تفاصيل غير قابلة للنشر - قصص : إسماعيل بنهنية

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
anfasse- أعترف .... و لم لا ؟؟؟
- سأعترف، أو بلغة اليوم، أمارس نقدا ذاتيا. أنا وأعوذ بالله من قولة أنا، مشروع كاتب فاشل مع سبق الإصرار و الترصد.
- أدخن بشراهة كبطة منقوعة بالماء، أو قل : كمصنع ارتأى ربه أن يكون في خدمة بيئة سليمة...
- ها . . ها . . ها . . أراك تلوي شفتك العليا متهكما ، لا يهم . . المهم يا صاحبي أن تعلم، جازاك الله و أيدك، أن أصعب أوقات الإنسان حينما يتراءى لنفسه كديك منفوش أو كلب أجرب في أحسن الحالات، و قد جربت و لا فخر الإثنين . . .
- قبل أن يتمم كلامه (أقصد صاحب البذلة السوداء  التي انمحى لونها و ذا الشعر الأشعت) كان بلحراكة قد تنحنح :
- " يا بسم الله، على بركة الله."
- و أدار محرك سيارته (الرونو 18) البيضاء كسحابة صيف، و سلك الطريق الجنوبية.
- جلست بقرب الرجل الذي بدأ حكايته الآن، و قد تعتعه السكر، و كل ما يسكر فهو خمر، و كل خمر فهو حرام، حتى ذلك الذي يعبه صاحبنا من حين لآخر.
- تقصد "الماحيا" يا عيني.
- طبعا، هو ما يسميه إخوتنا المشارقة بماء العرق.
- و في الطرف الآخرتكومت عجوز و ابنتها ذات الوجه الشاحب و المليء بالثقوب، من أثر الجذري، ربما، بينما كانت الجليستان في المقعد الأمامي لا تكفان عن الثرثرة.
- كنت تملأ عينيك من وجه فتاتك، هكذا سميتها كما أخبرتني منذ قليل، لا تهتم لتهكم بلحراكة و ضحكته التي يستلها من وراء المقود الجلدي، إذ الحياة حلم لذيذ، و لا تملك سوى هذا الحلم، و لو كان جالسا الآن مكانك، لوضع يده على جنبه مغمغما :
- رُبَ بكر لم يطمثها إنس قبلي و لا جان.
- عاد الرجل من إغماءته الخاصة قائلا :
- " ... ما معنى أن تملك خمسة كتب في رصيدك الإبداعي ؟ ؟ ؟. هناك معنى واحد فقط . . . مزيد من القهوة السوداء، و كثير من علب الأسبرين .. معناه أن تحمل كتابك كعطار، و تجوب الأكشاك و المكتبات، و أن يكون جيبك سخيا بما فيه الكفاية . . . "
- صحيح يا عزيزي، "كاتب" كلمة تسكر القلب، تصير ديكا منفوشا و كل ما عداك دجاجات تبحث عن حَب حدسته عيناك الحمراء . . .
- و الأصدقاء . . . ؟ ؟
- غامضون . . . و أكثرهم خشب مسندة.
- تثاءب بلحراكة من أثر أرق ألم به البارحة، فلكزته إحدى الجليستين قائلة بغنج :
- "سير بِشْوِيَا، سير بشويا ، آالشيفور آعينيا."
- انبسطت أساريره، قهقه حتى بدت سنه الفضية اللامعة.
- قال مرافقي :
- "أما حين اكتشفت نفسي ككلب أجرب، فكان ذلك وقت أحببت أول مرة. (لا أدري من أصدرت آهة عميقة الآن، قد تكون إحدى الجليستين اللتين ما انفكتا تثرثران).
- ليس حبا بالمعنى الذي يتبادر إلى ذهنكم، و لا الذي خطر على بالك ياأنت، و قد فغرت فاك متلمظا، و إنما و العهدة علي حين تورطت بحب امرأة ليست كالرجال، عفوا أردت النساء، و النساء شقائق الرجال كما قال لنا فقيه المسيد ذات شتاء.
- كان أن التقينا في ذاك المقهى الكئيب، أذكر أني كنت منشغلا بـ (مئة سنة من العزلة)، و كانت بضع سمكات تسبح هانئة في المسبح الزجاجي، المحاذي لطاولتي، و بالضبط في الجانب الخلفي للمقهى حيث وُضعت أرائك لجلب الراحة للزبناء الخاصين جدا بعيدا عن أعين الفضوليين.
- كنت من حين لآخر، أتملى بهذا الجمال الساحر الذي ذكرني بإحدى لوحات "فان كوغ" و فجأة سمعت صوتها . . . صوت نسوي رقيق يخاطبني محاذرا :
- أهي العزلة مرة أخرى ؟
- شدتني هذه البحة اللذيذة، و هذا الصوت النسوي الذي خرق مجالنا الذكوري بامتياز.
- إنه "ماركيز" . . . هذا الأمريكي المتمرد، يستطيع أن يفسد عليك خلوتك.
- أوه، دوما كما عهدتك . . . تمنيت يوما أن أراك منشغلا بشيء آخر.
- مثلا ؟؟
- امرأة إن شئت.
- أخرجت قنينة ماء العرق، من جيب معطفي الأزرق الطويل، و بعد أن مزجت قدر سدادة مع كأس الليمونادا الموضوع أمامي، تمتمت :
- و كأن العالم ثقب كبير . . .دعينا.
- و الخمر الرديء نفسه، حسبتك أقلعت عن عادتك القديمة.
- و الله عليها تِبْنا أو ثَوْبا إن شئت.
- و قهقهنا معا.
- لكن بربك قولي : أين التقينا من قبل ؟ ؟
- حزر، فزر
- قوست ما بين حاجبي مفكرا، أمعقول ؟ ؟
- نفس الصوت، الضحكات، الخصر، النهد الطفل، القصة الأمريكان، و الجينز و تفاصيل أخرى . . .
- أتكون هي ؟ تلك الشحرورة الشاحبة التي كانت تقاسمني نفس المقعد. صحت :
- هند أبو النشا. صاحبة النظرات الوقحة.
- أيوه، تملك ذاكرة مثل بغل.
- لملمت حوائجي الصغيرة، للحقيقة فقد ساعدتني في جمعها، استقبلتنا السحنات المعروقة و قد فغرت أعينها و بدأت تلوك نفس الشتائم.
- أف، بلد متعهر، لا ماركسك يفيد.
- و لا فرويدك إن شئت.
- بدأت بعض حبيبات العرق تتصبب على جبينه، ناولتَه منديلا ورقيا، و كدتَ تجفف جبينه لولا أن رأيت فتاتك، مرة أخرى، رغما عنك، تتفرس محياك، فخجلت و اكتفيت بقولك :
- هون عليك ياأخ، و أين هندك الآن، يا . . . عفوا لم تشرفنا بإسمك :
- اعسيلة الجيلالي
- ميلود العنتيري . . .
- ألم أخبرك بأني ملكت سيارة ؟
- لا
- و لا أنت
- ربما أذكر ذلك
- كان ياماكان . . . كانت سيارة جميلة، خدومة و حمراء، لا يهم أي "ماركة" هي، لم أبخل عليها لا بالعطر الباريسي و لا بالبخور.
- لا تضحك، فأنا عيساوي حد النخاع، اقتنيت ما يكفيني من الخمر الروسي، و عرجت على خلوة إبراهيم. للإشارة فإبراهيم شاعر مهووس بالتمرد. . . تستطيع أن تسلبه جلده، لكن حينما تمس نصا من نصوصه، ينتفض كمهر جامح.
- قلت، الخمر الروسي ؟. . . تقصد الفودكا
- إنه هي، لا تذكرني باسم هذه الخبيثة.
- و في الطريق المتعرجة في اتجاه "تيزي نتيشكا" حدث ما حدث. . .
- أفقت بعد ثلاثة أيام و أربعة ليال، هالني المنظر، ذكرني بأسرة أمل دنقل، كل شيء أبيض حتى الجلباب الصوفي الذي كان يلبسه إبراهيم في الدَور (طقس ديني تُقيم فيه القبيلة و ليمة تكريما لحفظة القرآن) خاطبني :
- على سلامتك . . . عندك سبعات رواح بحال الكط.
- و هند . . .
- أودعناها دارها الجديدة. . .
- طفحت عيناي بالدموع، أدركت لحظتها أنني ملعون. . . ملعو ن ككلب أجرب . . .  كذي القروح إذا شئت . . .
- أوقف بلحراكة السيارة، كان الليل قد أظلم . . . تحسستم المكان . . . و بدت القبة الخضراء لسيدي مسعود بن حسين قابعة كسيد الوقت . . . هذا الذي لم تُخفه جيوش السلطان الأسود. . . استرسل بلحراكة في ذكر بركات سلطان الجن، هتفت العجوز :
- آاتسليم أمول القبة. . .
- أما الرجل الذي أنهى حكايته الآن، ذو البدلة السوداء، فقد تقوس على الصخور ، و أخرج شيئا من جيبه، لا تدري ما هو، راعتك فقط حركات يده الصاعدة الهابطة في اتجاه فمه الأدرد.
- أما أنت، فما كنت تصدق أن تواطأ بلحراكة، و الظلام الذي بدأ ينزل رخيا الآن سيمنحانك فرصة الاختلاء بفتاتك.
*********
- قم يا الميلودي العنتيري، و امسح سحنتك التي بللها العرق البارد لا داعي للدروشة الرثة، فلقد خبرت الحياة.
- صحيح أن شاربك لم ينبت بعد، و لكن هذا السور اللعين المحيط ببيتكم القصديري شاهد على حماقاتك و شيطنتك، أما ذاك العمود النابت هناك في تلك الساحة، جهة اليمين، و بالضبط في مقابل موقف الشاحنات، ما زال يذكر وقفتك اليومية الطويلة، و الصندل الأخضر لا يبرح قدميك و أنت تنتظر موعد نوبتك لتنطلق إلى ضيعة الحاج، المعطي الورادي، لتقتلع الشمندر.
- لا شك تتذكر في ذلك اليوم الكئيب، أنك انتظرت طويلا حتى تعبت ساقاك المعروقتان، كنت خائفا من عقاب الوالد حين تعود صفر اليدين، لذاك فقط قررت التوجه إلى السوق الذي يبعد بعشر كيلو، (أدليت لي بهذا التصريح بعد مرور حوالي شهرين على الحادث، و إن كان إبراهيم قد شكك في المسافة و اعتبرها سبع كيلومترات فقط)، قطعت المسافة راجلا، يممت وجهك شطر ابن عمتك (الغضف) ذاك الذي و هو يحدثك تتطاير بقايا بصاقه لتكسو وجهك لتستدين منه بضع مئات الفرنكات.
- إيه يا لعنتيري، و ماذا تفيدك آلاف الفرنكات حتى ؟
- من مقهى إلى أخرى، نفس الهرولة و نفس الكلمات المنقوعة دما :
- الديطاي . . . كارو كازا ماركيز . . . كارو . . . كارو. . .
- تستقبلك نفس السحنات و قد علاها الكدر، كنت تنظر إلى الأفواه الزرقاء و الأصابع المعروقة، المنصوبة على شكل حرف النصر الفرنساوي.
- طبعا . . . طبعا. . . هم لا يستغربون الآن لإلمامك بالفرنسية، يعرفون أنك الآن في سنتك النهائية.
- الباكالوريا، يا عم. عمر بها فمك.
- خميسة و خميس على عينين العديان.
- في المساء، جررت قدميك المتعبتين في اتجاه الدوار، لولا شاحنة "النمس" الله يجازيه، لوصلت متأخرا و نلت الفلقة.
- إيه يا العنتيري . طز على حياة القردة، والنظر من تحت لا من فوق. فالفوق فوق. و لله في خلقه شؤون.
***********
·     دفعوها حيث الخلاء يمتد موحشا كقبر، لطمها أحدهم بينما الآخر صنع من تنورتها بعد أن مزقها رباطا يكبس صراخها المحتمل أما ثالثهم، و قد أنكر ذلك كما جاء في محضر كتابة الضبط، فقد كان يحمل قنينة (شراب دومي و لا عمومي) و هي تسمية محلية طبعا لنوع رديء من الخمر يميل لونه إلى الأحمر القاني.
- كانت تمشي بغنج، فيهتز ردفاها لطقطقة كعبها العالي، بينما تتلاعب نسيمات الريح التي هبت قبل قليل بفرجتي تنورتها الزرقاء، فيبدو فخداها البضان كشمعدان مصقول.
- لولا حقيبتها المدرسية و مريلتها البيضاء لما ظننت أنها غادرت فصل الفيزياء منذ خمس دقائق خلت.
- وقفوا غير بعيدين عن باب المؤسسة، التصق بها أحدهم في حين بادرها الآخر بكلام يدغدغ حلمتيها النابتتين كحبتي عنب ناضجتين.
- لسوء حظها، أو لرغبة في نفس السارد، قهقهت. و لسوء حظها أيضا كان الشارع قفرا.
- يا سيدي ألا تخجل من فضولك اللعين، تعتعه السكر فانكسرت جلتها.
- و من تلك العجوز التي ترافقها كظلها ؟؟
- ما يحكى أنها رئيت بصحبتها، و لا أحد يثبت ما يزعمه رواد مقهى الفلفل من كونها وسيطة . . . كول الله يستر، كلنا عندنا البنات.
**********
- اسمي قدور بن لحراكة، و هو في الاعراب اسم فكنية، و قد سقطت ألف ابن لتوسطها علمين.
- الدنيا في نظري ضحكة كبيرة و آلاف الآهات.
- يقول بيان الحالة المدنية الذي أخذه من البلدية أمس :
- العربي بن لحراكة
- صفات خاصة : لا شيء
- أبوه : اسماعيل لعرج المكنى بــ (ميسا)
- أمه : يطو بنت لمغاري
- السن : تقريبي عام (يرني)
- يشهد بصحة هاته المعلومات ضابط الحالة المدنية. الختم + الإمضاء.
- خوك مبلي، الله يسترنا دنيا و آخرة، بجوج حوايج: السبسي و الكارطا.
- وحيد كنورس عجوز، يتنفس جراحه الماضية، قبل هذا الزمن بقليل، بله بعشرين سنة، كان يربطه بالعالم أمل واحد و وحيد، أما الآن فكل الخيوط تلاشت كدقيق ذرته الرياح.
*********
·     و في الصباح، قبل أن يدق جرس الإعدادية الوحيدة دقته الثامنة، تسلل المقدم إلى الحوش المحيط بالقبة، و بالضبط إلى الناحية التي تمددت فيها ستة أجساد بعياء، كان بصحبته المخزني بنعمر بكامل بذلته الرسمية التي تفننت زوجه طامو في كوائها، ما كادوا يرونه حتى قاموا فزعين، حكي أن اعسيلة الجيلالي تخلص من خمس قارورات من الشراب المعلوم، بادرهم، كانت الكلمات تخرج من فتحتي منخاره :
- لمقدم ديال الحومة، و هذا مساعد القائد، تفضلوا معنا فأنتم مستدعون لأمر يهمكم.
- *********
- قال راوي الرواه :
- لقد اعتقلوا بسبب عدم توفرهم على بطائق هوية و قيل كلام آخر والله أعلم . . .
- قال الراوي الأول :
- عثرت في مجموعة قصاصات كنت قد تسلمتها من قدور بلحراكة أن سبب الاعتقال هو هذا المنحوس الذي يعتقد أنه كاتب و ذلك لرائحة الماحيا التي كانت تنبعث من ملابسه.
- و قال الراوي الثاني :
- في خطاب وردني من إحدى الجليستين اللتين كانتا في المقعد الأمامي، و للإشارة فقد لامتني كثيرا لعدم حديثي عن معاناتهما، جاء ما يلي :
- و سبب ما تعرضنا له أن حضورنا بالمكان المذكور صادف وقوع سرقة كبرى تعرضت لها وكالة البنك الوحيد الموجود بالمنطقة.
- و صرح راو مجهول :
- للأسف، لا أدري أين ضاع مني المحضر الوحيد الذي تسلمته من دركي فضل عدم كشف هويته.
 
-----
 
هوامش لا أحد يثبتها
 
عثرت في صندوق بريدي صباح اليوم الموالي على ثلاث بيانات من مجهولين:
       الأول : من المؤكد أنك لم تنقل لنا الحقيقة كلها، جائز أن بعضها تعرض للرقابة.
       الثاني : قصة أشبه بهذيان محموم، تنعدم فيها الرؤيا و لا رابط يصل أجزاءها، حبكة شبه منعدمة، غياب الوصف، ننهاية مبتسرة، لذاك فهي غير قابلة للنشر، ننصح المعني بالإطلاع على القصص المتداولة، و على الكتابات النقدية ... وإلى قصة أخرى.
       الأول:- شخصيات ممنوعة من الصرف مع سبق الإصرار و الترصد.
       السارد:- ينبغي أن أعترف أنني لم أطلع على كتب صاحب البذلة السوداء باستثناء أبوابه . . . لذلك أوردت كلامه مع تحفظ من جانبي . . .

تعليقات (1)

This comment was minimized by the moderator on the site

سرد جميل أستاذ بن هنية ستنافس أحمد بوزفور ذات يوم

أسماء جرير
لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة