للحديث عن الإعلام الرقمي، لا بد من الانطلاق من البداية الفعلية لتاريخ الإعلام عبر الإنترنت،التي تعود إلى بداية عقد الثمانينيات. في الواقع، بفضل جها ز كمبيوتر وإمكانية الوصول إلى "خدمة الكمبيوتر" (المزود الأول للوصول إلى خدمة عبر الإنترنت)، كجزء من صحافة تجريبية مترابطة، كان من الممكن قراءة المقالات على الإنترنت ابتداء من يوليوز 1980. انتهى هذا المشروع في سنة 1982، قبل وقت طويل من الانتقال إلى الديمقراطية. ولسبب وجيه لم يكن الإنترنت واضحا بما فيه الكفاية كما في الوقت الحالي، لكن المسيرة الرقمية الحتمية لوسائل الإعلام تواصلت وازدهرت إلى حدود اللحظة الراهنة.
في كتاب "التاريخ الفرنسي للصحافة على الإنترنت"، بقلم باتريك إيفينو، يمكننا أن نقرأ أن الصحف اليومية الفرنسية، ولا سيما صحيفة "لوموند"، بدأت وظيفتها الرقمية في نهاية التسعينيات. بالفعل، أنشأت "لوموند" في عام 1997 شركة فرعية سمحت للمضمون الورقي بالانتقال إلى الويب. في الوقت الذي كانت فيه الإنترنت بالفعل مملكة لحرية الولوج، ظهرت مسألة النموذج الاقتصادي على الفور.
في ذلك الوقت، كانت الاستخدامات الرقمية لا تزال مشبعة إلى حد كبير باستعمالات المستهلكين التقليدية، وكان الويب آنذاك مجرد انعكاس للحامل الورقي. لم يكن أحد يستغل القوة الرقمية للخدمات الجديدة. وغني عن البيان القول إن الأمور تغيرت كثيرا منذ ذلك الحين.
في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ظهر لاعبون نظيفون أوائل، أي أن شغلهم الشاغل الإصدارات الرقمية فقط. في فرنسا، مثلا، تأسست "ميديابارت" في عام 2008، و "الزنقة89" في عام 2007، و "بقشيش" في عام 2006، وكان مؤسسوها كلهم يتحدرون من وسائط أقدم وأكثر كلاسيكية هي، على التوالي، "لوموند" و"لو نوفيل أوبسرفتور" و"لو كنار أونشيني". كانت النماذج الاقتصادية متنوعة بالنسبة للاعبين النظيفين: الاشتراك في "ميديابارت"، مجانا وتمويله من خلال الإعلان عبر "الزنقة 89".
طورت وسائل الإعلام التقليدية أيضا مواقعها الإلكترونية خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بل ذهبت إلى حد تقديم نسخة بي دي إف من جرائدها أو مجلاتها، ولا يزال هذا هو الحال بالنسبة لمنابر أخرى قليلة العدد.
في البداية، قاموا فقط برقمنة مقالاتهم الورقية قبل الابتعاد عن الورق والاستفادة الكاملة مما يمكن أن تقدمه لهم التكنولوجيا الرقمية من حيث الاستجابة والوقت والديناميكية.
كانت صحيفة "الجارديان" أول صحيفة بريطانية تعطي الأولوية لخدمتها عبر الإنترنت والتي استفادت بالفعل من مزايا الإنترنت وابتعدت عن نموذج "مرة في اليوم". لم يعد الويب انعكاسا رقميا للحامل الورقي، ولكن الأخبار كانت تُنقل عبر الإنترنت أولاً. حدث ذلك في عام 2006.
منذ عام 2010، أظهرت الإحصائيات أن أشخاصا كثرا أصبحوا يستقون أخبارهم من الإنترنت أكثر من النسخ الورقية، وهذا التحول تم بالطبع على وجه الخصوص من قبل الشباب. من تلك اللحظة فصاعدا، استمرت حركة الاعتماد على الإنترنت في ازدياد مطرد.
ولكل شخص رأيه في التكنولوجيا الرقمية، وأفضل ما بهذا الصدد قرأناه في "إبدو"، (صحيفة سويسرية اختفت منذ ذلك الحين) في أبريل 2011، حيث أنه لا توجد قيمة مضافة على المواقع الإخبارية وأن لا أحد سيدفع فرنكًا لقراءة الرسائل الرقمية. في عام 2013، أكد مدير إحدى أكبر وسائل الإعلام الكندية في هافينغتون بوست أن: "ظاهرة الدخول المجاني لا رجعة فيها"، وأضاف أنه لا يمكن إلا لعدد قليل من الصحف المتخصصة للغاية مثل وول ستريت جورنال باستخدام نظام حظر الاشتراك غير المدفوع.
وفي هذا الوقت اكتسبت غالبية المواقع الإخبارية العالمية على الإنترنت عددا من القراء الرقميين (كان لدى "لوفيغارو" ما يقرب من 10 ملايين زائر طيلة سنة 2012، و8 ملايين لدى لوموند و أكثر من 7 ملايين لدى "لو نوفيل أوبسرفاتور"). ومع ذلك، كانت تلك الوسائط التي فقدت قراء النسخ الورقية مهووسة بالكم، واستمرت في زيادة حركة المرور على الويب، لتكون تحت رحمة نموذج مجاني مدعوم بالإعلانات.
