ردا على المقالة الموسومة ( منهج القفز على الحقائق ..مراجعة لمقال الريادة الرقمية ) لـ ( احسان التميمي ) والمنشورة في العدد 1103 في ثقافية المدى بتاريخ 3 كانون اول 2007 .
لست هنا بصدد وصف او تقييم مقالة التميمي التي ارتبكت في التركيز على موضوعها الاصل وهو مناقشة مقالتي الموسومة (الثقافة الرقمية .. في ريادة الابداع الادبي الرقمي) التي نشرتها عبر ثقافية المدى ايضا وبتاريخ 11 تشرين الثاني 2007 ليقفز التميمي فجأة الى موضوع (المسرح الرقمي) الذي لم اذكره اصلا في مقالتي موضوع المناقشة مبتدءا – اي التميمي -  باستخدام اسلوب المرافعات القضائية البعيد عن اسلوب فن المقالة الصحيح ليكيل لي تهمة تجاوزي على ريادة المسرح الرقمي ,مستندا في ذلك على مايسطره بعض مراهقي الانترنت عبر منتديات دردشة بلا طحن , سخمت شاشة الانترنت الزرقاء , بصفحات سوداء مؤقتة .
  ولهذا فاني سأربك مقالتي هذه ايضا مناقشا له في القسم الاول لمقالته , قافزا معه ومضيئا له طريق الظلام الذي تورط فيه او ورطه اخرون فيه وهو ريادة المسرح الرقمي .

(( احتاجك / و ... / تاخذني مدارات الخمرة / لك / للوهم الساكن في قلبي / عطرك / ووحدتي
   المتجذرة / دفئك ماأريد / قلبي صقيع / وقلبك مدفأة / وهم اخر / عمري دخان وقلبك محرقة
   / كأسك ... قلبك ... / وقلبك غمام الخمر/ وعرق يذوي بين راحتيك / ع م ر ك / وانت ...    / تهوين النبيذ / وقلبي يحب العرق / م ت ك ر ر / قلبك ... كنصك .. واحد / متعدد /
  وظلالك تطاردك / احتاجك / لأهرب من ظلالي / اغتالها ظلا فظلا / لألقاني في النهاية /
  واحدا بلا ظل ))
اضع هذه القصيدة الشعرية الرقمية بين يدي القارىء وادعوه الى فضائها الرقمي وسط رواية
( صقيع ) الرقمية للكاتب الروائي محمد سناجله عبر الموقع الالكتروني لاتحاد كتاب الانترنت العرب المعروف , بهدف الوقوف على تكاملية هذه القصيدة الشعرية رقميا بمواصفاتها اللغوية والصوتية والصورية , وهي نموذج واحد لقصائد اخرى ألفها سناجله وضمنها في روايتين له هما : ( شات ) و ( صقيع ) . فلماذا هذا التغافل الذي يروم الظهور به البعض ومنهم احسان التميمي ليسلب الحق الريادي من سناجله في تأسيه للقصيدة الرقمية بذريعة ان القصائد جاءت تضمينية في نص روائي وليست مستقلة ؟ ومن ثم نسبغ صفة الريادة لشاعر اخر وظف ما وظفه سناجله نفسه في شعره الرقمي بحجة انه كتب قصيدة مستقلة .. ؟

أنفاس تشكل الصورة مفردة من مفردات اللغة غير اللفظية , ويحمل التلفزيون اللغة بجانبيها اللفظي وغير اللفظي , اذ هو يستعين بالصورة المؤتلفة مع رموز أساسية اخرى في لغة الاتصال .ومع ان التعرض للصورة ليس امرا مستحدثا الا ان ظروفا جديدة تهيأت للصورة لأن تؤدي دورا اتصاليا اكبر ليس بسبب اتساع نسبة تعرض الجمهور لها حسب . بل من حيث اتساع اهتمام الهيئات الاتصالية بها , اذ ان هذه الهيئات المتمثلة بمصادر الاتصال تجد نفسها بحاجة اكبر الى ان تكون مقربة من مجريات الحياة لتصور الوقائع والموضوعات والاشخاص تلبية لمطالب اتصالية كثيرا ما تتضح لدى الجمهور , لذا فأن هناك مباراة حامية بين الهيئات الاتصالية لتقديم الصور , ضمن الرسائل الاتصالية عبر الوسائل المختلفة اشباعا لحاجات شتى ليس عبر الحاسب والسينما والتلفزيون فقط , بل من خلال الوسائط المطبوعة ايضا .
ويتطلب التنظيم المنهجي لدراسة تأثير الصورة في ثقافة الشباب والوقوف على ثقافة الشباب , والصورة , مفهوما وتطورا , تم تحديد العلاقة بين الصورة وبين تلك الثقافة .
- ثقافة الشباب :
يتأثر الشباب بثقافة المجتمع وما فيه من انظمة اجتماعية وسياسية واقتصادية بما في ذلك النظام الاتصالي , حيث ان اتصال الافراد عبر وسائل الاتصال الوطنية والوافدة يلعب دورا مهما في ثقافتهم .
لكن وسائل الاتصال ليست مصدرا وحيدا لتكوين الثقافة , فهناك عوامل اخرى متعددة , غير ان في بعض البلدان النامية التي يفتقر فيها المجتمع الى مراكز لصقل الثقافة , كالكتب وغيرها , يقع الثقل الاكبر فيها على الاتصال الجماهيري للقيام بمهمة تكوين الذوق الرفيع واغناء الثقافة .
ولكن ثقافة الشباب ليست مجموعة لهذه المكونات بقدر ما هي تعامل بينها جميعا بما يؤول الى انماط سلوكية , وعند ذاك تمسي ثقافة الشباب هنا طريقة حياتهم , كما ان كل عنصر من عناصر ثقافة الشباب يندرج في سلالم قيمية بحيث يكون لبعض القيم قوة كبيرة ولأخرى قوة اقل , وهكذا بالنسبة الى سائر مكونات الثقافة مما يسمى بانتظام الثقافة .يضاف الى ذلك ان ثقافة الشباب في عناصرها وبنيانها ليست ساكنة بل ديناميكية , وهي تؤثر في سلوك الشباب وتتأثر به .
وبرغم كبر الهزات التي تعرضت لها ثقافة الشباب فأن هناك اتجاهات متباينة ازاءها اليوم , حيث إن هناك من يريد لتوجهات ثقافة الشباب العربي أن تناسب الأوضاع القائمة وان تحافظ عليها , وهناك من يريد لها ان تساهم في تغييرها .. وضمن هذه الحدود المتعارضة تعمل أجهزة التنشئة الاجتماعية والسياسية وأجهزة الإعلام الوافدة لها توجهات اخرى مختلفة , وخاصة تلك التي تصل عبر سواتل الفضاء : واذا ما ركزنا على الصورة الواصلة عبر تلك القنوات فإنها تتخذ حدودا منها ما هي بعيدة كل البعد عن تلك التي يضعها المجتمع العربي للشباب .

