إهداء:
إلى: حلا كبارة
إلى صغيرتي: ريم
"زهرة دوار الشمس، زهرة قوية، زهرة خصبة،
زهرة تمنح الحياة"
حلا كبارة
"إن الرسم هو فكر: فالرؤية تتحقق بواسطة الفكر،
والعين تفكر أكثر مما تضغي كذلك"
"كل إحساس هو سؤال، حتى ولو كان الصم وحده
يشكل جوابه"
جيل دولوز- فيليكس غتاري
مقدمة
اعتبر جيل دولوز فن الرسم شكلا تعبيريا مُتميّزا ومُثيرا، وأشاد باللقاء مع "لوحة" مقارنة باللقاء مع الناس. هكذا كان دولوز يخرج بشكل متواتر، إن لم نقل أسبوعيا لمشاهدة معارض فنية، تؤكد كلير بارني Claire Parnet. إنه في "حالة ترصد" لمثل هذه اللقاءات الرائعة، باحثا عن لوحة تلمسه وتؤثر فيه، فهي التي تساعده على "الخروج من الفلسفة بينما يظل داخلها"، بل "يمضي إلى أبعد من الفلسفة". إن "المضي إلى الأبعد" يعني جلب شيء جديد، وخلق مفاهيم قادرة على حل مشكلات، وإبداع صور تعكس الحقيقة، وابتكار طرق جديدة للتفكير وأساليب أخرى للحياة والوجود.
نتج عن انفتاح دولوز على فن الرسم كتابة مؤلف حول الرسام الأنجليزي فرانسيس باكون Francis Bacon حمل عنوان: " فرانسيس باكون: منطق الإحساس Francis Bacon : Logique de la sensation ". لاحظ دولوز أن في الفن؛ في الرسم كما في الموسيقى، لا يتعلق الأمر بإعادة إنتاج وابتكار الأشكال، بل القبض على القوى، التي هي شرط الإحساس(1)، كما لاحظ أن الخيط العام الذي ربط بين الرسامين فرانسيس باكون Francis Bacon وبول سيزان Paul Cézanne هو: رسم الإحساس(2). وكمثل أي رسم، اعتبر دولوز الرسم الجريدي إحساس، ولا شيء غير إحساس(3).
أكد جيل دولوز على أن هدف الفن هو أن يُعرّي المُوثّر المدرك (le percept) من إدراكات الموضوع ومن حالات الذات المُدركة، وأن يُعرّي المُوثّر الإنفعالي (l’affect من المشاعر(4). وخصّ فن الرسم بمهمة " إبداع المؤثرات الإدراكية création des percepts"، ورسم القوى(5)، أو استدعائها(6)، ورسم الصرخة بدل الرعب(7).
1- مهمة فن الرسم من منظور الفيلسوف جيل دولوز
لم يتوقف جيل دولوز من خلق التقاءات وتوليفات في الفلسفة، فقد أكد على أن المفهوم le concept يتضمن بُعدين هما المُؤثر الإدراكي le percept والمؤثر الإنفعالي l’affect، إنه الأمر الذي يهم دولوز وليس الصور les images(8).
هناك إذن ارتباط بين هذين البعدين، رغم اختلاف مستويات تعريفهما:
- المُدرك percept (بدل الإدراك perception): هي مجموعة من الإدراكات والإحساسات التي تحيا بعد من يخبرونها. عرّف دولوز-غتاري المؤثر الإدراكي (le percept) كالتالي: "هو جعل القوى الغير المحسوسة التي تسكن العالم قوى محسوسة، وجعلها تؤثر بنا، وتحولنا إلى صيرورة؟(9).
- المُنفعل affect (بدل الإنفعال affection): هو مجموعة من الإدراكات والأحاسيس التي تصبح مستقلة عن الشخص الذي يخبرها. وهي إلى جانب ذلك صيرورات devenirs ، صيرورات تفيض عن ذلك الذي يمر من خلالها، تتجاوز قوة من يمر خلالها(10).
