الوسادة – نص : عبد الحفيظ ايت ناصر

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

في العشرين من عمري ، وكل طاقة العقد الثالث، الشغف والطموح ، هذه الأمور التي من الضروري ان تتوفر ومن الطبيعي أن تكون في شخص يعتب اعتاب عقده الثالث. أهدر هذه الطاقة في الأحلام ولا شيء غير الاحلام والأماني ، رغم قدرتي الكبيرة على التنظير في مسألة معينة، لم أكن لأطبق أيًّا من افكاري.
كانت وسادتي تؤلم رقبتي، في كل ليلة افكر في تغييرها، لكني افضل النوم على إهدار طاقتي في استبدال الوسادة، وعلى مبعدة متر او أقل هناك وسادة قطنية رائعة، الا ان كسلي دائما يمنعني من النهوض واستبدال الوسادة.
وأفكر ماذا لو كان الناس كلهم مثلي! ماذا سيحدث لهذا العالم، الأكيد انه سيفسد، فشخص لا يستطيع تغيير الوسادة لن يستطيع العمل، حتى وان كانت لديه القدرة على ذلك.
تجري الايام على نفس النحو والوسادة نفسها نؤلم رقبتي، ولكن يصعب التضحية بالحركة، ان النوم شيء ثمين لا يمكن ان تدع اشياء بسيطة تزعجه، فإذا كانت الاحلام الطبيعية هي حارس الحلم الطبيعي ، فإن أحلام اليقظة هي حارسة نوم اليقظة، لأنه لا يمكن لشيء اسمه "احلام" ان يوجد دون نوم، وأحلام اليقظة تحدث خلال نوم اليقظة.

وبعد سنوات ودهور لم اغير الوسادة، وها انا افكر في تغيير اشياء اكبر، لم استطع تغيير ديكور غرفتي رغم ان هناك طاولة دائمة ما تسبب لي عثرات او جرحا في اصابع قدمي، لم تتحرك يوما لأحركها عن طريقي، وهناك فراغ بين السرير والحائط تصعد منه برودة احسها تخترق عظامي، اما كأس الشاي فهو نفسه منذ زمن اما قارورة الماء لا اتذكر متى وجدت في غرفتي، لا اتذكر اني اخرجت فراشي ليرى الشمس، اما ترتيب السرير والملابس فتلك هي الامور التي لا تحدث، ولم أحاول أن أعلم اخوتي شيئا جديدا او مساعدتهم في دراستهم، فأنا مشغول كثيرا في التفكير في تغيير العالم، وأفكر في ترك هذا الوسط المنحوس الذي لا يحرمني الا الى اسفل.
وفي لحظات الكشف عندما استيقظ من نوم اليقظة اتصفح الانترنيت او ابحث في كتب خزانتي، هل الصفات النفسية تنتقل عن طريق الوراثة !؟ يتصادف هذا الامر الغريب مع تفكيري في الزواج، ولدي خوف ان تكون هذه الصفات تنتقل عن طريق الوراثة، تأتيني هذه الفكرة الخطيرة لأني اعي تمام الوعي خطورة ان يزداد في هذا العالم اشخاص مثلي بكل العته والعاهات النفسية التي اعاني منها، وتكمن غاية الخطورة في كوني اعي هذه العاهات، شخص مستيقظ نائم يحلم مستيقظا يبني مدنا بالسحاب وفي السحاب ، معدوم الفاعلية لا يحترم الوقت ويدعي الثقافة والفكر ويتبجح بكونه قارئ ولديه بضع كتب في البيت يقرأ ولا يفهم ويمارس العنف كهواية مفضلة اثناء قراءته.
هذا المسخ، هذا الانسان المشوه الذي يدعي لنفسه كل هذه الامور لا يعدو أن يكون مستهلكا الأوكسيجين، ان العالم والمجتمع في حاجة إلى أشخاص الى اناس تميزهم الفاعلية ، اما المغرقون في مثالية وشاعرية يقظة حالمة فيجب أن لا يتناسلوا ابدا.
عندما يتناسل جماعة من الناس تنعدم فيهم الفعالية ففي الاغلب سيلدون جيلا مثلهم او اسوأ، لأن كارثية الاستعداد النفسي وكارثية الوسط ستعمل على هذا وهي جديرة بأن تخرج جيلا معتوها، وماذا يمكنك ان تنتظر من شخص او جيل لا يهتم لوسائل راحته شخص لا يستطيع ان يغير وسادة تؤلم رقبته.
وبعد أن كنت افكر في تغيير الوسادة اصبحت افكر في تغيير اشياء اكبر خطرا، وعندما فشلت حتى في تعليق معطف انهزاماتي على الاخر، اكتشفت اني لم اكن الى هذه اللحظة مجرد ظل انسان واتساءل في حسرة؛
ماذا كان سيحدث لو غيرت الوسادة ؟
بقلم عبد الحفيظ ايت ناصر

تعليقات (1)

This comment was minimized by the moderator on the site

تعتبر الوسادة رمزا للاستراحة... كما أنها تزين الفراش و كذلك تعتبر صندوق لوضع اسرار الحالمين...و أشياء أخرى...لكنها لا تتمتع بالحركة... مع العلم أن لها أذن تسمعك حين تحدثها و تراك حين تنظر إليها و قد تخاطبك في صمت و لكن لا تفقه كلامها...و حتى...

تعتبر الوسادة رمزا للاستراحة... كما أنها تزين الفراش و كذلك تعتبر صندوق لوضع اسرار الحالمين...و أشياء أخرى...لكنها لا تتمتع بالحركة... مع العلم أن لها أذن تسمعك حين تحدثها و تراك حين تنظر إليها و قد تخاطبك في صمت و لكن لا تفقه كلامها...و حتى عندما تسألها لا توجه لها الخطاب أو السؤال بل توججه للفراغ الذي تسبح فيه الأشياء كلها...فمن أين سيأتي التغيير...؟ و الكثير من بني جلدتنا يفضل النوم...لأن التعب بلغ منا مبلغا قد ضاقت به أركان اللغة...فإذا كانت اللغة هي لباس الفكر...و كان الفكر لا يتجلى للذات و الآخر على السواء إلا من خلال اللغة...فكيف للحلم سواء في النوم أو اليقظة أن يكسو الصور و المشاعر و الأفكار باللغة و هو يفضل النوم و الخمول و الكسل على اليقظة و الحركة...

ألم يقل الشاعر ما فاز إلا النوام...

يا قـوم لا تتكلَّـموا إن الكــلام محـرَّمُ
ناموا ولا تستيقظـوا ما فــاز إلاَّ النُّـوَّمُ
...
فلماذا لا نستبذلها بقولة أكثر إيجابية,تحمل من الطاقة الإيجابية ما تدفعك للحركة و الرقي...
يا قوم استيقظوا
إن اليقظة كرم و حلال...
فاستيقظوا و لا تناموا ما فاز إلا المؤمن...

اقرأ المزيد
سعيد
لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة