اللامفهوم واقعا للعيش! - خالد العمراني

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

في ظل، أنطولوجيا راهن اليوم، وفي واقع يسوده التشظي والشتات من كل صوب وحدب، في مختلف كافة المجالات الإنسانية، سواء كانت اجتماعية، سياسية، اقتصادية ...الخ نجد اللامفهوم يخترق مجمل مناحي الحياة الإنسانية.
فهذا المفهوم (اللامفهوم) قد غدا أسلوب عيش الإنسان المعاصر، فهو حاضر بقوة، في مختلف الأنشطة اليومية للإنسان. فقد يظهر، بشكل صريح، وقد يكون مضمرا أو ضمنيا. إنه يوجد حيثما نوجد...!
فماذا الذي يعنيه اللامفهوم؟ وما موقعه في الحياة اليومية للإنسان؟
بادئ ذي بدء، وقبل الخوض في تقديم وتحليل مضامين هذا المفهوم (اللامفهوم)، سنتوقف عند تحديد دلالاته.
فاللامفهوم، يقابله وبشكل تلقائي، الشيء المفهوم، وهذا الأخير (المفهوم) يقصد منه، وبمعناه العادي، الشيء الواضح. ولهذا المفهوم دلالات متعددة ومختلفة من حقل معرفي لأخر ( فلسفي، علمي، تربوي...) فإذا كان المقصود بالشيء المفهوم، ذلك الشيء الواضح والمعلوم، فإن اللامفهوم، عكس ذلك، تماما، فيقصد به ( اللامفهوم) ذلك الشيء غير الواضح وغير المعلوم، وقد يكون مجهولا.
وبالعودة إلى موسوعة لالاند الفلسفية، فنجده يحدد اللامفهوم Incompréhensible بأنه غالبا ما يكون لا معقولا، واللامفهوم، ما لا يمكن فهمه، هو ما يمكن التسليم به، لكن دون تفسيره، اللامعقول هو ما يستبطن تناقضا ومن ثم لا يمكنه أن يكون.

اللامفهوم، كذلك يمكن أن يكون هو اللامعلوم، ما لا يمكن علمه، هو مع ذلك قابل للفهم تماما.
ونحن أمام هذه الدلالات المعرفية لهذا المفهوم (اللامفهوم) فبذلك نكون إزاء، ما لا يمكن فهمه، و لامعلوم، لكن يمكن التسليم به، دون القدرة على تفسيره.
ومن منطلق هذه الدلالة المعرفية، وفي إطار ربط مفهوم (اللامفهوم) بموضوع الإشكال الذي يتعلق بتشظيه في الحياة اليومية للإنسان، نتساءل مجددا، كيف يتجلى اللامفهوم ممارسة في حياة الأفراد؟
ربما يمكن الانطلاق من مقارنة ذات وجهين مختلفتين لتحديد أوجه اللامفهوم المختلفة، فالوجه الأول من هذه المقارنة يتعلق، بتلك المجتمعات المتقدمة والمتطورة، (المجتمعات الرأسمالية الكبرى)، فأهم ما يمكن ملاحظته في الصدد، أن اللامفهوم يؤخذ من منطلق الاختيار لا من منطلق الإجبار أو الإكراه، ومن ثمة يؤخذ كفلسفة عيش. وذلك قد من منطلق إيديولوجي، نفسي، اجتماعي، اقتصادي...الخ.
فماذا بالنسبة للمجتمعات غير المتقدمة، هل منطلق اللامفهوم اختيار أم إجبار؟
في المقابل، إذن، نجد المجتمعات الأخرى غير المتقدمة، يسودها منطق الإجبار، لا الاختيار، كيف ذلك؟
ففي ظل ما تعرفه المجتمعات المتخلفة، من مشاكل اجتماعية، اقتصادية، سياسية، على وجه التحديد، فإن أفرداها يعيشون في واقع لامفهوم، وهذا الأخير، نتيجة وضع قائم على سياسات معينة، تعمل على إنتاج شرائح أفراد من المجتمع، لا تدري ولا تفهم ماذا يجري.
وبالتالي فالنتيجة، هي إنتاج حياة خالية من الفهم، وفهم الأوضاع بشكل غير مفهوم، وهو ما يبقي الواقع الذي يعيشه الأفراد في كنفه، واقعا لا مفهوما ولا معلوما ومجهولا.
نتحدث، إذن، في هذا الصدد، عن ممارسة منهجية وموجهة نحو هذه الشريحة من المجتمعات، من طرف القائمين على تحريك دواليب الدولة التي هم في كنفها. ما معناه أن المسيرين للدولة، يقومون بإنتاج واقع اللامفهوم في عقليات الأفراد - نظريا وواقعا - عبر مؤسسات الدولة المختلفة من (مؤسسات التربية والتعليم أساسا، الاعلام الممتد بشكل أوسع في الجسم الاجتماعي، وسائل التواصل الجماهيرية، مؤسسات التنشئة الاجتماعية- الثقافية، ...) إن اللامفهوم ليس وليد الصدفة، ولا ينتج من فراغ، إنه بناء لمفهوم مخطط له بشكل مسبق.
فالدولة تعمل بأجهزتها الإيديولوجية على غرس مثل هذه المفاهيم في أذهان مواطنيها، كي تضمن الاستمرار لسلطتها، فالفهم بالنسبة إليها، مزعج، يهدد كيان سلطتها. لهذا تلجأ الدولة إلى إنتاج مفاهيم تخدم مصلحتها ومصالحها، فقد نجد أحيانا أشخاص غير مبالين لأوضاع مزرية قد تعرفها الدولة التي يعيشنها، ونعتقد أن ذلك من نبع إرادتهم الخاصة، لكن حقيقة الأمر، إنه، ليس وليد الفراغ، بل هو إنتاج مهيأ ومخطط له مسبقا. كما أسلفنا الذكر سابقا. ما معناه إن الفهم بالنسبة لمثل هكذا دول مرض مقلق!!
إن واقع اللآمفهوم، يتأرجح بين كفتي الاختيار والاكراه، فقد يكون من جهة فلسفة عيش اختيارية، في حين قد يكون من جهة ثانية فلسفة عيش إجبارية، لا تعلم من خلالها، ماذا يحدث، وعلى أي اساس يحدث؟! وهذا حال الفرد في الدول الاستبدادية- المتسلطة. التي تعمل دائما على تشيئ فكر الانسان وواقعه بكامله.
المهم، وعلى ما نعتقد، إن حقيقة اللامفهوم ليست خارج ارادة السلطة، بل من انتاجها ومن ارادتها، التي تعمل على استلاب الانسان، كما تفرض عليه مشاهدة الواقع غريبا عن ممارسته الاجتماعية- الاقتصادية، السياسية، الثقافية... الحقيقية.

 

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