"في قلب المغرب" لويس بوت ـ ترجمة: عبد الرحمان شباب

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

تعددت الكتابات الكولونيالية / الاستعمارية  وتنوعت ؛ وذلك خدمة للمستعمر قصد تسهيل عملية التوسع  والسيطرة على البلدان ونهب ثرواتها ، وقد جيشت البلدان المستعمِرة   جيوشا في أثواب علماء نفس وانثربولوجيين  وسوسيولوجيين  وأدباء واطباء و كتاب زارو البلدان المستهدفة ؛ فما تركوا كبيرة ولا صغيرة الا وسجلوها واحصوها ، فنقلوا ا كل ما يمكن أن يسهل لهم عملية الاستيلاء  ، ومع ذلك فقد قدمت هذه الكتابات صورة واضحة عن الشعوب والبلدان في تلك الفترة ، وقد كثر الكتاب  الكولونياليون الذين كتبوا عن مجموعة من البلدان منها المغرب نذكر منهم على سبيل التمثيل لا الحصر : ميشو بللير  و  رونيه باسيت  و  موليراس وإدموند دوتي  ولويس بوط ... وكل كتاباتهم رغم ما تحمله في طياتها من سوء نية ؛ الا أنها تستحق القراءة والمدارسة ، وقد آثرت هذا النص من كتاب في " قلب المغرب " للويس بوت  وقمت بترجمته الى اللغة العربية  ؛ محاولا مشاركة القارئ الكريم قراءتي وتوجيهه الى هذا النوع من الكتابة .
« AU CŒUR DU MAROC »  LOUIS BOTTE
ترجمة نص   من كتاب  " في قلب المغرب "  لويس بوت . من ص 122 الى ص 131
 وهوكتاب مصور يضم 61 صورة ورسم  و 3 خرائط بالاسود     النشرة الثانية    مكتبة هاشيت  79 شارع  سانت جرمان باريس (1913)
 

القسم العاشر
وجبة واستقبال
وجبة في ضيافة القايد سي علال – المدعوون – الخدم – الاواني – الزيارة الاولى للجنرال ليوطي الى سطات – استعدادات الحفل – الانتظار – وصول الجنرال – الاستقبال
 
     لما اأممت استعدادي لزيارة القصر؛ تم ادخالي عن طريق خليفة القائد؛ فقد ارسله سيده ليدعوني الى وجبة العشاء  .
    القايد سي علي في القصبة ،و بعد اجتياز مجموعة من الابواب واتباع ممرات متنوعة؛ وجدته في الفناء الخلفي في غرفة صغيرة  لا ينيرها  الا ضوء الباب .
    الفناء حاشد باشخاص وجوههم شاحبة  - انهم دافعو الضرائب بلا شك – يفترشون  الطين ؛ لا اعلم ماذا ينتظرون؛ وهنا  يقف شاوش وبيده عصا طويلة بينما يظهر على العتبة مجموعة لا تصدق من الشباشب المغربية المتنوعة لجميع  طبقات المجتمع ؛ فهناك شباشب  متسعة؛ وأخرى جديدة؛ وأخرى  مصنوعة بجلد ناعم للأقدام الوردية للقائد المبجل ؛و أخرى  صلبة ومستعملة تشهد على المساعي الحماسية لحاملها.  واذا كانت الاولى تدل على الرفعة؛ فان الاخيرة تحيل بالتاكيد على البؤساء ؛الاتساخ  والنفايات ...

      قام السي علي لاستقبالي؛ اخذ بيدي ووضعها فوق قلبه واجلسني بجانبه  على وسائده الخاصة
     عند دخولي  تم اقتيادي بوحشية  وهمجية : احتفظت بحذائي . للقائد ذوق رفيع  لقد ابتسم لي و واصل حكمه ، اغترف من صندوق نقودا واخذ يعدها  ؛ كان هناك كاتب شاحب و هزيل؛ يضع نظارات  يجلس القرفصاء على سجادة من النوع الرفيع يخطط في سجل كبير . وفي كل جانب من جوانب القاعة ينام عبيد ممددون كحزم اقمشة ..
     لقد قام القايد بتوزيع بعض المؤونة على الجالسين القرفصاء في البهو؛ وهم يشكرون الله الذي ولى عليهم سيدا كريما ّ، ثم اغلق الصندوق ،واعار انتباهه لي، لقد استرعت قبعتي البيضاء اهتمامه كثيرا:
"مزيان" مربتا على كتفي مرددا: "مزيان"
     لقد مال فرحا لما اطلعته على رجال قبيلته كيف قد بدوا صغارا  من خلال عدسة الكامير الفوطوغرافية  الخاصة بي : "مزيان...مزيان"
     لقد احس بلا شك بالعظمة       
      بدوري كان لابد من ان ابادله الاعجاب باثاثه :الوسائد؛ الشمعدانات؛ السجاد  الرفيع؛ طاولة الشاي ؛ الفونوغراف ؛وكل مرة اقول له :"مزيان ..مزيان"
     لقد تبادلنا احاديث قصيرة  الى ان وصل وقت وجبة العشاء .   
     صفق القايد بيديه ؛ واذا بزنجي يلوح ؛ وباشارة اخرى فهم عنه الزنجي وغادر سريعا. وقد التقط الاشارة- ايضا - الناسخ القديم ؛ فأخفى كتابه في جراب لينتقل بالقرب منا بفكه المتدلي ؛ واذا بشخصين او ثلاث يظهرون لست ادري من اين ويقتربون منا ايضا...
    عاد الزنجي  مصحوبا بطبق فيه زبديات مليئة بسائل ساخن  يميل الى السواد؛ تذوقت منه بملعقة خشبية ؛ كان حارقا وحارا ؛ فابديت انزعاجي لكن القايد لاحظني : ابتسمت وابتلعت ذلك .
    الطبق الذي قدم لي كان خلطة بسيطة من الاعشاب الغريبة بالعدس حيث تسبح قطعا صغيرة من اللحم  ؛ لن يكون الذوق قبيحا  لو تم تقليل الفلفل والبهارات. اما الضيوف فيبدو انهم احبوا الوجبة فقد حشروا انوفهم في الزبديات بلا حراك.
     بعد ذلك قدمت سلة مصنوعة من الصفصاف مليئة بعنب الموسكا ؛ كانت حباته جد لذيذة؛ قامت بتبريد احناكي؛ فهل يا ترى هذا كل ما في طبق الفواكه؟
    ليس الامر كذلك ؛ لقد عاد الخادم بطبق كبير مصنوع من الفخار الاحمر؛ مملوء بالكسكس العجيب ؛كسكس اخذ شكلا هرميا ؛ يعلوه حمام وفراخ مشوية ، لكن كيف يؤكل؟
    فلا شوكة ولا ملعقة ولا سكين؟ -  بمهارة نشب الضيوف اصابعهم في الطبق فاخذوا يصنعون كرات من الكسكس والتي يلقون بها الى غاية حلاقيمهم ؛ لقد لاحظت حاجتهم الى الطعام واكلهم بشراهة كثعالب تراقب اللقلاق – الا ان السي علي الحنون قام باشارة ؛ فاحضر لي الزنجي ملعقة صغيرة ؛لقد  تسلى الضيوف بما افعل حتى انهم توقفوا عن الاكل لمراقبتي  ؛ نجحت بملعقتي في صنع كرية كسكس؛ لكنها سقطت وتشتت حباته على الارض فاستانف الضيوف الاكل..
   ولم يكن هناك تقطيع للحم للدجاج والحمام كما العادة؛  بل تجاذبوها حد النزاع ؛ ومزقوها بطريقة عجيبة ، لم اكن بذيئا لافعل مثلهم؛ و لحسن الحظ؛  فان القايد وبشفقته النادرة؛ قد اقتلع قطعة جناح   ووضعها امامي فوق الكسكس فاخذ يهيئ لي قطعا اخرى؛  ولما كانت اصابعه مليئة بالشحم ؛ فكان يمسحها على اخمص قدميه العاريتين.
    ولما اخذنا حاجتنا من الطعام حد الشبع ؛ ممرناالاطباق للخادم المتواجد وسط القاعة،  استيقظ الجميع ؛ وغاصوا بايديهم المعقوفة في الصحون؛ ولم نعد نسمع الا طقطقات الطيور المطهية ؛ في الوقت الذي كا ن فيه الزنجي الذي يخدمنا ينظف بعناية مكاننا ويجمع حبات الطعام التي اسقطتها واحدة واحدة.
     وصلنا الى الطبق الثالث كان مليئا بشرائح ؛  زهرية وبنفسجية ؛ تسبح في مرق جميل كما يظهر. قام اخوتي المغاربة ؛ بادخال ايديهم وسط الخضر؛ اما ملعقتي الصغيرة جدا  ؛ والتي لا تجمع شيئا من الطعام ؛ فقد  فقد احدثت لي كوارث جديدة . لكن القايد المحبوب حضر لي بنفسه كريات من الطعام.
     لما انهينا ؛ تمددنا على الوسائد والزرابي المفروشة للهضم؛ في انتظار الشاي المنعنع، وبما أن الوقت ليلا فقد تم رفع شمعدان نحاسي ضخم  بالقرب منا ؛ تعلوه شموع وردية كبيرة ، اخذ النور المنبعث منها يحدث لمعانا على كل معدن؛ ويعكس ظلالا على الجدران والسقف؛ اما في الجانب الاخر فقد تربع الخدم حول الصحون يلتهمون ما فضل عنا من الطعام ويمضغونه بضجيج .
     بعد جلسة الشاي المنعنع  الطويلة اخذت الاذن من السي علي ومحيطه وعدت الى الفندق.
     كنت في مدينة سطات منذ ايام عديدة ؛ لما عدنا من نزهة  ذات ليلة؛ وجدت المدينة قد تغيرت كليا ؛  فكل اصحاب الدكاكين كانوا منهمكين في تزيين منازلهم؛ فاحد البقالين بعمامته الكبيرة  يلف قطع السكر واوعية المربى في اوراق زرقاء وبيضاء وحمراء..اما اصحاب مقاهي المشروبات الغازية  (كالحانات عندنا) فقد غطوا الجدران  باقمشة اطلسية ازهرية مليئة بالالوان؛ اخيطت فيها ورود مصنوعة من ورق شمعي، ومما اثار اعجابي خاصة في احد الشوارع الفسيحة ؛ منزل  في غاية الاناقة مزين باعلام من الحرير اللامع ؛ وبالشالات  الزرقاء والحمراء والخضراء والصفراء والبنفسجية ؛ وبمناديل مخططة ؛ ذات مربعات تكسو الجدران و تمتد على طول الارصفة  يصفقها الريح...
      كان ذلك عجيبا ؛ لقد علمت فيما بعد ان هذا المنزل قد زين من طرف النساء؛ تساءلت عن اسباب هذا التزيين المبالغ فيه ، وفي الساعة الاولى من صباح  الغد اخبرت اننا سنسافر الى مشرع  بن عبو لاعداد طابور مراكش  ؛فالجنرال ليوطي سيمر من سطات.
    غادرت الفندق صباحا باكرا؛ كل سكان سطات خرجوا وتوجهوا الى المرتفعات المنتشرة وسط المدينة ؛ ولم يتخلف الجيش في المعسكرات فقد اتخذوا مواقعهم في الساحات.
     اما الضباط ؛ وقيادة الجيش بما فيهم جناح الاستعلامات؛ متبوعين بخيالي" الكوم" ؛ فقد اخذوا مواقعهم في الصفوف الاولى؛  يليهم  افراد سلاح المشاة الاستعماري؛ والعساكر الشريفة.
     وجدت صديقي القايد سي علي يمتطي بغلا عجيبا؛ ونظرا لبعده عني؛ اقتربت منه؛ واستعدنا احاديث ايام خلت ؛ اطلعته على محاربيه  البيض من خلفه
"مزيان"
       وبدوره اشار الى محاربينا الشجعان الذي ياخذون قسطا من الراحة   .    
"مزيان"
      انه جد مختصر ولكنه معبر .  
      لقد رفعت اعلام النصر مرفرفة باقمشتها الحمراء؛ في كل الجوانب المحاذية للقايد؛  اما وراءه ؛ فقد اصطف فريقان رائعان من الخيالة ؛ اصحاب الصف الاول  رؤوسهم مغطاة بنسيج رقيق  ثلجي اللون؛  يجلسون فوق سروج   من جلد احمر واصفر وبرتقالي او بنفسجي؛ يحملون بنادق( بارودات)  طويلة مطلية بالفضة او النحاس.  اما خيالة الصف الثاني فلا سلاح لديهم ؛ ووراءهم مواطنون لاسلاح ولا خيل لديهم ؛ وقد تفرق المساكين بدورهم بهدوء تام  في الفناء الامامي الى مجموعات صغيرة. وقد لاحظت صغار المدرسة الفرنسية-العربية يتمازحون وراء سيدهم الذي يرتدي سترة صوفية  ؛اما اليهود فكان يحمل كل واحد منهم راية صغيرة مبتهجين لكن بمظهرهم غير اللائق؛ اما النساء المحجبات فقد اصطففن كجيش ثائر؛ يلوحن بالملاحف . لقد تفرقت كل هذه المجموعات  فوق الرمال الذهبية؛ الجنود باسلحتهم اللامعة؛ والخيل المرتعدة؛ والبرانس البيضاء ؛ والرايات الخضر والحمر والبنفسجية والبرتقالية؛ تحت اشعة شمس الصباح الصافية؛ والتي شكلت منظرا رائقا . اما جدران  سطات فقد صبغت باللون  الوردي ؛ واما المنازل فباللون الابيض  الشيء الذي اخفى زرقة الجبال البعيدة و الشاحبة..
      وفي الجانب الاخر من التل ؛ لاحت قافة جحوش تسرع ؛  ومن بعيد ظهر فارس صغير  واقفا يترصد سيارة الجنرال.
     وبعد طول انتظار فجاة ظهر الخيال يعدو نحونا  كالريح ؛ انها اشارة؛ ظهرت فرقة القوات لتزاحم الوفد المغربي الرسمي في الانتظار.اما من جهة الساحل فبدت سحابة من تراب تعلو السماء اخذت  تقترب سريعا و بشكل مدهش ؛ انها السيارة الرسمية ؛ وفي ظرف دقيقة كانت بيننا.
    نزل الجنرال ليوطي متبوعا بالجنرال ديت وبعدهم الضباط ، اخذ يمشي امام فرق الجيش ؛ وكان يتوقف من حين لاخر ليبدي ملاحظة ؛ او يقول كلمة تشجيعية ، تحدث كثيرا الى القايد ؛ وهنا اصطف الفرسان علت برانيسهم ؛ وهاجت النساء ملوحات بالاعلام ؛ طالقات للزغاريد التي تكاد تفقد السمع من شدتها. وانطلقت الموسيقى مختلطة بهتافات الجمهور؛  وبالات النفخ وبقرع الطبول ؛ معلنة دخول الجنرال اليوطي الى المدينة.
      كان الاستقبال قصيرا ؛ وسئم  من استقبال  الكولونيل مانجان في مشرع بن عبو ؛ وسيتوقف من جديد هذا المساء في طريق عودته الى الدار البيضاء.
     لقد كان سكان سطات جد فخورين لانهم شاركوا في حفلة جميلة : ينبغي ان يكون الجنرال سعيدا ، غير انه وقول الحق يحتم علي ان اسجل بعض الاحتجاجات .
     لقد اندفعت بعض المحتجات متجهات الى الحامية العسكرية في المدينة ؛وهن ثائرات مستاءات بعيون يشع منها الغيض؛ كانت بينهن واحدة تضرب في افخاذها وتردد:" لماذا لم يسمح لي بتحية الجنرال اني احسن الزغاريد والضرب على الدف.. قسما بالله"
     ولكن تجاهلنا لهن جعل غضبهن يبرد..
        في المساء وعند عودة الجنرال علمت بالمعارك الأولى التي تخوضها فرق الكولونيل مانجان ؛ و وصول القنصل الالماني لمراكش الى معسكر سوق الاربعاء. لسنا متيقنين من مصير الفرنسيين القاطنين بعاصمة الجنوب. و بالتالي تم تعليق كل تقدم  الى الأمام. 

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