذها صديقا حميما يجاذبه أطراف الحديث ..
في جلسات استراحته كان يحكي لهم عن أسرته التي قتلها الثوار الذين هدموا مدرسته التي لم يتعلم فيها سوى مبادئ الحروف ..
انتزعوه من بين طاولاتها المهترئة والمكسورة ليجزوا به في حرب لا يدري عنها شيئا سوى الضغط على الزناد ليطيل لعمره سنوات سرقت من طفولته غصبا ..
أخذه الثوار ليجندوه وعمره لا يتعدى عشر سنوات ..
علموه كيف يمسك البندقية وينسى اللعبة.. كيف يقاتل ويقتل..
جعلوه درعا يفتحون بصدره الصغير معاقل القرى والمخابئ المتناثرة هنا وهناك ..
جلس الجنرال في ظل شجرة يتأمل لعبته التي تحولت إلى أداة قتل وفتك.. بدر منه صوت كالهمس حين اخترقت رأسه رصاصة لم تخطئ هدفها ..