أنفاس يرى أمبرتو إيكو أن العمل الفني شكل مكتمل ومعالج ككل عضوي متوازن، وفي الوقت نفسه يعتبر منتجا مفتوحا بسبب قابليته للتفسير أو التفسيرات التي لا حصر لها، لأن في كل استقبال منظورا طازجا وجديدا. وعلى الفنان أن يعي أهمية (الفتح) كعنصر من عناصر التفسير الفني، وأنه من المظاهر الإيجابية لإنتاجه الفني.
وهو ما يعني تضاؤل قوة العنصر الذاتي للمشاهد أو القارئ في التأويل، ذلك الذي أعطاه الكلاسيكيون أهمية خاصة.
فإذا كان للمعطى العلمي والثقافي لكل قرن أو عصر، تأثير على بنية الأشكال الفنية، فأصبح المفهوم الآحادي المنغلق عند فنان أو كاتب العصور الوسطى يعكس فهما للكون باعتباره تصورا للأوضاع الثابتة (نظاما صارما للأوزان والقوافي في الشعر مثلا). بينما في الفن الباروكي بدأ انفتاح جديد حيث حل الملموس محل البصري (يعكس اهتماما جديدا بسيكولوجية الانطباع والإحساس) وهو ما يعد انعكاسا للرؤية الكوبرنيقية للكون، ورفض فكرة مركزية الأرض.
فيما قال سارتر إن الشيء الموجود لا يمكن تقليصه إلى سلسلة معلومة من المظاهر، لأن كلا منها متصل بموضوع دائم التغير، فالشيء يظهر صورا مختلفة ووجهات نظر مختلفة أيضا، وبالتالي يلاحظ المتابع أنه يتم حديثا استخدام المصطلح الفيزيائي والكيميائي للتعبير عن الحاجة إلى معطيات جديدة، مثل "اللا استمرارية"، و"عدم التحديد" التي استخدمها اينشتين.
إلا أن التحفظ الوحيد، هو أن احتمالات (فتح) العمل، تكون دوما (كما في كون اينشتين) في "العمل في الحركة" أي أن هذا الفتح لا يعنى الفوضى أو العبث في القواعد التنظيمية التي تحكم العمل الفني، واحتفاظه بهويته.
إجمالا يمكن الإشارة إلى أن الأعمال (المفتوحة)، مادامت باقية في الحركة، تتميز بالدعوة إلى ربط العمل بالمؤلف، وأيضا على المخاطب أو القارئ أو المشاهد الكشف عن العلاقات الداخلية للعمل والاختيار من خلال فهمه أن العمل الفني مفتوح على مجموعة لا نهائية من القراءات المحتملة.
أما وقد تجلت التكنولوجيا الرقمية بمعطياتها، انطلق ما يعرف بـ "السيبردراما"، حيث التليفزيون الرقمي بمعطياته، وجهاز الكمبيوتر المنزلي أو المحمول. وتعبير "السيبردراما" مجرد وعاء يتضمن كل ما يتاح مستقبلا من أشكال سردية، مسرحية، قصصية، مسلسلات، .. وكل ما يغطي حاجة الإنسان للتمثيل والقص والاستخدام التحويلي للخيال، مع الإمكانات السردية المتاحة بالوسيط الرقمي. لعل التزاوج بين جهازي التليفزيون والكمبيوتر، هو مبعث هذا المصطلح الجديد، والذي يشاء بسرد رقمي جديد. فقد يتيح السيبردراما للمشاهد عرض إحدى حلقات مسلسل ما، على الصفحة نفسها المخصصة للكتابة، بل يتيح مشاهدة مشهد ما تحديدا في الحلقة نفسها دون غيره.

أنفاس وقفت طويلا أمام النتائج التى أظهرتها الدراسات الحديثة حول التأثير السلبي للتكنولوجيا الجديدة على القراءة ، حيث أثبتت الأرقام تناقص عدد القراء نتيجة انتشار التليفزيون والإنترنت وألعاب الفيديو ، واستفزت تلك النتائج فضولى حول تداعيات تكنولوجيات المعلومات على مستقبل القراءة الكتابة فى العصر الرقمى ، وحاولت استكشاف ذلك فى الموضوعين السابقين ، ونستكمل هنا استشراف مستقبل القراءة والقراء فى العصر الإليكترونى مع روجر تشارتير Roger Chartier مدير قاعة إكولى Ecole des Hautes Etudes للموسيقى بباريس ، ومن أعماله المبكرة التاريخ الحديث لأوروبا ، وخاصة تاريخ التعليم ، وتاريخ الكتب والقراءة . وحديثا هذه الأيام تركزت أعماله حول العلاقة بين الثقافة المكتوبة ، وبين الآداب وخاصة المسرح فى فرنسا . ودراساته بصفة عامة تقع فى سياق المناطق البينية بين علم الاجتماع والفلسفة والأنثربولوجيا . وله كتاب مشهور مع كافاللو جوغلإيمو Gugliemo Cavallo عنوانه تاريخ القراءة في الغرب نشر عام 1999 ، وكتاب عن اللغة وتطبيقاتها عام 1997، وعن الثقافات والثورة الفرنسية عام 1993 . و روجر تشارتير Roger Chartier له  ايضا مقالة هامة  منشورة على الإنترنت عام 2002 باللغة الإيطالية والفرنسية والإنجليزية، يتناول إشكالية القراء والقراءة فى العصر الإليكتروني  ، ويذكرنا فى بداية مقالته بالمقولة المشهورة التى كتبها رولند بارذيس Roland Barthes عام 1968 وأعلن فيها موت المؤلف ! وخلع عنة  سيادته السابقة على اللغة، حيث انتشرت كتابات متعدّدة فى العديد من الثقافات، كلها في حوار مع بعضها البعض بأسلوب احتجاجي وساخر ، وان  المؤلف تنازل عن تفوقه وأوليته  إلى القارئ، هذا الشخص الذى تتجمّع عنده كلّ الآثار والنتائج  المكتوبة. وأصبحت القراءة فى  المكان  او القراءة المتنقلة او الجمعية  غير مستقرة وقلقة .
موت المؤلف والقارئ:
واذا كان رولند بارذيس أعلن وفاة المؤلف ، فان روجر تشارتير فى مقالته بعد ان أكد ولادة القارئ تبعه فورا  تشخيصا بموته  ، معتمدا على  التحويلات في ممارسات القراءة ،  حيث تظهر  المعلومات الإحصائية التى جمعت من مسوح مختلفة فى دول أوروبا حول السلوك الثقافي - بينت بشكل حاسم - انه بالرغم من أنها لم تشير إلى انخفاض عام  في النسب المئوية العامّة للقرّاء لكنها أكدت  على الأقل تخفيضا في نسبة القرّاء الجادين "'heavy readers في كلّ فئة عمريه ، وبشكل خاص بين القرّاء المراهقين.  لكن السياسات التحريرية  عزّزت ملاحظات الاعتقاد في وجود أزمة  قراءة . وبدون استعراض الإحصائيات ، يقرر روجر تشارتير ، بأنهم فى فرنسا وأوربا  يشعرون بأزمة قراءة  قاسية جدا في مناطق العلوم الاجتماعية والإنسانية خاصة فى الفلسفة والآداب.

googleأدّت ثورة المعلوماتية إلى ثورة من نوع آخر في عالم الأعمال والشركات، خصوصاً مع بروز ظاهرة الشركات المبتدئة التي حملت اسم «ستارت آب» start-up، وتحوّل كثير منها لاحقاً الى مؤسسات راسخة. ولوحظ أن معظم ابطال هذه الشركات، التي تكاثرت كالفطر في تسعينات القرن الماضي ثم انحسرت في مطلع القرن 21، هم من الشبان والجامعيين، بل أن بعضهم كان في سن المراهقة. ولعل المثال الأبرز، والذي ما زال ناجحاً، هو شركة «غوغل» Google، التي صارت مُحرّك البحث الأكثر استخداماً على الشبكة الالكترونية الدولية.
ففي 15 أيلول (سبتمبر) 1997، قام الطالبان لاري بيج وسيرغي برين في جامعة ستانفورد في كاليفورنيا بشراء وحجز اسم النطاق «غوغل. كوم»، وهي الخطوة التأسيسية الأولى للشركة. ولم يكونا قد تجاوزا ال 24 سنة من العمر. وأُعلنت الشركة من مرآب خلفي في منزل أميركي متوسط المستوى، في ولاية كاليفورنيا. وتمثّل الهدف الاساسي من البرنامج الذي صنعه بيج وبرين في وضع كشوفات وفهارس لمحتوى صفحات الشبكة العنكبوتية، التي كانت في عهد انتشارها الأول.
واستوحى الطالبان اسم «غوغل» من كتابات عالم الرياضيات أدوار كاسنير. ففي سنة 1938 سأل ذلك العالم حفيده ميلتون سيرونا عن كلمة تُعبّر عن عشرة مرفوع الى قوة مئة، أي واحد وبجانبه مئة صفر. فاقترح الطفل البالغ حينذاك من العمر 8 سنوات، كلمة «غوغل». وجاء اختيار الاسم ليرمز إلى استعداد الطالبين للتعامل مع الكم الهائل من المعلومات والوثائق والنصوص المتاحة على شبكة الانترنت. ودخل محرك البحث «غوغل» نطاق العمل رسمياً في 17 أيلول (سبتمبر) من العام 1998 مع مغادرة الطالبين الجامعة.
منذ بدايته اعتمد «غوغل» الرياضيات كأساس في عمله. والأهم هو أن أصحابه وضعوا جداول عددية واستخدموها في صنع كشوف عن محتوى شبكة «الويب»، وتوخوا أن تسهل الكشوف عملية البحث عن المعلومات بصورة جيدة وفعالة. ويعني ذلك أن اسلوب البحث عند «غوغل» يُركّز على الحصول على المعلومات المفيدة عند الطلب من خلال البرامج والجداول العددية الموضوعة لذلك الهدف. إن تلك الجداول العددية، التي يُشار اليها أيضاً باسم «الجداول الخوارزمية» (Loghrythmic Logs) مصممه لفهرسة بلايين الصفحات التي تحتوي على النصوص والصور والأصوات وأشرطة الفيديو وغيرها. ونشير ان صفحة الاستقبال في «غوغل» لم تتغير منذ 10 سنوات، لكن الوظائف يؤديها ذلك المحرك، وكذلك الخدمات التي يُقدّمها لزواره، ازدادت وتعددت وتشعّبت بطريقة هائلة.