منذ منتصف هذا العقد، شهدنا ثورة حقيقية في وسائل الإعلام عبر الإنترنت. لقد اعتنقت الثقافة الرقمية بوضوح، واستوعبت أخيرا الطفرة التي سيجبرها ظهور الويب على العمل بها، وتوافقت مع الشبكات الاجتماعية، وقررت أخيرا تنفيذ تسويق رقمي حقيقي بهدف إشراك الزبناء أكثر بعلامتهم التجارية وقبل كل شيء إعطاء الأولوية للجودة على الكم.
من الواضح أن هذا التحول قد تم تسريعه بشكل فريد من خلال الاستخدامات الجديدة للويب، وتوقعات مستخدمي الإنترنت تجاه احترام أكبر لشاشاتهم مع تقليل البريد العشوائي، والمزيد من الاهتمام بالجودة.
يعتقد الجميع في المرحلة الحالية أن المستخدمين أصبحوا الآن على استعداد للدفع (توقعت دراسة حديثة لشركة "دولوات" مؤخرا أنه في عام 2018 ، سيدفع 50٪ من البالغين مقابل اشتراكين في المتوسط، وقد تضاعف هذا الرقم بحلول عام 2020) مشترطين ضمان جودة المحتوى. إن هدف وسائل الإعلام الرقمي الآن هو تقديم عرض مدفوع، ولكن بجودة تتوافق مع رغبات مستخدميها. كما نلاحظ الزيادة القوية (145٪) في الاشتراكات عبر الإنترنت في صحيفة واشنطن بوست والسنة الجيدة تماما لصحيفة نيويورك تايمز ودخلها الممتاز من الاشتراك عبر الإنترنت (أكثر من 100،000 دولار في الربع الأخير من عام 2017 وحده). ولا يمكننا أن ننسب هذا الجنون لوسائل الإعلام عبر الإنترنت إلى مغامرات الرئيس الجديد للولايات المتحدة وقطب الإنتاج في هوليوود.
لوحظت هذه الظاهرة أيضا في فرنسا، حيث ذكرت مقالة حديثة نشرها موقع "لي زيكو"أنه في عام 2017، زادت "لوفيغارو" من عدد المشتركين الرقميين بنسبة 30 ٪ وأن المصدر الرئيسي للتداول المدفوع لصحيفة "لوموند" أصبح رقميا.
لذلك يبدو أن وسائل الإعلام عبر الإنترنت آخذة في الارتفاع وأن 2018 بداية جيدة؛ إذ تأكد أنه تم وضع في الاعتبار خلال هذا العام عدا من الممارسات الجيدة لإدامة هذا الاتجاه: مواصلة الاستثمار في التكنولوجيا والتسويق الرقمي.
أما في بلادنا المغرب فقد استفادت وسائل الإعلام الوطنية عبر الإنترنت من انفتاح على مرحلتين: الأولى في نهاية سنوات التسعينيات، وهي فترة طبعتها مرونة النظام الحاكم خلال السنوات الأخيرة من عهد الحسن الثاني والسنوات الأولى من فترة نجله محمد السادس، وهي فترة سماها بعض المراقبين بـ "الربيع المغربي"؛ أما المرحلة الثانية، فتنطلق من بداية عام 2011، خلال التجاوب المغربي مع زلزال الربيع العربي، الذي سمي بحركة 20 فبراير. وإذا كانت هاتان المرحلتان مواتيتين مؤقتا لتنمية واستقلالية وسائل الإعلام - الصحف اليومية والأسبوعية منذ 1997 والجرائد الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي منذ 2011 - فسرعان ما أصيب عدد كبير من الصحفيين والمواطنين بخيبة أمل في كل مرة وفي كل مناسبة.
كشفت حركة 20 فبراير، وإن لم تحقق جميع أهدافها، عن نظام بيئي ديناميكي من المدونين والوسائط البديلة ومستخدمي الفيسبوك الذين أدوا دور غرفة الصدى للمطالبات الديمقراطية، ضد الفساد، والانتهازية واستغلال السلطة. وبحسب أحمد رزقي المدير التنفيذي لجمعية "شباب من أجل الشباب"، ولدت ديناميكية اجتماعية جديدة نتيجة لحركة 20 فبراير: الشباب هم أكثر تفاعلاً من ذي قبل ولم يعودوا يعتمد على وسائل الإعلام الرسمية".
بالإضافة إلى ذلك، كما يشير تقرير "مابينغ ديجيتال ميديا موروكو"، فإن وسائل الإعلام الرقمية تتطور في
بيئة تحمل بصمة أولويات الحكومة في التنمية الاقتصادية والصناعية. ضمن ذات السياق، طور المغرب منذ التسعينيات اقتصادا ديناميكيا موجها دوليا، وفي نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان الهدف الاستراتيجي هو تحويل البلاد إلى مركز تكنولوجي في شمال إفريقيا. تمكنت بالتالي وسائل الإعلام الإلكتروني في المغرب من الاعتماد على معدل انتشار للإنترنت بلغ 56٪. هذا المعدل مرتفع للغاية بالنسبة للمغرب العربي (الجزائر وتونس 17٪ و 44٪ على التوالي) والعالم العربي بأكمله: من بين البلدان الثمانية التي تشملها هذه الدراسة، لبنان هو الوحيد الذي لديه معدل اختراق أعلى.
يمثل هذا الاعتماد الكبير على الإنترنت فرصة لتطوير وتنويع وسائل الإعلام الرقمية، ولكن وفقا لأبو بكر جامعي، المؤسس المشارك لمجلة "لوجورنال" و"لكم.كوم"، لم يكن هذا هو الهدف الاستثمار في هذه البنى التحتية: "يطمح النظام إلى إبراز صورة التقنية والحداثة الاقتصادية، وذلك لإبراز قدرته على إدارة الدولة، وإعادة معالجة قضايا الديمقراطية والحرية. من علامات هذه الحداثة تطور أداة الإنترنت. لذلك فإن إضفاء الطابع الديمقراطي على الولوج إلى المعلومات له أضرار جانبية على النظام. "ؤؤؤؤ
بالإضافة إلى ذلك، هناك فجوة رقمية في المغرب، بسبب عدم تطوير البنية التحتية في خارج المدن، تكاليف المعدات والتوصيل، انخفاض معدل الإلمام بالقراءة والكتابة (67٪ في عام 2014 وفقًا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الأعلى معدل منخفض في البلدان التي تغطيها هذه الدراسة - معدل ينخفض إلى أقل من 50٪ في مناطق ريفية معينة) ونقص الثقافة الرقمية . وبالتالي يقتصر الولوج إلى الإنترنت واستخدامه على المناطق الحضرية والفئات الأكثر ثراءً من السكان. إن دمقرطة الولوج إلى الإنترنت ، بما يتجاوز التبايناتت الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية، لا تزال قائمة. لذلك من الضروري تلبية توقعات المغاربة الذين، كما أشار أحمد نجم، مدير اللاعب النظيف "كود" "يستهلكون بكثافة المنتوجات الصحافية عبر الإنترنت. ليس من أجل لا شيء أن موقع "هسبريس" الإخباري من بين المواقع التي تحظى بأكبر عدد من الزيارات في البلاد! في كوقع "جود "، يعول بشكل خاص على التطبيق الخاص بالهاتف المحمول للرفع من عدد المشاهدات. في الوقت الحالي، يستخدم 20٪ من زوار "كود" المنصة المتنقلة.
- حرية الإعلام والإطار القانوني
قد يبدو للوهلة الأولى أن الإصلاحات العديدة التي تم إجراؤها منذ عام 2011 تمثل الكثير من الانتصارات المحسوبة لـحركة 20 فبراير. في مجال الإعلام، تكرس المادتان 25 و 28 من دستور 2011 الجديد حرية التعبير وحرية الصحافة، ويضع قانون الصحافة الجديد، الذي تم الانتهاء منه في 2014 ،وسائل الإعلام الإلكترونية على قدم المساواة مع الوسائط التقليدية. وإذ يرحب بعض المراقبين بهذه التطورات، فإن الكثير منهم يجعلون الأصوات المتنافرة مسموعة ويرسمون صورة أقل تفاؤلاً.
تظل مواضيع معينة من المحرمات ، لدرجة أن القمع والخوف من الرقابة يقودان الكثيرين من الصحفيين للرقابة الذاتية. وكتب علي عمار، المؤسس المشارك للجريدة الأسبوعية السالفة الذكر، متسائلا: ألا ييحق لوسائل الإعلام أن تتساءل "عما يقصده القصر بـ" ثوابت الأمة "، أي قدسية العرش والإسلام دين الدولة وسيادة المغرب على الصحراء الغربية وحرمة جهاز الأمن؟
ظهر جليا أن معالجة هذه الموضوعات أصبحت ممكنة منذ أواخر التسعينيات حتى أوائل القرن الحادي والعشرين، خلال "الربيع المغربي" تحديدا، وعن هذه الفترة حكى الصحفي الاقتصادي عادل بوخيمة: "نهاية عهد الحسن الثاني تميزت بإنشاء وسائط مطبوعة جديدة ، مثل "لوجورنال" الأسبوعي و"تيل كيل"، كامتداد لخط تحريري أكثر التزاما وجرأة في معالجة المعلومات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وبتتويج الملك محمد السادس عام 1999، تأكدت حرية الصحافة في السنوات الأولى. وقد أدى ذلك إلى نشر استطلاعات غير مسبوقة حول مواضيع كانت تعتبر من المحرمات مثل ثروة الملك، الحاشية الملكية ... حرية التعبير هذه تلاشت للأسف. لأسباب مختلفة ، توقفت المغامرات الثلاثة المتمثلة في الصحف الأسبوعية، "لجورنال الأسبوعي" و"أكتيال" و"نيشان"، بينما فقدت "تيل كيل" رباطة جأشها وأهميتها بعد دخول مساهمين جدد في رأس مالها. لقد ترك هذا الوضع فراغًا كبيرًا عند القراء الباحثين عن محتوى عالي الجودة.