تتمثل مهمة الفنان/الرسام وفاعليته في إبداع كتل من الخطوط - الألوان Bloc de lignes-couleurs، وإبراز المؤثرات الإدراكية، في علاقتها مع المؤثرات الإنفعالية وكتل الإحساسات والرؤيات التي يمنحنا إياها. يحتاج الرسام لإبراز هذه المؤثرات للسمات والألوان، وذلك للإرتفاع من الإدراكات المُعاشة إلى المؤثر الإدراكي، ومن المشاعر المُعاشة إلى المؤثر الإنفعالي(11). يؤكد دولوز على أن عمل الفنان لا يقتصر فقط على إبداع المُدرك والمُنفعل، بل يتعداه إلى القدرة على جعل قانون الإبداع الوحيد؛ أي " المركب le composé " يتقوّم لوحده، وأن يجعله الفنان قائما بذاته ومنتصبا لوحده. إن نجاح الفنان في تحقيق هذا الهدف، قد يشهد الإحساس على قدر من سنوات من العمل الدؤوب المثابر، والمُوجّه نحو إنجاز العمل الفني بالأحاسيس. إن تحضير اللوحة وشعر الريشة هما بالطبع جزء من الإحساس، وأشياء كثيرة أخرى غيرهما(12). لكن ما يميّز هذا العمل الفني œuvre d’art وما يُحفظ حكما ليس هو المواد (قماش، لون، حجر...) بل هو المؤثر الإدراكي والإنفعالي الذي أبدعه الفنان وكتلة الإحساسات التي استخرجها؛ فالفن هو لغة الإحساسات يقول دولوز-غتاري. إن توصّل الفنان/الرسام إلى الحصول على المؤثر الإدراكي "كنبع مقدّس"، وإلى رؤية الحياة في الحي أو الحي في المعاش، بل رؤية الأشياء الهائلة في الحياة، هو ثمرة عمل جبّار و"رياضة انفعالية"، قد تسم بعضا من هؤلاء المبدعين الإستثنائيين ب"علامة الموت الخفية"(13)..
يتميّز العمل الفني عند دولوز بخاصية " الأبدية l’éternité" و" الحفظ conserver" و"استدعاء القوى convoquer les forces":
- خاصية الأبدية: تتمثل الأبدية في استقلالية المُدركات والإنفعالات والأحاسيس واستمرارها، فهي كائنات تحمل قيمتها بذاتها وتتعدى أي معاش. يمكن القول أنها تقوم بدون الإنسان، لأن الإنسان سواء كان منحوثا في الحجر، أو مرسوما على خامة اللوحة (...)، فإنه يبقى مُركّبا من المدركات والإنفعالات(14). إن هذه الرغبة القوية بل "المستحيلة" في تحقيق الأبدية هي ما يحرّك عمل الرسام، ويمنحه مشروعية تكرار صيحة جيل دولوز: كيف نجعل لحظة من العالم دائمة، أو نجعلها توجد بذاتها؟(15).
- خاصية الحفظ: يقول دولوز أن الفن يحفظ، وهو الشيء الوحيد في العالم الذي يُحفظ. فهو يحفظ ويُحفظ بذاته حكما (quid juris ?) بالرغم من أنه في الواقع لا يدوم أكثر من حامله ومن مواده (quid facti ?) (الحجر، القماش، اللون الكيميائي، إلخ)... . ما يُحفظ سواء كان الشيء أو الأثر الفني، هو كتلة الإحساسات، أي مركب من المؤثرات الإدراكية والحسية(16).
- خاصية استدعاء القوى: يربط دولوز مهمة "استدعاء القوى" ب"الفن التجريدي"؛ بحيث يطرح هذا النوع من فنون الرسم صعوبة أثناء قراءة وتقييم اللوحات التي تندرج في إطاره. فالمشاهد يكون أمام "ألوان" و"أشكال"، "خطوط" و"نقط"، "ظلال" و"أنوار"، لا تمثل وجوها أو أشياء أو مناظر طبيعية...، لكن دولوز يُقرّبنا من دور الرسم التجريدي كالتالي: " يستدعي القوى، يملأ العمق بالقوى التي يحملها، ويجعلنا نرى فيها القوى غير المنظورة، وينصب الصور ذات المظهر الهندسي، ولكن دون أن تكون سوى قوى، أي قوة الإنجذاب والثقل، والدوران، والزوبعة، والإنفجار، والتوسع، والإنبات، قوة الزمن(17). يتعلق الأمر في هذا الرسم التجريدي بالإحساس، ولا شيء غير إحساس(18)؛ إن الأثر الاقوى لفن الرسم، على شخص أمام لوحة عظيمة هو الإكتشاف وإثارة الأحاسيس بواسطة المؤثر الإدراكي؛ إن الفن يُعرّي المؤثر المدرك من إدراكات الموضوع ومن حالات الذات المُدركة(19).
2- جيل دولوز أمام فان غوغ وبول جوجان
يعتبر جيل دولوز الرسّامين فان غوغ Van Gaugh وبول جوجان Paul Gauguin من أعظم المُلوّنين على الإطلاق، ويشيد بتأثيرهما الهائل عليه. يشير دولوز إلى العلاقة السحرية التي تربطهما باللون وإحساسهما المتفرّد وهما يواجهانه، يقول:"إذا عدت إلى فنانين مثل فان غوغ أو جوجان، فذلك لأن شيئا في عملهما له تأثير هائل علي، نوع من الإحترام الضخم أو حتى الخوف والفزع، ليس مجرد الإحترام، الذي يظُهِرانه حين يوُاجَهان باللون، حين يُواجهان بالإنخراط في اللون(20).
يكشف دولوز عن سر تألّق فان غوغ وبول غوغان في عالم الرسم؛ فهناك بالتأكيد علامتان لعبقرية الرسامين الكبار، وكذلك لتواضعهم، هما: الإحترام، وهو كالرعب تقريبا، وبه يقتربون من اللون ويدخلون فيه؛ والعناية بجمع القطع أو المسطحات، الذي يتعلق به نموذج العمق. بدون هذا الإحترام وهذه العناية، يزول الرسم، ويغدو بلا عمل وبلا فكر. فالأمر الصعب هو وصل المسطحات وليس الأيدي(21). يتمثل مبدأ الإحترام في الإحتياط اللازم اتخاذه قبل مباشرة عملية التلوين؛ بحيث يمكن أن يتساءل المرء عن هذا التردد والخوف، عن هذا الفزع الضخم عند استعمال الألوان؟، فالأمر يستغرق منهما أعواما حتى يوُاجَهان بالانخراط في اللون وممارسة اللون وإنتاج أعمالهما العظيمة والمشهورة. لهذا يوصي دولوز المرء بتأمل هذا الإحترام الضخم، هذا البطء الضخم للقيام بذلك العمل(22). إن الأمر يتعلّق بالإحتياطات الواجب اتخاذها قبل الإنتصار على "اللون التشكيلي" والشروع في إبداع "المؤثرات الإنفعالية والإدراكية". تلك هي حالة فان غوغ وهو يبدع "سلسلة لوحات زهور دوار الشمس Tournesols"، والتي رسم بعضها ممتدة على الأرض وأخرى موضوعة في مزهرية، يقول دولوز:"إن زهور دوار الشمس عند فان غوغ هي صيرورات، مثل أشواك دوريه (Durer) وزهور الميموزا عند بونّار Bonnard)). لقد وضع ريدون (Redon) لإحدى المنحوتات الحجرية التعريف التالي: "لعلّها رؤية أولى معالجة في زهرة" . الزهرة ترى. إنه الرعب الخالص: "هل ترى دوار الشمس هذا ينظر إلى الداخل من شباك الغرفة ؟ إنه ينظر إلى داخل منزلي طيلة النهار". إن قصة الزهور هي بمثابة الإبداع الدائم، المتكرر والمستمر للمؤثرات الإنفعالية والإدراكية الخاصة بالأزهار(23).
إن القبض على هذه المؤثرات الإدراكية والإنفعالية وإبداع الأحاسيس وتركيبها هو العمل الخلّاق والمُتميّز للفنان، أما الأعمال الفنية فهي الأكثر قدرة على الكشف عن شروط الإحساس؛ إن الفن هو "لغة الإحساسات أكانت بالكلمات أم بالألوان أم بالأصوات أم بالأحجار" (24). حين يرسم فان غوغ زهور دوار الشمس، مزاوجا بين الشكل واللون، فإنه لا يبحث عن الخارج بل عن الداخل، يحاول الحصول على الدفء والوهج، مثلما يريد الوصول إلى الأعماق وهو يرسم شخصا. نفس الإحساس يمكن أن يغمر المشاهد وهو أمام "نساء تاهيتي"(25) و"الرعاة التاهيتيون" و"المناظر الطبيعية في المارتينيك" و"مزهريات الأزهار" في لوحات بول غوغان، والتي تفيض بالأحاسيس والإنفعالات والمدركات وتكشف عن الإرتباط العاطفي بالأرض و"الشعور بالطبيعة والناس البسطاء الذين هم جزء من الطبيعة" كما كتب فان غوغ لأخيه ثيو.
مكّن لقاء دولوز بأعمال فان غوغ وبول غوغان من تغيير النظرة إلى عمل الرسام والمُتلقّي لفن الرسم:
- بالنسبة لعمل الرسام: يشير دولوز بعد قراءته لأعمال الرسامين الكبار إلى الإحتياطات العديدة الواجب اتخاذها قبل الإنخراط في عملية الإبداع والإبتكار. فإبداع لوحة يستلزم كمية هائلة من الجهد و"تمرّن صبور وعمل دؤوب"، مع وقع بطيء ودقّة في الإبداع. إن هذا الإعداد والتجهيز سيمكّن الرسام من تجاوز تردداته ومخاوفه والإنخراط في اللون، والإقدام على محو وتنظيف اللوحة المُغطّاة مسبقا بكليشيهات، بل تقطيعها، كيّما يمر تيار الهواء الآتي من السديم الذي يحمل إلينا الرّؤية(26). وأثناء تنفيذ مهمته، يمرّ الرسام عبر كارثة، أو من خلال حريق، ليترك على الخامة أثر هذا العبور، وكأنه قفزة تقوده من السديم إلى التركيب(27).
- أما بالنسبة للمشاهد: يقول دولوز بأن لا حاجة له ل"الفهم" - رغم ضرورة تملك خبرة بالرسم- وهو أمام لوحة عظيمة لجوجان، فهناك مشاعر استثنائية – أصيلة بصورة استثنائية، نقيّة بصورة استثنائية، عنيفة بصورة استثنائية – داخل الجهل التام بالرسم. من الممكن استيعاب لوحة مثل صاعقة دون أن يعرف الشخص شيئا عن اللوحة ذاتها.
3- نظرة على لوحات "زهور دوّار الشمس" لفان غوغ
رسم فان غوغ Van Gogh سلسلة لوحات تمثل زهرة "دوار الشمس"، والتي تزيّن جدران العديد من المتاحف ودور الفنون الجميلة في العالم؛ في أمستردام ولاهاي وباريس ودريسدن وميونيخ وبرلين وموسكو ونيويورك... . رسم هذه الزهرة العادية والمألوفة عند الناس بلونها الأصفر المُتفتح والمُشرق، ثم زهرة ناضجة يتوسطها فضاء يميل إلى السواد (حبات الزهرة)، وأخيرا زهرة ذابلة وباهتة أو قريبة إلى الموت. قدّم فان غوغ هذه الأزهار في وضعيات مختلفة؛ ملقاة على الأرض أو موضوعة في مزهريات. لقد ألهمت زهرة دوار الشمس فان غوغ ومنحته القدرة على اختراع سلسلة ألوان جديدة نابعة من لون واحد: اللون الأصفر، معبّرا عن سعادته - رغم معاناته - وعن دورة حياة الإنسان- طفولة، شباب، شيخوخة - باسطا الأطوار الحياتية التي تمر منها الكائنات الطبيعية.
كان هدف فان غوغ من رسم مزهريات دوّار الشمس ومن فرشاته المُحمّلة بالتعب تزيين غرفته، لكنه زيّن العالم كله، مانحا حياة جديدة ومشمسة لكل متعب يرى بتلاتها القيمة. لقد تآلف مع الزهور واعتاد مراحلها من بذور وبراعم وزهور ونمو.. عاش حياة دقيقة مع الطبيعة، من الحياة إلى الموت، ليهضم كل الرموز الصادرة منها، وحساسية الضوء مع لونها لتظهر رؤيته الصفراء في أعماله(28).
يعلق فان غوغ عن غاية رسمه للأزهار قائلا:"لن أرغب في الأزهار إذا كانت النتيجة هي أن تذبل أنت؛ لن أرغب في تطوير ما هو فني بداخلي إذا كان يتوجب عليك أن تقمع ما هو فني فيك من أجلي. ولن أؤيد أن تقمع الفني بداخلك لأجل أي شخص كان، حتى ولو كان أبا، أو أُمّا أو شقيقة أو شقيقا أو زوجة"(29).
إذا كان اللون الأصفر الطاغي على لوحات فان غوغ يجسد أشعة الشمس وبهجة الحياة(30)، فإن صفاء لوحات عباد الشمس وإشراقها يتآلف مع حزن غريب يغمر سطحها؛ أي هول كان يجتاح رأس فان غوخ مـأخوذا في صيرورة دوار الشمس؟(31). لكن ما يذهل في هذه اللوحات هو كتلة الأحاسيس والإنفعالات التي ابتكرها فان غوغ وركّبها؛ ففوق قماش لوحات زهور دوار الشمس تتحقق الأحاسيس، حيث المواد تنتقل إلى الإحساس(32). إنه يرسم أحاسيس في الوقت الذي يرسم زهور دوار الشمس؛ ألوان متدرجة وزهور متفتحة وساطعة، تعبّر عن أحاسيس إيجابية مرحة، لكن عندما ننظر إلى المزهريات نجدها حزينة ومكتئبة، ومع أنها تعاني الفرح، لكنه فرح مؤقت تؤكده تلك الضربات اللونية الباهتة من فرشاته، من الأصفر بتدرجاته المخترعة التي تجذب المشاعر، معتقدا أنه لا شيء سوى دوار الشمس يحرك القلب في هذه الحياة الساكنة(33).
تبرز لوحات دوار الشمس العلاقة السحرية التي أقامها فان غوغ مع الطبيعة وعناصرها، فقد سمح لهذه الأزهار أن تجلد خياله حتى نقطة التفجر، في حين تمكن هو بالمقابل من أن يودع السحر فيها. لقد استمد عن الطبيعة الحركة، واستمد منها إيقاع الحياة، وجعلنا نستشعر "الإيقاع الكوني التي يتحرك كل شيء في الأرض وفقا له"(34). كما نستشعر الحركة المزدوجة لهذه الزهرة الفاتنة طيلة النهار؛ إنها تُتابع مسار حركة الشمس وتنظر إلى داخل الغرفة، إنه الرعب الخالص:"هل ترى دوار الشمس هذا ينظر إلى الداخل من شباك الغرفة؟ إنه ينظر إلى داخل منزلي طيلة النهار؟" يقول مالكوم لوري Malcolm Lowry، ف"الزهرة ترى" يكتب جيل دولوز(35).
4- نظرة على لوحة "من أين أتينا/ ما نحن/ إلى أين نحن ذاهبونD'où Venons Nous / Que Sommes Nous / Où Allons Nous" لبول غوغان:
رسم بول غوغان هذه اللوحة في تاهيتي، وهي توجد الآن في متحف الفنون الجميلة في بوسطن بالولايات المتحدة، وفيها يعرض غوغان موضوعا وجوديا وفلسفيا. دعا غوغان إلى قراءة اللوحة من اليمين إلى اليسار حسب المجموعات الرئيسية الثلاث التي تدل على الاسئلة التي كتبها غوغان في العنوان:
- المجموعة الأولى/ من أين أتينا D'où Venons Nous: رسم غوغان ثلاث نساء تاهيتيات مع طفل نائم.
-المجموعة الوسطى/ ما نحن Que Sommes Nous: رسم غوغان رجل شاب وهو يقطف الفاكهة، ورسم إلى جانبه قطط وكلاب وطيور ونساء.
- المجموعة الثالثة/ إلى أين نسير :Où Allons Nousرسم غوغان امرأة عجوز وطائر أبيض غريب، إضافة إلى مومياء قديمة تغطي أذنيها بيديها، وخلفها آلهة زرقاء من الحجر تشبه ملامحها آلهة الهنود.
انتابتني الدهشة وأنا أصف لابنتي الصغيرة ’’ريم’’ مكونات اللوحة وكيفية جمع وتركيب(36) عناصرها المستوحاة من الحياة الإجتماعية لساكنة تاهيتي ومن المناظرالطبيعية الإستوائية، ومن تمثال محنط جيء به من بيرو وشاهده الفنان في أحد متاحف باريس، ومن صور لأشخاص في معبد بوذا العظيم في أندونيسيا اعتمدها في رسم الأجساد العارية.
لم يضع غوغان نقط الإستفهام وهو يكتب أسئلته الثلاث، فالمهم - يقول دولوز- هو "الخروج من الأسئلة"، والإلتحام بصيرورة الحياة والإيمان ببراءتها والعمل على إثباتها وتحريرها حيثما هي أسيرة. أما القوة الفنية للوحة فيعكسها تركيبها الجمالي وعمل الإحساس الذي يسكنها؛ إنها عمل فني يفيض بانفعالات وعواطف تعكسها وجوه النساء أساسا. أثناء رسم هذه اللوحة، كان غوغان يرسم خط هروب وانفلات من سطوة المدنية الأوربية بتقاليدها وأعرافها وقوانينها وقواعدها الإجتماعية، مبحرا وسط المحيط الهادي في اتجاه جزيرتي هايتي والمارتينيك حيث جمال الطبيعة الإستوائية بألوانها الزاهية والساحرة وشمسها المتوهّجة، باحثا عن الحياة البدائية والعيش البسيط.
قال بول غوغان عن مكانة هذه اللوحة الفلسفية بين مجمل أعماله الفنية:" أعتقد أن هذه اللوحة لا تفوق سابقاتها فقط، بل لن أنجز أي شيء أفضل أو حتى شبيها لها"(37).
5- دور فن الرسم عند الفنانين التشكيليين: بول غوغان، فان غوغ، بول كلي
تتحدد قوة العمل الفني وقيمة اللوحة عند جيل دولوز في المؤثرات الإدراكية والأحاسيس التي ترتفع فوقها، في حين يمنح الفنان المبدع هذه المُدركات والأحاسيس اتساقا واستقلالية جذرية وديمومة أو أبدية. إن إبداع هذه المؤثرات أمر صعب، ويتطلب من الرسام تنسيق سلسلة من الألوان gamme de couleurs حتى تولد الصورة لحظة صنع اللوحة من المجهول، ومنح اتساق للمُدركات(38).
تتوافق نظرة بول غوغان إلى فن الرسم كإبداع للأحاسيس مع تحديد جيل دولوز، إذ يقول عن تصويره لنساء تاهيتي:"حاولت نقل الإحساس ذاته في المشهد كما أحسسته في الشكل الإنساني .. ذلك الإرتباط النفسي العاطفي بالأرض لكنه شبه الممزّق بعصف الريح". أما فان غوغ فقد أراد في رسوماته، سواء كان موضوعها الأجساد أو المناظر الطبيعية، أن يُعبّر عن الأسى العميق لا عن الحزن العاطفي. وأراد أن يبلغ شأوا بعيدا، حتى يقول الناس عن عمله – إنه يُحسّ الأشياء بعمق ويُحسّها برقّة(39).
سيحوّل فان غوغ هذا الإحساس المدهش والعميق إلى خطوط وألوان بهدف "خلق الأشياء من جديد ...، وإعادتها إلى عفويتها كما لو أن العالم قد خرج توا من بيضته الكونية الأولى"، بل سيعمل على تشكيل وجهه نفسه، يقول فان غوغ :"اليوم قمت بتشكيل وجهي من جديد، لا كما أرادته الطبيعة، بل كما أريده أن يكون". إن إرادة خلق الذات والأشياء، جعلت فان غوغ يرى في قلب المأساة خطوط من البهجة يريد لألوانه أن تظهرها، في الوقت ذاته أراد القبض على الفرح بواسطة اللون والحركة. ومثلما ألحّ دولوز على الجانب "الرؤيوي" في فلسفة نيتشه وسبينوزا، وقال بأنهما يجعلان المرء "يرى" أشياء، أكّد فان غوغ على أن المصورين "يعلموننا أن نرى"(40). وقال بأن الهدف من رسوماته هو أن يدفع الناس إلى "رؤية الأشياء الجديرة بالملاحظة التي لا يعرفها كل إنسان"(41).
تتماثل غاية الفن عند جيل دولوز و بول كلي Paul Klee؛ فدولوز يرى "أن الموضوع الأبدي للرسم هو : رسم القوى"(42) ويربط بين نجاح الرسام في إبداع المؤثر الإدراكي وجعل القوى غير المحسوسة التي تسكن العالم قوى محسوسة، و كلي Klee يقول بأن الرسام:"لا ينقل المرئي، بل يجعل [الشيء] مرئي. ويتضمن هذا أن القوى ليست مرئية"(43)، إنها قوى خام في الطبيعة تنتظر فقط من يُبرزها ويجعلها ترتفع فوق السطح، يقول جيل دولوز.
خاتمة
رغم الإعجاب الكبير والمدهش الذي أبداه جيل دولوز تجاه الرسامين وهم يُبدعون المؤثرات الإدراكية والإنفعالية والأحاسيس، فإنه يطلب من الفن الشيء الكثير، بل "المستحيل!". يستحضر دولوز الرسام بول كلي Paul Klee ليؤكد على دور الفنان في الدعوة إلى شعب جديد، يقول:" إن الشعب غائب Le peuple manque، الشعب غائب، وفي الوقت نفسه هو حاضر. الشعب غائب يعني أنه غير واضح الإرادة - ولن يكون واضح الإرادة إطلاقا - هذه القرابة الحميمية بين عمل الفن وشعب لم يوجد بعد، لم تكن ولن تكون واضحة إطلاقا. لا يوجد عمل للإبداع لا يدعو لشعب لا يوجد بعد"(44).
الهوامش:
1- Gilles Deleuze : Francis Bacon : Logique de la sensation, Edition du Seuil, Paris, 2002, p57.
2- Gilles Deleuze : Francis Bacon : Logique de la sensation, Edition du Seuil, Paris, 2002, p40.
3- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ترجمة مطاع صفدي وفريق مركز الإنماء القومي، مركز الإنماء القومي، الطبعة الأولى، 1997، ص191.
4- جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص175.
يقول دولوز بأن هناك تكامل تام وتراص للقوى كمدركات وللصيرورات كانفعالات، جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص191.
5- Gilles Deleuze : Francis Bacon : Logique de la sensation, Edition du Seuil, Paris, 2002, p57.
6- يقول دولوز-غتاري:"هذا ما يقوم به أولا الرسم التجريدي: يستدعي القوى، يملأ العمق بالقوى التي يحملها، ويجعلنا نرى فيها القوى ير المنظورة، أي قوة الإنجداب والثقل، والدوران، والزوبعة، والإنفجار، والتوسع، والإنبات، قوة الزمن"، جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص190.
7-- Gilles Deleuze : Francis Bacon : Logique de la sensation, Edition du Seuil, Paris, 2002, p60.
8 - - Gilles Deleuze : Signes et événements, propos recueillis par Raymond Bellour et François Ewald, Magazine Litteraire, numérau 257,
Séptembre, 1988, p17.
9- جيل دولوز وفليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص190.
10- جيل دولوز وكلير بارنت: الألف لام، I مثلما في Idée [الفكرة]، ترجمة أحمد حسان، المحروسة، ص87.
11- جيل دولوز وفليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص178.
12- جيل دولوز وفليكس غتاري: ما هي الفلسفة، ص174.
13- جيل دولوز وفيلكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص181.
14- جيل دولوز وفليكس غتاري: ما هي الفلسفة، ص171 و172.
15- جيل دولوز وفليكس غتاري: ما هي الفلسفة، ص180.
يقول دولوز-غتاري:"وحتى ولو كانت المواد لا تدوم إلا بضع ثوان، فإنها تعطي للإحساس القدرة على الوجود وحفظ ذاته، في الأبدية التي تتعايش مع هذه المدة القصيرة. فما دامت المواد مستمرة في الوجود فإن الإحساس هو الذي يتمتع بأبدية في هذه اللحظات بالذات"، جيل دولوز وفليكس غتاري: ما هي الفلسفة، ص174.
16- جيل دولوز وفليكس غتاري: ما هي الفلسفة، ص171 و172.
17- جيل دولوز وفليكس غتاري: ما هي الفلسفة، ص190.
18- جيل دولوز وفليكس غتاري: ما هي الفلسفة، ص191.
19- جيل دولوز وفليكس غتاري: ما هي الفلسفة، ص175.
20- جيل دولوز وكلير بارنت: الألف لام، H مثلما في Histoire de la philosophie [تاريخ الفلسفة]، ترجمة أحمد حسان، المحروسة، ص72.
21- جيل دولوز وفليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص187 و188.
22- جيل دولوز وكلير بارنت: الألف لام، H مثلما في Histoire de la philosophie [تاريخ الفلسفة]، ترجمة أحمد حسان، المحروسة، ص72.
23- جيل دولوز وفليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص184.
24- جيل دولوز وفليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص184.
25- "استلهم غوغان من نساء تاهيتي أشهر لوحاته، فقد فتن بأهل الجزيرة هناك، وفضّلهم على المستوطنين الأوربيين. لوحاته جسّدت الفروق بين المرأة الفرنسية ذات الملامح الأنثوية والمرأة التاهيتية ذات القوام الرجولي، منكبان عريضان وبنية بدنية قوية، سحنة سمراء وشعر داكن وشغف بالألوان. التاهيتيات في لوحات غوغان قريبات من الطبيعة، عفويات، لا يعبأن بالموضة، يفضلن الأثواب المريحة الفضفاضة. عبرهن، قدّم تاهيتي جزيرة متحرّرة من العُقد والقيود التي تكبل المجتمعات الأوربية باسم التمدّن الحضارة، متصالحة مع الطبيعة بهدوئها وعنفوانها"، تاهيتي ملهمة بول غوغان،
https://www.youtube.com/watch?v=qtmyPhuNGp4
26- جيل دولوز وفليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص210.
27- جيل دولوز وفليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص208 و209.
28- لماذا لا تزال لوحات دوّار الشمس تبهرنا؟ مزهريات فان غوغ..دورة حياة الإنسان. إعداد: ريم الكمالي.
https://www.albayan.ae/five-senses/heritage/2018-10-08-1.3377453
29- رسالة فان غوغ إلى أخيه ثيو، الرسالة رقم 408، نيو أمستردام، السبت أول ديسمبر 1883، المخلص دوما، فنسنت، الجواهر، من رسائل فان جوخ، الكتب خان للنشر، الطبعة الأولى، 2017، القاهرة-مصر، ص598.
30- يقول فان غوغ عن اللون الاصفر:"كامن في زهرة عباد الشمس، أيها اللون الأصفر يا أنا. أمتص من شعاع هذا الكوكب البهيج. أحدق وأحدق في عين الشمس حيث روح الكون حتى تحرقني عيناي. عزيزي ثيو.. رسالة فان جوخ الأخيرة لشقيقه ثيو، موقع اليوم السابع، 29 يوليه 2018.
31- جيل دولوز وفليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص177.
32- جيل دولوز وفليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص201.
33- لماذا لا تزال لوحات دوّار الشمس تبهرنا؟
مزهريات فان غوغ..دورة حياة الإنسان. إعداد: ريم الكمالي.
https://www.albayan.ae/five-senses/heritage/2018-10-08-1.3377453
34- إيرفنج ستون:فنسنت فان جوخ، الرواية الكلاسيكية لحياة عاشها بين الشهوة والحرمان، نقله إلى العربية ناهض منير الريس، منشورات وزارة الثقافة-الجمهورية العربية السورية، دمشق، 1996، ص647.
35- جيل دولوز وفليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص184.
36- يقول دولوز:"تركيب، تأليف، إنه التعريف الوحدي للفن. التركيب جمالي، وكل ما ليس مركبا ليس عملا فنيا"، جيل دولوز وفيليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص199.
37- لوحة للرسام بول غوغان تحمل عنوان:"من أين نأتي ما نحن وإلى أين نحن ذاهبون"،
https://www.youtube.com/watch?v=KjJoyNdUwjY
38- جيل دولوز وكلير بارنت: الألف لام، I مثلما في Idée [الفكرة]، ترجمة أحمد حسان، المحروسة، ص85.
39- إيرفنج ستون: فنسنت فان جوخ، الرواية الكلاسيكية لحياة عاشها بين الشهوة والحرمان، نقله إلى العربية ناهض منير الريس، منشورات وزارة الثقافة، الجمهورية العربية السورية، دمشق، 1996، ص353.
40- المخلص دوما، فنسنت – الجواهر من رسائل فان جوخ، إعداد ليو نانسن، وهانز لويتن، ترجمها عن الأنجليزية: ياسر عبد اللطيف ومحمد مجدي، تحرير: ياسر عبد اللطيف، الكتب خان للنشر والتوزيع، القاهرة-مصر، 2017، ص88. رسالة فان جوخ إلى أخيه ثيو، مؤرخة بأول يناير 1874.
41- إيرفنج ستون: فنسنت فان جوخ، الرواية الكلاسيكية لحياة عاشها بين الشهوة والحرمان ، ص316.
يقول فان غوغ مُوجّها كلامه لبول جوجان:
- إنني إذ أرسم شمسا، فإنما أهدف إلى أن أجعل الناس يحسونها دوراة بسرعة مخيفة، وهي تشع موجات الضوء والحرارة بقوة هائلة. وإذ أرسم حقل حنطة، فإنما أهدف إلى جعل الناس يحسون أن الذوات الكائنة في حبة القمح تتدافع لكي تبلغ نموها وتفجرها النهائي. وإذ أرسم تفاحة، فإنما أهدف إلى جعل الناس يحسون أن عصير تلك التفاحة مندفع ص645 من قلبها ليخرج إلى جلدتها، وإن البذور تجاهد للخروج إل العالم الخارجي لكي تؤتي ثمرتها من جديد! (...).إيرفنج ستون:فنسنت فان جوخ، الرواية الكلاسيكية لحياة عاشها بين الشهوة والحرمان، نقله إلى العربية ناهض منير الريس، منشورات وزارة الثقافة-الجمهورية العربية السورية، دمشق، ص645 و646.
- خذ هذا المنظر لكوم من العنب يا جوجان وتأمله ! إن هذه الأعناب تكاد تتفجر وتنبجس في عينك. وإليك هذا النهر الصغير، ادرسه، تجد أنني أردت أن أجعل الناس يحسون بآلاف الأطنان من الماء التي صبت في ضفتيه. ثم إنني إذ أرسم لوحة رجل، فإنني أهدف إلى جعلهم يحسون دفق حياته بأسرها، وجميع ما رآه وما فعله وما قساه !. (...)، إن الحقول التي تطلع الحنطة، والمياه التي تندفع في النهير، والعصير الذي يمور داخل حبات العنب، والحياة التي تفصح عنها صورة الرجل وتتدفق بها، كل ذلك في جوهره واحد يماثل بعضه بعضا. إن الوحدة القائمة في الحياة هي وحدة الإيقاع. إنه الإيقاع الذي نرقص عليه جميعا، سواء كنا بشرا، أو تفاحا، أو خيولا أو شمسا في السماء. إن المادة التي تعمرك يا جوجان سوف تتفتت غدا وتدخل في تركيب شجرة عنب، لأنك والعنب شيئا واحدا. إنني إذ أرسم فلاحا يعمل في الحقل أهدف إلى جعل الناس يحسّون أن الفلاح ينساب في باطن الأرضن مثلما هو حال الحنطة، وان التربة تنساب صعودا في الفلاح. إنني أهدف إلى جعلهم يحسون الشمس تصب في الفلاح وفي الحقل وفي الحنطة وفي الحرث وفي الخيول. وإن هذه العناصر ص646 بدورها تصب في الشمس من جديد. إيرفنج ستون:فنسنت فان جوخ، الرواية الكلاسيكية لحياة عاشها بين الشهوة والحرمان، نقله إلى العربية ناهض منير الريس، منشورات وزارة الثقافة-الجمهورية العربية السورية، دمشق، 646 و647.
42- جيل دولوز وفليكس غتاري: ما هي الفلسفة؟ ص190.
43- جيل دولوز وكلير باني: الألف لام، Nمثلما في Neurologie[علم الأعصاب]، ترجمة أحمد حسان، المحروسة، ص124.
44- جيل دولوز: ما فعل الإبداع؟ ترجمة أحمد الطريبق، موقع مؤمنون بلا حدود، 25 أكتوبر 2017.