أنفاسيورد أفلاطون في  " لو فودر "(  le phedre   ) حكاية تشير إلى البدايات الأولى للكتابة، فقد عرض الإله توت ( ويسمى هرمس أيضا ) على الفرعون اختراعا غريبا اندهش له الحاضرون. وكان الأمر يتعلق بتقنية جديدة للتواصل والحفاظ على المعرفة وتداولها أطلق عليها الكتابة. وستكون هذه الوسيلة المستحدثة رديفا جديدا يضاف إلى الذاكرة، وربما سيحل محلها، أو على الأقل سيحد من نشاطها ودورها في تخزين ما أنتجته الخبرة الإنسانية في مسيرتها الطويلة. وكان رد الفرعون صريحا وقويا وعنيفا.
لقد رفض هذه الأداة الجديدة ودعا إلى تدميرها والقضاء على آثارها. فهذه التقنية الجديدة تشكل في نظره خطرا على مستقبل البشرية وعلى قدرتها على الاستمرار في تخزين المعارف بنفس قوة الذاكرة. فهي من جهة تجمد الفكر وتشل حركته وتأسره في علامات خرساء لا يمكنه الخلاص منها أبدا (1)، وستحل، من جهة ثانية، محل الذاكرة، والذاكرة هي العضو الأساس في الوجود المادي والرمزي للإنسان على حد سواء. فهي، بالإضافة إلى دورها التخزيني، تعد أداة مثلى في الحفاظ على النوع البشري ذاته، فالتذكر مدخل للوجود الرمزي وممر أساسي نحو إنتاج الثقافة وتداولها خارج إكراهات المكتوب الماثل أمام العين بشكل مباشر. وهي بذلك خاضعة، شأنها في ذلك شأن باقي أعضاء الجسد الإنساني، للتطوير والتمرين والتكيف، فالبدائل الاصطناعية قد تمنح الأعضاء قوة إضافية، لكنها مع مرور الزمن ستضعفها وتحولها إلى مُنفذ كسول للوظائف.
ومن المستبعد أن يعيد التاريخ نفسه لا على شكل ملهاة ولا على شكل مأساة، إلا أن الموقف من الإلكترونيات عامة ومن الأنترنيت خصوصا لا يختلف في الكثير من جوانبه عن الموقف من الكتابة كما سبق أن عبر عن ذلك الفرعون في العهود القديمة. فالذاكرة، التي هي الآن الكتاب والمكتوب والمطبوع والـمُخَزَن في مكتبات ومستودعات للكتب وفي رؤؤس الكائنات الإنسانية، تبدو مهددة بآلة افتراضية بلا قلب ولا روح، آلة قادرة على اكتساح كل شيء في طريقها، استنادا إلى ما تقدمه الشاشة مباشرة وما تخزنه الأقراص لتسلمه للجميع بأبخس الأثمان. فبجرة " نقر " يمكن التحليق، دون رقيب، في كامل أرجاء المعمور متخطين حدود الزمان والفضاء ورقابات الدول ومخابراتها وعيونها المدسوسة في كل مكان.

أنفاس

يتوقع أن يلحق التقدم الهائل في تكنولوجيا شبكات الاتصال اللاسلكي مع الانترنت «واي–فاي» Wi-Fiو»واي–ماكس» Wi-Mx وغيرها من تكنولوجيا الإتصالات المفتوحة، ضرراً كبيراً بشبكات الهاتف المحمول التي تعاني محدودية امكاناتها وارتفاع أسعار خدماتها.
والسبب في ذلك أن الهواتف بإمكانها أن تستخدم شبكات اللاسلكي للاتصال بالانترنت، ثم تستخدم تلك الشبكة كأسلوب للاتصالات أيضاً. فبفضل تقنيتي «واي–فاي» و «واي–ماكس» زاد عدد «النقاط الساخنة» أي تلك التي تؤمن اتصالاً مباشراً مع الشبكة العنكبوتية، وشبكات اللاسلكي الأهلية، وتلك المملوكة للحكومات المحلية في كثير من الدول والمناطق والمُدن. والنتيجة البديهية لتلك الأمور هي زيادة المنافسة بين شركات المحمول من جهة، وبين هذه الشركات ومقدمي خدمتي «واي–فاي» و»واي–ماكس» من الجهة الأخرى. والأرجح أن تضطر شركات المحمول إلى تغيير استراتيجياتها وتقليل أسعار خدماتها في شكل كبير، ما يقلّل عائداتها وأرباحها. لذا، من المتوقع ان تُغيّر هواتف «واي-فاي»، أي الأجهزة التي تستخدم تلك التقنية للدخول الى الانترنت واستعمالها كشبكة اتصالات مباشرة، من طبيعة صناعة الاتصالات والخدمات الهاتفية المقدمة للمستهلكين خلال السنوات المقبلة.

وبفضل التقنيات الرقمية اللاسلكية، أصبح في مقدور الأفراد الحصول على جهاز يجمع بين الهاتف المنزلي والجوّال والإنترنت اللاسلكي الفائق السرعة وبأسعار معقولة جداً. كما أصبح في إمكان الشركات أن تبني شبكة «واي - فاي» خاصة بها، يشارك فيها جميع موظفي الشركة ما يقلّل فاتورة الاتصالات بصورة كبيرة. وقد ظهرت هذه الهواتف بأنواع مختلفة في الآونة الاخيرة، وكذلك بدا أن بعضها مرتبط بخدمات شركة «سكايب» Skype عملاق الاتصالات الهاتفية المجانية على الانترنت.

ومن المعلوم أن تلك الشركة تؤدي خدماتها بفضل إستخدام بروتوكول الصوت عبر الإنترنت، الذي يُشار اليه تقنياً بلفظة «فيوب» VoIP. لذالك تزايد حجم المكالمات الهاتفية ومواد الملتي ميديا عبر شبكة الإنترنت الرخيصة الكلفة بدلاً من شبكات الجوال الخليوية العالية الكلفة . ومن ثم، من المتوقع أن تصبح شبكات الواي–فاي والواي– ماكس بديلاً ناجعاً من شبكات الهاتف الجوال.

أنفاس

الأرجح ان power point هو أكثر برامج الكومبيوتر إثارة للنقاش عن أثر الحاسوب سلباً على تفكير الناس في الأزمنة المعاصرة. وفي المقابل، لعله البرنامج المعلوماتي الأكثر حضوراً في مكاتب مؤسسات الخدمات المختلفة، والقاعات التعليمية والرسمية، والاجتماعات بأنواعها، وحلقات الدراسة وغيرها.
ومع التوسّع الهائل للأعمال المتصلة بالمعرفة، وخصوصاً في الاقتصاد والتجارة، بات حضور برنامج «باور بوينت» Power Point المتخصّص في عرض الشرائح الضوئية جزءاً بديهياً من تلك الأنشطة. وعلى رغم اشتهاره بأنه جزء أساسي من مكوّنات تطبيق «مكتب مايكروسوفت » MicroSoft Office، صُنع أصلاً في شركة «ماك آبل» المُنافسة قبل عشرين سنة، على يد مبتكريه روبرت غاسكنز ودينس أوستن. وفي العام 1988، اشتراه بيل غيتس، مؤسس شركة «مايكروسوفت» العملاقة، في مقابل 14 مليون دولار، فشكّل أولى صفقاته وربما أكثرها نجاحاً. ولا يصعب فهم سبب الذيوع الهائل لصيت برنامج «باور بوينت» في الغرب... هناك أولاً الانتشار الواسع للأساليب المتطوّرة في التعليم، عبر مراحله المختلفة، ما جعل ذلك البرنامج الرقمي بشرائحه الملونة، ضيفاً شبه دائم الحضور في المدارس والثانويات والجامعات. وهنالك ثانياً التحوّل النوعي في القاعدة العريضة للقوى العاملة غرباً، والتي لم تعد تتألف من عمال المصانع (البروليتاريا كما سموا في بعض أدبيات الاقتصاد السياسي في القرن التاسع عشر)، بل صار موظفو الأعمال المكتبية يشكلون الشريحة الأبرز من الأيدي العاملة. وأما في الدول العربية والنامية، فقد تآلف برنامج «باور بوينت» بسهولة مع أصحاب العمل الفكري، الذين يمثلون نخباً في تلك البلدان، وخصوصاً أولئك الذين يتعاملون مع الشركات الغربية العملاقة والتي صارت من «أهل الدار» مع تقدّم العولمة وآلياتها وتوطدها في الوطن العربي. وكذلك شَقّ «باور بوينت» طريقه بيسر الى كثير من الجامعات، وخصوصاً غير الرسمية، في تلك البلدان. إذاً، ثمة شيء من الترف، أو ربما من الحرص على إبراز التفوق وعلو الكعب والتقدم في التقنيات ومعارفها، وكذلك بعض من الإدعاء، في حضور برنامج «باور بوينت» في البلدان العربية. وعلى رغم ذلك الإدعاء المتكل على التفوّق العلمي، فإن ذلك البرنامج يعتبر من أكثر برامج «مايكروسوفت أوفيس» سهولة، بل لا يجد كثير من مستخدمي الكومبيوتر صعوبة في تعلمّه بأنفسهم، بعد أن ينجزوا تدريباً أساسياً على الحاسوب وبرامجه الأولية.  

أنفاسمنذ أكثر من عشرين عاما تضطرني ظروف العمل إلى السفر الى جنوب مصر ، بطريقة منتظمة ودورية ، ومن مقعدي الدائم المجاور لنافذة القطار تقابل الكثير كصحبة سفر ، وهم عادة من أساتذة الجامعات ، ورجال القضاء والنيابة ، والمحاماة والزراعة والري ، والشرطة والجيش ، و كانت مصر بمشاكلها دائما هى موضوع حديث السفر ، وتغير الموقف الآن ، وأصبح الكل مشغولا بالمحمول ! وأصبح السفر معاناة ، فبدلا من الاستمتاع بقراءة كتاب ، أو حديث مثمر ، او النوم استعدادا للعمل ، سيطرت أجراس التليفون المحمول على الموقف ، ولا تمضى دقيقة الا وتسمع رنينا ، ومحادثات بصوت مرتفع ، فهذا غزل ، وذاك غضب وثورة ، وتلك تحية باردة ، وانتهكت الخصوصية ! وضحكت من الدراسة الإيطالية الأخيرة التى نشرتها الأنباء حول الهاتف المحمول الذى كشف عن 90 بالمائة من حالات الخيانة الزوجية في إيطاليا في الفترة الأخيرة ! وتشير الدراسة إلى أن الإيطاليين لديهم هواتف محمولة أكثر من أي جنسية أوروبية أخرى .
وشغلني المنظور الاجتماعي للتليفون المحمول او " سوسولوجيا المحمول " ، واليوم نستكملها من منظور الإنثربولوجيا من خلال عدة دراسات قيمة منشورة مثل دراسة Hans Geser فى جامعة زيروخ Zürich ، فى سبتمبر عام 2003 تحت عنوان نحو نظرية اجتماعية للتليفون المحمول ، ودراسات Mathews Joe المنشورة عام 2001 فى لوس انجلوس حول تأثير المحمول داخل محيط الجامعة ، وبحوث Nilsson Andreas وآخرون فى السويد عام 2001 حول التليفون المحمول كوسيط اتصالي ، ودراسات Ling Rich فى النرويج عام 2000 حول تاثير انتشار المحمول بين مراهقين المدارس ، وتأثير المحمول على المؤسسات الاجتماعية فى أوربا ، ودراسات كثيرة أخرى فى أوربا وأمريكا ، وكلها دراسات منشورة في مجلات ومؤتمرات علمية على الإنترنت ، وأستمتعت بقراءة تلك الدراسات ، وخرجت منها بمعرفة افتتاحية حول سيسولوجيا التليفون المحمول ، نقدمها للقارئ فى عجالة. .
- منظور أنثروبولوجي
منذ فجر الإنسانية من ملايين السّنوات, كان تطوّر ونشوء الحياة على الأرض مقيدا دائما بعاملين مادّيّين متوافقين بدرجة كبيرة : الأول هو التجاور الفيزيقي ، وهو شرط مسبق للكائنات الحية لبدء العلاقات التفاعلية ، والحفاظ عليها . الثاني هو الإقامة فى أماكن المستقرة ، وكانت ضرورية لتنمية وتطوير أشكال وأنماط اتصال اكثر تعقيدا وتعاونا .