النص الموازي - محمد أبحير

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

"النص يكتمل بالقراءة من خلال ثقوب البياض" إمبرتو إيكو
في المستهل :
تعتبر النصوص الموازية  بمثابة مداخل أولية تتيح لنا ولوج عالم النص الأدبي، فهي نوع من النظير النصي أو النصية المرادفة التي تعمل على ربط النص بكل ما يحيط به من كلمات تزين الغلاف أو نصوص الهوامش والتعليقات أو العناوين وغيرها .
فالمؤلف "بفتح اللام"  أيا كان لا يمكن أن يقدم عاريا من هذه النصوص التي تسيجه، لأن قيمته لا تتحدد بمتنه وداخله، بل أيضا بسياجاته وخارجه[1]، وينحو الدكتور محمد الماﮔري، النحو نفسه بقوله إنه لم يعد الكتاب المنشور الجاهز للقراءة، هو هذا الكلام المطبوع بين دفتي الكتاب أي الكلام المعروض بصريا للقراءة فقط، بل أصبحت العناية تشمل ... مظاهره كنتاج  بدءا من الحجم مرورا  بنوعية الورق والتقنيات الطباعية الموظفة في تنظيم الصفحة وانتهاء بالغلاف وتركيبه العلامي البصري "عناوين/صور/رسوم/ ألوان..."[2].

ويعتبر كتاب جيرار جنيت "عتبات"، seuil مرجعا رئيسا لكل باحث يسعى إلى فك شفرات خطاب عتبات النص:"فقد ضم الكتاب بين دفتيه بحث كثير من أشكال هذه النصوص/ العتبات : بيانات النشر، العناوين، الاهداءات، التوقيعات، المقدمات،  الملاحظات، وغيرها، وتكمن أهميتها في كون قراءة المتن تصير مشروطه بقراءة هذه النصوص"[3].

في ماهية العتبات:

لقد أضحى الاهتمام بعتبات النص ضرورة ملحة نظرا للوظيفة المنوطة بها والمتمثلة في:"فهم خصوصية  النص وتحديد جانب أساسي من مقاصده الدلالية"[4].كما أنه اهتمام يندرج ضمن إعادة الاعتبار  لهذه المحافل النصية المتنوعة الأنساق، من خلال الوقوف عند أهم ما يميزها ويبين طرائق اشتغالها.

كما أن استكشاف خبايا العتبات يرتبط أيما ارتباط بالاختيارات التي يقدمها تصور النص الموازي، إلا أنها- أي العتبات- لا يمكن أن تكتسب أهميتها بمعزل عن طبيعة- الخصوصية النصية نفسها وبمعزل أيضا عن تصورات المؤلف للكتابة واختياراتها التصنيفية المحددة لقضاياها الأجناسية، ولقد سبق لـ "جيرار جنيت" في دراسته القيمة "عتبات" أن  حدد جملة من الضوابط كأسماء المؤلفين، المقدمات، العناوين، الاهداءات، العناوين المتخربة، الحوارات، الاستجوابات، وغيرها، باعتبارها عتبات لها سياقات توظيفية تاريخية ونصية، ووظائف تأليفية تختزل جانبا مركزيا من منطق الكتابة[5].

وبناء عليه ، تنقسم العتبات إلى مستويين:

  • المستوى الأول: يمكن أن نسميه: فضائي/ بصري، ويشمل الغلاف و طريقة الكتابة و اللوحة إن وجدت.
  • المستوى الثاني: يمكن أن نطلق عليه: اللغوي/المادي، ويشمل : العنوان و الاستهلال والإهداء...

العتبات بين البصري و اللغوي:

  • العتبات البصرية:

الغطاء: إن طريقة توزيع العتبات ليس اعتباطيا، بل إن كل ما يحيط بالنص يحيل بالضرورة على الفضاء الداخلي لهذا الأخير، ومن ثمة نجد أن غطاء غلاف نص إبداعي ما يحتوي على أهم التيمات المهيمنة على هذا الأخير، من خلال تأثيته بعلامات عديدة كالفضاء اللوني والتركيب الإسمي "للعنوان وللمؤلف، ولدار النشر" وغير ذلك.
اللوحة: تلعب اللوحة التشكيلية دورا مهما في فهم مقصدية المؤلف ، إذ تعتبر"الصور التشكيلية من أهم العتبات غير النصية حيث إنها  لغة ثانية تروم اقتصاد الدلالة وانفتاحها الأقصى حتى تتخلص مما يسميه :"بارث" بفاشية اللغة الأولى[6]".
وقد تكون اللوحة ناتجة عن عقد مشترك بين المؤلف والرسام، فتتحول إلى كتابة توجيهية مشتركة بينهما فتغدوا إحدى مساهمات التلقي الأول: هذا إذا افتراضنا أن الرسام قرأ النص فعلا، حيث"إنه النقد الأول الموجه إلى "المؤلف" من قبل رسام يساهم بدوره في إعادة كتابة النص من جديد،اعتبارا من مشرب  نقدي يعتمد فيه صاحبه لغة اللون"[7].

ب. العتبات اللغوية :

العنوان : إن العنوان وما يدور في فلكه من احتمالات دلالية تفتح للقارئ، أفق انتظار إما للمساءلة أو لإعادة فهم منطق مؤلف ما أو غير ذلك، حيث يمثل العنوان إحدى أهم عتبات النص/النصوص أو هو نص مواز أساس، لذلك فهو يرتبط بالعمل الإبداعي خاصة، ارتباطا واضحا، فيكون اسم شخصية أو اسم مكان او مؤشرا زمنيا أو فكرة، باعتبار ذلك تمثيلا لعمق الكتاب، وأصبح في السنوات الأخيرة عبارة مجازية يكتنفها غموض مقصود[8].
كما أن اختيار العناوين يخضع  لعملية لا تخلو من قصدية كيف كان الوضع الأجناسي للنص، وبذلك تنتفي الاعتباطية في اختيار التسمية فـ"العنوان يتضمن العمل الأدبي بأكمله مثلما يستتبع هذا الأخير ويتضمن العنوان أيضا"[9].

الإهداء: تبرز أهمية هذا العنصر في كونه عتبة نصية لا تخلو هي الأخرى من قصدية، ويعتبر الإهداء تقليدا ثقافيا عريقا، ونظرا لأهمية الشحنة التي يحملها فقد حظي هو الآخر بالدراسة والتحليل من هذه الزاوية، وتتمثل قصدية الإهداء في اختيار المهدى إليه/إليهم، أو في اختيار عبارات الإهداء[10].

خطاب المقدمة :أضحت المقدمة بوصفها نصا موازيا ذات أهمية داخل الفضاء النقدي  الأدبي، وتبرز أهميتها في كونها تساعد إلى جانب النصوص الموازية الآنفة الذكر:"على التعرف على محيط النص، والإلمام بمقاصد مؤلفه، وكيفية تقليه من قبل جمهور القراء عموما"[11].

و تنفرد المقدمة عن باقي النصوص الموازية الأخرى بخاصية تتمثل في كونها ليست شيئا ضروريا لكنها على الرغم من ذلك تعتبر ظاهرة كتابية قديمة، أما حاليا فقد أصبحت نوعا خطابيا يطلق عليه في حقل النقد الأدبي بـ: الخطاب المقدماتي، وتعد –أي المقدمة- بمثابة وثيقة حاسمة تعين على تفسير الأثر الأدبي وربطه بالشروط الإيديولوجية والاجتماعية والتاريخية لذلك فهي تتسم بكل سمات الخطاب المتمثلة في[12]:

  • يبرز كل خطاب مقدماتي الدور المتميز للأدب باعتباره الموضوع الرئيس لهذا الخطاب.
  • تكتب المقدمة –غالبا- بعد النص، وبذلك تكون بالأحرى تذييلا لا تقديما له.
  • يزخر كل نص مقدماتي بملفوظات للتعيين، أي بكلمات تعين وتبين، وأيضا بألفاظ تعبر بطريقة أو بأخرى عن موقف المتلفظ بالنسبة لموضوع ملفوظه.

إن المقدمة بوصفها نصا موازيا، تعمل على تفسير ما استغلق في النص كما توفر لهذا الأخير بعدا تداوليا وتعمل على التأثير في القارئ، وهذا ما منحها الشكل الذي سماه: "ف. لوجون" بـ : "الميثاق التمهيدي" pacte générique.

و تختلف المقدمات وتتنوع من خلال أشكال وأنماط عدة، فهناك التصدير والاستهلال والحاشية والتذييل والتنبيه إلى غير ذلك، وعلى الرغم من هذه الاختلافات في الأنواع، فإن المقدمة تشكل نوعا معرفيا وشكلا ثقافيا قائما بذاته، كمالا يختلف اثنان في أن المقدمات تكتب غالبا بعد تأليف المتون، وبالتالي فهناك ثلاث لحظات أساسية في وضعها، تمكن من فهم طبيعتها، فهناك المقدمة الأصلية p. originale والمقدمة اللاحقة p. ultérieure ، والمقدمة المتأخرة، p. tardive، التي تتميز عن غيرها  بكونها تشكل مناسبة لتأملات ناضجة[13].

أما ما يتعلق بواضع المقدمة أو "المرسل" فإن هناك ثلاثة أنواع من كتاب المقدمات[14]:

  • قد يكون صاحب المقدمة هو المؤلف نفسه، ويسمي "جنيت" المقدمة في هذه الحالة بـ: autographe/autoriale.
  • قد يكون أحد شخصيات الفعل في الأثر الروائي او الدرامي، actoriale.
  • قد يكون صاحب المقدمة شخصية أخرى : allographe.

وأما من حيث  واقعية صاحب المقدمة، فيمكن التمييز بين المقدمة التي يضعها شخص واقعي حقيقي p. authentique ، وبين المقدمة التي يضعها شخص مفترض أو متخيل p. fictive, apocryphe.

عود على بدء :

يتضح مما سبق أن النصوص  الموازية تلعب دورا مهما في فهم كينونة النص والعمل على سد ثقوب البياض، التي تعتبر من شروط اكتمال قراءة النص حسب أمبرتو إيكو، وبالتالي فإن"خطاب المقدمات... عتبات النص... النصوص المصاحبة... المكملات ... النصوص الموازية... سياجات النص... المناص... إلخ... أسماء عديدة لحقل معرفي واحد أخذ يسترعي اهتمام الباحثين  والدارسين في غمرة الثورة النصية التي تعتبر إحدى  أهم سمات تحولات الخطاب الأدبي بشكل خاص، والخطابات المعرفية التي تقتسم معه إشكاليات القراءة والتفاعل والإقناع بشكل عام"[15].

المصادر و المراجع :   

  • تكثيف النصوص في عتبها، مقاربة لمجموعة "شاهد من حرب البسوس" ، محمد أقضاض، الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الاشتراكي ، الجمعة 25 يونيو 1999 ، العدد : 583 .
  • الخطاب المقدماتي: مثال "مقدمة الالياذة" للبستاني ، د. عبد الواحد بن ياسر ، العلم الثقافي ، السنة : 30 ، السبت 22 شوال 1420/ 29 يناير 2000
  • الشكل والخطاب : مدخل لتحليل ظاهراتي ، محمد  الماكري ، المركز الثقافي العربي ، ط :1 ، 1991 .
  • عتبات النص: البنية والدلالة ، عبد الفتاح الحجمري ، منشورات الرابطة ، المغرب ، ط : 1 ، 1996 .
  • الفضاء المناصص في مجموعة منزل اليمام القصصية لمحمد عز الدين التازي ، محمد المعادي ، ضمن مجلة آفاق ، العدد : 60 ، 1998.
  • مدخل إل عتبات النص "دراسة في مقدمات النقد العربي القديم" ، عبد الرزاق بلال، افريقيا الشرق ، 2000.
  • من الأزرق الى الأزرق : قراءة في عتبات العصفورية ، أسامة الملا ، ضمن مجلة علامات في النقد ، المجلد : 7 ، الجزء : 29 ، جمادى الأولى 1419/سبتمبر 1998 .

[1] مدخل إل عتبات النص "دراسة في مقدمات النقد العربي القديم" ، عبد الرزاق بلال، افريقيا الشرق ، 2000 ، ص: 22.
[2] الشكل والخطاب : مدخل لتحليل ظاهراتي ، محمد  الماكري ، المركز الثقافي العربي ، ط :1 ، 1991 ، ص: 6.
[3] عتبات النص: البنية والدلالة ، عبد الفتاح الحجمري ، منشورات الرابطة ، المغرب ، ط : 1 ، 1996 ، ص: 7.
[4] عتبات النص: البنية والدلالة ، ص 7.
[5] نفسه ، ص: 16 و17.
[6] من الأزرق الى الأزرق : قراءة في عتبات العصفورية ، أسامة الملا ، ضمن مجلةعلامات في النقد ، المجلد : 7 ، الجزء : 29 ، جمادى الأولى 1419/سبتمبر 1998 ، ص : 212.
[7] الفضاء المناصص في مجموعة منزل اليمام القصصية لمحمد عز الدين التازي ، محمد المعادي ، ضمن مجلة آفاق ، العدد : 60 ، 1998 ،  ص: 18.
[8] تكثيف النصوص في عتبها، مقاربة لمجموعة "شاهد من حرب البسوس" ، محمد أقضاض، الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الاشتراكي ، الجمعة 25 يونيو 1999 ، العدد : 583 ،  ص: 5.
[9] عتبات النص ، ص: 18.
[10] نفسه ، ص: 26.
[11] الخطاب المقدماتي: مثال "مقدمة الالياذة" للبستاني ، د. عبد الواحد بن ياسر ، العلم الثقافي ، السنة : 30 ، السبت 22 شوال 1420/ 29 يناير 2000 ،  ص: 6 .
[12] نفسه ، ص : 6 .
[13] نفسه ، ص : 6 .
[14] نفسه ، ص : 6 .
[15] مدخل إلى عتبات النص ، ص : 21.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة