شعرية الإنصات لخلايا الذات والتوغل في نبض المتاهات الخلاقة من خلال ديوان :"هيأت لك" لوفاء العمراني - د. امحمد برغوت

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

إن التشكيل وإعادة الصياغة للرؤيا الشعرية الثاقبة لا يزال لغزا لم تستطع فك طلاسمه لا نظريات النقد الكلاسيكي، ولا نظريات الشعرية الحديثة بمختلف مدارسها واتجاهاتها منذ أن لسعت عقرب الإبداع أحفاد آدم وحواء إلى ما ستتمخض عنه أوجاع الحاملات للجينات من المضغ والعلقات فيما سيأتي من الأزمنة .
إن تشكيل الرؤى الشعرية الحالمة بتحقيق التوازن المفقود في عصر متسارع الخطى، وإعادة صياغتها صياغة فنية قادرة على خلق الدهشة المبتغاة لا بد أن ينبثق من بؤرة الذات الشاعرة. غير أن هذه الذات بدروها محكومة بظروف قد لا تسعفها دائما في القبض على الجوهر المنشود. ومن ثم لا مناص من الاعتراف مسبقا بأن الغوص فيما يؤرق هذه الذات، يمكن اعتباره منطلق الشرارة الأولى لكي يستوي البوح الشعري على الصورة الأبهى والأصفى من كل أدران الواقع المحيطة بها.

ومن أجل القبض على هذه اللحظة، أي لحظة انبثاق الدفقة الشعرية المنشودة في التجربة الشعرية للمبدعة: وفاء العمراني، لا بد من التسلح بغير قليل من التأمل الرصين في منحنيات تحول هذه التجربة منذ أن انبثقت في أعمالها الأولى : كـ "الانخاب" و "أنين الأعالي"، مرورا بالنماذج الناضجة من تجربتها الشعرية والمتجلية في أعمالها اللاحقة كـ: "فتنة الأقاصي" و "حين لا بيت"، وصولا إلى ديوانها : "هيأت لك" .
ويمكن القول إجمالا، ومن خلال إعادة تركيب مقاطع شعرية للمبدعة وفاء العمراني، أن وعيها الشعري تفتق "على أرض هيأتها لوشم الرياح"، ثم راحت تهدهدها ب :"لهاث الجسد الذي عصفت به الروح ليحترق من عبق الآتي" وتشرب من "شمس لاذت بالمجيء" حتى "استحالت مرفئا لأيام الانتظار" تنتظر من يسويها بشهوة لكل الليالي التي "تستل خضرتها من جوف الندوب" كي تنتشي بهديل "الحمائم وهي تطلق زغاريد المدى".
هكذا تتبدى لك رؤية وفاء العمراني الشعرية وأنت تروم القبض على الجمر الذي أشعل فتيل معانيها منذ أن عمدت ذاتها بطرح الأسئلة المؤرقة كما يتضح جليا في هذا المقطع الشعري، حيث تقول :
"شربت من شمس
لاذت بالمجيء
وعودت فرحي على الخذلان

أنا المرفأ
أيام الانتظار
الوقت المنتحر بالسؤال
لا يسعني الوسع
وما عري النفس مفاوز
تأبى الحد
تضيق عن الإجابة
أنا المدمر بي
الراحل في
المعمد بالمحال "1-
إن الغوص في أعماق الذات، والتأمل فيما يشغلها، والإنصات لنوازعها ولخلاياها الخفاقة لهي من وظائف تشكيل الرؤى الشعرية القادرة على الغوص إلى القرار.
وعن هذا التصور تقول في مقطع موالي من هذه القصيدة التي يمكن اعتبارها بيانا يحدد وظيفة الشعر كما تراها :
"غريب الخلايا
أرعى سربا من تنافر
ينبث نجما أو هباء
تكاثفت
امتلأت بأكثر من دغل
ونكهتي طالت أرق الجبال- 2 -
ها قد حددت الشاعرة منطلق شرارتها الشعرية، وصاغتها وفق تصور ذاتي أصيل ينسحب على متنها الشعري الذي رأى النور في ثمانينيات القرن الماضي، ولا يزال يرشح بالكثير من هذه التصورات.
تتوسل الشاعرة "وفاء العمراني" في ديوانها الموسوم بـ: "هيأت لك" 3- بحروف الأبجدية القادرة على ترويض الفيافي والصحاري، وبأجنحة الحب القادرة على التحليق خارج الأزمنة والأمكنة في رحلات توهج الرؤى التواقة لاستشراف ما سيأتي. وتقول في مقطع شعري مثبت في لوحة الغلاف الخلفي لديوانها:

