هدف واحد :
مما لا شك فيه أن البحث عن الجمال من أهداف كل من أهل الفكر والبلغاء أي علماء البلاغة ، فلا يمكن لأحد أن ينكر أن فلاسفة اليونان القدماء ومفكريهم قد عنوا بالجمال عناية فائقة ، في نفس الوقت الذي اهتموا بمعرفته اهتماماً عظيماً تجلى فيما كتبوه ووصل إلينا .
لقد كان الجمال بجانب الخير والحق من أهم ما يشغل فلاسفة ومفكري اليونان ، وإنهم وصلوا إلى درجة عالية من الدرس والبحث في هذا المجال المهم من مجالات الفكر الإنساني التي ثبت لهم فيها السبق والتقدم ، وكان التفوق فيه ميزة من ميزاتهم ، ومنحة منحها الله سبحانه وتعالى إياهم ، كما منح غيرهم من الأمم ميزات أو مواهب أخرى .
ولا ضرر ولا ضرار في ذلك فهذه سنة اله عز وجل في خلقه ، فهو له في خلقه شئون ، وقد جعل في العرب البلاغة والفصاحة ، وفي أهل الصين الفنون الجميلة ، كما كان من فضله وعدله أن قسم نعمه التي لا تعد ولا تحصى على خلقه . (1)
وفي هذا السياق يقول أستاذنا / مصطفى صادق الرافعي (رحمه الله) في كتابه (تاريخ آداب العرب ) : وكانت البلاغة من أشهر ما عرف به العرب في العلوم والفنون حتى صارت من أرقى مدنياتهم ، وأوسع معارفهم ، فالحكمة الإلهية التي جعلت من قديم مدنية الفنون في أيدي الصينين ، ومدنية العلوم في رؤوس اليونانيين هي التي خصصت مدنية اللغات في ألسنة العرب . (2)
لقد تفوق اليونان في هذا المجال من مجالات الفكر ، وهذا أمر معروف ومفهوم ولا مرية فيه عند كل منصف ، ومن المحال أن يقلل ذلك من شأن أية أمة أخرى ، لأن الله جل علاه كما قسم الأرزاق على عباده قسم المواهب أيضاً ، وهو العليم بعباده ، فلا جدال في هذه المسألة .
والله جل شأنه هو موزع النعم بين الناس جميعاً ، واختص بفضله الأمة العربية فجعلهم أبلغ الناس بياناً ، وأفصحهم لساناً كما وهب أهل اليونان الفكر المنتظم ، فاليونان كانوا أصحاب فكر قديم يتسم بالوعي والدقة ، وقد أخذت الحضارة العربية الإسلامية منه الكثير الذي يتفق مع قيمنا وثوابتنا ، بعد أن قام علماء الإسلام ومفكروه بعمليات النقد والفحص والدرس والتمحيص ثم الإضافة ، فالحضارات أخذ وعطاء ، الحضارات تكامل وتعارف ، الحضارات عطاء إنساني من أجل صالح الإنسانية ، عطاء لا يعرف الصدام أو الصراع ، أو انتصار حضارة على أخرى ، فكل الحضارات سواء في حق الوجود والعطاء .
ومن الموضوعات التي طال حديث أهل اليونان من المفكرين عنها : موضوع الجمال ، فبالرغم مما هو معروف من أن الإنسان اليوناني القديم كان يولد فناناً ـ كما كانوا يقولون ـ وأن ثقافته كانت تصله بمجال فكري واسع فيما يختص بالأشياء الجميلة فإن ظهور النظر الجمالي أو الفكر الجمالي جاء متأخراً بعض الشيء ، ويمكننا أن نجعل من الفيلسوف اليوناني / أفلاطون نقطة البداية ، لأن به ـ كما يقول تاريخ الفكر الإنساني ـ تبدأ نظرية الجمال .
ونحن ندرك أن نظرية أفلاطون اليوناني في المُثل جعلته يفترض وجود مثال خارجي للجمال ، وعليه تصبح الأشياء في حقيقة جمالها شبيهة بالمثال ، ويقترب هذا الشبه أو يبعد بمقدار ما فيها من جمال ، والعمل الفني نقل ، ومجال لهذه الأشياء المشبهة بمثال الجمال ، فهو إذن شبيهه بالشبيه (3)
والجمال الذي يتمثل فيه يقل عنه في الأشياء ، كما أن جمال هذه الأشياء بدورها أقل منه في المثال ، والجمال في المثال جمال مطلق ، أما في الأشياء فهو نسبي .
ولعل ذلك يتضح لنا عندما نقرأ محاورة أفلاطون المسماة (هيباس) ، حيث يرى أن الأشياء ليست جميلة جمالاً مطلقاً ، وإنما تكون جميلة عندما تكون ـ كما يقول هيباس ـ في موضعها ، وقبيحة عندما تكون في غير موضعها .(4)
أما أفلوطين والمدرسة الأفلوطونية الحديثة فإن الجميل عندهم يشير إلى الواحد المطلق ، الواحد الخير ، الذي تصدر عنه الصورة المشعة .
ولا ريب أنه من الواضح تأثر هذه النظرية بفلسفة أفلاطون فيالجمال ، وإذا كان أفلاطون قد وحد بين الجمال والخير في هذا الرأي ، فإن أفلوطين كما أوضحنا تأثر بما ذهب إليه ، فعنده كذلك : أن الجميل هو الخير ، والخير في هذا الرأي كامن خلف الجميل وهو مصدره ، ومبدؤه ، كما هو مصدر كل شيء ومبدؤه ، فالواحد المطلق خير قبل كل شيء ، وهو جميل لأنه خير ، ومن هنا فإن الخير هو المبدأ الأول الذي يصدر عنه الجمال .
وإذا كان للجمال هذه الطبيعة فإن الأداة لإدراكه هي الروح ، أما الحواس فإنها لا تدرك سوى انعكاسات هي ظلال للجمال ، وسوى إيحاءات للحقيقة ، وهذه الأداة يجب أن تهذب ، ويجب أن تصقل بالثقافة العالية ، والتفكير الراقي ، وبحياة الألم أي : التجربة التي يمر بها الإنسان أو المبدع ويعبر عنها تعبيراً فنياً صادقاً .(5)
وليس أفلوطين وحده هو الذي يتفق مع أفلاطون في مفهوم الجمال ، فنظرية أرسطو في الجمال نجدها تلتقي مع نظرية أفلاطون أيضاً ... فمن الممكن الجمع بين أفلاطون وأرسطو في البحث الجمالي ، لأن نظريتهما في الجمال تشتركان في مبدأين هما :
المبدأ الأول : أن الجمال في النظام والوحدة والتعدد .
المبدأ الثاني : أن الجمال هو الخير .
الجمال و الخير :
وفي هذا السياق يؤكد (سانت توماس) هذه الصلة فيقول : إن الجمال والخير لا يمكن انفصالهما ، وإذا كان ارتباط الجمال بالخير قوياً إلى هذه الدرجة ، فإن بعض المفكرين ، ولاسيما سقراط ، ربط بين الجمال والنفع ، والربط بين الجميل والنافع معروف منذ قديم الزمان .
فهذا هو (فاكز نوفان) يرى أن كل جميل طيب ، وفي محاورة (هيباس) يسأل سقراط : إذن فنحن متفقون على أن الجمال والمنفعة شيء واحد ؟! ، فيجيب هيباس : بالتأكيد . !! (6)
وإذا أردنا بعد ذلك أن نوجز هذه المجموعة من الأفكار التي طرحناها آنفاً ، فإننا نجدها تؤكد على أن مصدر الجمال الحق هو الواحد المطلق للخير الذي تصدر عنه الصورة المشعة ، ونجد أن أهل الفكر قد ربطوا بين الجميل والخير ، وبين الجميل والنافع ، وأن الأداة الجيدة لإدراك الجمال هي الروح ، أما الحواس فإنها لا تدرك سوى انعكاسات هي ظلال للجمال ، وهذه الأداة المهمة يجب أن نصقلها بالثقافة الرفيعة ، والخبرة والدربة التي ترتقي بالذوق .
هل تطرق رجال البلاغة لبحث هذه الأفكار ؟
والسؤال الذي نرغب في أن نطرحه على مائدة نقاشنا لهذا الموضوع ، وبالتالي نحب أن نقف أمامه هو : هل تطرق علماء البلاغة لبحث هذه الأفكار والنظر فيها ، حتى يمكن لنا القول : إن هناك مشاركة فعالة للكشف عن مفهوم الجمال و مصادره في كل ما يدركه أو يتناوله الإنسان بعقله وروحه وأحاسيسه بين المفكين والبلغاء ؟
وفي محاولة من جانبنا للإجابة عن هذا السؤال ، فإننا نحاول أن نعرض معاً وجهات نظر كل من الفريقين حول بعض النقاط التي تعد أساساً في مفهوم كل من الجمال والخير .
صلة وثيقة :
ومن ذلك أننا وجدنا كثيراً من أهل الفكر من أمثال : سقراط ، وأفلاطون ، وأرسطو ، وأفلوطين ، وسانت توماس قد ربطوا بين الجمال والنفع أو الجمال والخير ، وفي ذات الوقت فإننا نجد كثيراً من علماء البلاغة يؤكدون على الصلة الوثيقة بين مفهوم البلاغة ، وبين الخير والنفع .
ومن هؤلاء العالم الزاهد / عمرو بن عبيد ، الذي سأله سائل ذات مرة : ما البلاغة ؟ ، فأجابه : ما بلغ بك الجنة ، وعدل بك عن النار ، وما بصرك مواقع رشدك ، وعواقب غيك ! .
قال السائل : ليس هذا أريد !! ، قال عمرو : فكأنك إنما تريد تخير لفظ في حسن إفهام ؟ ـ قال : نعم ، قال عمرو : إنك إذا أردت تقرير حجة الله في قلوب المريدين بالألفاظ الحسنة في الآذان ، المقبولة عند الأذهان ، رغبة في سرعة استجابتهم ، ونفي الشواغل عن قلوبهم بالموعظة الحسنة على الكتاب والسنة ، كنت قد أُتيت فصل الخطاب ، واستوجبت على الله جزيل الثواب (7)
وفي رواية أخرى لنفس الشاهد أن (عمرو بن عبيد ) عرف البلاغة بقوله : تحبير اللفظ (تخير اللفظ) في حسن الإفهام ، وتزيين تلك المعاني في قلوب المريدين بالألفاظ المستحسنة في الآذان ، والمقبولة عند الأذهان .
ويقال أن (عمرو بن عبيد) نصح سائله بألا يطول الكلام ، لأن طول الكلام يدعو إلى التكلف (وبالتالي إلى ملل السامع أو القارئ) (8)
وعليه فإن عنصر الخير ومعه النفع ـ في هذا المقام ـ أساسيان ضروريان عند شيخنا / عمرو بن عبيد ، في مفهوم البلاغة أو بمعنى آخر : من أجل تحقيق الكلام لهدفه المراد (الإمتاع والإقناع) ، كما هما أساسيان في مفهوم الجمال عند رجال الفكر ، لأنه لا نفع ولا خير أكثر للإنسان العاقل مما يبلغه الجنة ، ويعدل به عن النار ، ويبصره مواقع الفلاح والصلاح التي بها يحدد مواقع رشده في الدنيا وفي الآخرة .
أساس البلاغة :
وإذا كان أفلاطون قد وصل بنظريته في الجمال إلى أن هناك مثال للجمال ، هو مصدر كل جمال وهو الأصل فيه ، وأن الأشياء تحرز منه ، وتنال بقدر قربها منه أو بعدها عنه .
وإن كان الجميل عند المدرسة الأفلوطينة تشير إلى الواحد المطلق ، الواحد الخير ، الذي تصدر عنه الصور المشعة بالجمال .