وبحسب أبو بكر الجامعي، فإن السلطة المغربية تكمّم الإعلام بالاعتماد على تكتيكات إدارية أو قضائية، مثل هجمات التشهير المفبركة التي تؤدي إلى غرامات باهظة، لكن الخنق المالي لا يزال قائمًا حيث نجد أن الإستراتيجية الأكثر شيوعًا هي أن تطلب السلطات من المشهرين عدم شراء مساحات إعلانية في جريدة (أسبوعية)، انخفض حجم مبيعاتها بنسبة 80٪ بين عامي 2000 و 2001. الإشهار الآن أكثر من أي وقت مضى في المغرب وسيلة للقمع والتأديب. وهذا أحمد بن شمسي المدير السابق للجريدتين الأسبوعيتين "تيل كيل" و"نيشان"، يؤكد على استراتيجية الخنق المالي في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين شكلت معادلة لا هوادة فيها: "كلما زاد عدد قراء الصحيفة، قل عدد المعلنين."
يلاحظ أحمد نجم أن العديد من الصحفيين من أصحاب الجرائد الورقبة أفلسوا وأغلقوا مقراتهم بضغط من السلطات، مثل: "نيشان"، "الجريدة الأولى" و"لو جورنال". امتد هذا الضغط إلى الصحافة الإلكترونية، كما يتضح من سجن علي أنوزلا مدير الموقع الإخباري الناطق باللغة العربية "لكم". الصحاف المغربية لا تتمتع بأي حماية سواء كانت ورقية أو إلكترونية.
من وجهة نظر عامة، لا يوجد موقع إخباري مستقل بنسبة 100٪ لأن استقلالية الخط التحريري مستحيلة طالما أن الاستقلال الاقتصادي، وبالتالي الاستقلال عن السلطة السياسية وخاصة عن الملك، ليس مضمونا. كما أن اعتراف السلطات بالإعلاميين عبر الإنترنت غير مرضٍ أيضًا، حيث يؤكد يونس بومهدي، المدير العام لراديو هيت، أن وزارة الاتصال تتلاعب بالبطافات الصحفية ولا تمنحها إلا لقلة من المهنيين الفاعلين في الصحافة المبكتوبة، سواء كانت ورقية او رقمية؟
- تطوير وسائل الإعلام عبر الإنترنت
على الرغم من أن تصنيف "أليكسا" يحتوي على اثني عشر موقعًا إخباريًا فقط - بما في ذلك أربعة مواقع رياضية - من بين الخمسين موقعًا الأكثر زيارة، فإن المشهد الإعلامي المغربي على الإنترنت ديناميكي للغاية، وهو ما ينعكس في الشعبية الكبيرة لجريدة
"هسبريس" الإلكترونية رائدة المواقع الإخبارية بالمغرب والثالثة الأكثر زيارة في البلد، خلف العمالاقين غوغل وفيسبوك.
يسلط العديد من الخبراء الضوء بشكل خاص على ازدهار اللاعبين النظيفين، الذين يقدر عددهم ما بين 500 و 1000. بعض المصادر تضع المغرب في مرتبة متقدمة جدًا على البلدان المغاربية الأخرى. عادل بوخيمة يسلط الضوء على هذا الاتجاه من خلال اإشارة إلى أنه يمكن لأي مراقب أن يلاحظ الانفجار الكمي والنوعي للمواقع الإعلامية على مدى السنوات الثلاث الماضية. لكن هذه المواقع ليست كلها على نفس الدرجة من
الصرامة المهنية.
إضافة إلى ذلك، بعض المنشورات تبدو مشبوهة في عيون المراقبين، نذكر منهم أحمد نجم الذي لاحظ خلال العامين الماضيين ظهور مواقع إعلامية موالية للسلطات، وتستفيد منها بإعلان سنوي، خاصة ونحن نعلم أن الضغوط في المغرب تمارس بشكل خاص من خلال التمتيع او الحرمان من ميزانيات الإعلانات. ويذهب أبو بكر الجامعي إلى حد الحديث عن منشورات الظل أو" المطبوعات الوهمية ".فمن أجل التمويه بعرض صورة مشهد إعلامي ديناميكي ومستقل، يتم إطلاق العديد من "منشورات الأشباح" المتنوعة، بدون قراء أو محتوى حقيقي ودعمها بشكل مصطنع من خلال الإشهار".
هناك اتجاه آخر أبرزه العديد من الخبراء في البلاد وهو العدد المتزايد من مواقع الأخبار المحلية. يتم تمثيل الصحافة الرقمية الإقليمية من خلال موقع واحد مهم على الأقل لكل مدينة، ولا سيما في شمال البلاد حيث نجد هذه الحركة ديناميكية للغاية. يمكننا الاستشهاد من بين العديد من الأمثلة الأخرى ب"مراكش أنفو"، "تمارة سيتي"، "باب ناظور"، "الناظور 24" ، "وجدة سيتي"، ب"ريس وجدة"، "بريس تطوان"، "طنجة بريس"، و"زايو سيتي".
وفقا لأبي بكر الجامعي، يشكل ظهور مواقع صغيرة في المدن الصغيرة وسيلة للمضي قدما. ولمساعدة الإعلام المغربي يجب، في نظره، أن نستثمر في الصحافة الرقمية الإقليمية، ولكن يجب أن يكون هناك متابعة على المستوى الوطني، لأن القوة المؤثرة لهذه الوسائط الإقليمية لا تكون فعالة إلا إذا تم تعزيزها من قبل وسائل الإعلام الوطنية. وتكون هذه الوسائط بنفس القدر في موقع ضعف عندما تهاجم السلطات المحلية، يتابع أبو بكر الجامعي.
علاوة على ذلك، فإن المشكلة اللغوية هي عائق أمام توسع وسائل الإعلام على الإنترنت، كما كتب موقع "إش دي إم": "العربية الرسمية (المعيار الحديث) لا يفهمها إلا حوالي 40٪ من المغاربة، والفرنسية تستوعبها فقط بنسبة 10٪. كما ان الفجوة الرقمية والوضع اللغوي المعقد يساهمان في إبطاء تطوير الخدمات عبر الإنترنت والارتقاء بالمحتوى المحلي. من أجل الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور، فإن وسائل الإعلام عبر الإنترنت غالبا ما تبتعد عن الفرنسية، التي تدهور تعليمها وممارستها بشكل عام، وتفضل اللغة العربية أو اللهجة المغربية (الدارجة)، وهو اتجاه يؤكد عليه يونس بومهدي، ويتناقض مع الصحافة الورقية التي لا تزال إلى حد كبير باللغة الفرنسية.
أخيرًا، تنامي النفوذ السياسي للأحزاب الدينية، وهو ما تجلى في فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية. والدور الذي لعبته حركة العدل والإحسان ضمن حركة 20 فبراير، انعكس بشكل ملحوظ في ظهور المواقع الإخبارية الشعبية المستوحاة من الدين.
- تكوين الصحفيين وهيكلة المهنة
العديد من الخبراء الذين تمت استشارتهم، بمن فيهم أسماء العلوي، مديرة شركة "أرغان بوبلكايشنز"، أوضحوا أن تدني جودة جزء من الصحافة الإلكترونية المغربية هو نتيجة لنقص تكوين الصحفيين. هناك حاجة ملحة للتكوين، الأولي والمستمر، لصحفيي الويب الذين هم في غالبيتهم من الشباب، مبتدئون ، بدون خبرة أو تدكوين حقيقي. غالبًا ما يكون التمرين الصحفي على الويب ممارسة هواة، وينطبق هذا بشكل خاص على المواقع الإقليمية.
لكن وجهة النظر هذه لا يشاركها بعض المراقبين، مثل أحمد نجم: "إنه ليس تكوين الصحفيين، الورقيين أو الرقميين، هو العقبة الرئيسية أمام تحقيق جودة الإعلام. لعا من أهم هذه العوائق ندرة موارد المطبوعات، وما يرتبط بذلك من عدم رغبة النظام في السماح بتطوير صحافة مستقلة. أما أبو بكر الجامعي فقد ذهب أبعد من ذلك عندما قال:" لا أعتقد أن المشكلة هي تكوين الصحفيين على هذا النحو. لا يمكن أن يتحسن التكوين حتى يكون هناك طلب على صحفيين من الخارج مختصين ومكرسين من قبل مؤسسات إعلامية جديرة بهذا الاسم، تحترم أخلاق الصحافة، مستقلة عن النظام والقوى الأخرى. إذا حررنا سوق الإعلام من خلال تنظيمه، فستظهر بسرعة صحافة ممتازة، وبطبيعة الحال، مصحوبة بصحافة رديئة وسيئة للغاية، تقوم على الشعبوية والابتذال. لكن يجب قبول هذا التنوع إذا أردنا وسائل إعلام جيدة.
- مواقع إعلامية مغربية حالفها النجاح.. "شوف تيفي"نموذجا
"شوف تيفي".. أول تلفزة إلكترونية بالمغرب، شاملة، مستقلة، تعنى بالقضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية.. تواكب مختلف الأحداث من قلب الحدث بالصوت والصورة، عبر طاقم صحفي شاب متميز ولوجيستيك جد متطور.. كما تتوفر على استوديو من الطراز العالي، يتضمن آخر أنواع التجهيزات والكاميرات الرقمية، استضافت من خلاله مختلف الشخصيات الشهيرة، مغربيا، عربيا وعالميا.
أسس موقع "شوف تيفي" الصحافي المغربي إدريس شحتان، وكان الأخير رئيس تحرير جريدة المشعل الأسبوعية. ووجهت إليه عام 2009 تهمة "النشر" و "سوء النية" و "الأخبار الكاذبة" و "الادعاءات الكاذبة" عقب نشر مقال يتناول صحة محمد السادس. وحكم عليه بالسجن لمدة عام قبل العفو عنه. منذ خروجه من السجن أصبح مؤيدا للنظام وصاحب إحدى "وسائل الإعلام" الأكثر شعبية في المغرب. كيف تحقق هذا النجاح؟
كثر القيل والقال حول هذه التجربة الإعلامية الرقمية بين مدافع ومنافح، ولكنها استطاعت امتلاك قلوب الكثير من المغاربة بعدما نزلت من برجها العاجي لتحط الرحال بالأزقة والأحياء وتعري الواقع المغربي المنزوي في الهامش.
لكن كيف نفسر، إذن، أن تكون شوف تيفي" أول وسيلة إعلام في المغرب؟ على المستوى العالمي، تربعت على المركز 23، مع أكثر من 10 ملايين زيارة في اليوم.
انطلقت قناة ''شوف تيفي''، كما قال شحتان، كحلم صغير لكنه عنيد اقتسمه مع ثلة من الصحافيين الشباب الذين كانوا مثل الأمواج التي تغني بحر هذه القناة التي رسمت للمغاربة سكة إعلام قرب حقيقي..
يتابع شحتان حديثه بالإشارة إلى أن الكثير من أصدقائه نصحونه بعدم المغامرة، لأن المغاربة لم يعد يربطهم شيء حتى بالقنوات الكبرى الرسمية الممولة من ضرائب الأمة والتي تحظى بملايير الدعم العمومي، ومع ذلك ركب رأسه "صحبة العديد من الشباب الذين لم يكونوا موظفين يتقاضون أجورا بقناة ''شوف تيفي''، بل كانوا مثل فرسان حقيقيين، اقتسموا مع المغاربة الخبر والمعلومة وسهروا الليالي، وحرموا أنفسهم من عطل الأسبوع والأعياد، ليقدموا مادة إعلامية جيدة للمشاهدين المغاربة".
بكل ثقة في النفس، يعترف شحتان وفريق عمله بأنهم نجحوا في إنتاج إعلام قرب حقيقي، من خلال تواجدهم في كل نقطة فرح أو حزن، في قلب الحدث لينقلوا ما يقع بالصوت والصورة، واستطاعوا أن يحرروا عقدة لسان المغاربة مع الكاميرا ''شاعلة'' واستقطبوا ملايين الصور، وتحولوا في ظل منافسة شرسة إلى ''الرقم واحد'' في الإعلام الإلكتروني المغربي. كل حصل بفضل انتباههم باكرا إلى لحظة احتضار الصحافة الورقية، ونهاية جاذبية الإعلام المكتوب لدى المغاربة كما في السياق الدولي مع الزحف الإلكتروني,
كانت أمامهم العشرات من التجارب، واختاروا الأصعب، وهو عدم الاكتفاء بنقل تجربة الصحافة المكتوبة إلى العالم الرقمي، كما هو شأن معظم المواقع الإلكترونية، فأحدثوا ''ثورة'' في حقل الصحافة الوطنية تشكل بحق نقلة نوعية، وهي نقل الأحداث والوقائع عبر الصوت والصورة..
أنتجت قناة ''شوف تيفي'' خلال عمرها القصير عشرات الآلاف من الفيديوهات التي أبدعها صحافيوها وتقنيوها، وواكبوا الأحداث بإمكانيات بسيطة في البدء وفي ظل ظروف قاهرة للتصوير، لكنهم وجدوا بالمقابل من آمن بمشروعهم، من مسؤولين كبار في مختلف مراكز المسؤولية كانوا يأتون إلى بلاطو ''شوف تيفي'' الذي كان جد متواضع في البداية، ليقدموا تصريحاتهم ويقبلون بإجراء استجوابات أو التفاعل مع طاقم القناة الإلكترونية الأولى بالمغرب.
منذ اللحظة الأولى رفعوا تحدي أن يجد المغاربة أنفسهم في قناة ''ديال بصح'' قريبة من مشاكلهم، تستمع إلى معاناتهم, حققوا آلاف فيديوهات السبق التي أقبل عليها ملايين المغاربة من مختلف الأجيال.. وقدر لهم أن يرو هذا الجنين الذي كان مجرد حلم صغير يكبر رويدا رويدا، حتى دخلت ''شوف تيفي'' كل بيت، وأصبحت حديث كل جماعة، وفيديوهاتها تتداول على نطاق واسع..
عدت قناة "شوف تيفي، التي تأسست قبل ثمان سنوات، ظاهرة إعلامية غير مسبوقة. مع وجود جمهور لا يستهان به وتغطية شبه فورية للأحداث، في جميع أنحاء المغرب، سرعان ما تحولت إلى آلة إعلامية ذائعة الصيت.
يقول رئيسها إدريس شحتان بتفاخر: "نحن الأوائل عربيا. ليس لدينا منافس في المغرب"، لدرجة أن هذه الآلة الراسخة قادرة على وفع شخص مجهول تماما إلى مصاف"المشاهير"، أو تدمير سمعة فاعل سياسي أو مدني تطبق شهرته الآفاق. كيف يمكن لقناة أن تؤسس نفسها بهذه السرعة؟ ما هو تاريخها وصفتها؟ ما هي مداخيلها؟
في أوائل عام 2013، راج في المغرب شريط فيديو يصور مشاهد اشتباكات بين مشجعي أندية كرة القدم. في غضون ساعتين وصل عدد المشاهدات إلى 200000 . كان ذلك بمثابة"عمل فذ" وقعته قناة "شوف تيفي".
من حق إدريس شحتان، مؤسسها، أن يتنفس الصعداء لأن رهانه لا يبدو خاسرا. "كانت الفكرة الأصلية هي تقديم شيء جديد لأنني رأيت أن قراء المطبوعات آخذ في التآكل. كان الانتقال رقميا. في ذلك الوقت، كانت الصحف تستخدم الرقمنة ولكن طريقة كلاسيكية للغاية"، يتذكر إدريس شحتان ، مدير النشر في جريدة "المشعل" الورقية.
حجة أخرى لصالح المشروع عبر عنها شحتان بهذه الكلمات "مع الاستياء من التلفزيون العمومي، لماذا لا يتم إضفاء الطابع الديمقراطي على المعلومات؟ دعوا المغاربة يملكون المعلومات بالصوت والصورة".
على الورق، كان المشروع يحتوي على شيء مغر، ولكن كيف يتم إعداده. وبأي وسيلة؟ يدعي إدريس شحتان، المساهم الوحيد، أنه راهن بمليون درهم لإطلاق الشركة. ويتابع قائلاً: "كان أول شيء قمنا به الذهاب إلى مؤتمر أو إلى الشارع ونحن نحمل الكاميرات. كلفتنا مقابلة مدتها عشر دقائق ثمنا باهظا. ولا علاقة لذلك باليوم".
ماذا عن النموذج الاقتصادي؟ كيف تقنع المعلنين بمتابعة مثل هذا المشروع؟ ما هي المؤشرات؟ لم يكن كل هذا واضحًا بالنسبة له ولكن كان هناك شيء واحد مؤكد في دهنه: "كانت لدي بالفعل وسلة تعمل جيدا، وهي جريدة "المشعل". بالنسبة لقناة "شوف تيفي، كانت الفكرة هي النجاح في مشروع إعلامي جديد. مع "المشعل"، كنت أعرف كيفية إعادة المعلنين. لم أكن خائفًا من عدم وجود إعلانات. عليك فقط أن تكون لديك القاعدة: الجمهور، والأشخاص الذين يتابعونك. بعد ذلك أتى الجانب التجاري"، كما يقول.
بعد ست سنوات، لم تكذب الأرقام طموحات إدريس شحتان. لكن من الصعب تحديد عدد مشاهدي قناة "شوف تيفي" على القنوات المختلفة. على الموقع نفسه، يزعم شحتان 2-3 مليون زيارة يومية. كما أنه اكتسب متلقين بعدد أكبر على قناة اليوتوب الذين يقدرهم بنحو 16 مليون زيارة في كل يوم، وعلى صفحته على الفيسبوك يقدر عدد مشاهديها بـ 6 إلى 7 ملايين. تلك، غذن، أرقام تصيب بالدوار. لكن الرقم الأول فقط، الخاص بالموقع، يجلب حقا دخلا كبيرا لوسائل الإعلام.أما القناتان الأخريان فتعملان وفق نموذج مختلف، بإيرادات رسمية أقل بكثير.
ما هي الوسائل التي يتم تعبئتها لتحقيق مثل هذه الأرقام القياسية؟ في سياق الجواب عن هذ السؤال، تنسب بعض الشائعات إلى قناة "شوف تيفي" شراء مقاطع فيديو صوّرها وأرسلها مواطنون عاديون وبعض رجال الشرطة. لكن صاحب المشروع يكذب هذه الشائعات ويعتبرها عارية من الصحة. بحسب روايته، لديه فريق عمل يتشكل من 107 صحفي، كثير منهم مراسلون منتشرون في جميع أنحاء المملكة.
"عندما يكون هناك حدث، نتلقى مكالمة هاتفية، أحيانًا من مواطن عادي. أولئك الذين يتابعون القناة يعطوننا المعلومات، وبعد ذلك نبعث مراسلنا. عندما لا يوجد هناك مراسل، من المستحيل نشر أي شيء كان. كيف نتأكد من عدم وجود تلاعب بالفيديو، من صحة تاريخه، ومن مطابقته للحقيقة؟ لتجنب الأخطاء والاستخدامات المغرضة، ننشر مقاطع الفيديو الخاصة بنا فقط".
10 ملايين درهم هو رقم المعاملات الذي حققته شركة "إس دبليو"، وهي شركة محدودة المسؤولية بمساهم وحيد تمتلك "شوف تيفي"، وفقا لتقريرها لعام 2018 الذي استشرته "ميديا 24". وبلغت النتيجة الصافية 815 ألف درهم بارتفاع 310٪ مقارنة بعام 2017.
يدعي رئيس قناة "شوف تيفي" أن رقم معاملاتها بلغ 25 مليون درهم، لكنه رفض أن يخبر عن صافي الربح، بحجة "أنه يعيد كل شيء إلى الاستثمار". ما هو مؤكد هو أنه بالإضافة إلى عائدات الإعلانات، ساهمت قناة اليوتوب أيضا في زيادة حجم المبيعات من 500000 إلى 600000 درهم شهريا.
تبقى كل هذه الإنجازات متواضعة في نظر شحتان ولا ترقى إلى ما يطمح إليه من مجد إضافي. وبخصوصعائدات إعلاناته لم يقل شيئا يذكر. ماذا عن الطلبات؟ بحسب مسؤول في وكالة اتصالات بالدار البيضاء، ليس من غير المألوف أن يُطلب من قناة "شوف تيفي"، بعد جدل ساخن، "إطفاء الحريق". ونفى إدريس شحتان إجراء مقابلات تحت الطلب. فهو وفريقه يشتغلون في احترام لأخلاقيات مهنة الصحافة، ولا يقبلون الأوامر. ومع ذلك، عندما نعرض أنفسنا على أننا "زبون" لمصلحة تجارية، لا يبدو أن ذلك يمثل مشكلة.
