عَلىَ الرَّصِيفِ نَحْثُو عَلىَ أَيَّامِنَا هَوَامِشَ مَنْ حَيَاة
وَنَتَّهِمُ الْآخَرِينَ بِانْتِحَالِ سُطُورِ غَفْوَتِنَا
نَنْتَظِرُ مِنَ الْمَاضِي أنْ يَمْلَأَ كُلَّ الْفَرَاغَاتِ
وَأَنَا عَلىَ الرَّصِيفِ كَالْغَرِيبِ، أَتَرَقَّبُ كُلَّ صَيْحَةٍ مُزْجَاة
مُتَوَجِّسٌ .. لاَ لُغَةَ لِي تُؤْنِسُنِي فِي وَحْشَتِي
حَائِرٌ .. لاَ مُتَّسَعٌ لِي وَسَطَ الْهَوَامِشِ
خائف .. لاَ أَعْيُنٌ بَيْنَ النَّاظِرِينَ تُشْبِهُ رَعْشَتِي
أَعْمَى .. لاَ مَرَايَا تَعْكِسُ من حولي إِشْعَاعَ الصُّوَرِ الْمُشْتَهَاةِ
فِي وَجَعِ الْوَصَايَا الْقَدِيمَةِ نَعُدُّ مَا تَبَقَّى مِنَ السُّطُورِ
تَحْتَ ظِلِّ نَخْلَةٍ وُلِدَتْ قَبْلَنَا خَائِفَةٌ
فِي مِرْآةٍ هِيَ أَشَدُّ سِجْنًا مِنَ نَظْرَةِ السَّجَّانِ
فِي بَحْرٍ مَدُّهُ عَطَشٌ وَجَزْرُهُ غَرَقٌ، فِي تَلَبُّسِ الْأَدْوَارِ
فِي عُزْلَةٍ وَسَطَ الصَّحْرَاءِ غَيْمَةٌ زَائِفَةٌ
فِي خَاطِرَةٍ لَمْ تَتَلَبَّدْ بَعْدُ حَرْفًا فِي َتَبَلُّدِ الْأَطْوَارِ
فِي كَلاَمِ الآخَرِينَ، وَإِنْ كَانَ كَلاَمُهُمْ زَبَدٌ وَدُخَانٌ
أَنَا لاَ أَعْرِفُ أَسْمَاءَ الَّذِينَ مِنْ حَوْلِي
هُمْ قَالُوا : لاَ بَأْسْ ، فَقُلْتُ أَنَا أَيْضًا : لاَ بَأْسْ
رُبَّمَا جِئْنَا قَبْلَ الْمَوْعِدِ بِضْعَ احْتِمَالاَتٍ
أَوْ رُبَّمَا أَطَلْنَا الْمُكُوثَ أَمَامَ ظِلٍّ لَيْسَ ظِلَّنَا
أَوْ لَعَلَّ قَافِلَةً مَا مِنْ رُعَاةِ الْأُحْجِيَاتِ وَالْأُمْنِيَاتِ
صَادَفَتْنَا وَنَحْنُ عَلىَ الرَّصِيفِ فَأَمْلَتْ عَلَيْنَا هَوَاهَا النَّرْجِسِيَّ
أَوْ رُبَّمَا أَطْفَأَتِ الْمَعَابِدُ أَنْوَارَ مَآذِنِهَا ، وَأَغْلَقَتْ أَبْوَابَ التَّوْبَةِ ثُمَّ نَامَتْ
أَوْ لَعَلَ خَطَايَانَا اخْتَفَتْ صُدْفَةً تَحْتَ وَطْأَةِ الْوَصَايَا الْبَعِيدَةِ
وَمِنَ الْمُمْكِنِ كَذَلِكَ أَنَّ أَسْمَاءَنَا قَدْ عُلِّقَتْ تَعَاوِيذَ وَخَرْبَشَاتٍ
فَاخْتَلَطَتِ الْحُرُوفُ بِالْوَسَائِدِ وَالنَّبِيذِ
وَتَحَتَّمَ أَنْ نُبَدِّلَ التَّاءَ بِالشِّينِ وَالقَافَ بِالْهَمْزَةِ وَالرَّاءَ بِحَرْفٍ لَيْسَ فِي اللُّغَةِ
فَإِنَّ تُجَّارَ الْقَوَافِي تَاهَتْ قَوَافِلُهُمْ بَحْثًا عَنْ جَرِيدَةٍ مَا أَوْ قَصِيدَةِ
فَلَمْ تَعُدْ تَتَهَجَّى غَيْرَ حُرُوفِ الْفُجْأَةِ وَأَلْفُ تَغْرِيدَةٍ وَتَنْهِيدَةٍ
أَوْ فَقَطْ لِأَنَّ مَرْسُومًا مَا حَطَّ فَوْقَ الرَّصِيفِ
فَلَمْ يَدْرِي أَيَّ وِجْهَةٍ يَقْصِدُ، فَانْدَسَّ فِي قَافِيَّةِ الْقَصَائِدِ
وَتَمَتْرَسَ بِمِعْطَفِهِ الْكَبِيرِ خَلْفَ لُغَةِ الْجَرَائِدِ
فَلَمْ يَتْرُكْ فِيهَا غَيْرَ كَلاَمِ الْغُرَابِ الْكٌحْلِيِّ
قَوَافِينَا قَوَافِينَا جَاحَتْ قَوَافِينَا، خَلْفَ ثَرْثَرَاتٍ خَصِيَّةٍ
قَوَافِينَا قَوَافِينَا تَاهَتْ قَوَافِينَا، بَحْثًا عَنْ حُرُوفٍ عَصِيَّةٍ
بَيْنَ بَحْرٍ وَبَرٍّ، لاَ الْبَحْرُ مَالِحٌ وَلاَ الْبَرُّ يَابِسٌ
وَأَنَا وَأَنْتُمْ.. لاَزِلْنَا هُنَا نَعُدُّ السُّطُورَ الَّتِي تَكَدَّسَتْ عَلىَ الرَّصِيفِ
لِنُخْفِي الظِّلاَلَ الَّتِي اخْتَلَطَتْ بِنَا وَفِينَا
فَلَمْ نَعُدْ قَادِرِينَ عَلىَ الْبَوْحِ بِمَا يُحْيِينَا أَوِ يُفْنِينَا
لَمْ نَعُدْ نَقْوَى عَلىَ الْخَوْفِ فَانْسَحَبْنَا، وَتَرَكْنَا خَلْفَنَا فَرَاغَاتِ الْحَنِينِ
وَمَرَرْنَا عَلىَ كُلِّ الْحُرُوفِ وَالْقَوَافِي ، وَلَمْ نَنْتَبِهْ
وَمَضَيْنَا خَلْفَ سَرَابِ الْأُحْجِيَاتِ ، وَلَمْ نَنْتَبِهْ