الحداثة في الفكر والأدب والفن - بقلم: د. امحمد برغوت

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا
أنفاس1- الحداثة في النقد الغربي:
لقد أثارت الحداثة كاتجاه - أو اتجـاهات- فكـري فلـسفي ثقـافي– اجتماعـي-  سياسي- اقتصادي تباينات في المواقف، واختلافات في الآراء، وتضاربات في الرؤى ولازالت، وذلك نتيجة وضعها الذي يكاد يكون إشكاليا – أو هو كذلك بالفعل- سواء في الآداب الغربية، أو في آدابنا العربية.
ويبدو أن هذا التباين في مواقف وآراء نقادنا العرب حول تيار الحداثة في الأدب العربي له ما يماثله في النقد الغربي. فإذا أردنا تحديد ما يسميه (برادبوري) بجغرافية الحداثة ومدنها(1) نلاحظ أنها مترامية الأطراف وتمتد من روسيا إلى الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية وغيرها من بقاع العالم. وتضم مدنا عرفت بكونها مراكز حداثة: كباريس ولندن وبرلين وموسكو وميلانو ونيويورك..، شاركت كلها مشاركة فعالة في مسار الحداثة، واسبغت عليها ملامح مستمدة من ظروفها وخلفياتها، أي أن الحداثة ليست أحادية اللغة وليست أحادية الأصل، وليست مرتبطة بمرحلة  زمنية بعينها، بل هي متعددة اللغات ومتنوعة الأصول ونتاج مراحل زمنية متفاوتة ومتداخلة.
ومن هنا تبرز وضعيتها الإشكالية وتركيبها المعقد واستيعابها لملامح وعناصر غير متآلفة. ولهذا فليس من الغريب أن يختلف النقاد في استعمال هذا المصطلح. إذ نجد بينهم من:
يتحدث عن حداثات، كما فعل براد بوري في دراسته الحديثة.
يشك في قيمة المصطلح كأداة نظرية نقدية، كرينيه ويليك الذي قال عنه: "انه مصطلح قديم فارغ نوعا ما".
 يذهب إلى التأكيد على أن "معضلة الحداثة تتجسد في أن عليها أن تكافح دائما، ولكن بدون أن تنتصر تماما، بل عليها أن تكافح من أجل ألا تنتصر" كما ذهب إلى ذلك " ارفينج هاو"(2)
ومهما اختلفت الاتجاهات والمواقف تجاه الحداثة مصطلحا وحركة، فإن ما ظهر في الغرب من تراث نقدي يدل من ناحية على أهمية إسهامها في الحضارة الغربية الحديثة، ويجعلها من ناحية أخرى في موقف عسير إن نحن حاولنا الإلمام بعناصرها ومظاهرها ومكوناتها في هذا المقام، ولكننا ملزمون بتحديد معالمها الكبرى إن أردنا تفهم طبيعة الحداثة في أدبنا المعاصر، وأن نضعها في إطارها التاريخي المناسب.
ومن هنا يمكن القول: أن الحداثة الغربية في جوهرها ظاهرة تعكس معارضة ثلاثية الإبعاد:
معارضة للتراث.
معارضة للثقافة "البورجوازية" بمبادئها العقلانية والنفعية.
معارضة لذاتها كتقليد أو شكل من أشكال السلطة أو الهيمنة.
ولذلك كله فهي ثورة دائمة في تطلعها المستمر إلى قيم وأشكال وأساليب جديدة. وقد تميزت منذ نشأتها بمنحيين أساسين لا ينفصل أحدهما عن الآخر:
 منحى خاص بالمضمون: يرفض الغرض أو الدور الاجتماعي للعمل الأدبي وفق ما تراه المفاهيم التقليدية أو الواقعية. وهذا ما أدى بالحداثة إلى تأكيد فردية الإنسان وإحساساته الداخلية واعتبار الوعي الذاتي للواقع الخارجي. ويتخذ هذا التأكيد على الذات أشكالا متباينة، أو يمر بمراحل مختلفة، منها: اللاوعي وعالم الأحلام وسبر أقاليم الذهن/الوعي غير الملوثة أو التراجع إلى الذات وتمحيص حركيتها الداخلية، أو تجاوز الحاضر إلى المستقبل والمعلوم إلى المجهول. وكان من ثمار هذا المنحى ما نراه في نتاج الحداثيين من الإحساس الحاد بالاغتراب والوحدة ومعاناة العذاب والمصير الإشكالي.

- منحى خاص بالوسائل والإشكال الفنية: وقد بلغ اهتمام الحداثة بهذه الناحية مبلغا بعيدا، حتى عد كأنه من التحامل أو الهجوم على الشكل لا نظير له في تاريخ الآداب العالمية.
ومن ثم كان من الطبيعي أن تواجه الحداثة- بحكم منطلقاتها هاته- معارضة شديدة، وردود فعل سلبية من مصادر مختلفة، سواء كانت دينية أو علمانية ذات أفكار تقدمية. وقد اتهم عدد غير قليل من روادها، ومن بينهم: ت-س اليوت وازراباوند ولورنس بالرجعية الفكرية أو السياسية، ولكن نقادها مع ذلك لا ينكرون إنجازاتها الإيجابية وقيمة ما حققته من تجديد ثوري في الأشكال وأساليب التعبير.
ونظرا للصعوبة التي تعترض الدارس في تحديد حالات الحداثة، راح المهتمون بهذه الظاهرة يحاولون الاقتراب من الملامح العامة لها من خلال تحديد الخصائص التي تميزها. وسأعرض فيما يلي آراء بعض هؤلاء.
يرى "جورج بلاندي" أن الحداثة تستعمل "لوصف الخصائص المشتركة للبلدان الأكثر تقدما على صعيد التنمية التكنولوجية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية". ويميز بينها وبين "التحديث" الذي يستخدم "لوصف العمليات التي بواسطتها تكتسب هذه المستويات من التنمية"(3).
فالتحديث بهذا المفهوم إذن، هو مجموع التطلعات التي تستهدف تحقيق النماذج الغربية واستيعاب التحولات المختلفة التي تطرأ على الزمن والمجتمع. وهذا ما يجعل الحداثة عبارة عن "نموذج كوني" من صنع الغرب.
وإذا سلمنا بعلاقة التطابق الموجودة بين الغرب والحداثة، فإن السمة الأولى للحداثة هي: تعارضها المبدئي مع ما هو قديم أي تقليدي "ما هو حديث بالفعل، هو الموضوع أو الفرد الذي نثبت بأنه في توافق مع عصره"(4).
لكن بتوالي العصور، يصبح ما كان حديثا للأجيال السالفة، قديما بالنسبة للأجيال الحديثة.
ويعتبر "جان بودريار" أن الحداثة ليست نظرية، بقدر ما هي تصور له مجموعة من الخصائص والأبعاد منها:
أولا: البعد التقني العلمي: والذي تجلى في ذلك الأزهار الخارق للعلوم والتقنيات وللنمو العقلاني والمنهجي لوسائل الإنتاج، ولأساليب تسييرها وتنظيمها، وتشديد السيطرة على الطبيعة، لدرجة أصبح فيها الإنسان والطبيعة مجرد قوى إنتاجية مرتبطة بخطط الفعالية والمردودية القصوى.
ثانيا: البعد السياسي: حيث أصبحت الدولة تجسد نوعا من التعالي المجرد في صيغة دستور ووضع صوري للفرد، إضافة إلى العقلانية البيروقراطية والمصلحة المرتبطة بالوعي الفردي الخاص.
ثالثا: البعد السيكولوجي: ذلك أنه في مواجهة مبدإ الإجماع ذي المضامين السحرية أو الدينية للمجتمع التقليدي فإن العصر الحديث يتميز ببروز الفرد بوصفه كائنا له وعي مستقل لكن يجد نفسه محاصرا بنسيج وسائط التواصل، وبالتنظيمات والمؤسسات، مما يؤدي إلى استيلابه، وتجريده من هويته، وهذا ما نتج عنه صراعه الدائم مع نفسه. ولذلك أصبح يبحث عن تعويض نسق بأكمله كي يحقق ذاته من خلال الأشياء والعلامات(5).
وداخل هذا الإيقاع الزمني غير المحدد للحداثة، وبالرغم من أنها تدخل المستقبل في كل مشاريعها، فإنها تسعى دوما كما يقول "بودريار" إلى أن تبقى "معاصرة".
وإذا كان للحداثة مظهر تاريخي، فإنها ليست لها علاقة جدلية بالتاريخ؛ لأنها حديثة أكثر، وخاضعة لما هو راهن. ومن ثم فهي ليست تحويلا لكل القيم، بقدر ما تشكل تدميرا للقيم القديمة دون تجاوزها. إنها ازدواجية كل القيم في شكل توفيقي معمم(6).
ويرى "هنري لوفيفر" أن الحداثة مرتبطة بالأزمات التي تولدها، ومن ثم فالأزمة سمة من سمات الحداثة. فالتناقضات تعبث بها من كل جانب. ويذهب إلى أن هناك ثلاث أزمات ميزت مسيرة الحداثة طيلة القرنين الماضيين:
الأولى: برزت في أواخر القرن الثامن عشر؛ مع الثورة الفرنسية التي جسدت المثل الحديثة في مجال السياسة.
الثانية: ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر؛ حين تم الإعلان عن بداية انهيار مثل التقدم والعقلانية والليبرالية أمام تصاعد الجماهير والأهواء الجماعية.
الثالثة: تفجرت في أواخر الستينيات من القرن العشرين ومازالت علاقاتها وتعبيراتها لم تنته بعد، وتميزت بسقوط كثير من الإيديولوجيات الجماعية، وبانتصار الخاص على العام، وبالنقد الجذري للنزعة الإنسانية(7).
والحداثة كظاهرة حضارية؛ ارتبطت بظواهر وموضوعات أساسـية أهمـها: المرأة/ المدينة/ الفردانية.
ف "جورج سميل" يرى أن الإنسان الحديث، وجد في حالة قلق دائم، وأن ما يربط المدنية الكبيرة بالحداثة هو الفردانية المعاصرة، وهي عبارة عن مطالبة بالحرية الشخصية التي أصبحت قيمة عليا وليس مجرد وسيلة(8).
ولقد بينت الانتروبولوجيا أن حقيقة الحداثة لا تتمثل دائما في كونها تغيرا جذريا، ولكنها تدخل أحيانا في مساومات ثقافية وسياسية مع البنيات التقليدية، وبالتالي فالقطيعة التي تريد الحداثة دوما إحداثها تتنازل في كثير من تجارب العالم النامي لنوع من "دينامية الخلط" بين ما هو تقليدي وما هو حديث.
وما دامت الحداثة تشكل صدمة للموروث وللتقليد وللثابت، فإنها تدخل الاضطراب في الرؤى المطمئنة إلى استقرارها، وتعيد النظر في الفهم المشترك، لدرجة أنه أمام تدخلاتها لا يكف الفهم المشترك عن الإعلان عن عدم فهمه لما يجري حوله.
وهكذا برزت الحداثة في شكل إرادات للقوة تسعى إلى الهيمنة والتوسع والانتشار. وبحكم أن مناطق ما سمي بالعالم الثالث قد خضعت للسيطرة الاستعمارية للدول الغربية، بسبب كون هذه البلدان تتميز بنقل هائل للتقليد على أنماط السلوك، وطرق التفكير؛ فإن الحداثة مثلت صدمة حضارية خلخلت كيان الإنسان في هذه البلدان، وفيها عبرت الحداثة عن أكثر مظاهرها عنفا وشراسة.
غير أنه في غياب تطور سياسي وصناعي يغير العقلية التقليدية الموجهة لسلوك إنسان العالم الثالث، فإن ما برز في الحداثة هو مظاهرها التقنية الأكثر قابلية للتسويق، وليس عملية العقلنة الطويلة الأمد التي يفترضها المشروع العام للحداثة.
ولهذا السبب، برز في تاريخ الأفكار الغربية تيارات فلسفية تدعو إلى نقد الحداثة، وتفكيك عقلانيتها وإعادة النظر في قدرة العقل ومعاني الكلمات والأشياء.
وقد نعتت هذه التيارات بأنها تمثل ما بعد الحداثة.
إن الحداثة، بالرغم من أنها استبعدت التصورات التقليدية من ساحة الفعل الثقافي والسياسي، فإن مشروعها لم يكتمل بعد. لذلك يرى "بول ريكور" أن الحداثة نفسها يمكن اعتبارها مشروعا غير مكتمل، بالإضافة إلى أن هذا المشروع نفسه يلتمس برهنة مانحة للمشروعية تتعلق بنمط الحقيقة التي تطالب بها الممارسة بصفة عامة والسياسية بصفة خاصة" (9).

2- الحداثة في الفن والأدب الغربيين:
تقدم الحداثة نفسها على أنها إشكالية تستعصي على الحل من المنطلق النظري، لكونها تقود في النهاية إلى اعتبارها إبداعات تطبيقية خصبة. ويشهد التجريب المستمر في الفن والأدب على نمو الإدراك الواعي للتغيير عند الفنانين والأدباء من جل الانفصال عن الحقب السابقة لتأكيد قدرة الذات على الإبداع والتفوق في ظل إيقاعات الزمن المتلاحقة، والتطور المذهل في النمو المعرفي والمتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والاستجابة للتغيير عند الشرائح الاجتماعية. ولذلك انعكست آثار هذا التجريب في أعمال الكتاب والفنانين الأوروبيين والأمريكيين من خلال تلك الحركات الفنية المعروفة بـ: الرمزية والسوريالية والطبيعية والتصويرية والمستقبلية إلى غيرها من الحركات المتعاقبة في الزمن.
ومن هنا، كانت حركة الحداثة ثورة حقيقية على الأشكال والمضامين الأدبية والفنية السابقة، إلا أن هذه الحركة – مع كل هذا- لها أسباب وأصول وتوجهات عالمية.
أ/ تاريخ نشوء الحداثة في الأدب والفن:
تواجه الباحث صعوبات شتى في تحديد تاريخ نشوء الحداثة ومكانها. وربما كان الغموض الذي يكتنف الحداثة وراء تلك الصعوبات. ولكن إذا افترضنا أن الحداثة هي مجموعة من الحركات وليس حركة واحدة يكون التاريخ المناسب لظهورها هو القرن التاسع عشر، قرن الحركات الأدبية والفنية العارمة. وقد ذهب "مالكوم برادبوري" و"جيمس ماكفرلين" في كتابيهما "الحداثة (1890-1930) ليحددا مكان وزمان كل حركة من الحركات التي تتظافر في تشكيل عالم الحداثة، ويتفقان معا على أنه: إذا كان المقصود بالحداثة هي – حركة البوهيميين والطليعيين، فإن باريس هي المهد الذي نشأت فيها، وبخاصة عام 1830 وما بعده. اما إذا كان المقصود بها: الحركة المستقبلية؛ فإنها انطلقت في الفترة الرومانتيكية.
أما إذا كان للحداثة أبعادا تجريبية، فيمكن إرجاع بدايتها إلى "إميل زولا" صاحب "الرواية التجريبية" عام 1880.
أما إذا كانت الحداثة تعني الاصطدام الواعي بالمذهب الطبيعي، فإن بدايتها كانت على يد "ولتر بيتر": Walter pater وغيره من المفكرين الأوروبيين الذين عاشوا في السبعينيات من القرن التاسع عشر عندما نادوا بـ "الوعي السريع متعدد الجوانب".
أما إذا كانت الحداثة تعني التعامل مع أجواء المدينة والمجتمع تعاملا خياليا، فإن مؤسسها هو "بودلير": Beaudelaire الذي أكد حاجة الخيال إلى إنتاج "مشاعر الحدة".
أما إذا كانت الحداثة مرتبطة بالجوانب الأخرى؛ كثورتها على الشكل، ونفورها من التقاليد واستخدام الصور التهكمية وتصويرها للآلام التي تفرزها الحضارة المادية، فيمكن عندئذ إرجاعها إلى "ستيرن sterne" أو "دون donne" أو "فيلون Villon" (10).
أما في نظر "سيرل كونولي"، صاحب كتاب "الحركة الحديثة: خمسون كاتبا انجليزيا وفرنسيا"؛ فإن الحداثة هي نتاج لاتحاد النشاط النقدي لحركة التنوير، مع الطابع الاستكشافي للحركة الرومانتيكية، والذي ولد الأعمال الفنية للرعيل الأول من الكتاب المحدثين انطلاقا من سنة 1880. وهو رعيل يدين بالفضل الكبير لـ: "فلوبير" و"بودلير". وبلغت هذه الحركة ذروتها في الفترة الواقعة بين 1910 و1925.
في حين ذهب فرانك كيرمود" بأن السنوات العشر الأولى من القرن العشرين، هي التي تمثل البدايات الحقيقية لهذه الحركة.
ويرى "كرايام هف" و"ستيفن سبندر" أن فترة النشاط الحقيقي لهذه الحركة، هي الفترة الممتدة من عام 1910 إلى بداية الحرب العالمية الأولى. وهي الفترة التي شهدت ثورة في الأدب الانجليزي لا تضاهيها – من حيث الأهمية- سوى الفترة الرومانتيكية. ويعتقد "كرايام هف" بأن ما حدث من تطور في الأدبين: الانجليزي والأمريكي؛ كان جزءا من تطور الأدب الأوربي بشكل عام. وقائمة ممثلي هذه الحركة تشمل كلا من (كيتس- جويس- اليوت- باوند) جنبا إلى جنب مع: (كايد- فاليري- توماس مان) وكذلك (بروست ورلكه) أيضا.
ويرى "رتشارد المان و"هاري لفين" أن فترة العشرينيات من القرن العشرين؛ هي فترة النضوج التام لهذه الحركة، حيث صدرت رواية "يوليسيس" لجويس، وقصيدة "الأرض اليباب" لاليوت، و"مراثي دونو" و"أناشيد مهداة إلى أورفيوس" لركلة، ومسرحية بريخت الأولى "بعل" وروايات كل من "لورنس" وفرجينيا وولف" و"بروست".
أما النقاد الماركسيون أمثال "لوكاتش"، فيعدون حركة الحداثة نوعا من البورجوازية الجمالية المتأخرة، النابعة من الواقعية، ومن تم استخدم هذا المصطلح ليغطي مجموعة من الحركات التي جاءت لتحطيم الواقعية أو الرومانتيكية، واتخذت صورا مختلفة؛ كالتجريد الذي تجسد في حركات مثل "الانطباعية "و "التعبيرية" و"التكعيبية" و"المستقبلية" و"الرمزية" والتصويرية" و"الدادائية" "والسريالية"، رغم أنه لا يوجد ما يوحد هذه الحركات بل أن بعضها جاء كثورة كاسحة على بعضها الآخر.
ومن الملاحظ أن ما أفضى إلى هذا الاختلاف حول البداية الفعلية- في الزمان والمكان- لحركة الحداثة، يتعلق بطبيعة التصورات المختلفة التي انطلق منها كل ناقد أو دارس لمفهوم الحداثة، وتشخيص أسبابها وطبيعتها. وقد استمر هذا الاختلاف في التصور إلى يومنا هذا؛ إذ في الوقت الذي نجد فيه من يؤيد موت الحداثة وبداية حركة "ما بعد الحداثة"، نجد في الوقت نفسه من يصر على استمراريتها.
إلا أنه من الواضح – في كل هذه الآراء- يوجد اتفاق على كون الحداثة:
ظاهرة تاريخية متطورة، واكبتها فترات من التأزم والتألق، وأن هذا التألق رأى  النور في الربع الأول من القرن العشرين؛ حيث وصلت فيه إلى أعلى درجات النضج. ويمكن أن نخلص في الأخير- مع ما خلص إليه الباحثان: "مالكوم براد بوري وجيمس ماكفرلن" إلى القول: "كانت الحداثة في أغلب البلدان مركبا غريبا من المستقبلية والعدمية، من المحافظة والثورة، من الطبيعية والرمزية ومن الرومانتكية والكلاسيكية. كانت ترحيبا بالعصر التكنولوجي واستهجانا له، كانت الإيمان بأن أشكال التعبير الجديدة هي هروب من التاريخ، من وطأة الزمن، والإيمان في الوقت نفسه بصدق تلك الأشكال في التعبير عن الزمن، وفي أكثر تلك الأقطار؛ كانت فترة التسعينيات من القرن التاسع عشر هي فترات اهتياجها واختمارها"(11).
وفي مقابل هذا التباين في المواقف والآراء من حركة الحداثة، حاول: "هنري لوفيفر" أن يلخص دلالاتها عبر مسارها الزمني في كتابه: "مدخل إلى الحداثة" وقد قمت بترجمة أهم مضامين الفصل المعنون بـ "ما الحداثة" ومما جاء فيه:
كانت الحداثة قديما تتعارض مع "القديم" ولكن مفهومها تغير.
ففي العصور الوسطى ووفي شمال وجنوب فرنسا؛ كانت تدل على معنيين مزدوجين: معنى التجديد والاستمرار فيه، وهذا المعنى، سرعان ما تلاشى في مختلف قطاعات الحياة الاجتماعية والسياسية خصوصا في القطاع الثقافي.
وفي أواخر العصور الوسطى؛ فإن لفظ "الموسيقى العصرية أو الحديثة" أصبحت تستعمل في مقابل الموسيقى التقليدية، لأن الموسيقى كانت مجالا متحركا، ونشاطا طليعيا وقطاعا إبداعيا. وانطلاقا من هذه المرحلة، أصبحت التقنيات والأبحاث المتجددة تشكل حداثة تعادي كل ما هو قديم. ومن ثم ظهر في أواخر القرن الثامن عشر؛ الصراع بين القدماء والمحدثين. ولما نشر "جان جاك روسو" كتابه حول الموسيقى العصرية: "Dissertation sur la musique moderne" هاجم بعنف كل معاصريه تقريبا. وتلاشى بعد ذلك هذا المعنى دون أن يختفي، وأصبح رديفا للتأمل الذاتي لثقافة التجديد.
وحوالي سنة 1840، انبرى "كارل ماركس" للخوض في موضوع الحداثة والتحديث، ليعطيه مدلولا سياسيا؛ إذ ربط بين الحداثة وحركة صعود البورجوازية والنمو الاقتصادي، وظهور الرأسمالية، والمظاهر السياسية لهذا كله..
عشرون سنة بعد ذلك، تناول "ماركس" في مؤلفه "الإخفاق النسبي لثورة 1848" الذي أثار فيه نواقص الفلسفة، ومن ضمنها فلسفة الثورة التي حاولت جاهدة تجاوز الفلسفة تطبيقيا؛ وذلك بالاعتماد على الطاقات غير المحدودة للطبقة العاملة، دون التنازل عن برنامجها. وهنا بدأ التحديث كمفهوم جنيني للحداثة التي بدأت تخفي فشل النظرية الثورية.
وقتئد، بدأ "بودلير" مراجعة لمفهوم الحداثة، فرثى موت الجمال، ولاحظ غياب أو موت الإله، وبدأ يبحث عن نواة لتحول مثالي سيعوض التحول الواقعي الذي لم يتحقق، وهكذا ظهرت الأعمال الشعرية لهذا الشاعر" الملعون" في أفق جديد، وأصبح يفكر في العالم الحديث جماليا، ويجعل من النشاطات الأخرى موازية للفن والمعرفة، فمنح الأولوية للتجريد، وأعطى للقصيدة شفافية تلخص العالم - الإنساني والخارق للعادة- عن طريق التفكير بطهارة.
وهكذا استطاع "بودلير" أن يحقق التلاحم بين ما هو خيالي وما هو واقعي، بين المجرد والمجسد إنه السحر، وإنها كيمياء اللغة التي تجمع بين لغة الحلم ولغة الواقع. بهذه الطريقة؛ مهد بودلير للنهج الحداثي للقصيدة الغربية والذي سيسير عليه كل من "رامبو" و"لتريامون" و"مالارميه" و"بول فاليري" وآخرون. وستعمم المفاهيم التي قامت عليها التجربة الشعرية عند "رامبو" على سائر الفنون الأخرى.
وانطلاقا من أواخر القرن التاسع عشر، ستمر المجتمعات الأوربية بأزمة خانقة ستنعكس سلبا على الثقافة والفن. وبذلك خلص هذا القرن إلى الانحطاط، دون تحديد الأسباب بدقة. وانتهت بذلك فترة للحداثة دشنها "بودلير". ولم تنته الأزمة، بل ستستمر وستتعمق وستنتشر، ولكن عوامل جديدة ستظهر، ومرحلة أخرى ستبدأ مع بداية القرن العشرين؛ مع ظهور الإمبريالية والثورات والحروب؛ إذ تعددت الابتكارات التقنية.
وفي خضم هذه الابتكارات والتقدم التقني، تنوعت وسائل الدمار، وأصبحت الحروب تهدد البشرية بفعل التحدي المتبادل بين الإمبريالية والثورة الروسية، وانتهت مع هذه المرحلة سيادة مفهوم "الفردانية" "L'individualisme"، ليهيمن مفهوم الجماعة بفعل الصراع بين الشعوب والأنظمة.
وهنا ستبدأ مرحلة جديدة، سيصطلح على تسميتها بمرحلة "ما بعد الحداثة"(12).


ب- ملامح وسمات الحداثة الغربية:
يقول التنويري الكبير "يورغن هابرماس" في كتابه "القول الفلسفي للحداثة": "لا تستطيع الحداثة أن تستعير المعايير التي نسترشد بها من عصر لآخر، مثلما أنها لا ترغب في ذلك، فهي ملتزمة باستخراج معياريتها من ذاتها. لا يمكن للحداثة أن تعتمد على غير ذاتها؛ الأمر الذي يشرح عصبيتها عندما يتصل الأمر بفكرتها عن ذاتها، كما يشرح دينماميكية محاولاتها من أجل أن تستقر، وأن تحدد موقفها من ذاتها ومن العالم"(13).
إن هابرماس، من خلال تصوره هذا للمعايير التي تسم الحداثة؛ ينبذ المحاكاة الصماء، ويوحد بين الحداثة والإبداع أي أنه جعل من الوعي التاريخي ـ كما يذهب إلى ذلك فيصل دراج ـ "لحظة معايشة لكل قول حداثي، وينقل الحداثة من صيغة المفرد إلى صيغة الجمع" (14).
ويقول "مانان" في دراسته عن الحداثة الأوربية: "إنه إذا كانت حداثة الإنسان لا تنفصل عن وعيه الذاتي بوجوده الحديث؛ فإن حداثة الوعي في شرط طارد للحداثة، لا يتحدث عن الحداثة كمعطى يقيني، بل عن الأسباب التي جعلتها موؤودة، وأقامت تباينا بينها وبين الحداثة في صورتها الحية"(15).
يبدو من خلال هذه القولة أن "مانان" حريص على اعتبار أن وعي الإنسان الحديث بشروط حداثته سمة أساسية للحداثة، وبانعدام هذه الشروط ينعدم الوعي بها.
وقد ساهم "ستيفن سبندر" أحد شعراء الحداثة الأوربية ومنظريها بتوضيح العناصر التي تميز الحداثة والمعاصرة، حيث وصل المعاصرين بما أسماه "الأنا الفولتيرية"؛ تلك التي تنطوي على الأقانيم الأساسية لمفهوم الكاتب المصلح المبشر، وما يقترن بهذا المفهوم من إيمان الشاعر بنوع من النبوة وتجعل منه مبشرا بعقيدة ليست من صنعه في آخر المطاف، في حين وصل الحداثيين بما أسماه "الأنا الحديثة" تلك التي تعيش العصر الصناعي دون أن تذعن إلى محتواه وتمارس اختيارها فيه، وذلك بتمردها على هذا العصر على نحو يجعل من إبداعها نتاج عمليات لا واعية، وممارسة لحس نقدي في الوقت ذاته.
ويوضح "ستيفن سبندر" قوله هذا، حيث يذهب موضحا؛ أن الكاتب المعاصر قد يسهم في الصراع الدائر في عصره إسهاما يظل مرتبطا بقواعد العصر، مذعنا لقواعد اللعبة التي وضعت له. ويشبه إسهامه هذا بالرقص على السلاسل، وعلى عكس ذلك الكاتب الحديث، الذي ينظر إلى أوضاع عصره؛ بوصفها كلا، رافضا قواعد اللعبة الموضوعة سلفا (16).
ومن ملامح الحداثة في مفهومها الجمالي عند كل من "بودلير" و"رامبو": تدمير للأشكال الثابتة التي تحول دون تطور الفن والمشاعر والأفكار والعادات، وبالتالي فالحداثة تسمح بذلك التبرم المبدئي إزاء ما هو موجود، وما يعتبر نفسه مالكا لشرعية مطلقة. إنها لا تسلم بقدسية أي شيء. وإذا كان من العسير الوقوف على مجمل آراء منظري الحداثة الغربية ودارسيها ـ من المفكرين والفلاسفة والنقاد ـ لاستخلاص الملامح والسمات التي ميزت مسيرة الحداثة منذ انطلاقتها؛ فإنني سأسمح لنفسي، رغم ذلك لأعطي نظرة إجمالية عن هذه الملامح والسمات بعد استقرائها عند أهم من واكب بالتحليل والدراسة هذه الظاهرة في العناصر التالية:
الإحساس بالذات، والاعتداد بها.
الوعي التاريخي بشروط انبعاث الحداثة كحركة متعددة الجوانب.
التبرم المبدئي إزاء ما هو موجود، والتمرد على ما هو مقدس.
حرية ـ تكاد تكون مطلقة ـ تجاوزت ما هو آني واهتمت بأمور شتى، من بينها:
دارسة النفس الإنسانية من الداخل.
هدم تقدمي للقيم الإنسانية السائدة في الأدب الرومانتيكي والطبيعي.
تجاوز الأشكال المطروقة في الفن والأدب تحت الحاح النزعة التجريبية.
الخيال الخلاق والواعي الذي يعيد صياغة الفوضى الحضارية والفكرية التي تعم حياتنا المعاصرة بعد الحرب العالمية الأولى.
الثورة الأسلوبية الناتجة عن التغيير الذي حصل في العلاقات الإنسانية
إرسال الثوابث إلى جهنم.
3- إشكالية الحداثة في النقد العربي:
وإذا انتقلنا إلى وضع الحداثة في أدبنا العربي، نلاحظ أولا أنها بحكم ما تنطوي عليه من إبداع وتغيير واكتشاف، لم يتهيأ لها من الظروف التي واكبت الحداثة في الغرب إلا الشيء القليل، وذلك للاعتبارات التالية:
إن المجتمع العربي يفتقر إلى التحولات الجذرية التي تحـققت فـي الغـرب ـ ولبضعة قرون خلت ـ سواء كانت في المجالات: العلمية والفكرية أو في مجال التطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي.
اختلاف النقاد والمبدعين في تحديد بداية التحول الحاسم من الاتجاه التقليدي إلى النزعة الحداثية فهل بدأ هذا التحول:
مع مدرسة أبوللو في القاهرة.
أم مع شعراء المهجر في نيويورك.
أم مع حركة الشعر الحر في بغداد.
أم مع جماعة "مجلة شعر" في بيروت.
ولعل من أهم أسباب هذا الاختلاف هو مفهوم الحداثة نفسها كما يراها الشعراء والنقاد.
- فادونيس: ينطلق من فهمه للحداثة بأنها انطلقت مع حركة الشعر المهجري التي تميزت بالسمات الأساسية للحداثة، وأن جبران خليل جبران ـ بصفة خاصة ـ كان مؤسس رؤيا الحداثة والرائد الأول في التعبير عنها.
وباعتباره المعنى بالتنظير للحداثة أكثر من سواه من الشعراء الرواد، فإنه ساهم بقسط وافر في التعريف بهذا الاتجاه، وتحديد الأسس والمكونات التي انبنى عليها. فالحداثة في نظر أدونيس" تعني فنيا تساؤلا جذريا يستكشف اللغة الشعرية، ويستقصيها، وافتتاح آفاق تجريبية جديدة في الممارسة الكتابية، وابتكار طرق تعبير تكون في مستوى هذا التساؤل، وشرط هذا كله، الصدور عن نظرة شخصية فريدة للإنسان والكون"(17).
إن الحداثة من منظور أدونيس رؤيا خارج المفهومات السائدة وتغيير في نظام الأشياء، وتمرد على الأشكال والطرق التقليدية في التعبير الشعري، وتجاوز وتخط وكشف لعلاقات خفية. إنه كما يقول الشاعر الفرنسي المعاصر "رينه شارل": الكشف عن عالم يظل أبدا في حاجة إلى الكشف". ويلح أدونيس على ضرورة تخلي الشعر الحداثي عن الأمور التالية (18).
أ- يتخلى عن الحادثة: لأن الشعر العظيم يتجه نحو المستقبل. إنه أقل أنواع الفنون ارتباطا بالزمان والمكان. فجوهر الشعر ـ كما يقول بودلير ـ هو "السير دائما ضد الحادثة".
ب- يتخلى الشعر عن الواقعية: لأنه قائم على ما يتجاوز "شعر الوقائع". إن القصيدة العظيمة حركة لا سكون، وليس مقياس عظمتها في مدى عكسها أو تصويرها لمختلف الأشياء أو المظاهر الواقعية، بل في مدى إسهامها بإضافة جديد ما إلى هذا العالم.
ج- يتخلى الشعر الجديد عن الجزئية: لأنه يجب أن يكون رؤيا للعالم، ولا يجوز أن تكون هذه الرؤيا منطقية أو أن تكشف عن رغبة مباشرة في الإصلاح، أو أن تكون عرضا لإديولوجية ما. ليس الأثر الشعري انعكاسا بل فتح، وليس رسما بل خلق.
د- يتخلى الشعر الجديد عن الرؤية الأفقية: لا نبحث في القصيدة الجديدة عن الصورة أو الفكرة لحد ذاتها، بل عن الكون الشعري فيها، وعن صلتها بالإنسان ووضعه بالشعر الجديد نتجاوز السطح، ونغوص في الأشياء وراء ظواهرها، حيث يمكننا أن نرى العالم في حيويته وبكارته وطاقاته على التجدد، وأن نتحد معه.
هـ - يتخلى الشعر الجديد عن التفكك البنائي: استعاض الشعر الجديد عن الأوصاف والنعوث والاستعارات بالصورة/ التركيبية الصورة/ الرمز أو الصورة / الشيء.
وعن شكل القصيدة الحداثية يقول أدونيس: "إن شكل القصيدة الجديدة هو وحدتها العضوية، هو واقعيتها الفردية التي لا يمكن تفكيكها قبل أن يكون إيقاعا ووزنا. ليس لهيكل القصيدة الجديدة واقعية جمالية إلا في حياة القصيدة، في حضورها كوحدة وكل..
للقصيدة بهذا المعنى، نوع من الغنائية الداخلية. إن النظر إلى الشكل بحد ذاته، أي الشكلية قتل للأثر الأدبي. فإذا كان جمال المضمون بحد ذاته يقتل القصيدة، إذ يعريها من الشكل، فإن علم جمال الشكل بحد ذاته يقتلها هو كذلك، إذ يردها إلى مجرد هيكل، فشكل القصيدة هو القصيدة كلها: لغة غير منفصلة عما تقوله، ومضمون ليس منفصلا عن الكلمات التي تفصح عنه.. فالشكل والمضمون وحدة في كل أثر شعري حقيقي، وهي وحدة انصهار أصيل. هكذا يبدو في نظر أدونيس أن القصيدة الجديدة قصيدة/ حركة مقابل القصيدة التقليدية التي هي: قصيدة/ ثبات.
أما جبرا إبراهيم جبرا وعبد الوهاب البياتي فيذهبان إلى أن الحركة الشعرية الجديدة بدأت في بغداد في أواخر الأربعينيات (47-1948) مصحوبة بحركة فنية عجيبة، وأن بغداد بدت كما يقول جبرا:
"أشد العواصم العربية توثبا وتمردا وانفتاحا على الجديد، بعدما كانت أبعد العواصم العربية عن التجديد"(19) ويتحدث البياتي عن حركة التحديث التي بدأت في العراق قائلا: "إن الحداثيين العراقيين: السياب ونازك الملائكة وجبرا وأنا، كانوا يشعرون بضرورة التمرد والثورة على السلطة الأبوية، والسلطة اللغوية" معترفا بأن وعيهم لم يكن مكتملا بهذه الحداثة أو تناقضاتها: "ولكن كان ثمة بذرة لتمرد أنضجته الممارسة والاحتكاك" ويشير على أن "حركة التجديد التاريخي حدثت مرتين للشعر العربي، الأول في العصر العباسي وقامت في العراق، والثانية بعد الحرب العالمية الثانية، في العراق أيضا كحقيقة تاريخية"(20).
- وهناك فريق ثالث يرى أن مفهوم الحداثة تجسد في حركة "شعر" وكان على رأسها يوسف الخال، وقد قامت هذه الحركة ـ يقول يوسف الخال ـ على عدد من الأسس، منها:
التعبير عن التجربة الحياتية على حقيقتها، كما يعيها الشاعر.
إبدال التعابير والمفردات القديمة التي استنزفت حيويتها بتعابير ومفردات جديدة مستمدة من صميم التجربة ومن حياة الشعب.
تطوير الإيقاع الشعري العربي، وصقله على ضوء المضامين الجديدة، إذ ليس للأوزان التقليدية أية قداسة.
الإنسان في ألمه وفرحه، خطيئته وتوبته، حريته وعبوديته، حقارته وعظمته، حياته وموته، هو الموضوع الأول والأخير. إن كل تجربة لا يتوسطها الإنسان، هي تجربة سخيفة مصطنعة لا يأبه لها الشعر الخالد العظيم.
إن هذه الحركة يقول يوسف الخال: "مرحلة فاصلة أولى، أزالت العديد من العقبات"(21).
- وهناك من يرى أن القاهرة هي المركز الذي انطلقت منه شرارة الحداثة في الأدب العربي بمعناها الواسع، ويذهب هذا الفريق إلى أن القاهرة نشأ فيها جيل ثالث من أجيال النهضة، متميزا بنزعة ثورية في مجال الثقافة ـ كما يقول شكري عياد ـ فوضع: "الثقافة العربية على بداية مرحلة عنيفة من صراع الأضداد وفتح لها نوافذ على ثقافة الغرب، وبدأت عملية تاريخية مهمة في تقويم التراث الأدبي والثورة على الكثير من التقاليد والأشكال الموروثة، والاهتمام بما هو معاصر إثباتا لذاتية الأديب أو الشاعر"(22).
ويحدد عز الدين إسماعيل ملامح التجربة الحداثية في الشعر العربي المعاصر من زاويتين اثنتين: (23)
* الشعر والعصرية: فيلاحظ أن الخطوط العامة المميزة للشعر العربي المعاصر هي كما يلي:
أ- تنبع التجربة الجمالية للشعر المعاصر من صميم طبيعة العمل الفني، وليست من مبادئ خارجية مفروضة. ولذلك فتحقيق الشعر المعاصر لهذه الجماليات يتأثر كل التأثير بحساسية العصر وذوقه ونبضه.
ب- يرتبط الشاعر الجديد بأحداث عصره وقضاياه في محاولة لاستكناه الحياة لا مجرد الانفعال بها..
ج- تتكامل ثقافة العصر وتنعكس في الشعر المعاصر الذي ينزع لأن يستوعب الثقافة الإنسانية وبلورتها وتحديد موقف الشاعر المعاصر منها.
د- في الشعر المعاصر مشاركة في الخبرات الجماعية وبلورتها.
هـ- يحاول الشاعر المعاصر استيعاب التاريخ كله من منظور عصره ـ سواء في بيئته المحلية المحدودة أو في البيئة العالمية ـ مشكلة في نفسه دراما الإنسان المعاصر.
و- فلسفة الشاعر المعاصر قائمة على حقيقة جوهرية، هي أنه لا يشد المضمون على القالب أو في الإطار، وإنما يترك المضمون يحقق لنفسه وبنفسه الإطار المناسب.
ز- يرتبط الشعر المعاصر بالإطار الحضاري العام للعصر في مستوياته الثقافية والاجتماعية والسياسية المختلفة.
* الشعر المعاصر والتراث: فيرى أن مواقف شعراء التجربة الجديدة من التراث تتمثل في ضوء الاعتبارات التالية:
أ- الدعوة إلى ضرورة تقديم التراث في إطاره الخاص، في تمثله من حيث هو كيان مستقل تربطنا به وشائج تاريخية.
ب- إعادة النظر إليه في ضوء المعرفة العصرية، لا لتجريحه أو الانتصار له، ولكن لتقدير ما فيه من قيم ذاتية باقية، روحية وإنسانية.
ج- طريقة توطيد الرابطة بين الحاضر والتراث يجب أن تتم عن طريق استلهام مواقفه الروحية والإنسانية في إبداعنا العصري، لا عن طريق الردة إلى الماضي كلية (الإحياء) ولا عن طريق الاجتهاد في جعله مسايرا لتطورات العصر (الابتداعية).
د- ضرورة خلق نوع من التوازن التاريخي بين الجذور الضاربة في أعماق الماضي والفروع الظاهرة على سطح الحاضر.
إن الحداثة في الأدب العربي، لم تتهيأ لها من الظروف التي واكبت الحداثة عالميا إلا النزر اليسير، رغم أن ما يسمى بـ "النهضة" في تاريخنا الحديث بدأ منذ أوائل القرن التاسع عشر. ذلك أن مجتمعنا العربي، كان – ولا يزال- يفتقد إلى التحولات الجذرية التي عاشها الغرب، سواء في المجالات الفكرية أو العلمية، أو في مجال تطوير القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ولذلك؛ لم يعرف الأدب العربي في تاريخه الطويل قضية أثارت حولها من الجدل والنقاش، كقضية "الحداثة" التي بدأت تثار منذ مطلع النصف الثاني من القرن الماضي.
غير أنه من الممكن القول بأن الشعر العربي، الذي بدأ في القرن العشرين متخلفا حقا، ومتهما بالجمود ـ استطاع أن يبلغ في النصف الثاني من هذا القرن مستوى من الحداثة التي تكاد أن تضارع في بعض وجوهها؛ الحداثة الشعرية الغربية. لقد عرف الشعر العربي ـ قبل بلوغه هذا المستوى محاولات متعددة منذ مطلع القرن العشرين، للخروج به عن النمطية الموروثة في الموضوعات والأساليب، والتحرر من النزعة الماضوية، والتعبير عن نزعة جديدة تؤمن بضرورة التغيير انطلاقا من جماعة الديوان ومرورا بمدرسة أبو للو ـ في القاهرة ـ وشعراء المهجر ـ في نيويورك ـ ثم إنجازات حركة الشعر الحر ـ في بغداد  ـ وجماعة مجلة شعر ـ في بيروت.
إلا أنه وقع اختلاف في تحديد بداية التحول الحاسم والجوهري من الاتجاه التقليدي إلى النزعة الحداثية:
فمن النقاد من يرى البداية في محاولات المهاجر.
ومنهم من يعزوها إلى حركة الشعر الحر التي انطلقت في بغداد سنة 1948.
ومنهم من يعتبرها مرتبطة بمجلة "شعر" أواخر عام 1956. وهو اختلاف طبيعي لاختلاف وجهات النظر حول مفهوم الحداثة الشعرية ومدلولها.

إشكالية المفهوم:
ككل ظاهرة جديدة تطفو على السطح بفعل عوامل متعددة، بدأ الباحثون والنقاد والأدباء والشعراء في محاولة الكشف عن هذه العوامل بهدف تفسير هذه الظاهرة وتوجيهها وصقلها وتصحيح مسارها. ومع مرور الأيام، كثر استعمال مصطلح "الحداثة" في غير مجال حتى التبس الأمر في مدلول هذا اللفظ.
بعد الحرب العالمية الثانية؛ نشأت دعوة إلى تطوير أوزان الشعر وقوافيه عرفت بحركة الشعر الحر، ثم بدأت في لبنان حركة جديدة تدعو إلى تطوير مضمون الشعر العربي وتنزل الشكل منزلة ثانية، حركة تدعو إلى فلسفة جديدة للشعر العربي ليجد له مكانة في حركة الشعر العالمي.
ونشأ لكل من الحركتين انصهار قليلون وخصوم كثيرون. والتف حول كل من الحركتين كثير من المتشاعرين أو المتأدبين، مما أساء إلى الصورة الأصلية لهاتين الحركتين، مما أدى إلى كثير من اللبس والإبهام في المفاهيم التي لم تكن واضحة ـ حتى في أذهان الداعين لها ـ في بعض الأحيان.
وهكذا تحول مصطلح الحداثة خارج دلالته المركزية ليوصف مرة على:
أساس من شكله، فيصبح "الشعر الحر" و"الشعر التفعيلي" ومرة ثانية على:
أساس من اتجاهه العام، فيصبح "الشعر المسترسل" و"الشعر المنطلق"(24).
ويذهب "جابر عصفور" إلى أن للحداثة معنيين:
أ- الصراع التراثي بين القدماء والمحدثين في القرن الثاني للهجرة، والذي كان على أساس من وعي متغير بواقع متحول من ناحية. وعلى أساس من حوار مع تراث آخر يعاد إنتاجه لصالح الوعي المتغير من ناحية ثانية.
ب- الصراع الجديد المعاصر حول التغييرات الجذرية التي وقعت ـ ولا تزال تقع ـ في القصيدة العربية المعاصرة منذ أعقاب الحرب العالمية الثانية.
والإلحاح على استعمال صيغة "الحداثة" قرين استعمال معاصر لا يتجاوز ربع قرن تقريبا، فهو إلحاح يرتبط بتأكيد جذرية القصيدة المعاصرة في خروجها على التقاليد(25).
بالإضافة إلى هذا المستوى الأول الشاحب من مستويات استخدام مصطلح "الحداثة"، هناك مسويات أخرى.
إن دلالة الصيغ الاشتقاقية المتغايرة: محدث – محدثون- حديث- حداثة تشير إلى الابتداء – الخرق لانتهاك وعنف الخروج على ما هو متعارف عليه، "والدلالة المركزية للمصطلح تصل بين الاستخدام المعاصر له: حداثة، واستخدامه التراثي في إلحاحه على الاسم والصفة: الحديث- المحدث- المحدثون- وذلك على نحو تغدو معه العلاقة الدلالية وجها آخر من العلاقة الاشتقاقية، لتصل كلتا العلاقتين حاضر "الحداثة" بماضيها ـ على أساس من الثورة الجذرية المتكررة ـ مؤكدة فاعليتها في التدمير والخلق، بحوار تقيمه مع واقعها التاريخي، ومع تراثها، ومع تراث آخر غير تراثها في الماضي والحاضر على السواء" (26).
هكذا تبدو الحداثة مصطلحا عسير التحديد لأنه مرتبط بتعريفات صنعتها ظروف مناسبة غير أنها عرضة للتغيير، ومن تم خضعت "الحداثة" لتحولات في المعنى أسرع مما خضعت له مصطلحات أخرى لدرجة أن الأمر وصل إلى أن تتأرجح في المعنى حتى تصل إلى الاتجاه المضاد.
وتغير دلالات المصطلح من مرحلة إلى أخرى يؤكد استمرارية تدفق معطيات الحداثة وقوة زخمها.
وقد اتضح هذا الاختلاف ـ في وجهات النظرـ حول مدلول الحداثة في الشعر العربي؛ في الندوة التي عقدتها مجلة فصول؛ ويمكن إجمالها فيما يلي:
- ينظر شكري عياد إلى الحداثة، كمفهوم تاريخي متغير، ويرى بموجب هذا المفهوم أن هناك حداثات في الأدب العربي أو في الآداب الغربية.
ويحذر محمد بنيس من تبني مصطلحات لم نقم بإنتاجها ولم يطرحها واقعنا، ويرى أنه لابد من التمييز بين الحداثة كما طرحت في أوربا، والحداثة في العالم العربي، بسبب انطلاقها من واقعين مختلفين، وهو يعتقد أن ثمة عجزا لدينا في إنتاج مفهوم نظري للحداثة. ولذلك، فهو يدعو إلى البحث عن الحداثة في منجزاتها، أي أن نستقرئ النصوص للوصول إلى رسم حد للحداثة.
- وهي دعوة لا تختلف عن اقتراح أحمد عبد المعطي حجازي، الذي دعا إلى أن يكون بحثنا عن معنى الحداثة، استقراءا، وليس فرضا لمفهوم معين، ينبغي علينا أن ننصرف إلى تحليل إبداعنا الحديث لنعرف ما فيه من حداثة، لا لكي نفرض عليه مفهوما للحداثة فنحرفه، ونقسره على السير في هذا الطريق أو ذاك مما قد لا يستقيم مع منطق تطوره.
وإذا كان عبد السلام المسدي يرفض تصور احتمال البحث عن نظام شامل كلي لحدود الحداثة، ويرى أن محاولة ضبط النواميس أو القوانين المستحكمة في مفهوم الحداثة، على المسار الحاضر والتاريخ الزمني، عملية مخطئة جوهريا؛ فهو يعتقد أن بوسعنا أن نستوعب الحداثة ضمن ما يسميه بـ "المنطلق الثنائي"؛ القائل بأن الحداثة حداثتان:
حداثة التجدد، أو التجديد في المدلولات دون دك حواجز القوالب المستوعبة له. وحداثة التجدد أو الانسلاخ التاريخي المتحول على مستويين:
- مستوى المضامين.
- ومستوى تفجير القوالب الصياغية أو الأدائية.
ويذكرنا جبرا إبراهيم جبرا أن كلمة الحداثة كمصطلح، وفدت إلينا منذ الخمسينيات وأنها في استعمالها الغربي، جاءت لاحقة لمحاولات تحديث قام بها فنانون وأدباء طوال سبعين عاما (منذ 1890) كانوا ينتمون إلى تيارات مختلفة، كالصورية والسريالية والتكعيبية وغيرها من المذاهب التي أطلقت عليها كلمة الحداثة، ليخرج من ذلك إلى القول بأن الحداثة في السبعين عاما هذه؛ تتمثل في تعدد الوعي، أو الوعي المتعدد، أي أن يعي الإنسان أشياء كثيرة في وقت واحد، بحيث تتزامن قضايا مختلفة معا، سواء أكانت في خطوط متوازية أم في خطوط متقاطعة (27).
وتبدو التفرقة بين مصطلحين "الحديث" و"المعاصر" أمرا ملحا في ضوء اضطراب مصطلح "الحداثة" وتغير دلالاته. فإذا كان "المعاصر" مصطلحا يعني الزمن فحسب، فإن "الحديث" يعني الأسلوب والحساسية.
ويميز "جابر عصفور" بين "الحداثة" و"المعاصرة" نظرا للإبهام الذي حف هذين المصطلحين، والغموض الذي كرسته مجموعة من الباحثين فيقول:
و"تترادف "الحداثة" و"المعاصرة" و"الجدة" ترادفا ينطوي على قدر غير يسير من الاضطراب. ذلك لأن الجدة تعني التحول الجذري بالضرورة. ولا تحمل بعدا مفهوميا يتصل برؤيا العالم في كل الأحوال، وقد تنطوي على معنى من معاني النسخ والتكرار ينسرب في مدلول "التجدد". وارتباط "المعاصرة" بالعصر، مجرد العصر، ينأى بالمصطلح عن اقتناص "روح العصر"، فيتحول المصطلح إلى مجرد وعاء زمني يضم الجواهري والبياتي معا، في مستوى زمني واحد فحسب. أن "روح العصر" نوع مم المطلق المجرد، لا معنى له دون تحديد هذا الروح المحلق، وتحويله إلى مجموعة من الخواص الفارقة، كما أن الإلحاح على ارتباط الشعر بروح العصر يحول الشعر، عموما، إلى نوع من المحاكاة، تنطوي على إذعان لهذه الروح؛ فيظل الشعر المحدث تابعا للعصر، مع أنه يتمرد عليه، ولا يقبل حتى الإذعان لما يسمى روح العصر. وبقدر ما يتمرد الشعر المحدث على هذه الروح؛ ينطوي على نوع من الرفض الجذري، وما يمكن أن نسميه بالتجاوز الذي تنسرب معه "المستقبلية" في هذا الشعر، لتنأى به عن الثبات الآني الملصق بالعصر"(28).
إن هذا التداخل بين ما هو معاصر، وما هو حديث قد خضع لكثير من التشويش الذي كان من نتيجته أن يوصف العمل بأنه حديث ولكنه بعيد عن العصر، أو أن يوصف بأنه معاصر لكنه بعيد عن الحداثة.
وليست "الحداثة" صيغة تنطوي على استمرار تقاليد التجاوز فحسب، أو تنطوي على نوع من الجذرية توازي حداثة الشعر فيها حداثة أشكال متعددة من الأدب والوعي الاجتماعي وتتفاعل معها في الوقت نفسه، بل هي ـ قبل كل شيء ـ صيغة تنصرف إلى الفعل، وتنطوي على الاختيار، وتتضمن بعدا للقيمة بالضرورة.
ومن هذا المنطلق، يضع "جابر عصفور" فرقا دلاليا بين الحداثة والمعاصرة؛ ذلك أن "الحداثة" هي قرينة الأحداث بالشعر في العصر، وذلك على عكس "المعاصرة" التي تنصرف إلى مجرد الوجود في العصر دون أن تقتنص دلالة فعل الخرق الذي يقوم به الشعر كي يعدل به مسار العصر، أو يعيد خلقه بالأحداث والتحديث.
فرق آخر بين المعاصرة والحداثة، هو أن هذه الأخيرة تقوم على الاختيار الواعي المتجاوز، ومن ثم تنطوي على معنى النفي: نفي عناصر الحاضر والماضي الجامد، على عكس المعاصرة التي هي مجرد وجود في الزمن (29).
ولعل أفضل من وضع ضوابط وحدودا نقدية حاسمة للتفرقة بين هذين المصطلحين، هو الناقد المعروف" ستيفن سبندر". فهو يفرق بين ما يسميه بـ "الأنا الفولتيرية" و"الأنا الحديثة"، فالأولى سمة الكاتب "المعاصر" الواثق من عقيدته، والمبشر بقيم ليست من نتاجه، مما يجعله يقف خارج عالم غاشم يعوزه العقل، وهو لا يشعر بأن طباعه قد كيفت وفق قيم المجتمع المادي، ولا يملك بالتالي إلا أن يستجيب ـ بطريقة أو بأخرى ـ لتأثيرات هذا التكيف في فنه، عن طريق السماح لقوى العقل الباطن بالانبثاق من سطحه، أو من خلال الاهتمام بأقصى درجة ممكنة من حالات الوعي في عملية الكتابة، كما لو كانت تيارا لا ينقطع من الاتصال بقيم الماضي (30).
أما الأنا الثانية، فهي صفة "الكاتب الحديث" الذي يرى الحياة بشموليتها في أحوال وظروف حديثة تمكنه من رفضها، ويمارس معاناة لا تلين أمام قيم العصر. وتمثل أحاسيسه ترجمة لعمليات لا واعية فضلا عن أنها تمارس في الوقت ذاته تجارب نقدية واعية، تتجلى في أشكال ومصطلحات جديدة. و"الحديث" هو الوعي المدرك من المعاناة والإحساس بالماضي. ويعني "الحديث" إشكالية المعنى المعاصر بشكل جاد، غير أنه لا يلتقي معه في قيمه. وتنطوي" الكتابة الحديثة" عن فن المراقبة الحية للحدث، وللشروط التي تمس الشعور. ويبدو عالم "الظاهرة الجديدة" عند الكاتب الحديث أنه يفصلنا عن عالم الماضي، وبالتالي أيضا عن الوعي التقليدي. كما أنه لا معنى في الوقت ذاته من محاولة الرجوع إلى الماضي بتجاهل الحاضر. فإذا اعتبرنا أنفسنا أننا لا ننتمي إلى "حركتنا الخاصة" في الحاضر فحسب، بل وإلى الماضي أيضا، فإنه ينبغي حينئذ أن نعي بشكل تام إشكالية انسراب الوعي الماضي بالحاضر (31).

4- الحداثة في الفكر العربي:
شكلت الحداثة ـ في نظر فيصل دراج ـ "قوام الفكر التنويري العربي في أطيافه المختلفة منذ بداياته الأولى في منتصف القرن الماضي إلى نهايته المأساوية بعد حرب حزيران عام 1967. ومع أن الحداثة كانت قائمة كمعنى ومنظور، فإنها لم تكن حاضرة ككلمة، لأن "الإيديولوجية التحررية الكبرى" أعلنت عن حداثتها في شكل من الكلام مختلف. وبعد حرب حزيران، وتراجع "الإيديولوجيات التقليدية" المنتسبة إلى الحداثة، تقدمت الكلمة الأخيرة إلى الأمام حاملة معها ملامح السياق الجديد. وإذا كانت "الإيديولوجيات التحررية" التي هزمت، تدافع عن مضامين الحداثة ولا تسرف في استعمال الكلمة الأخيرة أو تحتاج إليها، فإن الحداثة الوافدة بعد حرب حزيران، ضخت البعد الكلامي وهمشت المضامين.
ومثلما أمد سياق الهزيمة كلمة الحداثة بأرض مغتصبة، فإنه خلع عليها ما يوافقها من الصفات، فجاءت فضفاضة ومؤطرة بالغمام. وعلى الرغم من رخاوة الكلمة وضبابيتها، فقد عرفت التمدد والانتشار حتى تحولت إلى كلمة تقول كل شيء ولا تقول شيئا في آن... ولذلك تناسلت الكلمة وتشجرت في فضاء اللغة والبلاغة، رامية بأسئلة الواقع والبشر إلى حيز مهجور، كما لو كانت الحداثة تقتات بزادها اللغوي، لا بأسئلة الإنسان المقيد الباحث عن فضاء منير" (32).
يعتبر فيصل دراج أن اهتمام العرب بالحداثة جاء نتيجة مساهمة الفكر التنويري العربي الذي انطلق في النصف الثاني من القرن الماضي، وارتبط بعد ذلك بالفكر التحرري طيلة النصف الأول من القرن العشرين، إلا أن هذا الاهتمام بالحداثة الوافدة سرعان ما سيخبو وميضه بعد هزيمة حزيران 1967. وهكذا لم تتبلور الحداثة كفكر وتصور قائم الذات، بقدر ما ترددت في الأدبيات العربية كمصطلح فضفاض وضبابي يدور حول ذاته، ويحاكي مصدرا منفصلا عنه، وينفصل في محاكاته عن الواقع الذي يعيش فيه.
ومن هنا "تحول مثقف الحداثة إلى تقني نظيف، يفترش الاحتصاص ويلتحف باللغة المتطهرة، وهكذا تتحول الحداثة إلى شأن فردي خاص، أو إلى شأن خاص بين أفراد لهم خصوصية المعرفة، وفي هذا التحول يتكشف معنى "الحداثة العربية الجديدة" والتي رغم ضجيج الكلام، تظل متقهقرة، تاريخيا، عن الحداثة العربية التنويرية، التي رأت دائما في الثقافة شأنا جماعيا واجتماعيا في آن" (33).
يقيم فيصل دراج فرقا إذن بين "الحداثة التنويرية" والحداثة العربية المتأخرة، ولا يرى بينهما صلات أو وشائج، بل على العكس من ذلك، يلاحظ تعارضا وانفصالا.
يقول فسطنطين زريق:
"ما موقف العرب من الثقافة الحديثة؟ إذا كانت الثقافة الحديثة تمثل العقل المؤمن بذاته، الواعي بإمكانياته، المنتظم النامي، المتغلب على الوهم، المنطلق إلى الآفاق بحرية واعتزاز وفرح، فلاشك أننا ما نزال على عتبة هذه الثقافة، لم نحتل دارها، ولم نحمل شعارها"(34).
إن الحداثة، عند قسطنطين زريق إذن، تعني الحرية والعقل وطرد الأوهام، وهي بهذا المفهوم لم يتمثلها الفكر العربي بعد.

اغتراب الإنسان في نظام ما قبل الدولة:
إن الحداثة كتصور تاريخي هو الذي يدفع كل وعي حداثي إلى التوحيد بين "الحداثة" و"التحديث" الاجتماعي. ولما باءت عمليات تحديث المجتمع العربي بالفشل، فإن الحداثة لم تتحقق، لأنه لا يمكننا تصور فكر حداثي من دون شروط اجتماعية وسياسية وثقافية واقتصادية. ومن ثم فإن الحداثة ـ كمشروع مستقبلي ـ لم تجد المرتكزات الاجتماعية المتعددة التي تعيد إنتاجها في التربة العربية.
يقول فيصل دراج: "يشكف جدل الحداثة الفكرية والتحديث الاجتماعي بؤس الحداثة العربية المتأخرة، التي تقزم المفاهيم إلى شواغل النخبة المختصة المتعالية، التي تتعامل مع القراءة والكتابة كاختصاص يوازي وقائع الحياة اليومية ولا يتلقي بها. والحداثة الشكلانية لا يعوزها التلفيق، فهي تستعير رومانسية متشائمة من شقوق أوروبا الأدبية في القرن التاسع عشر، بقدر ما تقترض صورة المثقف التقني الذي عرفته أوروبا في مرحلتها ما بعد الصناعية. والأمر في شقيه، يحيل على المحاكاة الصماء حيث جدار الصين يفصل بين المعير والمستعير، وحيث جدار سميك يفصل بين "الحداثي المتأخر" ووقائعه العربية"(35).
من هنا ينطلق- فيصل دراج، ليصب جام غضبه على المثقفين الذين يدافعون عن الحداثة المتأخرة، فيقول:
"وإذا كان بإمكان المنتصر الأوروبي أن يحتفل "بنهاية التاريخ" وأن يرى في الزمن العالمي الجديد تعبيرا عن أفضل العوالم وأجمل الأزمنة، فإن احتفال "مثقف الأطراف" بهذه النهاية إشارة إلى وعي مريض أو وشاية بذاتية غريبة تستعذب الذل والمهانة، ويطالب بإقالة العقل والإرادة" (36).
فشل تحديث المجتمع العربي على المستوى السياسي:
إذ كانت الحداثة المجتمعية صورة للاستقلال الذاتي للعلاقات التي تكونها ـ إذ الفرد مواطن بسبب وجوده الفردي الحر، مثلما أنه فرد حر بسبب المواطنة التي يتمتع بها ـ كما يذهب إلى ذلك آلان تورين ـ، فإن المجتمع العربي يبدو مركبا ديمغرافيا أكثر منه مجتمعا بالمعنى الحديث، لأن الأسباب التي تحقق وجود المجتمع غائبة أو معوقة.
فالحزب السياسي لا يتمتع باستقلاله الذاتي، ومن ثم فهو لا يسهم في إعادة بناء العلاقة بين المجتمع والدولة، كما لا يمثل تشكيلا اجتماعيا حديثا.
ومع أنه "لا وطن ولا مواطنة خارج جدل الذاتية  والحرية، فإن السلطة العربية ترى سلامة الوطن في تدمير العلاقتين، مبسترة الوطن إلى مكان وسلطة ورعية.
وهذا الواقع هو الذي حمل بعض جهات الاستشراق إلى الربط بين الاستبداد والجوهر العربي، أو بين التراث الإسلامي وإنكار الديموقراطية. وبداهة، فإن سيطرة العنف السلطوي لا ترد إلى جواهر بشرية تستعذب الاستبداد، لأن الأمر مرتبط كله بالنخبة الحاكمة وبتصورها الذاتي للسلطة والمجتمع، وهذه النخبة، وبلغة وصفية على الأقل، ترى في الوطن ملكية خاصة، وفي السلطة احتكارا متوارثا، وفي الاستبداد ضمانا لاستمرارية الملكية والاحتكار".(37)
نستخلص من هذا الرأي أن المجتمعات العربية لم تلج زمن الحداثة السياسية بعد، وذلك نظرا لغياب تام لدولة المؤسسات الحديثة، سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو غيره، وهذا ما جعل هذه الدولة العربية خارج الزمن الحديث.
ويحلل خلدون النقيب هذه الوضعية، فيقول:
"إن الدولة التسلطية ليست نظام حكم فحسب، وإنما هي التعبير السياسي عن نظام اجتماعي واقتصادي تمد الدولة فيه، في الوضع المثالي أخطبوط تسلطها إلى النظام الاقتصادي، فتحتكر ملكية وسائل الإنتاج، وإلى النظام السياسي فتحتكر وسائل التنظيم، وإلى النظام الاجتماعي، فتقدم نفسها بديلا عن مؤسساته، وتستبدل الإيديولوجيات المتنافسة بإديولوجيات التسلط والإرهاب وقيمه الأصلية بقيم الاستهلاك المتعي، وحضارته بحضارة الرعب والخوف"(38).
نستخلص من رأي النقيب، سببا آخر من أسباب عدم ولوج العرب لزمن الحداثة، ويتمثل في البيروقراطية والإطلاقية السلطوية الملازمة للأنظمة العربية.
وإذا كان التسلط في ذاته نفيا للحداثة، فإن جملة ممارسات "الدولة التسلطية" نقض للأزمنة الحديثة بدءا بتقديس الكم المعبر عن وعي متخلف ـ كما يرى هيجل ـ وصولا إلى الأنا الطاغية المفردة التي تخلط بين السياسة والكهانة.
ويقول غسان سلامة في معرض حديثه عن غياب التحديث في المجتمعات العربية مستعرضا أسباب ذلك:
"لقد قامت في الكيانات العربية عصبيات يربطها الانتماء المشترك، الطائفي أو الجهوي أو القبلي، بالسيطرة التدريجية على جهاز الدولة، واستفادت هذه الجماعات المتميزة بأصولها الريفية، من إنشاء الكيانات الحديثة للانتقال شبه الحر إلى المدينة والإقامة بها، والتعليم المجاني إجمالا، والانخراط في الأحزاب "الحديثة" وفي القوات المسلحة، من دون أن تتخلى تماما عن عصبيتها الريفية التقليدية، بحيث استطاعت هذه الجماعات أن تستفيد في الآن معا من العصبية القديمة المستمرة ومن المؤسسات الناشئة حديثا، مؤكدة مرة على انتمائها للأولى ومرة أخرى على تماهيها مع الدولة الحديثة، حسب الظروف وحسبما تقتضي المصلحة" (39).
يشير غسان سلامة في قوله هذا إلى الطابع الانتقائي والتلفيقي للحداثة العربية في طور معين، وإلى تبددها في طور لاحق.
ويحلل فيصل دراج هذه الظاهرة بقولة:
"إن وجود الدولة الفاعلة يحتاج إلى وجود مجتمع فاعل بدوره. وبقدر ما يدفع ضعف "الدولة التسلطية: إلى إعطائها صفة ما قبل- الدولة، فإن ضعف المجتمع الذي تنتجه يقود إلى صفات توافق وجوده الضعيف، مثل الجماعة، القوم، الطائفة،... يعبر ضعف المجتمع والدولة في العالم العربي عن علاقة إقصاء متبادل بينهما، إذ أن الدولة الضعيفة تطرد المجتمع خارجا، عن طريق العسف والاغتصاب، إذ المجتمع المقموع يطرد ذاته خارج الدولة، عن طريق الانكفاء الذاتي واللوذ بالمراجع المأمونة القديمة مثل الأسرة والعشيرة والروابط الدينية والمذهبية، كما لو كان المجتمع ينتمي إلى سلطات مختلفة لا علاقة لها بالسلطة القائمة بمعنى آخر، إن العسف ما قبل – الدولة المتراكم قد أغلق الأبواب أمام إمكانية الدولة الحديثة فدفع بالهارب من تسلط ما قبل – الدولة إلى البحث عن الأمان في أحضان ما قبل المجتمع"(40).
هكذا يصور فيصل دراج علاقة الطرد والإقصاء المتبادل بين المجتمع والسلطة، مما نتج عنه غياب دولة فاعلة من جهة، ومجتمع فاعل من جهة ثانية، وهذا ما أفضى في النهاية إلى إشكالية التبعية والدولة التابعة. وعن هذه الوضعية يقول فيصل دراج:
"من سخف القول تفسير "الدولة التسلطية" بجوهر عربي أو إسلامي. فالتبعية وإنتاج شروطها يستلزمان الاستبداد قاعدة، لأن جوهر التبعية تأمين المصالح الخارجية، ومصالح النخبة الحاكمة وإهدار المصالح الوطنية. ومما هو جدير بالذكر هنا، أن السلطة العربية التابعة تكون، وبسبب علاقتها التبعية، سلطة رأسمالية، بينما تكون سلطة قروسطية خارج علاقة التبعية، كما لو كانت بنيتها ما قبل الرأسمالية شرطا لوجودها كرأسمالية تابعة ورثة. وفي الحالات جميعها، فلا شيء يربط بين السلطة العربية والحداثة السياسية، فهي تنفي التعاقد الحر وتأمين السيادة الوطنية وتحقيق الرفاه الاجتماعي، أي المعايير الثلاثة التي تلازم الدولة الحديثة"(41).
وغياب الانفصال هذا بين المجتمع والدولة هو الذي أعاد إنتاج ذاته على المستوى الاقتصادي والثقافي.

فشل تحديث المجتمع العربي على الصعيد الاقتصادي:
لقد أعاد الانفصال بين المجتمع والدولة إنتاج ذاته على المستوى الاقتصادي، إذ وضعت الدولة يدها على الاقتصاد مثلما وضعت يدها على السياسة، مبرهنة على غياب الحداثة في المجالين معا.
وهكذا لم تستطع الدولة العربية تنظيم الاقتصاد وتحديثه، بل اتبعت معايير تقليدية قديمة تساوي بين السلطة والثروة.
يقول حكيم حمودة: "إن الكيانات التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى، لم تغير أبدا من ممارسات الدولة العثمانية، وظلت تمارس دور الضابط – الحكم بين مختلف الشرائح الاجتماعية الخراجية، والتي شكل اقتطاع المكوس والضرائب وسيلة تمايزها الاجتماعية" (42).
لقد بقيت السياسة في المجتمع العربي جسرا إلى الثورة في تصور النخبة الحاكمة السياسية، الأمر الذي يوحد بين ممثل الدولة العثمانية والقائد السياسي العربي "الحديث". فالأول يجبي الضرائب ويتحول إلى مالك كبير للأرض، والثاني ينهب الشعب ويصبح "رجل أعمال" كبير ويلوذ بشرعية موروثة يستعين بها في مصادرة الثورة الوطنية وتوزيعها على الأطراف التي تقاسمه الشرعية المفترضة. وبسبب تداخل السلطة والثورة والشرعية الموروثة، يفقد الشعب حقه في ثرواته الوطنية، ويكتفي بـ "الهبات الخيرية" التي ترميها السلطة إليه، طالما أن الثروة هي حق موروث من حقوق السلطة، تلغي هذه الممارسات عمليا معنى الضرائب والقانون والمواطنة، لأن العلاقة بين السلطة والمجتمع هي علاقة انفصال وتخارج، أي علاقة بين طرفين غير متجانسين في الحقوق والماهية"(43).
إن هذا الوضع هو الذي ترك الباب مفتوحا أمام النهب والرشوة والفساد، ونشر القيم المعادية للإنتاج والكفاءة والمبادرة الفردية والجماعية المبدعة. ولهذا يبدو العالم العربي" حيزا غريبا محكوما بالرعب والانفصام، كما لو كان دور "الإدارة الداخلية" فيه تصدير الغنى واستيراد الجوع، أو كما لو كان حيزا انتقاليا يتواجد فيه العالم الأول" والعالم الرابع" معا، بواسطة سلطة تنتمي، نظريا، إلى "العالم الثالث" وتنتمي عمليا، إلى ثرواتها اللاشرعية فقط" (44).

استيلاب العقل في إيديولوجيا التلفيق على المستوى الثقافي:
أنجزت الحداثة الأوربية إنجازات في فصل، لا مساومة فيه، بين القديم والحديث، "وتابعت إنجازاتها، محولة الحديث القريب إلى قديم بعيد، وواعدة بنقل الحديث الوليد إلى أقاليم القديم الذي انتهى. وهي لم تقطع مع القديم إلا لأنها انتهت منه تماما، ولم تقطع مع الحديث الذي تقادم إلا لأنها استنزفت إمكانياته، كما لو كان كل زمن جديد يكتفي بأدواته الذاتية ولا يستعير من الأزمنة التي تركها وراءه شيئا. شيء يذكر بالحديث الذي هجس به "بودلير"، إذ الحديث ينغمس في زمانه الذاتي تماما، إذ كمال الحديث وكموله يجعله جديرا بأن يكون شيئا قديما"(45).
ومقارنة بالحديث الأوروبي الذي يحتفظ بزمن وحيد ويهجر ما تبقى من الأزمنة، تبدو الحداثة الفكرية للدولة العربية – يقول فيصل دراج- "حكاية لا مرجع لها، رددها طيف لا يحسن الكلام وتوارى، فهذه الدولة أو السلطة، مصرة على أن تحمل في عباءتها الأزمنة التاريخية جميعا. غير أن هذه الدولة لا تثقل كاهلها بالأزمنة المتتابعة، إلا لأنها تهرب من زمنها الجوهري، الذي همشه التاريخ على أية حال، ولهذا، فإنها لا تلج الزمن الحديث إلا إذا دخلته من باب قديم، ولا تدنو من الزمن القديم إلا فوق طائرة مستوردة. وواقع الأمر أن هذه السلطة تطرد الأزمنة جميعا وتدخر زمنها الذاتي، الذي يقف فوق جميع الأزمنة"(46).
ولهذا سادت ثنائيات لزمن طويل في الثقافة العربية، مثل: الأصالة والمعاصرة، الحداثة والتراث، القديم والحديث، العلم والإيمان... إلخ. وهي إيديولوجيا السلطة العربية التلفيقية التي تبدد "الأصيل" حين تعالجه بأدوات تنتمي إلى زمنه، مثلما أنها تبدد "المعاصر" لأنها غير قادرة على إدراكه.
ومن هنا، تبدو الحداثة جسما غريبا في الوطن العربي، لأن الدولة التسلطية أنتجت وعيا مقموعا، كما لو كانت السلطات العربية المعادية قد أنتجت قطاعات اجتماعية واسعة تناهض الحداثة بدورها.

الهوامش:
Malcolm Brad bury: "Modernisme/ post modernisme" Ed. Innovation/ Rénovation. Madison Wisconsin 1978. p 95-104.
Irving Howe: "The idea of modern in literature and arts". Horizon Press. New York 1967.
Balandier (G): "Anthropo-logiques" Ed. Librairie Générale Française. Paris 1985. P 283.
Domenack (I.M): "Approches de la Modernité" Ed. Ecole polytechique. Paris.1986. P.13.
Beudrillard (J): "Encyclopédia Universalis. Volume II".
Beaudrillard (J): "        "            "
7- هنري لوفيفر: "ما الحداثة" ترجمة كاظم جهاد، دار ابن رشد للطباعة والنشر 1983
8- Simmel (G): "Philosophie de la modernité: la femme, la ville, l'individualité" Ed. Payot Paris. 1989. p 282.
9- Ricoeur (P) : "Le temps raconté, temps et récit "Ed. Seuil. Paris. 1985. p 311.
10- مالكولم براد بوري وجيمس ماكفرلين: "الحداثة 1890-1930" ترجمة: مؤيد حسن فوزي، دار المامون، وزارة الثقافة والإعلام بغداد 1987.
11- نفسه، ص 47-48.
12- Le Fevre (H): "Introduction à la modernité" Arguments. Dirigée par: Kostas Axelos. Ed. minuit. Paris 1962. p de 167 à 180 (بتصرف
13- Habermas (J): "Le discours philosophique de la modernité" Ed. Gallimard, Paris 1988. p.8.
14- فيصل دراج: "ما بعد الحداثة في عالم بلا حداثة" مجلة: "الكرمل" عدد 50، ربيع 1997، ص 71.
15- نفسه.
16-Spender (Stephen) = "The Struggle of the modern" Hamich Hamilton. London 1963.
نقلا عن "براد بوري وجيمس ماكفرلين "الحداثة" 1890-1930"
17- أدونيس: "صدمة الحداثة دار العودة، بيروت 1978، ص 161 وما بعدها.
18- أدونيس: "زمن الشعر" دار العودة. بيروت 1978، ص 10-15 (بتصرف).
19- جبرا إبراهيم جبرا: "الرحلة الثامنة" بيروت، المكتبة العربية 1967، ص 10.
20- في حوار مع الشاعر عبد الوهاب البياتي، مجلة: "المعرفة" 1980، 222/223 والبياتي: "الثورة لا تخمد أبدا والحب لا يموت"، مجلة "شعر" 10/27. شتاء 1968، ص 63.
21- يوسف الخال: "الحداثة في الشعر" دار الطليعة، بيروت 1978 ص 80-81.
22- شكري عياد: "الأدب في عالم متغير" القاهرة الهيئة العامة، 1971 ص 11 إلى 15.
23- عز الدين إسماعيل: "الشعر العربي المعاصر قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية"، دار العودة- بيروت 1975، ص من 13 إلى 16 (بتصرف).
24- جابر عصفور: "معنى الحداثة في الشعر المعاصر" مجلة: "فصول" المجلد عدد 4 يوليوز- اغسطس- شتنبر 1984 ص 36.
25- جابر عصفور: نفسه ص 35-36.
26- جابر عصفور: نفسه ص 35.
27- صالح جواد الطعمة: "الشاعر العربي ومفهومه النظري للحداثة" وهو عبارة عن تقرير لندوة: "الحداثة في الشعر" التي عقدتها "فصول" عدد 3 أكتوبر- نونبر- دجنبر 1982.
28- جابر عصفور: "معنى الحداثة في الشعر المعاصر" مرجع مذكور، ص 36-37.
29- جابر عصفور: نفسه، ص 8.
30- Stephen Spender. "The struggle of the modern" London 1963. P 71.
31- جابر عصفور: مرجع مذكور ص 13.
32- فيصل دراج: "ما بعد الحداثة في عالم بلا حداثة. مجـلة "الكرمل" عدد 51، 1999، ص 64.
33- فيصل دراج: نفسه ص 65.
34- قسطنطين زريق: "الشرق والغرب" القسم الثاني، إعداد محمد كامل الخطيب، وزارة الثقافة، دمشق 1991، ص 8.
35- فيصل دراج: مرجع مذكور، ص 67.
36- فيصل دراج: نفسه، ص 68.
37- فيصل دراج: نفسه، ص 73.
38- خلدون حسن النقيب: "المجتمع والدولة في الخليج والجزيرة العربية" مركز دراسات الوحدة العربية. بيروت 1991، ص 16.
39- غسان سلامة: "المجتمع والدولة في المشرق العربي" مركز دراسات الوحدة العربية بيروت 1987، ص 22.
40- فيصل دراج: مرجع مذكور، ص 75.
41- فيصل دراج: نفسه، ص 76.
42- Hakim Hamouda: "Alternative Sud", l'harmattan. Vol II.Paris 1995
     p 95.
43- فيصل دراج: مرجع مذكور، ص 76.
44- فيصل دراج: نفسه، ص 78.
45- عزمي بشارة: "مساهمة في نقد المجتمع المدني "منشورات مواطن- رام الله 1996، ص 33.
46- فيصل دراج: مرجع مذكور، ص 79.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة