شاعر وقطة – قصة: حميد بن خيبش

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

لم يكن في الجوار غيرها ليخدش الباب في ساعة متأخرة. يبدو أن المطر داهمها في كرتون زيت تبرع به الجار لإيوائها. رقة هذا الكائن تأسر سكان العمارة، لكن صغارهم لا يهتمون بالفرق بين دمية وقطة. آثار السلك الذي ربطها به أنذال صغار بادية على رقبتها. تموء وهي تتمسح بسروال نومه. لعلها جائعة!
سارع إلى المطبخ بحثا عما تبقى من سندويتشات الغذاء. معذرة يا صغيرتي، فالحرم المصون غاضبة في بيت العائلة. الشقة برأيها أضيق من كرتونك، ولا تليق بشاعر رأسماله في الحقيقة كومة أحاسيس، ونسخ أعماله الملقاة في أرجاء الغرفة.
هل يليق بشاعر مثلك أن تحاصره امرأة في زوايا أربع من الطوب والإسمنت؟ قدرك أن تتفجر دفئا ورقة لتذيب صقيع الحياة. هكذا أنتم أيها الشعراء! ثم انصرفوا إلى حيواتهم يديرونها بخبث ومكابرة، غير عابئين بسطوره الممددة على صفحات الجرائد.
شاعر.. ثم ماذا؟

تموء القطة فيمسح على ظهرها ليدخل السعادة إلى قلبه. بعض النساء قطط! يتجدد المواء بينما يقلب درج مكتبه بحثا عن مسودة أشعار في الحب والجمال، وبؤس بني البشر. لا فرق بيني وبين أي صعلوك آخر في الحي. تلك هي الحقيقة. يقرر الصعلوك أن يجابه واقعه بما يليق باللحظة الإنسانية من قسوة أو جنون. مهمتي أنا هي تزييف كل شيء. أحاسيس تنبض على الورق، بينما تُداس في الخارج بأقدام الباحثين عن عالم أفضل.
جمال تديره صالونات الأزياء والعطور بأنفاس حرب باردة.
عزلة محب لا يطيق الجلوس بمفرده لتناول فنجان قهوة.
وحب ملتهب الكلمات لكنه سريع الذوبان. يكتنفه لغط الحياة وشدتها فيصير عبئا على قلبين.
كفّ للحظات عن سهوه حين نطّت من مكانها إلى النافذة المجاورة. تحب القطط مشاهدة ما يجري لساعات. هل أكتب شيئا جديدا لو استلهمت حضورها الآن؟ من يدري، فقد يكون للوجود معنى إذا تفحصته بعيني قطة!
رن هاتفه فجأة، فتنحنح قبل أن ينصت بلباقة معهودة لحديث صهره. ألح على أن يكون للشاعر دور آخر غير إتلاف عمره بين كومة أوراق:
- تطلب الأمر ساعات لإقناع رئيس البلدية. ستكون رئيس الدورة العاشرة للمهرجان الثقافي. هي صفقة لتجديد أثاث البيت، وفض النزاع المستمر بينك وبين الحرم المصون!
كل شاعر هو، بنظر العائلة، بطل من ورق. كي يلمع صورته يحتاج إلى سمسار لإتمام مهمة التألق والظهور. رئيس دورة! هل يسخر من نفسه أم يُجاري قواعد اللعبة؟ التفت إلى القطة التي تلعق طرفيها في لحظة استحمام فريدة. تذكر ما قاله دافنشي يوما: "كل قط هو تحفة أدبية". ما عساه يكون الشاعر إذن إن لم ينسجم مع النفحة الإلهية التي ألهمته سحر بيان؟
أي شأن يتفرد به الصدق بعد انكسار المرايا؟
وهل..؟
التقط بسرعة قلم حبر أسود، ثم ارتمى على أريكته ليغزل من العاصفة خيوط مطر. يبدو أنها استشعرت ما يهز كيانه، فنطت إلى جواره لتموء وتتمسح بسروال نومه. بعض المشاعر قطط، تخدش قلبك ليسترد حماسه الفاتر. وفي لحظة مفعمة بالتجاوز، يصير العالم الفسيح كرتون زيت، لا يلبث أن يضيق بك ذرعا حين يُبلله المطر!
شاعر.. ثم ماذا؟
لا شيء!

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة