رغم مرور ما يزيد عن قرن من الزمن على صدور كتاب "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" للكواكبي أحد رموز النهضة في المشرق العربي، إلا أن هذا المؤلف لازال مدخلا مهما لفهم الاستبداد وأبعاده المختلفة، وكذا تقاطعاته مع العديد من القضايا الأخرى التي يستغلها المستبد لترسيخ استبداده وحكمه الجائر، كما أن الذي يطلع على هذا العمل، سيدرك منذ الصفحة الأولى أنه أمام مفكر نهضوي فهم الداء الذي ينخر الدولة والمجتمع في المشرق.
  انخرط الكواكبي في نفس الهم الذي شغل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده...، وهو محاولة الإجابة على أسباب تخلف الذات وتقدم الأخر الغربي بالخصوص. هذه الاشكالية الخالدة قاربها "الكواكبي" من وجهة نظر واقعية جدا تتمثل في النظام السياسي الغير ديمقراطي الذي يكرس التخلف. قد لا يكون هذا الطرح بالشيء الجديد، فقبله "ابن خلدون" تطرق للأمر حينما تحدث في مقدمته على ضرورة رفق السلطان برعيته، ولكن تكمن جدة موقف الكواكبي في تقديمه لأهم مرتكزات الاستبداد التي يقتات عليها الحكم الشمولي، هكذا إذن يفضح صاحب " طبائع الاستبداد" علاقة الاستبداد بالدين والمال وكذا المجد، مبينا كيف ينعكس ذلك كله على تربية وأخلاق الشعب الذي يعاني تحت نير الاستبداد الذي يحول دونه والتطور أو "الترقي" بلغة الكواكبي.

على الأغلب أن القارئ قد سمع باسم الفارابي، المفكّر الإسلامي الذي عاش في القرن العاشر ميلادي في بغداد، لكنه على الأغلب لا يعلم أن إحدى نتائج أفكاره اليوم سبب رئيس في تحريم تصوير نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وسلم) من بين غيرها من أنواع الرقابة على الصورة والكلمة بما يتعلّق بالدين.
كان الفارابي صوفيا راسخا وزاهدا، ورجلا ذا ذوق بسيط. عمل في شبابه في كروم دمشق قبل أن يستقر في بغداد، وكان يتبع نظاما غذائيا مقتصدا من قلوب الحملان والمياه الممزوجة بعصير الريحان!
لكنه في فلسفته السياسية كان بعيدا كل البُعد عن البساطة والاقتصاد، إذ اعتمد الفارابي على مجموعة متنوعة وغنية من الأفكار الإغريقية القديمة، لا سيما أفكار أفلاطون وأرسطو، وقام بتكييفها للاستجابة للتحديات الجمّة الفكرية والسياسية والدينية لعصره.

المدخل
 الكتاب الذي بين أيدينا و الذي سنقوم بقراءته، علنا نتمكن من فهم كنهه و إدراك مضامينه و الإجابة عن ما يخالجنا  تجاه اعترافات صاحبه الذي هو: الغزالي أبي حامد، و كتابه  المنقذ من الضلال و الموصل إلى ذي العزة و الجلال، تحقيق جميل صليبا  و كامل عباد، مطبعة دار الأندلس، ط7، سنة 1967، و عدد صفحاته 134 صفحة.
ظهر كتاب المنقذ من الضلال في لحظة الخمسين من عمر حجة الإسلام بعدما أن انهي التأليف في الفقه و الأصول و أقام الردود على ما يتعارض و توجهه السني الأشعري، محاولا عبره  الجواب عن أمرين: الأول  يتجلى في سؤال لطالب[1] ملح أراد أن يعرف طريق اليقين و يخطو معه النعل بالنعل، و حتى يكون من الفرقة الناجية و من ثم من الفائزين بالدار الآخرة، أما الأمر الثاني فيتمثل في رغبته   أن يطلعنا عن هدفه من النضال الفكري الذي مارسه طيلة مشواره المعرفي.

أ- تقديـم:
رغم كل ما يوجه إلى نصوص التراث من انتقادات من قبل البعض، فلاشك أنها مازالت تزخر بالعديد من الجوانب المضيئة، خاصة عندما نتناول بعضا من نماذجها الحوارية، والتي تعكس بقوة عمق الإشكاليات والمواضيع المختلف بشأنها في العصور الإسلامية الأولى.
ولعل المناظرات التي جرت في ذلك الإبان بين مختلف شرائح المثقفين تشكل مادة جديرة بالدرس، في هذا الإطار سنتناول نموذجا واحدا هو المناظرة التي جرت بين أبي سعيد السيرافي النحوي وأبي بشر متى بن يونس القنائي المنطقي سنة 326هـ في مجلس الفضل بن الفرات وزير المقتدر، والتي أوردها أبو حيان التوحيدي في كتاب "الإمتاع والمؤانسة" في الليلة الثامنة (الكتاب مقسم إلى موضوعات تحمل رقم الليالي التي تبلغ الأربعين ليلة) نقلا عن علي بن عيسى الرماني بإملائه.

فلا تصلِي بصعلوك نَؤوم ***  إذا أمسى يُعدّ من العيالِ
ولكن كلّ صعلوكٍ ضَروب *** بنصْل السّيف هاماتِ الرّجال
(الصعلوك الشاعر السلِك السعدي في وصف نفسه!)
يقول ابن منظور في قاموسه الجامع "لسان العرب": "الصُّعلوك: الفقير الذي لا مال له. ولا اعتماد". تدور معظم المعاجم العربية على هذا النحو في تعريفها للصعاليك أو الصعلوك، فهو الفقير الذي لا مال له يستعين به على أعباء الحياة، ولا اعتماد له على شيء أو أحد يتكئ عليه أو يتكل ليشق طريقه فيها، ويعينه عليها، حتى يسلك سبيله كما يسلكه سائر البشر الذين يتعاونون على الحياة، ويواجهون مشكلاتها يدا واحدة.
 

إن الثقافة العربية في شمال إفريقيا منذ النصف الثاني من القرن العشرين قد صنعت الحدث وأثرت الذائقة العربية في حقول الفكر والفلسفة والأدب ولم تعد بلاد المغرب العربي "كم الثوب" أو" ذيل الطائر" كما أطلقت عليها ذلك الوصف الكلاسيكيات المشرقية استصغارا لقدرها وإنكارا لفضلها وتم تجاوز تلك الجملة المأثورة للصاحب بن عباد لما تأمل كتاب "العقد الفريد": بضاعتنا ردت إلينا.
الصوت المغاربي كان قويا ومعبرا عن الخصوصية الإفريقية والأمازيغية إضافة إلى الميسم العربي والإسلامي الذي وسمت به الثقافة المغاربية.
من تونس صدح الشابي برومانسيته في "أغاني الحياة" التي أعجبت "أبولو" ومن تونس طلع المسعدي برواياته حول الوجودية الإسلامية التي أعجبت طه حسين فوضع مقدمة لرواية "السد" ومن المغرب طلع صوت المهمشين والصعاليك مع محمد شكري وخبزه الحافي وزفزاف و"محاولة عيش" تلك الرواية التي كرست غلبة الواقع المتعثر على المثالية ومن نفس البلد جاءت إعادة قراءة التراث للجابري وفهمه على ضوء مقتضيات العصر ومتطلبات الحداثة ونازلت المرنيسي الفكر الذكوري عبر هندسة الجنس في المجتمع العربي كإدانة لغياب حضور الأنثى حضوريا رئيسيا لا ثانويا وصرخة ضد الهيمنة الذكورية التي أقصت الأنثى واعتبرتها ظلا للرجل وآلة للإنجاب وشغالة في أحسن الأحوال.

يصعب علينا صراحة تحديد نقطة البداية لأن ذلك رهين بالعقليات والإرادة القوية لدى الفرد و المجتمع، ومن ثم سنحاول أن نقف عند بعض النقاط التي من شأنها أن تسهل لنا مجال البحث والدراسة للحقل المعرفي في التراث الإسلامي، إلا أننا لا ندعي دراسته دراسة شمولية لأن هذا أمر صعب إلى حد بعيد.
دعني أولا أشير إلى أن تطور الأمة الإسلامية رهين بتطور العقليات والأفكار، وبالتالي فهي مطالبة ــ الأمة ــ بتجاوز مجموعة من العراقيل التي ربما كانت سببا في إفشال المشروع الحضاري لها، وهنا نتحدث عن التجديد داخل الساحة الفكرية المعاصرة، ومنه نطرح السؤال: ماهي العوائق التي حالت دون إنجاح المشروع الحضاري الذي تبناه المجتمع العربي المعاصر؟

يصعب علينا صراحة تحديد نقطة البداية لأن ذلك رهين بالعقليات والإرادة القوية لدى الفرد و المجتمع، ومن ثم سنحاول أن نقف عند بعض النقاط التي من شأنها أن تسهل لنا مجال البحث والدراسة للحقل المعرفي في التراث الإسلامي، إلا أننا لا ندعي دراسته دراسة شمولية لأن هذا أمر صعب إلى حد بعيد.
دعني أولا أشير إلى أن تطور الأمة الإسلامية رهين بتطور العقليات والأفكار، وبالتالي فهي مطالبة ــ الأمة ــ بتجاوز مجموعة من العراقيل التي ربما كانت سببا في إفشال المشروع الحضاري لها، وهنا نتحدث عن التجديد داخل الساحة الفكرية المعاصرة، ومنه نطرح السؤال: ماهي العوائق التي حالت دون إنجاح المشروع الحضاري الذي تبناه المجتمع العربي المعاصر؟