وغالبا ما يعاب على "شوف تيفي" انتهاك الحياة الخاصة لبعض الشخصيات، وهو اتهام لا أساس لها من الصحة في عرف إدريس شحتان الذي يتساءل عما كان من حقنا الحديث عن الحياة الخاصة لشخصية عامة؟ يمكن لكل واحد منا أن يكون له تحليله الخاص للموضوع. من وجهة نظره، يمكن التعامل مع هذه الإشكالية ، شريطة أن يتم ذلك بطريقة مهنية. ويبقى المهم في نظره هو العمل بالامتثال لقانون الصحافة مع توسيع هوامش الحرية. ويضيف أن قيمتهم الأساسية هي أن يكونوا المتحدثين باسم أولئك الذين لا صوت لهم، أولائك المحتقرين الذين يعانون من مآس إنسانية، مدعيا أن "مشاكل هؤلاء تم حلها بفضل قناة "شوف تيفي". ثم يواصل حديثه قائلا: "نحن مرآة المجتمع". لكن أليس دور وسائل الإعلام i; إنتاج المعنى؟ والارتقاء بعقل وذوق القارئ إلى الأعلى؟
"هدفنا الأساسي هو التصالح مع هؤلاء الأشخاص. عليك أن تعرف أن هؤلاء هم في بعض الأحيان أشخاص يعانون ويحتاجون إلى الدعم. بدلاً من قيام مواطن بفضيحة في المستشفى، يتكلم إلى أحد وسائل الإعلام على أمل حل مشكلته. المواطن الذي يخبرك بأنه مريض ولا يحصل على موعد، إذا حلت مشكلته لا يسعنا إلا أن نفرح"، يختم رئيس قناة "شوف تيفي" الذي يطمح الآن لتغطية العواصم الأوروبية والعربية بفضل مراسليه.
ختاما، انطلقت هذه المحاولة بالحديث عن المرحلة (بداية الثمانينيات من القرن الماضي) التي ظهرت فيها البوادر الأولى للإعلام الرقمي على المستوى العالمي. ثم رأينا كيف عملت كبريات الصحف الورقية الغربية على نقل مضامينها إلى فضاء الويب الذي كان، إلى حدود نهاية التسعينيات، مجرد انعكاس للحامل الورقي، وبعيدا عن احتضان الخدمات الجديدة كالإعلام الرقمي. لكن سرعان ما ظهرت عناوين صحافية متخصصة في الإصدارات الرقمية دون غيرها، في تزامن مع بداية القرن الواحد والعشرين، حيث عرف الإعلام الرقمي ازدهارا بدأ لكي لا يتوقف، وهو زخم كان فيه للشباب النصيب الأوفر.
في خضم هذه الدينامية التي شهدها الإعلام الرقمي وقفنا عند مشاكل التي أثارتها وتثيرها أزمة النموذج الاقتصادي في وجه المقاولات الإعلامية المبحرة في بحر الويب المحيط. وما أوشك العقد الثاني من القرن الحالي على الانتهاء حتى استطاعت الكثير من الصحف ضمان إيرادات محترمة وتحقيق أرقام معاملات خيالية.
بعد هذا المدخل العام كان لابد من الإنتقال إلى التجربة الإعلامية الرقمية المغربية حيث تمت الإشارة إلى انطلاق هذه التجربة تم عبر مرحلتين. المرحلة الأولى سميت بالربيع المغربي وامتدت بين السنوات الأواخر من عهد الحسن الثاني والسنوات الأوائل من حكم نجله محمد السادس، وهي مرحلة طبعها انفتاح النظام ومرونته، كما مر بنا. أما المرحلة الثانية فقد انطلقت من 2011 وشهدت تجاوب المغرب مع رياح الربيع العربي من خلال حركة 20 فبراير التي رفعت مطالب تحظى بقبول وإجماع قطاع واسع من الشعب المغربي أصبح فاعلا مهما من خلال استعماله بكثافة لمواقع التواصل الاحتماعي للتعبير عن تأييده لتلك المطالب.
لكن، رغم المنجزات التي حققها المغرب في مجال الإعلام الرقمي نتيجة مراهنته على أن يتحول إلى مركز تكنولوجي، عانت مواقغه الإعلامية من رقابة صارمة أفضت ببعضها إلى الإغلاق ومن هشاشة اقتصادية حكمت على البعض الآخر بالإفلاس. ومع ذلك، تمكنت مواقع إعلامية محظوظة من معانقة النجاح إن على المستوى المادي أو المعنوي.
للحديث عن هذه التجارب الناححة، اخترنا قناة "شوف تيفي" كنموذج، حيث تناولنا مسارها منذ نشأتها الأولى عام 2012 وفسحنا المجال لصاحبها ليتحدث عن تجربته وعن السر في تبؤها مكانة محترمة سواء محليا أو عالميا. ولم ننس الحديث عن نموذجها الاقتصادي الذي ضمن لها تغطية أتعاب فريق من الصحافيين والتقتيين الذين يعترف شحتان بأيديهم البيضاء على موقعه من خلال تفانيهم وتطوعهم خلال مرحلة البداية التي لم تخل من كبوات وعقبات. وفي الأخير، فسحنا المجال للرأي الآخر المنتقد لهاته الوسيلة الإعلامية؛ عملا بمثل شعبي مغربي مفاده "حتى زين ما خطاتو لولا".