"سلاما لصحراء الأبجدية روضتها
سلاما لأجنحة الحب بنعل من جمر
تلملم تبعثري
سلاما لها ويتي الكوكب
سلاما لآتي، أراه الآن، وأمسي
سلاما لرؤياي وعصفي
سلاما لوهج الرحلة
سلاما .... سلاما . 4-
رسم ملامح الذات التواقة إلى التحرر من العذاب الروحي والقلق الوجودي:
قد يتساءل القارئ وهو يتأمل عتبة الديوان المثير لفضول القارئ والمستفز له :
"هيأت لك" : - بأية طريقة، وعلى أية شاكلة تتهيآ الشاعرة ؟ ولمن ؟، ليطالعه هذا المقطع الشعري من قصيدتها التي استهلت بها ديوانها :
"سأهيئ آتي وأمسي
رؤاي مداري وسحري
وحدتي الشامخة
أنفاسي عطر البراري
زينتي واشتهائي
احتفاء القول حناياي
عصفي وانسيابي
ليأتني الحصاد
سأهيئ له قمحي." - 5-
واضح أنها ستهيئ له جسدها وروحها وكل جارحة من جوارحها (سحري، أنفاسي، زينتي، اشتهائي، عصفي، انسيابي) في الزمان: (أتي، أمسي) لهذه القوة القادرة على إشعال فتيل معانيها ورؤاها الشعرية (رؤاي، مداري، سحري) حتى تنعم بموسم الحصاد لحظة انبثاق القصيدة، المعادل الموضوعي للقمح في قولها (سأهيئ له قمحي).
ومن ثم يبدو أن الشاعرة تتهيأ على الشاكلة التي رسمتها لهذا القادر على تجديدها وإعادة تشكيلها ثانية كي تخرج من وحدتها الشامخة وتحظى بالسياحة في آفاق التيه، والتطهر بالموج المائج، والحلول في الخضرة الوراقة، والتماهي مع الأشكال المنمنمة ، كما تقول في مقطع موالي للذي سبق:

 

"كن التيه وتخطفني
كن الموج وجددني
كن الشكل ونمنمني
كن الخضرة وأورقني
كن الماء
ليأتيني البهي
سأهيئ له كلي. -6-
بهذه الطريقة تبدو الشاعرة متلهفة لضم من عرفته خلاياها وأدمنته، وأيقنت في دواخلها أنه الوحيد القادر على تحريرها من كل هذا العذاب الروحي المستبد بها منذ أزمنة سحيقة، إنه القصي/ الداني/ الغائب/ الحاضر الذي افتقد جذعها لفروعه:
"تعرفته الخلايا
جربته
أيقنته
أدمنته
أدمنت أوائله
ييغي جذعي فروعه
ويشتهي الليل غمره
هيأت العمر له." - 7 -
ها قد بدأت ملامح المخاطب الذي تتهيا له الشاعرة في التشكل عبر صيع الفعل الماضي المقرون بتاء التأنيث الساكنة المسندة لضمير الغائب المتصل:
(تعرفته، جربته، أيقنته، أدمنته)
إنه الوحيد القادر على انتشالها من وحدتها الشامخة، وتخليصها من هذا القلق الوجودي الذي استبد بها وكحل رموشها بالسهر، وأفردها لمواجهة الأسئلة المؤرقة التي تنثال عليها كسيول جارفة تعكر صفو نفسها التائهة، الشريدة، الحزينة. ومن ثم تبدو الذات الشاعرة مقيدة بطرح الأسئلة تلو الأسئلة، مترقبة هذا القادر على تحريرها من رتابة الزمان ووحشة المكان، كي تتوغل في نبض المتاهات الخلاقة على إيقاع هدى النشيد وهي المسكونة بفتنة الأوائل. تقول الشاعرة في قصيدة لها بعنوان: "أشبهك أيتها الريح" :

"سارية خارج حرب الغبار
أتقرى دروب الغيم الوريفة
و أمضي
أقرأ صمت الحلم
وأتعلم كيف أشحذ للغته الآتي
أو غل
نبض المتاهات الخلاقة دليلي
... كالعطر مسافرا في تيه السؤال
أتشح بالطريق
أعتق المسير من النقطة
أقودني على هدى النشيد
... أبدأ مسكونة بفتنة الأوائل
أجدد للبحر شطآنه
... جذوري ضوء يفترش السحاب
لكن، ها هو الليل يلج عظم السريرة
ويفيء لمراثي الزبد...
فحيح
... كلما قضمني فجيج المرارة الأولى
يورق من ظمئي جسد الشعاع
تخاصر الفصول عنت العمر
وهذي المنافي بيت لتقاطيعي القادمة
... الأشياء التي حولي غريبة
وأنا عني غريبة
أخطأني زمني
فيتمتني الأزمنة كلها
وأحرقتني
في مياه الظمأ المزمن نفسي." -8-

يتضح من خلال التأمل الرصين في هذه القصيدة، أن للشاعرة طقوسا خاصة لاستدراج من يلهمها كي يتفتق بوحها الشعري، ويشعل فتيل معانيها، إنها تنشد هذه القوة الخفية التي وصفها القدماء بربة الشعر القادرة على انتشالها من كل هذا العذاب الروحي المهيمن على ذاتها التائهة القلقة المتسائلة الظامئة لبريق الشعاع المجدد لفصول العمر، هذه القوة التي ترسم لها ملامح مرادفة لـ :
السر الكامن من وراء الغيم.
النبض الخلاق المشكل لسر خفقان الذات.
العطر المسافر في تيه السؤال.
الضوء الهادي المنير لأدغال الذات.
بهذه الطريقة ، ترسم الشاعرة في هذه القصيدة "بورتريها" يكاد يكون بالخطوط والألوان حين تصف ذاتها ب: " سارية خارج حرب الغبار، تتقرى دروب الغيم الوارفة وتقرأ صمت الحلم وهي مسافرة في تيه السؤال مسكونة بفتنة الأوائل "، وهذا ما أتاح لها أن تتوغل في نبض المتاهات الخلاقة وتتعلم كيف تشحذ اللغة وتغزل مزاهير الكلام لتفوح منها التعابير المعسولة والمصاغة أشكالا ومعاني يسرت للذات الشاعرة العبور لسحر الكلام.
غير أن هذا العبور لا يتاح للشاعرة إلا بعد أن تبدو على أحسن هيأة لزائرها الليلي الذي يفض عنها غشاوة الصمت لتنطلق صداحة بمعسول كلامها التي تنحت منه قمحها الذي يتم جنيه في موسم الحصاد: ( سأهيئ له آتي وأمسي ... ليأتني الحصاد/ سأهيئ له قمحي)، والشاعرة في كل ذلك حريصة على عقد صلة وطيدة بين هم الذات الذابح، وبين القدرة على صياغته صياغة شعرية، موظفة تقنية : "الكتابة داخل الكتابة" « méta-langage» والتي تيسر لها الانتقال بفنية عالية بين ما يثقل كاهل ذاتها من غربة ووحشة ويتم كلما غبشت الأماسي، وادلهمت الليالي: (الأشياء التي حولي غريبة/ وأنا عني غريبة/ أخطأني زمني/ فيتمتني الأزمنة كلها). وبين الإفصاح شعريا عما يساور هذه الذات من هواجس و أسئلة محرقة: ( أقرأ صمت الحلم/ وأتعلم كيف أشحذ للغته الآتي/ أوغل/ نبض المتاهات الخلاقة دليلي/ أجدد للبحر شطآنه ).
إن الشاعرة بهذا المعنى تتهيأ كما تتهيأ أجمل عروس - للقاء اللحظة الحميمية التي تزف لها توقد لحظة الشرارة الأولى المفجرة للكتابة الشعرية، إنها اللحظة التي تثمر أشلاءها عروشا من كنوز القول الشعري، وذرى ونجوما تنير عوالمها التي شيدتها من مملكة الكلمات وصاغتها قصائد منضودة نثرتها في "الانخاب، وأنين الأعالي وفتنة الأقاصي" ورتبتها أخيرا بين دفتي ديوانها: "هيأت لك" .

مواصفات الجسد المحموم والحنين للالتحام بالمعشوق :
تبدو الذات الشاعرة في ديوان : "هيأت لك" فاقدة لتوازنها، حائرة، تائهة ، كئيبة تعاني من وطأة اللحظات الشمطاء. لذلك تبدو هذه الذات متوثبة قلقة تواقة إلى الالتحام بمن يبدد وحشتها، ويحررها من عزلتها الاضطرارية لتنعم بالارتواء من حياض الحبيب الوضاح. فالجسد منشغل بالتوهج (ص23) ، أنا شهية (ص31) أشاؤك (ص32)، شيق هذا التألق بداخلي (ص43)، عالم مدهش ينمو في حياضي (ص44)، والجسد يكتمل بحواراته (ص46)، يورق من ظمئي جسد الشعاع (ص58)، خطاي موج جميل/ وسواحلي مفتوحة على الفتك الأجمل/ من جديد ألقح هذا الشرار/ أفك أزرار نيراني المخمدة/ أنضرم/ أتبجس/ كأني وهج اللقاء (ص62) ...إلـخ
بهذه الطريقة يتنامى الشعور بالعزلة داخل قرارة نفس الشاعرة التي تهفو إلى من يحرر جسدها المسعور، المتوهج من وحدته، ويفك عنه عزلته، ويخلصه من رتابة الزمان والمكان كي ينعم بالسكينة والرضى والطمأنينة .
ومن أجل استجلاء ملامح هذا الجسد المحموم التواق إلى الالتحام بمن يهوى ويعشق، ترسم الشاعرة لنفسها بورتريها معبرا عما يشغلها في قصيدة : "المحارة الحاضنة" تبدو فيها محاصرة بالأسئلة الكبرى، مستشعرة آلامها "الرابضة في بئر الروح ، لاهثة وراء الشمس الهاربة وظلال صيغ الأفول" تتراءى لها في خواء الأشياء الجارحة. إنها تائهة لا تبدو لها ضفاف في المقبل الآتي،" تلتهم الصبر ويساورها الشك، مثخنة بجراحات المرارات القديمة". فالجسد موحش، والروح عطشى لمن يبدد عزلتها، تقول الشاعرة في المقطع الأول من هذه القصيدة:
"صافية حيال الألم الرابض
عند عشب الذاكرة
صافية حيال الوقت الجارح
صيغ الأفول
والشمس الهاربة
في رحيل لا متناه
نحو بئر الروح
أتشكل
محارة حاضنة
يطعمني السؤال دم الهاوية
لا ضفاف لي
ألتهم الصبر
وآخر ما لدي فرحي- قوس
مشدود إلى صهوة
لا تقيم
شرارة الروح نيئة كقارة لم تقضم - 9 -
إن الذات قلقة، متوجسة، تائهة، ولذلك فهي دائمة الترقب لمن يهدئ من روعها معبرة بجرأة عن حنينها وشوقها للالتحام بالمعشوق عبر صيغ فعل الأمر تارة، حيث تبدو الشاعرة حريصة على إغرائه بما يعتمل في دواخلها من رغبة جامحة:
"بعين قلبك الحكيم اكلأني
أبهج روحي
املأ وقتي المقدس
هيأني / أنصحني/ روني باللهيب الآتي/ أجج عطشي/ اجعلني حديقتك وماءك
طوقني بالعمق
غمر مرجي
وبحنوك الأبدي ، لألئه" -10-
أو عبر وصف استعدادها لاحتضان من تحب:
"لأجلك أشعلت قناديل رغباتي
وأنرت دهاليز الكلام..." -11-
أو عبر خلق حوار مع المبعد القصي في المكان، القريب الداني في الزمان:
"على باب شهوة السؤال
أشعرتني غابات السفر عليك
وأدناني، طوعا، فجر الحرف
إليك" -12-
أو عبر الارتقاء بالتعبير الشعري إلى ما يرمز إليه الحبيب الوضاح، وما يمثله للذات التواقة إلى لقاء مرتقب في القريب العاجل:
"أنا حاملة ثمارك
والريح فاتحة ذراعيها
لخصوبات مدارك
ينسجني الشوق
فأتناسل نجوما في فلك
ظنك " - 13-
تبدو الشاعرة في هذه القصيدة متحررة من كل عقال، فاتحة كل أشرعتها التواقة للتوحد بمن تهوى، متوسلة في تعبيرها بقدرتها الفائقة على اصطناع الحلول في كل مظهر من مظاهر الطبيعة التي تعقد له صلة وثقى بذاتها التي تنشد التحرر والانطلاق، فتعقد علاقات قد تبدو غريبة تارة، أو منطقية أخرى، كقولها حين تقيم هذه المراسلات الوجدانية بين مظاهر الطبيعة والذات الشاعرة: (أنا حاملة ثمارك / أتناسل نجوما في فلك ظنك).
وهذا ما يؤجج شحناتها العاطفية للاسترسال في البوح الشعري من خلال مطاردة بريق المعاني وحبل الكلمات، ونحتها على شكل صور ورؤى يخطها الحبر على بياض الصفحات العذارى، رؤى تحيل (الدروب المغلقة أمواجا، والبيوت المسيجة شطآنا يمتزج عطرها بالمجاز، والدهاليز القاتمة
مروجا فواحة بعبير حلو الكلام).
إن هذا العبور لإقامة هذه المراسلات الوجدانية، وعقد هذه المقارنات التي تشعل فتيل معانيها لا يتاح للشاعرة إلا بعد أن تتهيأ لزائرها الليلي الذي يفض غشاوة صمتها لتنطلق صداحة بمعسول الكلام الفوار بلآلئ السحر، والذي ييسر لها الاستمتاع بشموع الأنس كلما غبشت الأماسي، وادلهم سواد العتمة :
"أنا تيهك الأبهى
أنا قرارك وفيضك
لذ بي
ازرع خيوط مائك في سرير قلقي
تثمر وهجا نديا
غريبا كالشهاب
نقيا عصيا
يتقرى أجمل أكمات الذات القصية
... هو ذا يزرر علينا ضوء الطريق
آه كم هو عذب زبيب تربتك
يا عسل الروح
وغمر الجسد." - 14-

يتضح من خلال هذه الفسحة بين ثنايا القصائد التي أثثت تجربة وفاء العمراني الشعرية في ديوانها: "هيأت لك" أن نواة الكتابة عندها تفجرها الطاقة المولدة للرغبة في امتلاك القصي/ اللامرئي العابق بالسحر والناطق بالشعر. ومن ثم يكمن مفعول عملية الكتابة وجماليتها في تحفيز الحواس وإثراء قدراتها على تذوق مكامن الجمال في العالم. والكتابة القادرة على إنتاج هذه الطاقة، لا يمكن أن يذكيها إلا ما هو حميمي. ولذلك تجد الشاعرة كثيرة الارتداد إلى صلب جسدها باعتباره خزانا لهذه الحميمية، وهذا ما يولد فيها التحفيز الضروري لنشدان لحظة الخلاص مما يكبل حرية هذا الجسد، لينطلق حرا منتشيا بالحياة وناشدا المتعة بكل ما هو جميل قصد تعديل الوضعيات النفسية والفيزيولوجية السلبية، وإشاعة الإحساس بالفرح والمرح ككيمياء لازمة لإعادة التوازن للذات القلقة. إن الكتابة الشعرية بهذا المعنى هي القادرة على أن تشحذ حواسنا لتسري القشعريرة في أجسادنا، إنها النسغ الضروري لأوصالنا كي لا تصاب بالجمود والشلل.
ومن أجل تحقيق هذا المبتغى، تحفل نصوص وفاء العمراني الشعرية بتمجيد الجسد، وإشعال فتائل كل جوارحه عبر ترقب لحظات وجيب النبض الخلاق، وانبجاس الضوء الهادي، واللذان ييسران لها العبور نحو الارتواء والتوهج.
بهذا المعنى، تصبح الكتابة الشعرية - كما تتجلى في الديوان - فعلا إراديا تحويليا منتجا، ثائرا
على الرتابة والإحباط والشعور بفقدان التوازن، وناشدا للحيوية والحرية والانطلاق نحو إشباع رغبات
الجسد ونوازعه.
 

الـهــوامـــــش

وفاء العمراني : من قصيدة بعنوان "أنا المدمرة بي" الملحق الثقافي لجريدة : "الاتحاد الاشتراكي" 17 ماي 1992
وفاء العمراني : نفسه.
وفاء العمراني : "هيأت لك" دار افريقيا الشرق، الدار البيضاء 2002
وفاء العمراني : من قصيدة "نعل من جمر" ص 96 - 97
وفاء العمراني : من قصيدة "هيأت لك" ص 11 - 12
وفاء العمراني : نفسه ص 15 - 16
وفاء العمراني : نفسه ص 17 - 18
وفاء العمراني : من قصيدة : " أشبهك أيتها الريح" بتصرف. الصفحات من 53 إلى 59
وفاء العمراني : من قصيدة : " المحارة الحاضنة" ص 65 – 66 – 67
وفاء العمراني : من قصيدة : "نشيد الوفاء" ص: 79 – 80 – 81
وفاء العمراني : نفسه ص 81
وفاء العمراني : نفسه ص 83 - 84
وفاء العمراني : نفسه ص 84
وفاء العمراني : نفسه ص 85 - 86

 

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة