جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء الثالث عشر) - أحمد رباص

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

هكذا إذن، يصبح عند هايدجر تاريخ الفكر الغربي بأكمله تأكيدا على "أن الوجود يقدر لنا، لكن بطريقة تجعله ينسحب في نفس الوقت إلى جوهره". هذا اللغز للكينونة الذي قاربه هيراقليطس وساءله هايدجر، هو أن الانعطاء لا يكون إلا بالانسحاب. الوجود في اختباره الأصلي هو Phúsis - لاتحجب منبثق عن التحجب، تدبير مصدره الانسحاب، الذي سنحاول القيام بتطويره من خلال تقديم العلاقة بين الوجود والحقيقة في ما يلي.

وبما أن الحقيقة الإسنادية قد تم تجاهلها، وتحديها من قبل هايدجر، فإن العلاقة سوف تأخذ في الحسبان فقط الحقيقة الأنطيقية والحقيقة الأنطولوجية. يتحدث هايدجر بلا كلل في عدة نصوص عن "انسحاب الوجود"، عن "لغز الوجود"، لكن هل يمكن فهم هذا اللغز للوجود؟ لقد رأينا للتو أن الوجود لا هو قابل للإدراك ولا هو ملموس ما دام أنه يظهر ماهيته وهو لا ينعطي إلا من خلال الانسحاب. من خلال انعطائه، كما نعلم، يستقر في الحضور. في الحضور ينكشف كما هو، ويستقر في الحقيقة. عندما انسحب، إلى أين لجأ؟ لقد لجأ إلى العدم. هذا هو المكان بالذات الذي يفسر عدم قابلية لغز الوجود للإدراك. وهذان التعبيران: (أ) الاستقرار في الحضور، و(ب) اللجوء إلى العدم سوف بسترعيان انتباهنا قليلاً.

لكن، قبل ذلك، نرى أنه من المفيد إيراد هامشين كتبهما بيليدور لتوضيح أمرين: اللغز والماهية. وهكذا يحدد الكاتب أن اللغز لا يكتسب هنا الدلالة الدينية التي تعطى له في أغلب الأحيان؛ لكنه يعبر عن تجربة الأليثيا باعتبارها لاتحجبا ولا إخفاء للوجود في ماهيته التي نفكر فيها هنا. أما المشكلة المتعلقة بالماهية، عند هايدجر، فلها دائما وجهان. في نفس الوقت الذي تذكر ما يتعلق بالماهية، فإنها تتضمن أيضا تعيين حدود ذلك الذي لا يندرج تحتها. تحديد الماهية ليس واضحا بذاته أبدا. بالنسبة إلى هايدجر، فالجوهر ليس طبيعة موجودة دائما في أفق معرفتنا. بل على العكس من ذلك، فهي مخفية في الأصل ولا يتم اكتشافها إلا من خلال جهد الفكر الذي اختار أن يذهب إلى ما هو أبعد من اليقينيات المباشرة للحس المشترك والممارسة العملية.

لنبدأ بالتساؤل باختصار شديد عن الكلمة الأكثر هشاشة؛ ألا وهي العدم، ما دام للحضور خاصية مسالمة. قلنا أعلاه أن الوجود قام بالانسحاب، انسحب إلى العدم. هذه الكلمة، كونها الأكثر هشاشة، سنستمر في استخدام هشاشتها للتأكيد على أن كل موجود بما هو موجود يأتي من العدم. ماذا يعني هذا التأكيد؟ قبل الإجابة على هذا السؤال، نلتزم بأن نعلن أننا لن نقدم خطاباً مفصلاً، مسهبا أو مطورا حول ذلك العدم كما فعل هايدجر، ولكن بما أن هذه الدراسة تتناول ماهية الحقيقة وأظهرنا، تماشيا مع هايدجر، أن الحقيقة في جوهرها تحمل معها اللاحقيقة، نرى أنه من الضروري أيضا، في تقديم الوجود في جوهره، أن نقول كلمة قصيرة عن الجانب الآخر من الوجود، خاصة وأن هايدجر يتحدث عن انسحاب الوجود.

عندما نقول أن كل موجود بما هو موجود يأتي من العدم، فإننا نعني بذلك أنه لا ينبغي البحث عن أساس الموجود انطلاقا من الموجود المعطى كما هو معطى في الموجود ككل المتضمن في الموجودية بشكل عام أو في كل الموجود. تشخص هذه النقطة قفزة من معنى الموجود في مجموعه الذي اعتبرته الميتافيزيقا التقليدية كلية "العالم" نحو تصور جديد للموجود في مجمله الذي يتعين البحث عنه في ما بكون الآخر لكل موجود. وهذا الآخر هو الذي نسميه العدم، والذي ليس خاصية محدودة لموجود بالنظر إلى آخر، بل هو بلغة هايدجر ما يجعل الكشف يكون كذلك بالنسبة إلى الدازاين.

لنتذكر دائما أن هايدجر يتساءل عن الوجود، الذي نعرف معناه بعد كل ما قلناه عن الphúsis. "الوجود الخالص" الذي بحث عنه هايدجر يكمن في بعد مختلف تماما عن جميع المحددات الوقائعية الممكنة أو حتى تلك الواقعية للموجود. لذلك، وهو يسعى جاهدا إلى إقامة هذا "الوجود الخالص" "لذاته" على نمط "التجريد" الخالص، يصادف الفكر "العدم" باعتباره "التحديد" الوحيد لهذا الوجود. الكينونة، الوجود الخالص، بدون أي تحديد، في فوريته اللامحددة (كما يقول هيجل)، لا يساوي إلا نفسه، دون أن يكون غير متساوٍ مع أي شيء آخر: فهو مجرد من كل اختلاف سواء تعلق بداخله أو تعلق بالخارج. بالمثل، العدم، العدم الخالص هو المساواة البسيطة مع الذات، الفراغ التام، غياب التحديد والمحتوى؛ اللاتخالف في صلب الذات. قالها هيدجر قبلا: الوجود لا هو قابل للإدراك ولا هو ملموس. الوجود في كل مكان، في كل لحظة، المعتبر والمفهوم في "est"، هذا “الوجود" لم يكن أبدا وفي أي مكان حاضرا كما هو. بمجرد ما ينسحب "الوجود الخالص" إلا وينتقل إلى "العدم"، بشرط أن نفهم بالطبع أن العدم لا يعني هنا حرمانا أو افتقارا إلى الوجود.

وهذا لا يعني، مثلا، أن "الوجود" غير موجود، ولكن يجب أن نفهم أنه عندما يكون، يكون الوجود موجودا دائما و"ماضيا" من قبل. "الوجود" لا يكون الموجود موجودا إلا عندما يمر إلى العدم. بالنتيجة، يجب أن يُدرج العدم دائما في "الوجود" بشكل إيجابي. يدرج الدازاين باعتباره سلبية "الوجود الخالص"، أي باعتباره موجودا محددا. إنه ليس الوجود باختصار، لكن من خلال إظهار جوهره، يقدم نفسه في الدازاين (الوجود-هنا)، مكانه الوضاء ويمحي في ما يضيء. إذا كنا الآن نغامر بتقريب بين الدازاين عند هيجل والدازاين الهيدجري، يمكننا أن نستحضر العبارة التالية: الإنسان (الدازاين) هو راعي أو مضيء الوجود؛ ويجب أن يُفهم هذا بمعنى أن الإنسان، في التأمل، يصبح واعيًا بكونه في الجوهر الكائن الموجود في الظهور الأبدي والبسيط والمجاني للكينونة من خلال أدنى مظهر، حتى مظهر زهرة برية على جنبات طريق قروي: لأن "البسيط يحفظ بلغز ما يبقى". في كلتا الحالتين إنما "تظهر" الكينونة في الوجود-هنا.

في الإنسان يظهر الوجود حضوره، وهذا ما يدعم هذه العبارة: الموجود حقيقي بقدر ما يظهر في الحضور. علاقته بالمنفتح الذي يظهره ترسم حدود إقامته. إنه حدث (Ereignis) لاتحجب الوجود المتحجب في ظهور الموجود الذي يشكل في الأساس حقيقة الوجود. وهذا «الظهور» للموجود من حولنا، بالنسبة للكائن هو نحن، يحتوي ويمنح، لمن يعرف كيف ينظر، كل لغز هبته المجانية البسيطة، و"اتركه-يظهر" الذي يجعل من الإنسان "انفراجة" أو "إضاءة" (Lichtung) للوجود، المكان الوحيد الذي فيه يتكرر "سؤال الوجود".

سوف نستمر في توضيح العلاقة بين الوجود والحقيقة الأنطيقية من خلال تقديم الفهم الأرسطي للحقيقة على أنها انفقاس الوجود-الحق كحضور مستمر. هذه الخطوة إلى الوراء سوف تسمح لنا بفهم أفضل لفكر هايدجر الخاص حول الوجود والحقيقة.

سوف تتأطر هذه العودة بالحقيقة (alèhèia) كانفقاس، وبالوجود-الحق (alèthès on) كموجود على نحو أكثر صحة؛ وكالموجود الأصح باعتباره بسيطا وحاضرا باستمرار.

منذ البداية وخلال بقية العرض، ركز بيليدور على مختلف تعريفات الحقيقة والحرية والوجود. وليس من قبيل الصدفة البحتة أن يتصرف الكاتب بهذه الطريقة. كان الهدف هو جمع المعاني الدقيقة في أساس واحد، تلك التي يمكن أن تكون بمثابة وثائق داعمة في إقامة العلاقة بين هذه المفاهيم الرئيسية وإظهار تماسك الفكر الهايدجري. دعونا نلخص بإيجاز تعريفنا للوجود كPhúsis: أي ذاك التعريف الذي يفيد الازدهار انطلاقا من الذات، الانعقاد في النور باستمرار. فعل الانتشار بالانفتاح، وفي هذا الانتشار، القيام بالظهور، الانعقاد في هذا الظهور، والبقاء فيه.

سبق للكاتب أن قال إن ماهية الوجود تتجلى في إظهار الذات وتقديم الذات. اعتبر أرسطو فعل الانتشار ذاك بالانفتاح كانفقاس. هايدجر يشرح لنا الطريقة التي اول بها أرسطو الحقيقة. خلال المسار، تساءل عما كان يعني الإغريق بشكل عام، ما قبل فلسفيا وفلسفيا بالحقيقة؟ الأليثيا، الوجود-خارج-الانسحاب (Unverborgenheit): الوجود-المنفقس، أي المطروح من الانسحاب. الحقيقة كانفقاس خارج الانسحاب، هي بالتالي، وفقا لأقوال هيدجر، منذ البداية خاصية الموجود ذاته، وليس لمعرفته وإدراكه، ما يدعم الاعتراض على لحقيقة باعتبارها مطابقة.

في ميتافيزيقاه، يطرح أرسطو مشكلة الوجود وهو يتساءل: متى يكون الموجود-الحق كذلك أو ليس كذلك، أي متى يكون الموجود كذلك بحيث يمكن أن يكون حقيقيا؟ كيف يجب أن يكون الوجود-الحق للموجود حتى يكون حقيقيا، منفقسا؟ متى يكون الموجود كذلك بشكل صحيح يجيب هايدجر على كل هذه الأسئلة كالآتي: عندما يستثتى من جميع وجهات النظر كل إمكان للاحقيقة في الموجود، أي عندما ينكشف الموجود كما هو موجود: الحقيقة الأنطيقية.

لقد رأينا كيف أن ماهية الalèthèia (التي نترجمها بالحقيقة) لا تكون عند الإغريق ممكنة إلا بالاتفاق مع ماهية الوجود كphúsis في عرفهم، وتصبح العلاقة المطلوبة بين الوجود والحقيقة واضحة تماما، لأن الحقيقة تنتمي إلى الوجود. كيف يمكن تبرير هذا الانتماء؟ يتم ذلك عندما يشكل الوجود-الحق أصح ما في الوجود باعتباره كذلك. ولكن ما هو الوجود بحسب أرسطو؟ إنه حضور ثابت. وطالما أن الحقيقة نفسها لا تعني شيئا آخر غير الحضور بمعناه الصحيح، الأكثر علوا ممكنا، إذن هناك وجود. إن الموجود بالمعنى الصحيح وفقا لأرسطو هو ال"on Energeïa"، أي الموجود وفقا للتحيين. Energeïea هي بالمعنى الصحيح ما ينعقد في الحضور الثابت؛ من هنا مبرر تعبيرنا اللطيف الذي قلنا عنه سابقا إنه استرعى انتباهنا قليلًا، وهو: الانعقاد في الحضور. (راجع ص: 76 في النص الأصلي) الحقيقة (الحقيقة الأنطيقية) هي انفقاس الموجود، وإنما فقط على أساس وفي علاقة بهذا الانفقاس، هذا المجيء إلى الظهور (أي الحضور)، يكون إدراك وتحديد الموجود ذاته صحيحين بالمعنى الاشتقاقي، وبعبارة أخرى يستقبله أو يرفضه باعتباره منفقسا. هذا الانفقاس للموجود، أليس انكشافا، ظهورا للphúsis كما شرحنا سابقا نقلا عن النسق المفاهيمي لأرسطو؟

ذلك بالضبط لأن الحقيقة هي في الأساس انفقاس للموجود بحيث أن أن أي جهة للانفقاس (الحقيقة) تنتظم وتتحدد في كل مرة وفقا لجهة الموجود، أي وفق وجوده.

يقول أرسطو في نهاية الفصل الأول من الجزء "أ" من كتابه عن "الميتافيزيقا" بعبارات واضحة وأولية: "هكذا يتصرف كل شيء حيال الوجود، هكذا يتصرف حيال الانفقاس” (أي الأليثيا). هكذا إذن تقرر جهة الوجود والموجود في جهة الانفقاس الممكن الذي تنتمي إليه. هذا الانفقاس (alèthèia) يسير جنبا إلى جنب مع الوجود. إلى الموجود بالمعنى الصحيح، كما هو، ينتمي الوحود-الحق بشكل صحيح. لكن الذي يطرح المشكل، يؤكد هايدجر، ليس جهة ما لحقيقة موجود ما، بل حقيقة الموجود بالمعنى الصحيح، أي الحقيقة بمعناها الصحيح. إنما هنا في الحقيقة بالمعنى الصحيح للموجود بالمعنى الصحيح يتعين أن تصبح مرئيا الاتصال بالمعنى الصحيح بين الوجود والحقيقة. بعبارة أخرى، هنا يجب أن يتجلى كيف تشكل الحقيقة بشكل عام الوجود بالمعنى الصحيح للموجود بالمعنى الصحيح. انفقاس الموجود ينتظم على جهة الوجود والموجود.

يريد منا هايدجر أن نفهم أنه كلما كان الموجود ووجوده أكثر أصالة، كلما كان الحضور خالصا وثابتا، وكلما انتمى الاتفقاس المقابل (أو الإخفاء) إلى الموجود بشكل مستمر، كلما قلت إمكانية التحول إلى الإخفاء، كلما انتمى الاتفقاس إلى وجود الموجود المعني. مع ذلك،ما دام أن الحقيقة (الانفقاس) قد بقيت لحد الآن مرتبطة عموما بإمكان لاحقيقة، فلا تكون هي الحقيقة بالمعنى الصحيح، الأسمى. هذه الحقيقة الاكثر سموا، على فرض أنها موجودة، وحده الوجود بالمعنى الصحيح للموجود يستطيع تشكيلها على نحو ظاهر. هل هناك إذن وجود-حق لا يكون، كما هو، مرتبطا باللاحقيقة، التي تنفي مطلقا إمكان الإخفاء. إنما انطلاقا من الوجود ذاته لما يشكل بصفة عامة أخص ما في الموجود يتعين على الوجود-الحق الاكثر خصوصية الذي ينتمي إليه أن يتحدد. ينبغي الآن أن يطرح السؤال بالصيغة التالية: ما هي الحقيقة الأكثر صحة، والتي تستبعد بشكل مطلق إمكان الإخفاء عندما تنشأ معرفة مماثلة؟ وإذا أخذنا ال"بسيط" كمثال، يجيب هايدجر، فلأن في ال"بسيط"، وفقه، وفي التيار الأرسطي، لا شيء يظهر على أساس أته مننتم مشترك. عندما ينفقس "البسيط المطلق" - يتابع ـ بما يكون، لا يجلب معه، باعتباره كذلك، أي شيء آخر على أساسه قد يضطر ويستطيع أن يتحدد. لم يسبق له أبدا أن ظهر كهذا او ذاك، بل فقط هو نفسه، بطريقة صحيحة، بسيطة ومطلقة.

انفقاس البسيط في ذاته لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم إخفاؤه من قبل شيء لا ينتمي إلى البسيط. وإذا لم يمكن لهذا الانفقاس أن يصبح إخفاء، فليس فقط لأن ما ينتمي إلى البسيط قد يكون ظاهرا باستمرار، بل لأن بالأولى لا يتسامح مع أي حد منتم مشترك. يستبعد انفقاس البسيط، بطريقة صحيحة وبسيطة، إمكان اللاحقيقة. هذا الانفقاس لم يسبق فقط أن تحول إلى إخفاء، بل لم يرتبط معه بأي علاقة كذلك. الضد الوحيد الممكن لهذا الانفقاس للبسيط هو اللاانفقاس البسيط، الذي، مع ذلك، من حيث الجوهر، لا يمكن له أن يكون إخفاء، للحقيقة. ما هو إذن هذا الانفقاس بالمعنى الصحيح؟ الانفقاس هو ظهار شيء يتيح له أن يعرض ذاته في حد ذاته. انفقاس البسيط هو ببساطة وعلى مطلق حضور الأخير في حد ذاته. هذا الحضور هو الأكثر مباشرة - لا شيء يتدخل فيه او يمكن ان يتدخل فيه. فضلا عن ذلك، الحضور الاكثر مباشرة، هو الذي يسبق كل حضور إذا كان لا بد من وجود حضور لأنه الأكثر سموا وأصالة.

لكن هذا في حد ذاته، الحضور الثابت الخالص، المباشر في ذاته، الحضور المأخوذ فقط لذاته وقبل أي حضور آخر، هذا هو الأكثر ثباتًا والأكثر خلوصا، ليس شيئا آخر إلوجود الأكثر سموا وصحة. الوجود هو البسيط المطلق، وهو، على أساس أبسط، الركيزة الأولى والأخيرة لإمكان كل موجود واقعي ومفكر فيه. «الوجود في جوهره "هو" خلفية، ولا يمكن أبدا أن يكون له أيضا، في أصله، خلفية يتعين عليها تأسيسه". لكن، ماذا يقول لنا أرسطو عما يشكل أساس إمكان الموجود بشكل صحيح، أي الموجود بشكل مستمر؟ يقول لنا ما يلي: "مبادئ الكائنات الأبدية هي بالضرورة الأصدق على الإطلاق" (Met.a ،993ب 28-29). ويتابع: “هذه المبادئ للموجود بالمعنى الصحيح، أي الوجود في حد ذاته كما هو، تلك هي الأكثر صدقا، المفهومة كشيء منفقس تماما، في المقام الأول، قبل ومن أجل الباقي كله". بعبارة أخرى: يتعين على الوجود كما هو أن يكون بشكل مسبق وثابت منفقسا بالمطلق حتى يكون الموجود قابلاً للاكتشاف بشكل عام وبإمكانه الولوج إلى التحديد. إذا كان البسيط يشكل إذن ما هو أكثر خلوصا في الموجود وإذا كان انفقاس البسيط لا يعني شيئا آخر غير الحضور الأكثر خلوصا، السابق على كل الباقي، الثابت إذن، فهذه الحقيقة السامية للبسيط هي الوجود الاكثر خلوصا للموجود بشكل عام. يمكن أن نختم بذلك في مرحلة أولى الحديث عن العلاقة بين الوجود والحقيقة الأنطيقية.

(يتبع)

المرجع: المرجع:

 RUBENS BÉLIDOR - A propos de la problématique de l Être: L ESSENCE DE LA VÉRITÉ ET DE LA LIBERTÉ HUMAINE CHEZ HEIDEGGER