فإن جانباً كبيراً من جهود علماء البلاغة والتي بذلوها من أجل استنباط أسسها ، والأصول التي تقوم وتعتمد عليها ، إنما مصدره الأول وأساسه المتين مستقى من كلام الله جل شأنه المبين في القرآن الكريم ، فكلامه سبحانه وتعالى هو أساس البلاغة ودستورها ، ومصدرها الوثيق ، وجمالها منبثق من جمال الأسلوب القرآني البديع الرائع الذي من المحال أن يرتقي إليه أي أسلوب آخر مهما كانت بلاغة صاحبه .
فإذا أضفنا إلى ذلك أن جانباً كبيراً من جهود علماء البلاغة موجهة في الأساس إلى إثبات وجود الله العلي القدير وقدرته ، وأنه سبحانه وتعالى هو المتصف بكل صفات الجلال والجمال والإكرام ، وإنه عز وجل مصدر كل خير ونفع ، وهو جميل يحب الجمال .
كل ذلك من خلال تفسير كتاب الله المجيد ، وسنة رسوله الكريم وصفوة خلقه أجمعين محمد بن عبد الله الهادي البشير (صلى الله عليه وسلم) .
وإذا ما عرفنا أن جماعة من أهل البلاغة وهم المتكلمون أو رجال التوحيد ، كانت غايتهم العظمى هي إثبات كل صفات الكمال للمولى الواحد الأحد ، ودفع كل شبهة نقص عنه جل شأنه .
وأن أهل البلاغة بوجه عام يدركون كل الإدراك أن طريق الإيمان الحق ، لا يمكن أن نبلغه إلا بنبراس يضيء لنا الطريق ، هذا النبراس هو العقل المنصف المرشد ، العقل الذي يعد أعظم نعمة منحه الله للبشر ، ومع العقل الواعي السليم تأتي الروح الطيبة الطاهرة .
إذا علمنا ذلك جيداً ، وفهمناه كل الفهم ، وأدركنا وحدة الطريق والتشابه في الغاية ، والاتفاق في الوسيلة المحققة لذلك ، ووعينا أيضاً أن المفكر المنصف الملتزم والبليغ الأريب المتمكن من أدواته ، كلاهما يبحث عن غاية عظمى ، ومقصد محمود ، وبمعنى آخر لا فكر ولا أدب بدون هدف ، بدون إقناع وإمتاع ، بدون جدوى أو نفع .
ومن هنا كان البليغ الحق في نظر شيخنا / عمرو بن عبيد هو الذي يستطيع تقرير حجة الله العلي الحكيم في عقول المكلفين ، ولا يمكن أن يتأتى ذلك إلا بالحكمة والموعظة الحسنة المقتبسة من القرآن المجيد ، وذلك هو النجاح التام الذي يورث صاحب الكلمة الثواب الجزيل من الله سبحانه وتعالى ، وذلك خير ونفع لا ريب فيه .
الجاحظ وأحسن الكلام :
وليس الشيخ الزاهد / عمرو بن عبيد وحده هو الذي يربط بين البلاغة والنفع ، وأن طريق ذلك هو حب الله وفيض نعمائه ، بل إن أحد مؤسسي البلاغة العربية وهو المعلمة الخالدة ، والموسوعة الشاملة شيخنا / أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ، والذي ذكر في كتابه الشهير (البيان والتبيين ) مجموعة من التعريفات لوفير من العلماء حاولوا أن يعرفوا بها معنى أو مفهوم البلاغة ، نذكر منها ما نقله الجاحظ : " وأحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره ، ومعناه في ظاهر لفظه ، وكأن الله عز وجل قد ألبسه من الجلالة ، وغشاه من نور الحكمة على حسب نية صاحبه ، وتقوى قائله ، فإذا كان المعنى شريفاً ، واللفظ بليغاً ، وكان صحيح الطبع بعيداً عن الاستكراه ، و منزهاً عن الاختلال ، ومصوناً عن التكلف ، صنع في القلوب صنع الغيث في التربة الكريمة " (9)
فأحسن الكلام ، والمثال العالي في البلاغة عند الجاحظ ما كان الله عز وجل قد ألبسه من روح الجلالة ، وغشاه من نور الحكمة ، وكلما كانت روح القائل تقية ، نقية ، سمحة ، طاهرة ، شريفة ، قريبة من الله تعالى خالقها الأعظم ، وكان المعنى هادفاً مفهوماً ، نفع الله الناس بهذا الكلام ، وجعله يحيي موات القلوب ، ويثبت فيها الخير العميم ، ويصنع بها صنع الغيث في التربة الكريمة .
حقاً وصدقاً ، إن الكلمة أمانة ومسئولية ، الكلمة لها دورها في التوعية والإرشاد والتوجيه بالإضافة إلى جمالها الفني الذي يسمو بالنفوس ويرتقي بها مهذباً لغرائز البشر ، باعداً إياها عن كل خبيث لا يليق بها ، لقد كان شيوخنا (رحمهم الله) عندما ينوون الكتابة ، يقومون للوضوء ، ثم يصلون ركعتين لله تعالى حتى يمكنهم من أن يكتبوا ما ينفع الناس ويفيدهم في دنياهم وأخراهم ، وبالتالي يحقق رضا الله عنهم .
بشر بن المعتمر و إحراز المنفعة :
وفي نفس السياق الذي نحن بصدده ، يقول بشر بن المعتمر في صحيفته المشهورة ، والتي تعد أول وثيقة بلاغية / نقدية في تراثنا العربي الإسلامي ، يقول بشر : " وإنما مدار الشرف على الصواب ، وإحراز المنفعة " (10)
لقد اعتبر بشر بن المعتمر المنفعة هدفاً أساسياً من أهداف الكلام البليغ الجميل ، كما اعتبرها أهل الفكر هدفاً من أهداف الجمال .
ابن وهب والتام من الكلام :
ويؤكد على ذات الغرض وبنفس الوضوح الناقد والبلاغي / ابن وهب (أبو الحسن إسحاق بن إبراهيم بن سليمان الكاتب) ، صاحب كتاب (البرهان في وجوه البيان ) حيث يقول : " وأما التام من الكلام ، ما اجتمعت فيه فضائل هذه الأقسام ، فكان بليغاً صحيحاً ، وجزلاً فصيحاً ، وكان جيداً صوابا ، وحسناً حقاً ، ونافعاً صدقا " (11)
ونحب أن نشير هنا إلى أن كتاب (البرهان في وجوه البيان) لابن وهب ، كان في نسبته إلى صاحبه شك ، هل هو لقدامة بن جعفر ، أم لغيره ؟ ، ولكن بعد الدرس والفحص والتمحيص ثبت للكافة أن هذا الكتاب لابن وهب .
ومن المعروف أن أستاذنا الدكتور / طه حسين ذهب إلى أن كتاب البرهان منسوباً إلى قدامة بن جعفر ، ولكن تأكد بما يقطع أي مجال للشك أن هذا الكتاب لابن وهب ، وقد قام أستاذنا المرحوم الدكتور / حفني شرف بنشر هذا الكتاب ، وبمراجعته على أصول ، وتحقيقه التحقيق العلمي السليم المفيد ، وعليه فقد أصبح إعادة الكلام في هذه المسألة غير ذي بال ، فكل الأدلة والحجج والبراهين والوثائق أكدت لنا جميعاً أن كتاب البرهان ، صاحبه ابن وهب .
وبهذه المناسبة فإن أستاذنا الدكتور المرحوم / شوقي ضيف يرجح أن مؤلف كتاب : البرهان في وجوه البيان (ابن وهب ) ، كان يعيش في أوائل القرن الرابع الهجري ، أي كان معاصراً لقدامة بن جعفر صاحب كتاب : نقد الشعر ، وأكد ذلك بنقل مؤلف البرهان عن ابن التستري من أنه كان مما يحفلون بالسجع والتقعر في المنطق ، واستعمال الغريب من الألفاظ ، والتستري هذا هو / سعيد بن إبراهيم التستري ، ويقال أنه كان نصرانياً قريب العهد ، ومن صنائع بني الفرات هو وأبوه . (12)
ويؤكد ذلك أستاذنا الدكتور المرحوم / عبد الحميد العبادي حيث يوضح لنا أن دولة بني الفرات ازدهرت فيما بين عامي 290 هـ ـ 327 هـ ، وبهذا يثبت أن مؤلف البرهان عاش في ذلك الوقت .
كما يرجح الدكتور المرحوم / شوقي ضيف بأن مؤلف كتاب البرهان تأثر بالمنطق الأرسطي والفلسفة اليونانية في براهينه وتقاسيمه ، ضارباً لذلك عدة أمثلة .(13)
البلاغة والكشف عن الحق :
نعود فنقول : إذا كان أفلاطون ـ فيما نسب إليه ـ قال : " إن الجمال هو وضاءة الحق " ، فإننا نجد من علماء البلاغة من جعل مهمة البلاغة الأولى الكشف عن الحق .
فها هو الأديب المترجم / عبد الله بن المقفع يقول لنا إن البلاغة : " كشف ما غمض من الحق " (14)
ونفس المبدأ يردده كلثوم بن عمر العتابي ، عندما يصف اللسان ، الذي يفوق كل لسان ، إذ يقول : " فإذا أردت اللسان الذي يفوق الألسنة ، ويفوق كل خطيب فإظهار ما غمض من الحق " (15)
أي أن الكلمة المعبرة هي تلك التي تكشف لنا ما غمض من الحق ، وبمعنى آخر لا تقول إلا الحق ، فإن الحق أحق دائماً بأن يتبع ، واللسان البليغ الفصيح الذي يفوق كل الألسنة ، هو ذلك اللسان القادر على أن يعبر عن الحقيقة بصدق ووضوح ، كاشفاً بجلاء عن ما غمض من الحق .
مبدأ الوضوح :
وإذا انتقلنا إلى مبدأ الوضوح الذي يعتبر شرطاً أساسياً بل جوهرياً في العمل الفني الجميل عند مفكر كبير مثل (سانت توماس الأكويني) الذي يتطلب في الجمال أمور ثلاثة هي : التكامل أو الكمال ، والتناسب التام ، والوضوح . (16)
وها نحن نجد الخليفة الراشد الفاروق / عمر بن الخطاب (رضي الله عنه ) ، يثني على الشاعر العربي / زهير بن أبي سُلمى (شاعر الحكمة والسلام) ، ويجعله أشعر الشعراء ، كما يروي لنا ابن عباس (رضي الله عنه ) ، حيث قال له عمر : هل تروي لشاعر الشعراء ؟ ! ، قال ابن عباس : ومن هو ؟ ، قال عمر : الذي قال :
[ وإن حمداً يخلد الناس أخلدوا *** ولكن حمد الناس ليس بمخلد ]
قال ابن عباس : ذاك زهير بن أبي سُلمى ، قال عمر : فذاك شاعر الشعراء ، قال ابن عباس : وبم كان شاعر الشعراء ؟ ، قال عمر : لأنه كان يعاظل في الكلام ، وكان وحشي الشعر ولم يمدح أحداً إلا بما فيه . (17)
فتجنب المعاظلة أي تجنب الكلام الغامض أو المبهم أو العسير على الفهم ، وكذلك تجنب وحشي الكلام أو الكلام السوقي المبتذل الذي لا يحترم القار أو السامع ، كل ذلك أصل الوضوح الذي امتدحه الفاروق م عمر بن الخطاب (رضي الله عنه ) في شعر زهير بن أبي سُلمى ، نضيف إلى ذلك الصدق والواقعية والبعد عن التهويل والمبالغة والكذب ، وقد كان زهير يلتزم بكل ذلك ، ولذلك كان لا يمدح الرجل بما فيه .
وفي نفس المعنى يقول الأديب المترجم / عبد الله بن المقفع ناصحاً الكتاب في رسالته الشهيرة حيث يقول : وإياكم والتتبع لوحشي الكلام (أو حوشي الكلام) ، طمعاً في نيل البلاغة ، فإن ذلك هو العي (أو العيب) الأكبر .
ويقول ابن المقفع لأحد الكتاب ناصحاً إياه : عليك بما سهل من الألفاظ ، مع التجنب لألفاظ السفلة .
وذات يوم قيل لابن المقفع : ما البلاغة ؟ ، فقال : هي التي إذا سمعها الجاهل ظن أنه يحس مثلها لسهولتها ووضوحها . (18)
الإمتاع عند الآمدي :
وإذا كان الوضوح في الكلام قريناً للمتعة ، ومدخلاً لها ، أو محققاً لها ، وكانت المتعة غاية من غايات الجمال ـ كما يقول بذلك التجريبيون الذين يفهمون الجمال على أنه إحساس مرض ـ أو كما يقول (فلف) الذي يطلق لفظ الجميل على الممتع ، والقبيح على غير الممتع . (19)
فإننا نجد لدينا زيادة على ما أسلفنا من حكم صائب للفاروق / عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ، ومن نصائح قيمة للكتاب من جانب الأديب / عبد الله بن المقفع ، الذي يهدف إلى الوضوح والإمتاع والإحساس الذي يرضي المتلقي (السامع أو القارئ أو المشاهد ) ـ كما يقول الباحثون عن الجمال ـ نجد ناقداً بليغاً متمكناً مثل الآمدي (الحسن بن بشر الآمدي) صاحب كتاب (الموازنة بين أبي تمام والبحتري) ، نجده يحر كل الحرص على أن يكون الشعر الجميل ممتعاً .
يقول الآمدي : " وليس الشعر عند أهل العلم به ، إلا حسن التأتي ، وقرب المأخذ ، واختيار الكلام ، ووضع الألفاظ في مواضعها ، وأن يورد المعنى المعتاد في مثله وأن تكون الاستعارة والتمثيلات لائقة بما استعيرت له ، وغير منافرة لمضاف ، فإن الكلام لا يكتسي البهاء والرونق إلا إذا كان بهذا الوصف " . (20)
عندما يصل المعنى إلى القلب :
فليس وراء حشد كل هذه الشروط إلا الحرص التام على الوضوح والإمتاع ، فبدونهما لا يكون للعمل الفني أي قيمة ، فالإبداع الفني أو الأدبي يجب أن يكون ممتعاً للناس ، والشعور بالمتعة ونحن نتذوق أي عمل ، لا يمكن أن يتحقق بدون الوضوح .
ومن التعريفات الواضحة في تحقيق هذين المطلبين قول الرماني : " البلاغة إيصال المعنى إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ " (21)
وطالما جاء ذكر الرماني ، نقول إنه : أبو الحسن علي بن عيسى بن علي بن عبد الله الرماني ، النحوي ، المتكلم .
وهو أحد أئمة المعتزلة المشهورين المعروفين ، الذين جمعوا بين علمي الكلام والعربية ، والمتوفى سنة 374 هـ .
وللرماني رسالة معتيرة أسمها (النكت في إعجاز القرآن ) ، والتي أخذنا منها الاقتباس السالف ، وقد طبعت هذه الرسالة ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن ، صدرت في القاهرة ، بتحقيق السيد الأستاذ / محمد خلف الله أحمد ، والدكتور/زغلول سلام .
وإذا كان الرماني قد عرف البلاغة بأنها إيصال المعنى إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ ، فإنه يوضح ذلك قائلاً : " فأعلاها طبقة في الحسن بلاغة القرآن ، وأعلى طبقات البلاغة القرآن ، وأعلى طبقات البلاغة معجز للعرب والعجم كأعجاز الشعر للعجم ، فهذا معجز للعجم خاصة كما أن ذلك معجز للكافة " (22)
ولم يقف أمر شيخنا / الرماني عند بيان أن بلاغة القرآن الكريم في أعلى طبقة ، بل أخذ يبين ذلك بتوضيح أساليب تأدية المعنى وطرقه في القرآن الكريم .
أبو هلال العسكري : بين جمالين أو متعتين :
ومن البدهي أن المعاني لا تصل إلى القلب إلا إذا كانت واضحة وممتعة ، ومع ذلك فالرماني يؤكد على أن تكون في أحسن صورة من اللفظ ليجمع بين جمال اللفظ وجمال المعنى ، أو متعة النفس ومتعة الحس .
والذي يكلمنا في ذلك بحديث واضح سلس ، هو : أبو هلال العسكري ، المتوفى سنة 395 هـ ، حيث نجده مهذباً ، ومبوباً ، ومرتباً ، وملخصاً لكتاب عالمنا الموسوعي / الجاحظ ، كتاب (البيان والتبيين) ، كما نجده عاش في عصر كانت الحرب قائمة على أشدها بين علماء البلاغة ، فريق يناصر جانب انسجام المعاني وإتلافها ، ويرى أن البلاغة في ذلك ، وفريق ثان يناصر جانب سبك الألفاظ وصياغتها ، ويرى أن البلاغة في ذلك ، وفريق ثالث يناصر الاثنين معاً ، فكان لتلك الحرب الطاحنة أثرها الشديد في أدب أبي هلال العسكري ونقده .
وقبل أن نستطرد نحب أن نؤكد على أن البلاغة الحقيقية ليست في المعاني وحدها ، أو في الألفاظ وحدها ، بل في الإثنين معاً ، نضيف إلى ذلك السهولة والوضوح فهما الطريق إلى الإفهام والإقناع ، ولا ننسى بالطبع الجو النفسي والوحدة العضوية ومراعاة المسرح اللغوي والتجربة الفنية ، وكل ذلك توسع في دراسته النقد الحديث ، ولم يعد الأمر مقتصراً على أن البلاغة تكون في الألفاظ أو في المعاني ، بل إن هناك أموراً أخرى يجب أن تؤخذ في الحسبان بالإضافة إلى المعاني والألفاظ .
لقد خاض أبو هلال العسكري غمار تلك الحرب ، وتأثر بقوادها ، فالقارئ المتفحص لكتابه (الصناعتين ) يلمس جلياً تأثره الشديد بالجاحظ ، الذي يميل هو الآخر إلى تفضيل بلاغة صياغة الألفاظ ، ويرى أن البلاغة تكون بها ، ويظهر هذا التأثر في كثير من صفحات كتاب (الصناعتين) لأبي هلال ، فالمادة قد استقاها ـ في غالب اعتقادي ـ من الجاحظ ، وإن كان يختلف عنه في البعد عن الاستطراد المخل الذي أخذ على الجاحظ . (23)
و إني أرى بعض الباحثين في عصرنا الحديث مثل أستاذنا المرحوم الدكتور / بدوي طبانة في كتابه المهم (أبو هلال العسكري ومقايسه البلاغية ) يحكمون على أبي هلال العسكري لتأثره الشديد بالجاحظ وبالذات في مسألة التحيز لناحية اللفظ ، والحق يقال إن أبا هلال كالجاحظ أيضاً لم يتحيز لناحية اللفظ ، وإنما هو مضطر(أو فلنقل كان في حالة من الحيرة والاضطراب)كالجاحظ : أينصر سبك المعنى على صياغة اللفظ ويكون من أصحاب نظرالمعاني ، أم ينصر صياغة اللفظ على سبك المعنى ويكون من أصحاب الألفاظ أم ينصرهما معاً (24)
والقارئ لكتاب أبي هلال يلمس ما أسلفناه جلياً واضحاً ، وبالذات من خلال النصوص التي يوردها ... والذي يراه كاتب هذه السطور : أن الفكرة كانت بمهمة في رأس أبي هلال ، أو أن الأمثلة الأدبية التي كان يعرض لها أمثلة مرنة ، فكان الجمال في بعضها يرجع الفضل فيه إلى صياغة الألفاظ ، وتلاؤمها مع المعنى ، وجمال بعضها الآخر يرجع الفضل فيه إلى إئتلاف الألفاظ وحده ، أو إلى إئتلاف المعاني وحده .
ولهذا كانت حيرة أبي هلال العسكري ، وله بعض الحق فيها ، لأن قوانين البلاغة والجمال قوانين مرنة ليست بجامدة ، فقد يطغى جمال الروح على جمال المادة ، وقد يكون العكس ، وكثيراً ما يقع اجتماعها فيكون شبه الكمال ولا نقول الكمال كله لأن الكمال صفة غير بشرية على الإطلاق .
إن العاشق للجمال المولع به يتتبعه أينما كان ، في كل زمان ومكان ، وفي أي صورة يبدو ، وهل هناك صاحب فطرة سوية لا يحب الجمال ولا يعشقه ؟ ، الحياة دون جمال كالصحراء الجرداء التي لا زرع فيها ولا ماء ، الجمال هو الحياة بل هو أصلها وجوهرها الأصيل ، والله عز وجل جميل يحب الجمال .
وحتى لا أطيل عليك ـ أيها القارئ المفضال ـ أقرر أن شيخنا / أبا هلال العسكري تناول النقد والبلاغة الممتزجتين في دراسته خلال كتابه (الصناعتين ) ، وإننا نحمد له ذلك الحكم الذي حكمه على الأدب بميزان الذوق والفهم الفني ، وعليه فقد أكثر من الشواهد الأدبية ، وقلل من القواعد الجامدة الجافة التي عقدت وقعرت البلاغة العربية الجميلة التي أساسها الحس المرهف ، والذوق الرفيع ، فقد بعد أبو هلال عن طريق البلغاء المتأثرين بالفلسفة والمطق ، ومن هنا استحق أن يشار له بالبنان على جهده المبذول ، وذوقه المرهف في التناول ، رغم أي هنات وقع فيها .
لقد كان أبو هلال واضحاً عندما قال لنا : " البلاغة كل ما يبلغ به المعنى قلب السامع ، ويتمكن فيه ، ولا يكون ذلك ما لم تكن واضحة ممتعة ، وما يزيده وضوحاً أن تكون في صورة مقبولة ، ومعرض حسن "
ويبين لنا أبو هلال العسكري الطريقة التي يمكن بها تحقيق هذه الأهداف ، وذلك في حديثه عن الكلام التام ، إذ يقول : " إن من الأمور التي ترفع قيمة الكلام حتى يبلغ من الجودة ما أورده فيه صاحبه من حسن التأليف ، وبراعة التركيب ، وما شحنه به من الإيجاز البديع ، والاختصار اللطيف ، وضمنه الحلاوة ، وجلله من رونق الطلاوة ، مع سهولة كلمه وجزالتها أو عذوبتها وسلامتها ... مع كمال معانيه ، وصفاء ألفاظه" (25)
الوحدة والنظام :
أما مراعاة الوحدة والنظام في الجميل واعتبارهما مصدرين أساسيين فيه كما يفهم من تعريف (سانت أوغسطين) للجمال عموماً ، بأنه الوحدة ، وجمال الجسم ، وبأنه توافق الأجزاء مع جمال اللون (26)
وعبارة أوغسطين هذه في تعريف جمال الجسم بأنه توافق الجزاء مع جمال اللون ، يذكرنا بما ذكره علماء اللغة العربية في مفهوم الجمال من أن الملاحة تعم الحسن والجمال .
وقالوا : إن الجمال يلاحظ فيه صورة الأعضاء ، وأن الحسن يلاحظ فيه جمال اللون ، فكان مفهومأوغفسطين عن الجمال يطابق مفهوم علماء اللغة العربية عن الملاحة ، وحسبك به من اتفاق يوحد بين وجهة نظر الفريقين (أهل الفكر وعلماء البلاغة ) .
ثم يأتي (سانت توماس) ،فيرى أن تحقق الجمال لا يكون إلا بثلاثة أمور (أو يتطلب ثلاثة أمور ) : التكامل أو الكمال ، والتناسب التام ، والوضوح .. وكل هذه العناصر نبه عليها علماء البلاغة في مواضع كثيرة ، ووضحوها لنا وضوحاً مبيناً .
فهاهو الراوية اللغوي / المفضل الضبي ، يسأله أحد طلابه عن الإيجاز ، فيجيبه قائلاً : " هو حذف الفضول ، وتقريب الفصول " .
تأمل معي ـ أيها القارئ العزيز ـ هذه المقوة التي قد تبدو لنا قليلة الكلمات ، إلا أنها كثيرة الدلالات ، غنية المعاني ، ثرية المضمون : أليس في حذفنا فضول الموضوع وحواشيه وزوائده وحدة للموضوع وتماسك لمعانيه ؟ , أليس في تقريب فصوله توافق وتنظيم وترابط للأجزاء ؟ أليس في الجمع بين هذين المبدأين مراعاة للنظام ، وتحقيقاً للوحدة الموضوعية والشعورية / النفسية للعمل الأدبي الذي نقرأه أو نستمع إليه أو نحلله أو ننقده ؟ !
من عناصر الجمال :
ومن التوافق الفكري الجيد في هذا الصياغ أن نجد من بين أهل البلاغة من يورد عناصر الجمال عند أهل الفكر في مفهوم البلاغة .
ومن هؤلاء البلاغي الناقد / ابن وهب ، صاحب كتاب (البرهان في وجوه البيان) ، الذي يقول لنا عن البلاغة : " حد البلاغة عندنا القول المحيط بالمعنى ، المقصود ، مع اختيار الكلام ، وحسن النظام " (27)
إن ابن وهب وسانت توماس اتفقا اتفاقاً واضحاً في بعض النقاط : فنجد التكامل أو الكمال يعني تأدية المعنى تأدية سليمة ، أو هو المعنى المفاد من القول المحيط ، أي يجب أن يكون القول المحيط مفيداً أو مؤدياً للمعنى ، فلا إفادة حقيقية بدون إظهار وتوضيح للمعنى .
ولعل هذا ما نجده في تعريف ابن وهب صاحب البرهان للبلاغة أو لحدها ، وكذلك نجد التناسب مفهوماً من حسن النظام ، في نفس الوقت الذي نجد فيه الوضوح عند توماس يقابله فصاحة الكلام عند ابن وهب .
الصدق الفني :
ومن النقاط المشتركة بين الفلاسفة والبلغاء ، والداخلة عند كثير منهم في مفهوم الجمال ، وبلاغة الكلام ، نقطة الصدق أو بلغة النقد المعاصر : الصدق الفني .
فبينما نجد مفكراً كبيراً مثل (شيللر) الألماني يعتبر أن الجمال لا يقوم إلا على الصدق ، ويحاول أن يستبعد تماماً كلمة (الجمال ) من قاموس الفن أو فلنقل من ميدان الإبداع الفني ، ويقترح علينا أن نستبدل بها كلمة (الصدق) في أكمل معانيها .
ونرى أن هذا المبدأ على درجة كبيرة من الخطورة والأهمية في مسألة تحديد القيم الجمالية في أي عمل فني ، بل هو أساسه في جما القول ، وهذا ما عبر عنه نقاد العرب القدماء ، عندما قالوا : إن خير الشعر أصدقه .
وبالطبع ليس خير الأدب أو الفن أكذبه ، فالكذب لا يصنع الفن الجميل ، والفن الجميل أساسه الصدق ، أي أن الكذب لا يصنع الإبداع الجميل الصادق الذي يل من القلب إلى القلب ، ويعبر عن الإنسان كإنسان في كل زمان ومكان ، وصدق الشاعر الربي القديم إذ يقول :
[ إن أشعر بيت أنت قائله *** بيت يقال إذا أنشدته صدقا ]
وقد أسس لهذا المبدأ الخليفة الراشد / عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ، عندما جعل الصدق أساساً لتفضيل الشاعر العربي / زهير بن أبي سلمى (شاعر الحكمة والسلام) على غيره من الشعراء العرب ، وذلك عندما قال عن زهير : " إنه لا يمدح الرجل بما فيه " !!
التعبير الناجح :
ومن النقاط امهمة والبارزة التي يلتقي عندها ويشترك فيها كل من الفلسفة والبلاغة ، النظر إلى كل منهما على انه التعبير الناجح ، وهو ـ في رأينا ـ التعبير الذي يمكن أن يصل على الناس بسهولة ويسر دون غموض أو تعقيد ، وكما علمنا السلف : الذي يخرج من القلب يدخل إلى القلب .
وهذا هو (كروتشه) يعرف الجمال بأنه التعبير الناجح ، لأن التعبير عندما لا يكون ناجحاً فإنه لا يحق لنا أن نطلق عليه (تعبيراً) بأي حال من الأحوال ، فما قيمة أي تعبير عندما يبعد عن الوضوح ، وينزلق إلى هاوية التعقيد والغموض ؟ ، ما قيمة أي تعبير دون أن يكون معبراً بحق عنما بداخلنا كي يصل إلى الآخرين مباشرة ، يصل إليهم ليعرفوا ماذا نقول ؟ ، وبماذا نحس ؟ ، وبماذا نشعر ؟ (28)
البلاغة هي مراعاة الكلام لمقتضى الحال ، هي الوضوح والسهولة ، هي الوصول إلى قلب القارئ أو السامع مباشرة دون تعقيد أو إبهام ، وهذا ما فهمناه من امصادر اللغوية والأدبية التي تعلمنا منها منذ نعومة أظفارنا حتى شيخوختنا التي نعيشها الآن ، البلاغة هي تبليغ المعنى ، هي توصيله إلى الآخرين في بيان حسن ، وكلام واضح ومفهوم .
لقد نص على ذلك الرماني ، وأبو هلال العسكري في تعريفهما للبلاغة ، وقد سبقهما ولحق بهما عدد كبير من أهل البلاغة أكدوا على ضرورة الوضوح وعدم التعقيد والغموض .
عبد القاهر : النبل والمزية:
والحق يقال أن كثيراً من المعاني التي اشتد حرص أهل الفكر على اعتبارها عناصر أساسية جوهرية في مفهوم الجمال مثل : الوضوح ، الوحدة ، وتحريك القلب (الأحاسيس والمشاعر) ن والسمو بالغرائز ، والارتقاء بالإنسان في كل زمان ومكان ، أضف إلى ذلك الإمتاع الذي لا يمكن أن يستغنى عن الإقناع في أي كلام مفيد .
وفي هذا الصدد يقول شيخنا الناقد الكبير ، والبليغ الجليل / عبد القاهر الجرجاني في كتابه (دلائل الإعجاز ) : ومن المعلوم أنه لا معنى لهذه العبارات ـ البلاغة والفاحة واليراعة والبيان ـ وسائر ما يجري مجراها مما يفرد فيه اللفظ بالنعت والصفة ، وينسب فيه الفضل والمزية إلى دون المعنى ، غير وصف الكلام بحسن الدلالة وتمامها فيما له كانت دلالة ، ثم تبرجها في صورة هي : أبهى ، وأبين ، وأزين ، وأأنق ، وأعجب ، وأحق بأن تستولى على هوى النفس ، وتنال الحظ الأوفر من ميل القلوب ، وأولى بأن تطلب لسان الحامد ، وتتحقق رغم الحاسد .
ويواصل عبد القاهر كلامه فيقول : ولا جهة لاستعمال هذه الخصال غير أن يؤتي المعنى من الجهة التي هي أصح لتأديته ، ويختار له اللفظ الذي هو أخص به ... اللفظ الذي يكسبه نبلاً ويظهر فيه مزيته (29)
فكلام شيخنا عبد القاهر الجرجاني ـ كما تلاحظ ـ احتوى على كثير من السس البلاغية والعناصر الجمالية ، فلننظر له وهو يقول : حسن الدلالة وتمامها ، ثم تبرجها في صورة هي أبهى وأزين وأعجب وأحق بأن تستولى على هوى النفوس ، وتنال الحظ الأوفر من ميل القلوب ...
أعتقد أننا لن نجد أروع من ذلك في تصوير الجمال ، والتعبير عن تأثيره ، ولعل ذلك يؤكد نا الهدف من بحثنا ألا وهو توضيح كيف يكون البحث عن الجمال من أهداف كل من أهل الفكر والبلغاء .
خاتمة :
إلى هنا فإننا نجد أن هناك نقاطاً ، بل لا غضاضة إذا قلنا أن هناك الكثير من النقاط تم فيها الالتقاء والاتفاق بين مضمون الجمال أو معنى الجمال ، ومفهوم البلاغة ، أو فلنقل بين الجمال عند أهل الفكر والجمال عند علماء البلاغة ، إلى الحد الذي يجعلنا نعتقد أن هناك ترابطاً وثيقاً بين البلاغة والجمال ، وعليه فلا توجد البلاغة إلا حيث يوجد الجمال ، وما خلا من الجمال فأطلاق كلمة بلاغة عليه أمر محال .
وهناك مجال آخر نحسب أنه يوثق الصلة بين البحوث الجمالية والبلاغية ، هذا المجال هو قضايا البحث المشتركة بينهما ، والمتشابهة فيهما ، وقد وفقنا الله سبحانه وتعالى في كتابة بحث في هذا الموضوع عنوانه : (من قضايا البحث المشتركة بين الجمال والبلاغة ) ، حيث أعدنا كتابته أكثر من مرة مضيفين إليه كل ما وجدناه يثري البحث أو يضيف جديداً للموضوع ، ويفيد القارئ بإذن الله الذي نتمنى أن يعود إليه لتعم الفائدة إن شاء الله .
وفي رأينا المتواضع أن هذه القضايا تستحق من أهل البحث في موضوعات الجمال والنقد والبلاغة المزيد من الدراسات والأبحاث والمؤلفات لأهميتها البالغة في مجال الفكر الإنساني بوجه عام ، ومنها تتوسع مدارك ورؤى المثقف والقارئ العادي ، والله الموفق ،،،،
الهوامش والأسانيد :
بسيوني عرفة رضوان ، الجمال بين الفلاسفة والبلغاء ، دار الرسالة ، القاهرة ، 1981 م ، ص14 ، وما بعدها بتصرف من عندنا .
مصطفى صادق الرافعي ، تاريخ آداب العرب ، طبعة بيروتية ، ص 217 ، وما بعدها بتصرف .
بسيوني عرفة رضوان، الجمال بين الفلاسفة والبلغاء ، مرجع سابق ، ص 15 ، بتصرف .
عز الدين إسماعيل ، الأسس الجمالية في النقد العربي ، الطبعة الأولى ، القاهرة ، ص 35 ، وما بعدها .
عز الدين إسماعيل ، الأسس الجماليه في النقد العربي ، مرجع سابق ، ص 40 ، بتصرف من جانبنا .
عز الدين إسماعيل ، الأسس الجمالية في النقد العربي ، مرجع سابق ، ص 88 ـ 90 ، بتصرف من جانبنا .
أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ، البيان والتبيين ، طبعة بيروتية ، 1 / 114 ـ وكذلك : أبو إسحاق إبراهيم بن علي الحصري القيرواني ، زهر الآداب وثمر الألباب ، تحقيق / علي محمد البجاوي ، الطبعة الثانية ، مطبعة عيسى البابي الحلبي ، القاهرة ، 1969 م ، 1 / 94
أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ، البيان والتبيين ، مرجع سابق ، 1 / 97 ـ 98 ، بتصرف .
أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ، البيان والتبيين ، مرجع سابق ، 1/ 135 ـ وكذلك : أبو هلال العسكري ، كتاب الصناعتين ، طبعة القاهرة / الأستانة ، 1320 هـ ، ص 134 ، بتصرف .
ابن وهب : أبو الحسن إسحاق بن إبراهيم بن سليمان الكاتب ، البرهان في وجوه البيان ، تحقيق / حفني شرف ، القاهرة ، ص 246 .
حفني محمد شرف ، البلاغة العربية : نشأتها وتطورها ، مكتبة الشباب ، القاهرة ، 1973 م ، ص 218 .
شوقي ضيف ، البلاغة : تطور وتاريخ ، دار المعارف ، القاهرة ، ص 95 ـ 97 ، بتصرف .
أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ، البيان والتبيين ، مرجع سابق ، 1 / 90 .
أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ، البيان والتبيين ، مرجع سابق ، 1 / 157 .
عز الدين إسماعيل ، الأسس الجمالية في النقد العربي ، مرجع سابق ، ص 47 ، بتصرف .
طه إبراهيم ، تاريخ النقد العربي ، القاهرة ، بدون تاريخ ، ص 42 وما بعدها ، بتصرف .
أبو عثمان عمرو بن الجاحظ ، البيان والتبيين ، مرجع سابق ، 1 / 91 .
عز الدين إسماعيل ، الأسس الجمالية في النقد العربي ، مرجع سابق ، ص 50 ـ 51 ، بتصرف من جانبنا .
الامدي ، الموازنة بين أبي تمام والبحتري ، تحقيق / محمود توفيق ، القاهرة ، 1944 م ، ص 391 .
الرماني ، النكت في إعجاز القرآن (ضمن ثلاث رسائل ) ، القاهرة ، ص75 .
الرماني ، النكت في إعجاز القرآن ، مرجع سابق ، ص 69 وما بعدها ، بتصرف .
حفني شرف ، البلاغة العربية : نشأتها وتطورها ، مرجع سابق ن ص 232
بدوي طبانة ، أبو هلال العسكري ومقايسه البلاغية ، مطبوع على نفقة المؤلف ، القاهرة ، 1371 هـ = 1952 م ، ص 18 وما بعدها .
أبو هلال العسكري ، كتاب الصناعتين ، طبعة القاهرة / الأستانة ، 1320 هـ ، ص 11 وما بعدها ، باختصار من عندنا .
عز الدين إسماعيل ، الأسس الجمالية في النقد العربي ، مرجع سابق ، ص 47 .
ابن وهب ، البرهان في وجوه البيان ، مرجع سابق ، ص 129 .
عز الدين إسماعيل ، الأسس الجمالية في النقد العربي ، مرجع سابق ، ص 130 وما بعدها ، بتصرف كبير من عندنا .
عبد القاهر الجرجاني ، دلائل الإعجاز ، طبعة القاهرة ، 1947 م ، ص 25 .
عبد القاهر الجرجاني ، دلائل الإعجاز ، مرجع سابق ، ص 26 ، بتصرف من عندنا ، وكذلك بسيوني عرفة رضوان ، الجمال بين الفلاسفة والبلغاء ، مرجع سابق ، ص 14 وما بعدها ، بتصرف .
ونحن ندرك أن نظرية أفلاطون اليوناني في المُثل جعلته يفترض وجود مثال خارجي للجمال ، وعليه تصبح الأشياء في حقيقة جمالها شبيهة بالمثال ، ويقترب هذا الشبه أو يبعد بمقدار ما فيها من جمال ، والعمل الفني نقل ، ومجال لهذه الأشياء المشبهة بمثال الجمال ، فهو إذن شبيهه بالشبيه (3)
والجمال الذي يتمثل فيه يقل عنه في الأشياء ، كما أن جمال هذه الأشياء بدورها أقل منه في المثال ، والجمال في المثال جمال مطلق ، أما في الأشياء فهو نسبي .
ولعل ذلك يتضح لنا عندما نقرأ محاورة أفلاطون المسماة (هيباس) ، حيث يرى أن الأشياء ليست جميلة جمالاً مطلقاً ، وإنما تكون جميلة عندما تكون ـ كما يقول هيباس ـ في موضعها ، وقبيحة عندما تكون في غير موضعها .(4)
أما أفلوطين والمدرسة الأفلوطونية الحديثة فإن الجميل عندهم يشير إلى الواحد المطلق ، الواحد الخير ، الذي تصدر عنه الصورة المشعة .
ولا ريب أنه من الواضح تأثر هذه النظرية بفلسفة أفلاطون فيالجمال ، وإذا كان أفلاطون قد وحد بين الجمال والخير في هذا الرأي ، فإن أفلوطين كما أوضحنا تأثر بما ذهب إليه ، فعنده كذلك : أن الجميل هو الخير ، والخير في هذا الرأي كامن خلف الجميل وهو مصدره ، ومبدؤه ، كما هو مصدر كل شيء ومبدؤه ، فالواحد المطلق خير قبل كل شيء ، وهو جميل لأنه خير ، ومن هنا فإن الخير هو المبدأ الأول الذي يصدر عنه الجمال .
وإذا كان للجمال هذه الطبيعة فإن الأداة لإدراكه هي الروح ، أما الحواس فإنها لا تدرك سوى انعكاسات هي ظلال للجمال ، وسوى إيحاءات للحقيقة ، وهذه الأداة يجب أن تهذب ، ويجب أن تصقل بالثقافة العالية ، والتفكير الراقي ، وبحياة الألم أي : التجربة التي يمر بها الإنسان أو المبدع ويعبر عنها تعبيراً فنياً صادقاً .(5)
وليس أفلوطين وحده هو الذي يتفق مع أفلاطون في مفهوم الجمال ، فنظرية أرسطو في الجمال نجدها تلتقي مع نظرية أفلاطون أيضاً ... فمن الممكن الجمع بين أفلاطون وأرسطو في البحث الجمالي ، لأن نظريتهما في الجمال تشتركان في مبدأين هما :
المبدأ الأول : أن الجمال في النظام والوحدة والتعدد .
المبدأ الثاني : أن الجمال هو الخير .
الجمال و الخير :
وفي هذا السياق يؤكد (سانت توماس) هذه الصلة فيقول : إن الجمال والخير لا يمكن انفصالهما ، وإذا كان ارتباط الجمال بالخير قوياً إلى هذه الدرجة ، فإن بعض المفكرين ، ولاسيما سقراط ، ربط بين الجمال والنفع ، والربط بين الجميل والنافع معروف منذ قديم الزمان .
فهذا هو (فاكز نوفان) يرى أن كل جميل طيب ، وفي محاورة (هيباس) يسأل سقراط : إذن فنحن متفقون على أن الجمال والمنفعة شيء واحد ؟! ، فيجيب هيباس : بالتأكيد . !! (6)
وإذا أردنا بعد ذلك أن نوجز هذه المجموعة من الأفكار التي طرحناها آنفاً ، فإننا نجدها تؤكد على أن مصدر الجمال الحق هو الواحد المطلق للخير الذي تصدر عنه الصورة المشعة ، ونجد أن أهل الفكر قد ربطوا بين الجميل والخير ، وبين الجميل والنافع ، وأن الأداة الجيدة لإدراك الجمال هي الروح ، أما الحواس فإنها لا تدرك سوى انعكاسات هي ظلال للجمال ، وهذه الأداة المهمة يجب أن نصقلها بالثقافة الرفيعة ، والخبرة والدربة التي ترتقي بالذوق .
هل تطرق رجال البلاغة لبحث هذه الأفكار ؟
والسؤال الذي نرغب في أن نطرحه على مائدة نقاشنا لهذا الموضوع ، وبالتالي نحب أن نقف أمامه هو : هل تطرق علماء البلاغة لبحث هذه الأفكار والنظر فيها ، حتى يمكن لنا القول : إن هناك مشاركة فعالة للكشف عن مفهوم الجمال و مصادره في كل ما يدركه أو يتناوله الإنسان بعقله وروحه وأحاسيسه بين المفكين والبلغاء ؟
وفي محاولة من جانبنا للإجابة عن هذا السؤال ، فإننا نحاول أن نعرض معاً وجهات نظر كل من الفريقين حول بعض النقاط التي تعد أساساً في مفهوم كل من الجمال والخير .
صلة وثيقة :
ومن ذلك أننا وجدنا كثيراً من أهل الفكر من أمثال : سقراط ، وأفلاطون ، وأرسطو ، وأفلوطين ، وسانت توماس قد ربطوا بين الجمال والنفع أو الجمال والخير ، وفي ذات الوقت فإننا نجد كثيراً من علماء البلاغة يؤكدون على الصلة الوثيقة بين مفهوم البلاغة ، وبين الخير والنفع .
ومن هؤلاء العالم الزاهد / عمرو بن عبيد ، الذي سأله سائل ذات مرة : ما البلاغة ؟ ، فأجابه : ما بلغ بك الجنة ، وعدل بك عن النار ، وما بصرك مواقع رشدك ، وعواقب غيك ! .
قال السائل : ليس هذا أريد !! ، قال عمرو : فكأنك إنما تريد تخير لفظ في حسن إفهام ؟ ـ قال : نعم ، قال عمرو : إنك إذا أردت تقرير حجة الله في قلوب المريدين بالألفاظ الحسنة في الآذان ، المقبولة عند الأذهان ، رغبة في سرعة استجابتهم ، ونفي الشواغل عن قلوبهم بالموعظة الحسنة على الكتاب والسنة ، كنت قد أُتيت فصل الخطاب ، واستوجبت على الله جزيل الثواب (7)
وفي رواية أخرى لنفس الشاهد أن (عمرو بن عبيد ) عرف البلاغة بقوله : تحبير اللفظ (تخير اللفظ) في حسن الإفهام ، وتزيين تلك المعاني في قلوب المريدين بالألفاظ المستحسنة في الآذان ، والمقبولة عند الأذهان .
ويقال أن (عمرو بن عبيد) نصح سائله بألا يطول الكلام ، لأن طول الكلام يدعو إلى التكلف (وبالتالي إلى ملل السامع أو القارئ) (8)
وعليه فإن عنصر الخير ومعه النفع ـ في هذا المقام ـ أساسيان ضروريان عند شيخنا / عمرو بن عبيد ، في مفهوم البلاغة أو بمعنى آخر : من أجل تحقيق الكلام لهدفه المراد (الإمتاع والإقناع) ، كما هما أساسيان في مفهوم الجمال عند رجال الفكر ، لأنه لا نفع ولا خير أكثر للإنسان العاقل مما يبلغه الجنة ، ويعدل به عن النار ، ويبصره مواقع الفلاح والصلاح التي بها يحدد مواقع رشده في الدنيا وفي الآخرة .
أساس البلاغة :
وإذا كان أفلاطون قد وصل بنظريته في الجمال إلى أن هناك مثال للجمال ، هو مصدر كل جمال وهو الأصل فيه ، وأن الأشياء تحرز منه ، وتنال بقدر قربها منه أو بعدها عنه .
وإن كان الجميل عند المدرسة الأفلوطينة تشير إلى الواحد المطلق ، الواحد الخير ، الذي تصدر عنه الصور المشعة بالجمال .
فإن جانباً كبيراً من جهود علماء البلاغة والتي بذلوها من أجل استنباط أسسها ، والأصول التي تقوم وتعتمد عليها ، إنما مصدره الأول وأساسه المتين مستقى من كلام الله جل شأنه المبين في القرآن الكريم ، فكلامه سبحانه وتعالى هو أساس البلاغة ودستورها ، ومصدرها الوثيق ، وجمالها منبثق من جمال الأسلوب القرآني البديع الرائع الذي من المحال أن يرتقي إليه أي أسلوب آخر مهما كانت بلاغة صاحبه .
فإذا أضفنا إلى ذلك أن جانباً كبيراً من جهود علماء البلاغة موجهة في الأساس إلى إثبات وجود الله العلي القدير وقدرته ، وأنه سبحانه وتعالى هو المتصف بكل صفات الجلال والجمال والإكرام ، وإنه عز وجل مصدر كل خير ونفع ، وهو جميل يحب الجمال .
كل ذلك من خلال تفسير كتاب الله المجيد ، وسنة رسوله الكريم وصفوة خلقه أجمعين محمد بن عبد الله الهادي البشير (صلى الله عليه وسلم) .
وإذا ما عرفنا أن جماعة من أهل البلاغة وهم المتكلمون أو رجال التوحيد ، كانت غايتهم العظمى هي إثبات كل صفات الكمال للمولى الواحد الأحد ، ودفع كل شبهة نقص عنه جل شأنه .
وأن أهل البلاغة بوجه عام يدركون كل الإدراك أن طريق الإيمان الحق ، لا يمكن أن نبلغه إلا بنبراس يضيء لنا الطريق ، هذا النبراس هو العقل المنصف المرشد ، العقل الذي يعد أعظم نعمة منحه الله للبشر ، ومع العقل الواعي السليم تأتي الروح الطيبة الطاهرة .
إذا علمنا ذلك جيداً ، وفهمناه كل الفهم ، وأدركنا وحدة الطريق والتشابه في الغاية ، والاتفاق في الوسيلة المحققة لذلك ، ووعينا أيضاً أن المفكر المنصف الملتزم والبليغ الأريب المتمكن من أدواته ، كلاهما يبحث عن غاية عظمى ، ومقصد محمود ، وبمعنى آخر لا فكر ولا أدب بدون هدف ، بدون إقناع وإمتاع ، بدون جدوى أو نفع .
ومن هنا كان البليغ الحق في نظر شيخنا / عمرو بن عبيد هو الذي يستطيع تقرير حجة الله العلي الحكيم في عقول المكلفين ، ولا يمكن أن يتأتى ذلك إلا بالحكمة والموعظة الحسنة المقتبسة من القرآن المجيد ، وذلك هو النجاح التام الذي يورث صاحب الكلمة الثواب الجزيل من الله سبحانه وتعالى ، وذلك خير ونفع لا ريب فيه .
الجاحظ وأحسن الكلام :
وليس الشيخ الزاهد / عمرو بن عبيد وحده هو الذي يربط بين البلاغة والنفع ، وأن طريق ذلك هو حب الله وفيض نعمائه ، بل إن أحد مؤسسي البلاغة العربية وهو المعلمة الخالدة ، والموسوعة الشاملة شيخنا / أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ، والذي ذكر في كتابه الشهير (البيان والتبيين ) مجموعة من التعريفات لوفير من العلماء حاولوا أن يعرفوا بها معنى أو مفهوم البلاغة ، نذكر منها ما نقله الجاحظ : " وأحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره ، ومعناه في ظاهر لفظه ، وكأن الله عز وجل قد ألبسه من الجلالة ، وغشاه من نور الحكمة على حسب نية صاحبه ، وتقوى قائله ، فإذا كان المعنى شريفاً ، واللفظ بليغاً ، وكان صحيح الطبع بعيداً عن الاستكراه ، و منزهاً عن الاختلال ، ومصوناً عن التكلف ، صنع في القلوب صنع الغيث في التربة الكريمة " (9)
فأحسن الكلام ، والمثال العالي في البلاغة عند الجاحظ ما كان الله عز وجل قد ألبسه من روح الجلالة ، وغشاه من نور الحكمة ، وكلما كانت روح القائل تقية ، نقية ، سمحة ، طاهرة ، شريفة ، قريبة من الله تعالى خالقها الأعظم ، وكان المعنى هادفاً مفهوماً ، نفع الله الناس بهذا الكلام ، وجعله يحيي موات القلوب ، ويثبت فيها الخير العميم ، ويصنع بها صنع الغيث في التربة الكريمة .
حقاً وصدقاً ، إن الكلمة أمانة ومسئولية ، الكلمة لها دورها في التوعية والإرشاد والتوجيه بالإضافة إلى جمالها الفني الذي يسمو بالنفوس ويرتقي بها مهذباً لغرائز البشر ، باعداً إياها عن كل خبيث لا يليق بها ، لقد كان شيوخنا (رحمهم الله) عندما ينوون الكتابة ، يقومون للوضوء ، ثم يصلون ركعتين لله تعالى حتى يمكنهم من أن يكتبوا ما ينفع الناس ويفيدهم في دنياهم وأخراهم ، وبالتالي يحقق رضا الله عنهم .
بشر بن المعتمر و إحراز المنفعة :
وفي نفس السياق الذي نحن بصدده ، يقول بشر بن المعتمر في صحيفته المشهورة ، والتي تعد أول وثيقة بلاغية / نقدية في تراثنا العربي الإسلامي ، يقول بشر : " وإنما مدار الشرف على الصواب ، وإحراز المنفعة " (10)
لقد اعتبر بشر بن المعتمر المنفعة هدفاً أساسياً من أهداف الكلام البليغ الجميل ، كما اعتبرها أهل الفكر هدفاً من أهداف الجمال .
ابن وهب والتام من الكلام :
ويؤكد على ذات الغرض وبنفس الوضوح الناقد والبلاغي / ابن وهب (أبو الحسن إسحاق بن إبراهيم بن سليمان الكاتب) ، صاحب كتاب (البرهان في وجوه البيان ) حيث يقول : " وأما التام من الكلام ، ما اجتمعت فيه فضائل هذه الأقسام ، فكان بليغاً صحيحاً ، وجزلاً فصيحاً ، وكان جيداً صوابا ، وحسناً حقاً ، ونافعاً صدقا " (11)
ونحب أن نشير هنا إلى أن كتاب (البرهان في وجوه البيان) لابن وهب ، كان في نسبته إلى صاحبه شك ، هل هو لقدامة بن جعفر ، أم لغيره ؟ ، ولكن بعد الدرس والفحص والتمحيص ثبت للكافة أن هذا الكتاب لابن وهب .
ومن المعروف أن أستاذنا الدكتور / طه حسين ذهب إلى أن كتاب البرهان منسوباً إلى قدامة بن جعفر ، ولكن تأكد بما يقطع أي مجال للشك أن هذا الكتاب لابن وهب ، وقد قام أستاذنا المرحوم الدكتور / حفني شرف بنشر هذا الكتاب ، وبمراجعته على أصول ، وتحقيقه التحقيق العلمي السليم المفيد ، وعليه فقد أصبح إعادة الكلام في هذه المسألة غير ذي بال ، فكل الأدلة والحجج والبراهين والوثائق أكدت لنا جميعاً أن كتاب البرهان ، صاحبه ابن وهب .
وبهذه المناسبة فإن أستاذنا الدكتور المرحوم / شوقي ضيف يرجح أن مؤلف كتاب : البرهان في وجوه البيان (ابن وهب ) ، كان يعيش في أوائل القرن الرابع الهجري ، أي كان معاصراً لقدامة بن جعفر صاحب كتاب : نقد الشعر ، وأكد ذلك بنقل مؤلف البرهان عن ابن التستري من أنه كان مما يحفلون بالسجع والتقعر في المنطق ، واستعمال الغريب من الألفاظ ، والتستري هذا هو / سعيد بن إبراهيم التستري ، ويقال أنه كان نصرانياً قريب العهد ، ومن صنائع بني الفرات هو وأبوه . (12)
ويؤكد ذلك أستاذنا الدكتور المرحوم / عبد الحميد العبادي حيث يوضح لنا أن دولة بني الفرات ازدهرت فيما بين عامي 290 هـ ـ 327 هـ ، وبهذا يثبت أن مؤلف البرهان عاش في ذلك الوقت .
كما يرجح الدكتور المرحوم / شوقي ضيف بأن مؤلف كتاب البرهان تأثر بالمنطق الأرسطي والفلسفة اليونانية في براهينه وتقاسيمه ، ضارباً لذلك عدة أمثلة .(13)
البلاغة والكشف عن الحق :
نعود فنقول : إذا كان أفلاطون ـ فيما نسب إليه ـ قال : " إن الجمال هو وضاءة الحق " ، فإننا نجد من علماء البلاغة من جعل مهمة البلاغة الأولى الكشف عن الحق .
فها هو الأديب المترجم / عبد الله بن المقفع يقول لنا إن البلاغة : " كشف ما غمض من الحق " (14)
ونفس المبدأ يردده كلثوم بن عمر العتابي ، عندما يصف اللسان ، الذي يفوق كل لسان ، إذ يقول : " فإذا أردت اللسان الذي يفوق الألسنة ، ويفوق كل خطيب فإظهار ما غمض من الحق " (15)
أي أن الكلمة المعبرة هي تلك التي تكشف لنا ما غمض من الحق ، وبمعنى آخر لا تقول إلا الحق ، فإن الحق أحق دائماً بأن يتبع ، واللسان البليغ الفصيح الذي يفوق كل الألسنة ، هو ذلك اللسان القادر على أن يعبر عن الحقيقة بصدق ووضوح ، كاشفاً بجلاء عن ما غمض من الحق .
مبدأ الوضوح :
وإذا انتقلنا إلى مبدأ الوضوح الذي يعتبر شرطاً أساسياً بل جوهرياً في العمل الفني الجميل عند مفكر كبير مثل (سانت توماس الأكويني) الذي يتطلب في الجمال أمور ثلاثة هي : التكامل أو الكمال ، والتناسب التام ، والوضوح . (16)
وها نحن نجد الخليفة الراشد الفاروق / عمر بن الخطاب (رضي الله عنه ) ، يثني على الشاعر العربي / زهير بن أبي سُلمى (شاعر الحكمة والسلام) ، ويجعله أشعر الشعراء ، كما يروي لنا ابن عباس (رضي الله عنه ) ، حيث قال له عمر : هل تروي لشاعر الشعراء ؟ ! ، قال ابن عباس : ومن هو ؟ ، قال عمر : الذي قال :
[ وإن حمداً يخلد الناس أخلدوا *** ولكن حمد الناس ليس بمخلد ]
قال ابن عباس : ذاك زهير بن أبي سُلمى ، قال عمر : فذاك شاعر الشعراء ، قال ابن عباس : وبم كان شاعر الشعراء ؟ ، قال عمر : لأنه كان يعاظل في الكلام ، وكان وحشي الشعر ولم يمدح أحداً إلا بما فيه . (17)
فتجنب المعاظلة أي تجنب الكلام الغامض أو المبهم أو العسير على الفهم ، وكذلك تجنب وحشي الكلام أو الكلام السوقي المبتذل الذي لا يحترم القار أو السامع ، كل ذلك أصل الوضوح الذي امتدحه الفاروق م عمر بن الخطاب (رضي الله عنه ) في شعر زهير بن أبي سُلمى ، نضيف إلى ذلك الصدق والواقعية والبعد عن التهويل والمبالغة والكذب ، وقد كان زهير يلتزم بكل ذلك ، ولذلك كان لا يمدح الرجل بما فيه .
وفي نفس المعنى يقول الأديب المترجم / عبد الله بن المقفع ناصحاً الكتاب في رسالته الشهيرة حيث يقول : وإياكم والتتبع لوحشي الكلام (أو حوشي الكلام) ، طمعاً في نيل البلاغة ، فإن ذلك هو العي (أو العيب) الأكبر .
ويقول ابن المقفع لأحد الكتاب ناصحاً إياه : عليك بما سهل من الألفاظ ، مع التجنب لألفاظ السفلة .
وذات يوم قيل لابن المقفع : ما البلاغة ؟ ، فقال : هي التي إذا سمعها الجاهل ظن أنه يحس مثلها لسهولتها ووضوحها . (18)
الإمتاع عند الآمدي :
وإذا كان الوضوح في الكلام قريناً للمتعة ، ومدخلاً لها ، أو محققاً لها ، وكانت المتعة غاية من غايات الجمال ـ كما يقول بذلك التجريبيون الذين يفهمون الجمال على أنه إحساس مرض ـ أو كما يقول (فلف) الذي يطلق لفظ الجميل على الممتع ، والقبيح على غير الممتع . (19)
فإننا نجد لدينا زيادة على ما أسلفنا من حكم صائب للفاروق / عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ، ومن نصائح قيمة للكتاب من جانب الأديب / عبد الله بن المقفع ، الذي يهدف إلى الوضوح والإمتاع والإحساس الذي يرضي المتلقي (السامع أو القارئ أو المشاهد ) ـ كما يقول الباحثون عن الجمال ـ نجد ناقداً بليغاً متمكناً مثل الآمدي (الحسن بن بشر الآمدي) صاحب كتاب (الموازنة بين أبي تمام والبحتري) ، نجده يحر كل الحرص على أن يكون الشعر الجميل ممتعاً .
يقول الآمدي : " وليس الشعر عند أهل العلم به ، إلا حسن التأتي ، وقرب المأخذ ، واختيار الكلام ، ووضع الألفاظ في مواضعها ، وأن يورد المعنى المعتاد في مثله وأن تكون الاستعارة والتمثيلات لائقة بما استعيرت له ، وغير منافرة لمضاف ، فإن الكلام لا يكتسي البهاء والرونق إلا إذا كان بهذا الوصف " . (20)
عندما يصل المعنى إلى القلب :
فليس وراء حشد كل هذه الشروط إلا الحرص التام على الوضوح والإمتاع ، فبدونهما لا يكون للعمل الفني أي قيمة ، فالإبداع الفني أو الأدبي يجب أن يكون ممتعاً للناس ، والشعور بالمتعة ونحن نتذوق أي عمل ، لا يمكن أن يتحقق بدون الوضوح .
ومن التعريفات الواضحة في تحقيق هذين المطلبين قول الرماني : " البلاغة إيصال المعنى إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ " (21)
وطالما جاء ذكر الرماني ، نقول إنه : أبو الحسن علي بن عيسى بن علي بن عبد الله الرماني ، النحوي ، المتكلم .
وهو أحد أئمة المعتزلة المشهورين المعروفين ، الذين جمعوا بين علمي الكلام والعربية ، والمتوفى سنة 374 هـ .
وللرماني رسالة معتيرة أسمها (النكت في إعجاز القرآن ) ، والتي أخذنا منها الاقتباس السالف ، وقد طبعت هذه الرسالة ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن ، صدرت في القاهرة ، بتحقيق السيد الأستاذ / محمد خلف الله أحمد ، والدكتور/زغلول سلام .
وإذا كان الرماني قد عرف البلاغة بأنها إيصال المعنى إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ ، فإنه يوضح ذلك قائلاً : " فأعلاها طبقة في الحسن بلاغة القرآن ، وأعلى طبقات البلاغة القرآن ، وأعلى طبقات البلاغة معجز للعرب والعجم كأعجاز الشعر للعجم ، فهذا معجز للعجم خاصة كما أن ذلك معجز للكافة " (22)
ولم يقف أمر شيخنا / الرماني عند بيان أن بلاغة القرآن الكريم في أعلى طبقة ، بل أخذ يبين ذلك بتوضيح أساليب تأدية المعنى وطرقه في القرآن الكريم .
أبو هلال العسكري : بين جمالين أو متعتين :
ومن البدهي أن المعاني لا تصل إلى القلب إلا إذا كانت واضحة وممتعة ، ومع ذلك فالرماني يؤكد على أن تكون في أحسن صورة من اللفظ ليجمع بين جمال اللفظ وجمال المعنى ، أو متعة النفس ومتعة الحس .
والذي يكلمنا في ذلك بحديث واضح سلس ، هو : أبو هلال العسكري ، المتوفى سنة 395 هـ ، حيث نجده مهذباً ، ومبوباً ، ومرتباً ، وملخصاً لكتاب عالمنا الموسوعي / الجاحظ ، كتاب (البيان والتبيين) ، كما نجده عاش في عصر كانت الحرب قائمة على أشدها بين علماء البلاغة ، فريق يناصر جانب انسجام المعاني وإتلافها ، ويرى أن البلاغة في ذلك ، وفريق ثان يناصر جانب سبك الألفاظ وصياغتها ، ويرى أن البلاغة في ذلك ، وفريق ثالث يناصر الاثنين معاً ، فكان لتلك الحرب الطاحنة أثرها الشديد في أدب أبي هلال العسكري ونقده .
وقبل أن نستطرد نحب أن نؤكد على أن البلاغة الحقيقية ليست في المعاني وحدها ، أو في الألفاظ وحدها ، بل في الإثنين معاً ، نضيف إلى ذلك السهولة والوضوح فهما الطريق إلى الإفهام والإقناع ، ولا ننسى بالطبع الجو النفسي والوحدة العضوية ومراعاة المسرح اللغوي والتجربة الفنية ، وكل ذلك توسع في دراسته النقد الحديث ، ولم يعد الأمر مقتصراً على أن البلاغة تكون في الألفاظ أو في المعاني ، بل إن هناك أموراً أخرى يجب أن تؤخذ في الحسبان بالإضافة إلى المعاني والألفاظ .
لقد خاض أبو هلال العسكري غمار تلك الحرب ، وتأثر بقوادها ، فالقارئ المتفحص لكتابه (الصناعتين ) يلمس جلياً تأثره الشديد بالجاحظ ، الذي يميل هو الآخر إلى تفضيل بلاغة صياغة الألفاظ ، ويرى أن البلاغة تكون بها ، ويظهر هذا التأثر في كثير من صفحات كتاب (الصناعتين) لأبي هلال ، فالمادة قد استقاها ـ في غالب اعتقادي ـ من الجاحظ ، وإن كان يختلف عنه في البعد عن الاستطراد المخل الذي أخذ على الجاحظ . (23)
و إني أرى بعض الباحثين في عصرنا الحديث مثل أستاذنا المرحوم الدكتور / بدوي طبانة في كتابه المهم (أبو هلال العسكري ومقايسه البلاغية ) يحكمون على أبي هلال العسكري لتأثره الشديد بالجاحظ وبالذات في مسألة التحيز لناحية اللفظ ، والحق يقال إن أبا هلال كالجاحظ أيضاً لم يتحيز لناحية اللفظ ، وإنما هو مضطر(أو فلنقل كان في حالة من الحيرة والاضطراب)كالجاحظ : أينصر سبك المعنى على صياغة اللفظ ويكون من أصحاب نظرالمعاني ، أم ينصر صياغة اللفظ على سبك المعنى ويكون من أصحاب الألفاظ أم ينصرهما معاً (24)
والقارئ لكتاب أبي هلال يلمس ما أسلفناه جلياً واضحاً ، وبالذات من خلال النصوص التي يوردها ... والذي يراه كاتب هذه السطور : أن الفكرة كانت بمهمة في رأس أبي هلال ، أو أن الأمثلة الأدبية التي كان يعرض لها أمثلة مرنة ، فكان الجمال في بعضها يرجع الفضل فيه إلى صياغة الألفاظ ، وتلاؤمها مع المعنى ، وجمال بعضها الآخر يرجع الفضل فيه إلى إئتلاف الألفاظ وحده ، أو إلى إئتلاف المعاني وحده .
ولهذا كانت حيرة أبي هلال العسكري ، وله بعض الحق فيها ، لأن قوانين البلاغة والجمال قوانين مرنة ليست بجامدة ، فقد يطغى جمال الروح على جمال المادة ، وقد يكون العكس ، وكثيراً ما يقع اجتماعها فيكون شبه الكمال ولا نقول الكمال كله لأن الكمال صفة غير بشرية على الإطلاق .
إن العاشق للجمال المولع به يتتبعه أينما كان ، في كل زمان ومكان ، وفي أي صورة يبدو ، وهل هناك صاحب فطرة سوية لا يحب الجمال ولا يعشقه ؟ ، الحياة دون جمال كالصحراء الجرداء التي لا زرع فيها ولا ماء ، الجمال هو الحياة بل هو أصلها وجوهرها الأصيل ، والله عز وجل جميل يحب الجمال .
وحتى لا أطيل عليك ـ أيها القارئ المفضال ـ أقرر أن شيخنا / أبا هلال العسكري تناول النقد والبلاغة الممتزجتين في دراسته خلال كتابه (الصناعتين ) ، وإننا نحمد له ذلك الحكم الذي حكمه على الأدب بميزان الذوق والفهم الفني ، وعليه فقد أكثر من الشواهد الأدبية ، وقلل من القواعد الجامدة الجافة التي عقدت وقعرت البلاغة العربية الجميلة التي أساسها الحس المرهف ، والذوق الرفيع ، فقد بعد أبو هلال عن طريق البلغاء المتأثرين بالفلسفة والمطق ، ومن هنا استحق أن يشار له بالبنان على جهده المبذول ، وذوقه المرهف في التناول ، رغم أي هنات وقع فيها .
لقد كان أبو هلال واضحاً عندما قال لنا : " البلاغة كل ما يبلغ به المعنى قلب السامع ، ويتمكن فيه ، ولا يكون ذلك ما لم تكن واضحة ممتعة ، وما يزيده وضوحاً أن تكون في صورة مقبولة ، ومعرض حسن "
ويبين لنا أبو هلال العسكري الطريقة التي يمكن بها تحقيق هذه الأهداف ، وذلك في حديثه عن الكلام التام ، إذ يقول : " إن من الأمور التي ترفع قيمة الكلام حتى يبلغ من الجودة ما أورده فيه صاحبه من حسن التأليف ، وبراعة التركيب ، وما شحنه به من الإيجاز البديع ، والاختصار اللطيف ، وضمنه الحلاوة ، وجلله من رونق الطلاوة ، مع سهولة كلمه وجزالتها أو عذوبتها وسلامتها ... مع كمال معانيه ، وصفاء ألفاظه" (25)
الوحدة والنظام :
أما مراعاة الوحدة والنظام في الجميل واعتبارهما مصدرين أساسيين فيه كما يفهم من تعريف (سانت أوغسطين) للجمال عموماً ، بأنه الوحدة ، وجمال الجسم ، وبأنه توافق الأجزاء مع جمال اللون (26)
وعبارة أوغسطين هذه في تعريف جمال الجسم بأنه توافق الجزاء مع جمال اللون ، يذكرنا بما ذكره علماء اللغة العربية في مفهوم الجمال من أن الملاحة تعم الحسن والجمال .
وقالوا : إن الجمال يلاحظ فيه صورة الأعضاء ، وأن الحسن يلاحظ فيه جمال اللون ، فكان مفهومأوغفسطين عن الجمال يطابق مفهوم علماء اللغة العربية عن الملاحة ، وحسبك به من اتفاق يوحد بين وجهة نظر الفريقين (أهل الفكر وعلماء البلاغة ) .
ثم يأتي (سانت توماس) ،فيرى أن تحقق الجمال لا يكون إلا بثلاثة أمور (أو يتطلب ثلاثة أمور ) : التكامل أو الكمال ، والتناسب التام ، والوضوح .. وكل هذه العناصر نبه عليها علماء البلاغة في مواضع كثيرة ، ووضحوها لنا وضوحاً مبيناً .
فهاهو الراوية اللغوي / المفضل الضبي ، يسأله أحد طلابه عن الإيجاز ، فيجيبه قائلاً : " هو حذف الفضول ، وتقريب الفصول " .
تأمل معي ـ أيها القارئ العزيز ـ هذه المقوة التي قد تبدو لنا قليلة الكلمات ، إلا أنها كثيرة الدلالات ، غنية المعاني ، ثرية المضمون : أليس في حذفنا فضول الموضوع وحواشيه وزوائده وحدة للموضوع وتماسك لمعانيه ؟ , أليس في تقريب فصوله توافق وتنظيم وترابط للأجزاء ؟ أليس في الجمع بين هذين المبدأين مراعاة للنظام ، وتحقيقاً للوحدة الموضوعية والشعورية / النفسية للعمل الأدبي الذي نقرأه أو نستمع إليه أو نحلله أو ننقده ؟ !
من عناصر الجمال :
ومن التوافق الفكري الجيد في هذا الصياغ أن نجد من بين أهل البلاغة من يورد عناصر الجمال عند أهل الفكر في مفهوم البلاغة .
ومن هؤلاء البلاغي الناقد / ابن وهب ، صاحب كتاب (البرهان في وجوه البيان) ، الذي يقول لنا عن البلاغة : " حد البلاغة عندنا القول المحيط بالمعنى ، المقصود ، مع اختيار الكلام ، وحسن النظام " (27)
إن ابن وهب وسانت توماس اتفقا اتفاقاً واضحاً في بعض النقاط : فنجد التكامل أو الكمال يعني تأدية المعنى تأدية سليمة ، أو هو المعنى المفاد من القول المحيط ، أي يجب أن يكون القول المحيط مفيداً أو مؤدياً للمعنى ، فلا إفادة حقيقية بدون إظهار وتوضيح للمعنى .
ولعل هذا ما نجده في تعريف ابن وهب صاحب البرهان للبلاغة أو لحدها ، وكذلك نجد التناسب مفهوماً من حسن النظام ، في نفس الوقت الذي نجد فيه الوضوح عند توماس يقابله فصاحة الكلام عند ابن وهب .
الصدق الفني :
ومن النقاط المشتركة بين الفلاسفة والبلغاء ، والداخلة عند كثير منهم في مفهوم الجمال ، وبلاغة الكلام ، نقطة الصدق أو بلغة النقد المعاصر : الصدق الفني .
فبينما نجد مفكراً كبيراً مثل (شيللر) الألماني يعتبر أن الجمال لا يقوم إلا على الصدق ، ويحاول أن يستبعد تماماً كلمة (الجمال ) من قاموس الفن أو فلنقل من ميدان الإبداع الفني ، ويقترح علينا أن نستبدل بها كلمة (الصدق) في أكمل معانيها .
ونرى أن هذا المبدأ على درجة كبيرة من الخطورة والأهمية في مسألة تحديد القيم الجمالية في أي عمل فني ، بل هو أساسه في جما القول ، وهذا ما عبر عنه نقاد العرب القدماء ، عندما قالوا : إن خير الشعر أصدقه .
وبالطبع ليس خير الأدب أو الفن أكذبه ، فالكذب لا يصنع الفن الجميل ، والفن الجميل أساسه الصدق ، أي أن الكذب لا يصنع الإبداع الجميل الصادق الذي يل من القلب إلى القلب ، ويعبر عن الإنسان كإنسان في كل زمان ومكان ، وصدق الشاعر الربي القديم إذ يقول :
[ إن أشعر بيت أنت قائله *** بيت يقال إذا أنشدته صدقا ]
وقد أسس لهذا المبدأ الخليفة الراشد / عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ، عندما جعل الصدق أساساً لتفضيل الشاعر العربي / زهير بن أبي سلمى (شاعر الحكمة والسلام) على غيره من الشعراء العرب ، وذلك عندما قال عن زهير : " إنه لا يمدح الرجل بما فيه " !!
التعبير الناجح :
ومن النقاط امهمة والبارزة التي يلتقي عندها ويشترك فيها كل من الفلسفة والبلاغة ، النظر إلى كل منهما على انه التعبير الناجح ، وهو ـ في رأينا ـ التعبير الذي يمكن أن يصل على الناس بسهولة ويسر دون غموض أو تعقيد ، وكما علمنا السلف : الذي يخرج من القلب يدخل إلى القلب .
وهذا هو (كروتشه) يعرف الجمال بأنه التعبير الناجح ، لأن التعبير عندما لا يكون ناجحاً فإنه لا يحق لنا أن نطلق عليه (تعبيراً) بأي حال من الأحوال ، فما قيمة أي تعبير عندما يبعد عن الوضوح ، وينزلق إلى هاوية التعقيد والغموض ؟ ، ما قيمة أي تعبير دون أن يكون معبراً بحق عنما بداخلنا كي يصل إلى الآخرين مباشرة ، يصل إليهم ليعرفوا ماذا نقول ؟ ، وبماذا نحس ؟ ، وبماذا نشعر ؟ (28)
البلاغة هي مراعاة الكلام لمقتضى الحال ، هي الوضوح والسهولة ، هي الوصول إلى قلب القارئ أو السامع مباشرة دون تعقيد أو إبهام ، وهذا ما فهمناه من امصادر اللغوية والأدبية التي تعلمنا منها منذ نعومة أظفارنا حتى شيخوختنا التي نعيشها الآن ، البلاغة هي تبليغ المعنى ، هي توصيله إلى الآخرين في بيان حسن ، وكلام واضح ومفهوم .
لقد نص على ذلك الرماني ، وأبو هلال العسكري في تعريفهما للبلاغة ، وقد سبقهما ولحق بهما عدد كبير من أهل البلاغة أكدوا على ضرورة الوضوح وعدم التعقيد والغموض .
عبد القاهر : النبل والمزية:
والحق يقال أن كثيراً من المعاني التي اشتد حرص أهل الفكر على اعتبارها عناصر أساسية جوهرية في مفهوم الجمال مثل : الوضوح ، الوحدة ، وتحريك القلب (الأحاسيس والمشاعر) ن والسمو بالغرائز ، والارتقاء بالإنسان في كل زمان ومكان ، أضف إلى ذلك الإمتاع الذي لا يمكن أن يستغنى عن الإقناع في أي كلام مفيد .
وفي هذا الصدد يقول شيخنا الناقد الكبير ، والبليغ الجليل / عبد القاهر الجرجاني في كتابه (دلائل الإعجاز ) : ومن المعلوم أنه لا معنى لهذه العبارات ـ البلاغة والفاحة واليراعة والبيان ـ وسائر ما يجري مجراها مما يفرد فيه اللفظ بالنعت والصفة ، وينسب فيه الفضل والمزية إلى دون المعنى ، غير وصف الكلام بحسن الدلالة وتمامها فيما له كانت دلالة ، ثم تبرجها في صورة هي : أبهى ، وأبين ، وأزين ، وأأنق ، وأعجب ، وأحق بأن تستولى على هوى النفس ، وتنال الحظ الأوفر من ميل القلوب ، وأولى بأن تطلب لسان الحامد ، وتتحقق رغم الحاسد .
ويواصل عبد القاهر كلامه فيقول : ولا جهة لاستعمال هذه الخصال غير أن يؤتي المعنى من الجهة التي هي أصح لتأديته ، ويختار له اللفظ الذي هو أخص به ... اللفظ الذي يكسبه نبلاً ويظهر فيه مزيته (29)
فكلام شيخنا عبد القاهر الجرجاني ـ كما تلاحظ ـ احتوى على كثير من السس البلاغية والعناصر الجمالية ، فلننظر له وهو يقول : حسن الدلالة وتمامها ، ثم تبرجها في صورة هي أبهى وأزين وأعجب وأحق بأن تستولى على هوى النفوس ، وتنال الحظ الأوفر من ميل القلوب ...
أعتقد أننا لن نجد أروع من ذلك في تصوير الجمال ، والتعبير عن تأثيره ، ولعل ذلك يؤكد نا الهدف من بحثنا ألا وهو توضيح كيف يكون البحث عن الجمال من أهداف كل من أهل الفكر والبلغاء .
خاتمة :
إلى هنا فإننا نجد أن هناك نقاطاً ، بل لا غضاضة إذا قلنا أن هناك الكثير من النقاط تم فيها الالتقاء والاتفاق بين مضمون الجمال أو معنى الجمال ، ومفهوم البلاغة ، أو فلنقل بين الجمال عند أهل الفكر والجمال عند علماء البلاغة ، إلى الحد الذي يجعلنا نعتقد أن هناك ترابطاً وثيقاً بين البلاغة والجمال ، وعليه فلا توجد البلاغة إلا حيث يوجد الجمال ، وما خلا من الجمال فأطلاق كلمة بلاغة عليه أمر محال .
وهناك مجال آخر نحسب أنه يوثق الصلة بين البحوث الجمالية والبلاغية ، هذا المجال هو قضايا البحث المشتركة بينهما ، والمتشابهة فيهما ، وقد وفقنا الله سبحانه وتعالى في كتابة بحث في هذا الموضوع عنوانه : (من قضايا البحث المشتركة بين الجمال والبلاغة ) ، حيث أعدنا كتابته أكثر من مرة مضيفين إليه كل ما وجدناه يثري البحث أو يضيف جديداً للموضوع ، ويفيد القارئ بإذن الله الذي نتمنى أن يعود إليه لتعم الفائدة إن شاء الله .
وفي رأينا المتواضع أن هذه القضايا تستحق من أهل البحث في موضوعات الجمال والنقد والبلاغة المزيد من الدراسات والأبحاث والمؤلفات لأهميتها البالغة في مجال الفكر الإنساني بوجه عام ، ومنها تتوسع مدارك ورؤى المثقف والقارئ العادي ، والله الموفق ،،،،
الهوامش والأسانيد :
بسيوني عرفة رضوان ، الجمال بين الفلاسفة والبلغاء ، دار الرسالة ، القاهرة ، 1981 م ، ص14 ، وما بعدها بتصرف من عندنا .
مصطفى صادق الرافعي ، تاريخ آداب العرب ، طبعة بيروتية ، ص 217 ، وما بعدها بتصرف .
بسيوني عرفة رضوان، الجمال بين الفلاسفة والبلغاء ، مرجع سابق ، ص 15 ، بتصرف .
عز الدين إسماعيل ، الأسس الجمالية في النقد العربي ، الطبعة الأولى ، القاهرة ، ص 35 ، وما بعدها .
عز الدين إسماعيل ، الأسس الجماليه في النقد العربي ، مرجع سابق ، ص 40 ، بتصرف من جانبنا .
عز الدين إسماعيل ، الأسس الجمالية في النقد العربي ، مرجع سابق ، ص 88 ـ 90 ، بتصرف من جانبنا .
أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ، البيان والتبيين ، طبعة بيروتية ، 1 / 114 ـ وكذلك : أبو إسحاق إبراهيم بن علي الحصري القيرواني ، زهر الآداب وثمر الألباب ، تحقيق / علي محمد البجاوي ، الطبعة الثانية ، مطبعة عيسى البابي الحلبي ، القاهرة ، 1969 م ، 1 / 94
أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ، البيان والتبيين ، مرجع سابق ، 1 / 97 ـ 98 ، بتصرف .
أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ، البيان والتبيين ، مرجع سابق ، 1/ 135 ـ وكذلك : أبو هلال العسكري ، كتاب الصناعتين ، طبعة القاهرة / الأستانة ، 1320 هـ ، ص 134 ، بتصرف .
ابن وهب : أبو الحسن إسحاق بن إبراهيم بن سليمان الكاتب ، البرهان في وجوه البيان ، تحقيق / حفني شرف ، القاهرة ، ص 246 .
حفني محمد شرف ، البلاغة العربية : نشأتها وتطورها ، مكتبة الشباب ، القاهرة ، 1973 م ، ص 218 .
شوقي ضيف ، البلاغة : تطور وتاريخ ، دار المعارف ، القاهرة ، ص 95 ـ 97 ، بتصرف .
أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ، البيان والتبيين ، مرجع سابق ، 1 / 90 .
أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ، البيان والتبيين ، مرجع سابق ، 1 / 157 .
عز الدين إسماعيل ، الأسس الجمالية في النقد العربي ، مرجع سابق ، ص 47 ، بتصرف .
طه إبراهيم ، تاريخ النقد العربي ، القاهرة ، بدون تاريخ ، ص 42 وما بعدها ، بتصرف .
أبو عثمان عمرو بن الجاحظ ، البيان والتبيين ، مرجع سابق ، 1 / 91 .
عز الدين إسماعيل ، الأسس الجمالية في النقد العربي ، مرجع سابق ، ص 50 ـ 51 ، بتصرف من جانبنا .
الامدي ، الموازنة بين أبي تمام والبحتري ، تحقيق / محمود توفيق ، القاهرة ، 1944 م ، ص 391 .
الرماني ، النكت في إعجاز القرآن (ضمن ثلاث رسائل ) ، القاهرة ، ص75 .
الرماني ، النكت في إعجاز القرآن ، مرجع سابق ، ص 69 وما بعدها ، بتصرف .
حفني شرف ، البلاغة العربية : نشأتها وتطورها ، مرجع سابق ن ص 232
بدوي طبانة ، أبو هلال العسكري ومقايسه البلاغية ، مطبوع على نفقة المؤلف ، القاهرة ، 1371 هـ = 1952 م ، ص 18 وما بعدها .
أبو هلال العسكري ، كتاب الصناعتين ، طبعة القاهرة / الأستانة ، 1320 هـ ، ص 11 وما بعدها ، باختصار من عندنا .
عز الدين إسماعيل ، الأسس الجمالية في النقد العربي ، مرجع سابق ، ص 47 .
ابن وهب ، البرهان في وجوه البيان ، مرجع سابق ، ص 129 .
عز الدين إسماعيل ، الأسس الجمالية في النقد العربي ، مرجع سابق ، ص 130 وما بعدها ، بتصرف كبير من عندنا .
عبد القاهر الجرجاني ، دلائل الإعجاز ، طبعة القاهرة ، 1947 م ، ص 25 .
عبد القاهر الجرجاني ، دلائل الإعجاز ، مرجع سابق ، ص 26 ، بتصرف من عندنا ، وكذلك بسيوني عرفة رضوان ، الجمال بين الفلاسفة والبلغاء ، مرجع سابق ، ص 14 وما بعدها ، بتصرف .