حب سريع – قصة: ميمون حرش

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

فرغ "لارڭــو" من آخر مجموعة له في القصة القصيرة جداً ، ختمها بنص يحبه كثيراً، يلخص ربما تجربته، جاء فيه:
تجمع الحروف، وتلملم الأرقام،
تضع الكل في خلاّط :
هي امرأة أنغام،
هو رجل أرقام،
وفي الكأس التي لن يشربا منها أبداً:
"عصير قيس و ليلى "

يذكره النص بقصة حب حارقة عاشها بعمق مع "جُمان"، لكن كما في قصص الحب الكثيرة شاء هو، لا القدر، أن يضع لها حداً، لم يكونا على طرفيْ نقيض أبداً في الأول، هو كاتب ، يدبج نصوصاً في القصة القصيرة، ولم تكن تنقص من قيمتها، في نظره، ردود كثيرة حولها ، كانت كلها محبطة، لم يكن يهتم رغم ذلك، و"جمان" ممثلة، تحب المسرح، والسينما، هكذا تعارفا في الأول ( قاص و ممثلة)، لقد تم بينهما كل شيء سريعاً، استغربَ تلك السرعة في الأول، هي سرعة لم يعِ حيثياتها، لكنه سيفهم هذا متأخراً، بعد أن كشفتْ له أسرارها ، "جُمان" هي من كانت تتسرع في كل شيء، أحبته سريعاً حين التقتْ عيناهما ذات" نظرة أولى"( نظرة أحمد شوقي)، وكانت تغضب منه لأتفه الأسباب سريعاً أيضاً، وكم مرة تركته وحيداً في المقهى ، فتنصرف ،سريعاً، غير ملتفة للوراء كما يحدث في السينما التي تحب ، ثم لا تلبث أن تعود إليه بالسرعة ذاتها، فترتمي في أحضانه وهي تغني نجاة الصغيرة: "ما أحلى الرجوع إليه ! ".
عانى لارڭــو كثيراً من رعونة حبيبته " جمان"، تسرعها غير المبرر، من وجهة نظره على الأقل، ضيق الخناق عليه ،إذا غضب لا يعرف كيف يكتب، ولم يكن يحد من جماح إبداعه سوى هذا السلوك إذا صدر من أنثى خاصة، لا يكتب إلاّ وهو رائق، وفي حالات تبرمه، وغضبه يضرب عن الكتابة دائماً، لا يمسك بالقلم، ولا يحضن الورقة البيضاء أو الأفعى البيضاء كما يسميها همنجواي إلا حين يصبح رائقاً، ومتصالحاً مع نفسه قبل الآخرين، والآخرون هم الجحيم دائماً، كانوا ينغصون عليه كثيراً، وسيفهم أشياء كثيرة- لكن متأخراً، وهذا هو الفرق بينه وبين جمان- حين حكت له عن سبب " السرعة " التي تسيج لا روضَ علاقتها به، بل رياضَ حياتها كافة.
قضى أبوها في حادثة سير، وهو صغير السن (28 سنة)، ترك ابنته " جمان" سريعاً بعد أن أنجبها في وقت قصير، وغادر الحياة بعد ولادتها مباشرة، ترملت والدتها وهي في عمر الورد، وسرعان ما ارتبطت برجل آخر، وتزوجته سريعاً، وسيكون طلاقها منه بالسرعة ذاتها، لكن بعد أن أذاقها الصاب على مهل ولو في مدة قصيرة.. كبرت" جمان" دون أن تعيش طفولتها، والتحقت بمعهد للسينما سريعاً دونما اختبار، وأحبت لارڭــو من أول نظرة، تقول له باكية : "كل شيء في حياتي مر كلمح البصر،هكذا ورثت السرعة، حياتي إدمان بنيكوتين السرعة، ينخرني من الداخل".
كان عليه أن يغير من عاداته معها، بعد أن سمع منها حكايتها ولم يكن يحب أن يتركها ، وأراد أن يثبت لها أن حبهما سيدوم طويلا نكاية بالسرعة التي تعاني منها " جمان"حبيبته، ولعل موهبتها في التمثيل كما "تدعي" مسح دموعهما معاً ،ألف آمنا، لكن حال دون استمرار حبهما، طالما تبجحت، أمامه، بموهبتها في التمثيل، وهو حكم " متسرع" منها ، لأن لارڭــو حين دعته للمسرح ، لأول مرة، ليحكم عليها، وعلى الهواء مباشرة، سيتفاجأ كيف أنها عطل من أي موهبة، خبط عشواء كانت فوق الركح، يومها آلمه كثيراً كيف استهزأ بها الحضور حين صدر عنه صفير حاد احتجاجاً.قارنها بالمطربة الأمريكية "فلورنس فوستر جنكيز" التي حصدت الحرج ذاته مع الجمهور الغفير الذي حج لسماعها.
و"بسرعة" سيفتر حب لارڭــو لـ" جمان" بسبب موهبتها التي ادعتها، اعتبر ذلك كذباً، ولم يحبَّ أبداً أن يسخر منه أحد، أو يقلل من الفن، مقدس هو الفن في نظره، وكل متطفل عليه لابد من مواجهته حتى يعرف حدوده، وكل تنقيص من الفن، عبر استصغاره، هو باطل، باطل. و الفن كما النجم ، ورؤيته صغيراً في السماء إنما الذنب للطرْف لا للنجم في الصغر.
لم تخسر " جمان" شيئاً، هي محصنة من سرعتها ، فبسرعة نست لارڭــو كما أحبته، واعتبرت حبها له هو من تداعيات فيروس سرعتها التي أدمنت عليها، متسرعة قالت لها نفسها : " ستنسينه بسرعة.. لن تخسري شيئاً ".
لارڭــو استوحى قصة قصيرة جداًمن علاقته ب" جمان" عبر عنها بنص " عاشقان"، كتبها على مهل، من عاداته أنه لا يتسرع في كتاباته، لكن في الحب يختلف الأمر معه ،سينسى "جمان" سريعاً، هو رجل ، ولا بد للرجل من امرأة يحبها، ولم تكن هذه المرة سوى فنانة هي الأخرى، القدر شاء، هذه المرة لا هو، ذلك، ( قاص ومُغنية)،اسمها "نغم" ، بهذا الاسم الفني قدمت له نفسها،وفيما بعد ستحدثه ، هي الأخرى ، عن موهبتها في الغناء.
ذات لقاء، صحبة "نغم" فنانته الجديدة، ثمل لارڭــو حتى اختلطت عليه الأجناس الأدبية، منسجمان تماماً، وراضيان، يستمعان لفيروز وهي تصدح " عودك رنان"، اقترب منها، أحس بها لينة مِطواعة، ظن أنها مستعدة تماماً للحرث، أغمض عينيه حتى لا تراه ضعيفاً وهو ينشد وطره منها، هي أرخت ضفائرها ، أراد أن يقبلها في فمها، منعته برقة قائلة : "أخاف عليك مما عندي، رضاب شفتيّ ، إذا امتزج بغناء فيروز، وبالخمر الذي تكرع، لن تتعافى أبداً."
" نغم" أي وتر هذا ! ..مختلفة هي عن " جمان" إذاً، ليست متسرعة مثلها، ولكنها تشبهها في ادعاء الموهبة "ربما"، حين اقترحتْ على لارڭــو أن يزورها في العلبة الليلية الراقية حيث تغني ليحكم على موهبتها ، قال لها :
"لا أريد أن أخسرك، لذلك لن أحضر".

تعليقات (1)

This comment was minimized by the moderator on the site

نص ماتع لأديب رائع مخلص لفن القصة، بدوام العطاء و التوهج.

أحمد شرقي
لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة