بهذا الحوار الذي أجري سنة 1974، يحذر جاك لاكان بشكل تنبؤي من الأخطار التي تتعلق بعودة الدين والعلموية : بالنسبة له يعتبر التحليل النفسي، المتراس المفترض ضد التوجسات المعاصرة. النقاش تضمن موضوعاً مدهشاً.
كما بفعل السحر، فإن جاك لاكان يُستعاد بكل قوته ضمن هذا الحوار الذي أُجري سنة 1974 لمجلة بانوراما الإيطالية. بطلاقته المذهلة، لحججه وقع مدهش بالنقاش، حيث أننا نعاين بسنة 1974، أنه صار دارجاً "الحديث بشكل مستمر عن أزمة التحليل النفسي"، كما بتعبير إيميليو غرانزوطو، المحاور الإيطالي. عند جاك لاكان، نجد بكل بساطة قوة الصراحة، الحس الحقيقي، الوضوح، والدقة، بعيدا عن "التحليل النفسي البرجوازي" المنتهج من قبل بعض تلامذة فرويد، جاعلين من تقنية العلاج طقساً مجرداً، ساعين بذلك لتكييف المريض مع محيطه الاجتماعي. "ذلك ما رفضه فرويد بقوة" يوضّح لنا لاكان. ما الذي يقلقه، بالزمن الراهن ؟ بموهبته التنبؤية، لاكان يخشى من عودة تسلط الدين من جهة، والهيمنة العلمية من جهة أخرى. الجنس بكل مكان كبرهان ؟ لا، بالأحرى تحرر خادع ليست له أي أهمية، أما تطفل العبث العلمي، فتلك مسألة أخرى..
جاك لاكان، مفاتيح التحليل النفسي ـ ترجمة : حمودة إسماعيلي
حوار أجرته الكاتبة والصحفية الفرنسية مادلين شابسال مع المحلل النفسي الفرنسي الشهير جاك لاكان، وتم نشره بجريدة الإكسبريس بتاريخ 31 ماي 1957 :
الجميع يعرف من هو فرويد. فتعاليمه ومناهجه أثرت بمجمل المعارف الإنسانية بشكل أو بآخر. ولم يعد بوسعنا بعده الحديث عن الإنسان أو عن النفس كما كان يتم بالسابق، غير أن أعماله فتحت آفاقا للبحث، نحو مجالات أخرى للاكتشاف. هذا هو موضوعنا، حيث قمنا بزيارة عن قرب لعمل الدكتور جاك لاكان، مؤسس الجمعية الفرنسية للتحليل النفسي، بشراكة مع كل من الدكتور دانيال لاغاج، والبروفيسورة جولييت فافيز بوتونيي، والدكتورة فرونسواز دولتو..
مادلين ـ بِذِكر المحلل النفسي، يتم ذِكر شخص جد مخيف. يتملكك الإحساس بأنه قادر على قيادتك حسب إرادته.. وأنه يعرف عنك أكثر مما تعرفه عن نفسك، يعرف عنك الدوافع التي تقبع خلف سلوكاتك.
النزوع نحو التدمير ..... ـ عائشة التاج
هيمنة الأحقاد التدميرية :
لعل الملاحظ لما يحدث داخل علاقاتنا البينية سواء بين الأفراد أو الجماعات أو الدول حتى ، سيلاحظ هيمنة جانب النزاع والصراع والعداء على نقيضه من الإخاء والود و التماسك والتعاون ....
و عندما ننجح في التقليل من منسوب الكراهية والأحقاد وما ينجم عنهما من رغبة في الانتقام سنتمكن حتما من البناء وبالتالي من تحقيق الازدهار المنشود فرديا ومجتمعيا
إن ذلك الكم من الطاقة الذي نستهلكه في تدبير الخلافات والصراعات والنزاعات ..سواء منها بين الأفراد أو الجماعات أو الدول ....يعبر عن حجم الطاقة التدميرية التي تتحكم فينا افقيا وعموديا .....
تمظهرات تدميرية :
فرويد والمعنى الخفي للإيمان الديني ـ المختار منودي
اهتم فرويد بمعالجة المعنى الخفي للإيمان الديني ضمن عدد من أبحاثه، لعل أهمها هي: «Totem et Tabou» «Moise et le monothéisme» «L’avenir d’une illusion». وبالنسبة إليه، فإن الخوض في هذا الموضوع يقتضي الرجوع الى المرحلة الطفولية لما تحمله من إحالات على ما نحن في صدد البحث فيه. لابد من الإشارة أولا، الى أن فرويد لم يقم فقط بمناقشة هذه القضية ضمن الأبحاث المذكورة أعلاه وغيرها المهتمة بنقده للحضارة الحالية، بل إننا لنجده يخوض في ذلك ابان دراسته حول ليوناردو دافينشي، بحيث يعلن فرويد في بحثه "ليوناردو دافينشي: دراسة في السيكولوجيا الجنسية" ما يلي:
"لقد علمنا التحليل النفسي الصلة الصحيحة بين عقدة الأب والإيمان بالله، وتبرهن لنا الحياة اليومية كيف يفقد الشبان ايمانهم الديني بمجرد ان تنهار سلطة الأب. ونحن بهذا نميز في العقدة الأبدية جذور الحاجة الدينية، ويظهر لنا الله القدير العادل والطبيعة الرحيمة كإعلاء عظيم للأب والأم، أو بالأحرى كإحياء واستعادة للمفاهيم الطفلية عن كل من الوالدين. وترجع النزعة الدينية من الناحية الحيوية الى الفترة الطويلة من اليأس، وحاجة الطفل الصغير الى المساعدة. فالطفل عندما يكبر ويتحقق من قوى الحياة الهائلة، يدرك ظروفه باعتباره في مرحلة الطفولة، ويحاول ان يخفي يأسه بواسطة احياء نكوصي للقوى الحامية له في الطفولة."
تكوين شخصية الطفل من منظور حجة الإسلام (أبو حامد الغزالي ) ـ إيناس أحمد بن سليم
يرى الغزالي أن النفس تحتاج لغذاء روحي كما يحتاج البدن للغذاء من أجل النمو، فالنفس غذاؤها بالتربية الصالحة وغرس القيم الأخلاقية. لذلك فالوالدان مُحاسبان على ما غرساه في نفس الطفل سواء أكان خيراً أم شراً، فالمردود على الوالدين مؤكد في الدنيا والآخرة، فإذا كان بناؤهما لشخصية طفلهما بناءً صالحًا فإنهما يجنيان الثواب والحياة المريحة الآمنة، أما إذا كان بناؤهما هشاً ضعيفاً وأهملا بناء تلك الأمانة بناءً صالحاً فسيحملان الوزر والإثم جرّاء أخطاء طفلهما وسوء أخلاقه وفاقا لقوله تعالى:" ﴿ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة ﴾ التحريم -الآية6.
وينبه الغزالي إلى أن المسؤولية الملقاة على عاتق الوالدين كبيرة جداً فمصير ابنهما يتوقف على جهدهما في بناء شخصيته وتنشئته تنشئةً صالحة، ومن ثم فهو يرى أن توجيه الطفل نحو الخير منذ بداية استجابته للوالدين يكون بمثابة النقش في الحجر فالنصح يثبت في قلبه. وينبه على أن الصبي عندما يألف كثرة اللعب والفحش والوقاحة وشره الطعام واللباس والتزيين والتفاخر فإن قلبه يكون قد نبا عن قبول الحق.
نرسيس والحطيئة ... أو لماذا نكره أنفسنا؟ ـ فتحي المسكيني
ذكر المسعودي، في “مروج الذهب”، أنّ بعض الحيوان، مثل الفيلة والخيل والإبل، يجزع من الماء الصافي إذا ورد للشرب، فيضربه ويكدّره، فإذا تكدّر شرب منه مطمئنّا. ولعلّ ذلك “لمشاهدة صورها في الماء لصقالته وصفائه”. ويبدو أنّ هذا خاص بما عظم من الحيوان، الذي متى “رأى صورته منعكسة على صفاء الماء أعجبته لعظمها وحسنها وما بان به من حسن الهيئة عما دونه من أنواع الحيوان”. ولا ندري أيّ اطمئنان يتحقّق لها مع الكدر أو التكدير، ولو كان رغبة من عندها.
فهل نكسّر المرآة إذن، نحن بني البشر، حتى نستطيع أن نرى أنفسنا من دون خوف ؟ خوف من الوجه الآخر لأنفسنا ؟ حيث يبرز وجهُنا دون أن يكون نحن..أو دون أن يتطابق مع ما نظنّ أنّه صورتنا عند أنفسنا. ربّما.
ولكن يبدو أنّ الفرق بين الماء والمرآة أكثر خطورة ممّا نتصوّر لأوّل وهلة. يستطيع الماء أن يتكدّر دون أن يفقد من حقيقته: كونه يروي ظمأ الحيوان الذي فينا. لكنّ المرآة لا تتكسّر من أجلنا أبدا. وبعض الهويات يشبه المرآة: أنّها لا تتكسّر من أجلنا أبدا. فهي في الحقيقة لا ترى إلا نفسها. وكل من يحرص على أن يدين بشكل حياته إلى كينونة مرآوية، هو يؤبّد فقط حاجته إلى ما لا يتكسّر من أجله، ويرهن هويته في أنانة لا تحبّ ير نفسها.
شخصية الشباب المغربي وأنماط التدين السائدة في المجتمع ـ محمد الحوش
مقدمـــــة :
لا يجب أن يرتبط اهتمام السيكولوجيا فقط بتحديد السمات والأنماط التي تميز الشخصية والعمل على تصنيفها بشكل نظري، بل يجب تنزيل تلك السمات والأنماط حسب ظروف تكونها، والتأثيرات المتفاعلة التي تحضر في هذا الصدد بهدف أجرأة حقيقية للمفهوم السيكولوجي للشخصية، ومدى ارتباطه بمواضيع تحضر بشكل ملح في المجتمع الذي نعيشه. ولعل الشباب كظاهرة ما زالت تفاجئ العالم بإنجازاتها وخرجاتها، كان آخرها الثورات التي قادها الشباب نحو تحطيم أعتى الديكتاتوريات التي كانت راسخة في الأنظمة العربية، تستحق المزيد من الدرس والتحليل العلمي والسيكولوجي على وجه الخصوص، بالنظر لفرادتها ولعلاقاتها الخصوصية مع مختلف مواضيع ومفاهيم الوجود. ويبقى التدين كمفهوم وموضوع في آن واحد من المحاور الأساسية التي يجب التدقيق في تحديد علاقة الشباب بها، وذلك من منطلق المحددات الشخصية التي تميز الشباب عموما والشباب المغربي على وجه الخصوص.
نسعى من خلال هذا المقال إلى ملامسة شخصية الشباب المغربي وعلاقتها بأنماط التدين السائدة داخل المجتمع، والمنطلق هنا ليس مدى إبداعية الشباب المغربي في خلق أنماط معينة من التدين ولكن في طبيعة السيرورات التي تبلور خصائص شخصيته، والتي بناءا عليها تتحدد علاقته بأنماط معينة من التدين حاضرة ومحددة سلفا داخل المجتمع المغربي، والتي نقتصر على ثلاثة أنماط رئيسية منها وهي: التدين الرسمي، التدين الشعبي، والتدين الحركي، وطبيعة الأسباب التي تجعل الشباب المغربي ينفتحون على نمط أكثر من غيره بناءا على تفرد شخصياتهم بحسب تكوينها التاريخي وإعادة تكوينها المستمر عبر الزمن أيضا.
الشخصية في المنظور الإسلامي ـ إيناس بن سليم
يجدُ الباحث في مفهوم الشخصية من المنظور الإسلامي تباينا في وجهات نظر الدّارسين والمهتمين بهذا الشأن، حيث إن هناك من يعترض أساساً على استخدام تسمية (الشخّصية)، ويرى أن الأنسب من وجهة النظر الإسلامية استخدام تسمية (الذات الإنسانية) لأنها أدق في التعبير عن طبيعة الإنسان.
وهناك باحث يُشير – على استحياء- إلى أن علماء المسلمين الأوائل ابتعدوا عن الخوض في دراسة الشخصية لغلبة ظنهم بأن الروح والنفس من الأمور الإلهية ومن ثم أمسكوا عن اقتحام مجهولها امتثالا للآية الكريمة " ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " الإسراء -85.
ومن الباحثين من يرى " أن استخدام كلمة النفس في القرآن الكريم لا تعني الروح بل تعني الشخصية الإنسانية ".
إلى آخر يعلل عدم وجود تعريف واضح للشخصية كما نجده عند علماء الغرب بقوله:" لم يكتب لعلم النفّس أن يأخذ حظّه وينمو ويترعرع أو ينصهر في بوتقة العلوم الإسلامية لزمن طويل.. وقرون عديدة، كما أخذت بعض العلوم كالفلسفة والفقه والرّياضيات وعلم الفلك "، ولعلّه من الأنسب قبل الخوض في تعريف الشخصية ومفهومها في المنظور الإسلامي أن نتوقف قليلاً عند العقلية العربية منذ عصر الجاهليّة لنسّلط الضوء على تصور الإنسان في تلك البيئة التي بزغ فيها نور الإسلام ليبدّل ما فيها من تصوّرات لاشك أن الإنسان أهم عنصر من عناصرها.